الخصخصة في سوريا.. حديث في الإيجابيات والسلبيات والطريق نحو الخصخصة النموذجية
تاريخ النشر: 23rd, February 2025 GMT
ما هي الخصخصة؟
تُعدّ الخصخصة عملية معقدة تنطوي على تحويل ملكية وإدارة الموارد والخدمات من القطاع العام إلى القطاع الخاص. من منظور فلسفي، يمكن أن تُفهم الخصخصة بوصفها جزءا من التحول الأوسع نحو نماذج اقتصادية نيوليبرالية، التي تؤكد على تقليل دور الدولة في الاقتصاد وتعزيز حرية السوق.
يرتكز الفكر الليبرالي على فكرة أنّ تخصيص الملكية للأفراد والشركات الخاصة يشجع الابتكار والكفاءة بسبب التنافسية الطبيعية التي تنشأ في الأسواق الحرة، إذ يعتقد الفلاسفة الليبراليون أنّ الخصخصة تعزز حقوق الملكية الشخصية، وهي حقوق تُعتبر جوهرية لتحقيق العدالة التوزيعية.
ومن هنا، يمكن القول: تعد الخصخصة عملية ديناميكية تعيد رسم الحدود بين الدولة والسوق والمجتمع، وتثير تساؤلات فلسفية جوهرية حول دور الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وحقوق الأفراد في تملك وإدارة الموارد.
الحكومة السورية المؤقتة والحديث عن الخصخصة:
تسعى الحكومة السورية المؤقتة جاهدة لإعادة بناء اقتصادها المدمر بعد سنوات من الصراع الداخلي، إحدى الخطوات المهمّة التي تفكر بها هي خصخصة جزء من الاقتصاد، خصوصا الشركات الحكومية التي تعاني من خسائر مستمرة. والفكرة وراء ذلك هي تحسين كفاءة هذه الشركات، وجذب الاستثمارات الأجنبية التي من شأنها تعزيز الاقتصاد السوري.
وتشمل عملية الخصخصة بيع الشركات الحكومية أو تحويلها إلى شركات خاصة، مع الحفاظ على بعض الأصول الاستراتيجية مثل الطاقة والنقل تحت سيطرة الدولة لضمان الأمان الوطني، وتعتمد هذه العملية على إقناع المستثمرين الأجانب والمحليين بأن السوق السورية ستكون مكانا آمنا ومربحا للاستثمار.
من الجوانب المهمة التي تناقشها الحكومة؛ تقليل عدد موظفي القطاع العام بنسبة كبيرة تصل إلى الثلث. الهدف من ذلك هو تقليص النفقات الحكومية وتحقيق كفاءة أعلى في تشغيل المؤسسات، لكن هذه الخطوة تلقى معارضة من بعض الأوساط التي تخشى من تأثيرها السلبي على المواطنين، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها.
ومن الجدير بالذكر أن هناك جدلا واسعا حول الخصخصة في سوريا، حيث يخشى البعض من أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الوضع الاقتصادي للمواطنين، وإلى تدهور الخدمات العامة إذا لم تُنفذ بشكل مدروس ومتوازن.
الخصخصة بين الإيجابيات والسلبيات:
تُعتبر الخصخصة وسيلة فعّالة لتحسين كفاءة المؤسسات، فعندما تُدار الشركات من القطاع الخاص، يكون هناك دافع أكبر لتحقيق الربح وتقليل التكاليف، ما يؤدي إلى تحسين الإنتاجية. ويمكن للمؤسسات الخاصة أن تكون أكثر ابتكارا واستجابة للتغيرات في السوق، ما يعزز النمو الاقتصادي، ناهيك عن أنّ فتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية يمكن أن يعزز الاقتصاد السوري من خلال نقل التكنولوجيا والمعرفة والخبرات الدولية، ما يحفز النمو الاقتصادي ويخلق فرص عمل جديدة، ويسهم في تحسين مستوى المعيشة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تخفف الخصخصة من العبء المالي على الحكومة، ما يتيح لها توجيه الموارد المالية نحو تحسين الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، وبالتالي تعزيز التنمية المستدامة.
ومع ذلك، تحمل الخصخصة بعض المخاطر والسلبيات، إذ قد تؤدي الخصخصة إلى تسريح عدد كبير من موظفي القطاع العام، ما يفاقم البطالة ويزيد من الضغط على النظام الاجتماعي. وقد يجد المواطنون العاديون أنفسهم أمام تحديات اقتصادية أكبر، مما يتطلب توفير دعم اجتماعي مناسب. بالإضافة إلى ذلك، إذا لم تُنفذ الخصخصة بشكل مدروس، فقد يؤدي ذلك إلى تدهور الخدمات العامة. في بعض الحالات، قد تتحول الشركات الخاصة إلى البحث عن الربح فقط دون مراعاة الجودة والاحتياجات المجتمعية، ما يضر بالمواطنين. وقد تسهم الخصخصة في زيادة التفاوت الاقتصادي إذا لم تُنفذ بطرق تضمن العدالة، فيمكن أن يصبح الأغنياء أكثر ثراء بينما يزداد الفقراء فقرا، مما يؤدي إلى تفاقم الفجوة الاجتماعية وزيادة التوترات.
بالنظر إلى فلسفة الخصخصة، يمكننا أن نرى أنها تعكس تصادما بين الرؤى الاقتصادية النيوليبرالية والمفاهيم الاجتماعية للعدالة والتضامن. تعزز الخصخصة مبدأ السوق الحرة والكفاءة الاقتصادية، بينما تصطدم بقيم العدالة الاجتماعية والتكافل بين أفراد المجتمع. إذا تم تنفيذ الخصخصة بحذر وبمراعاة هذه التوازنات، يمكن أن تكون أداة قوية للنهوض بالاقتصاد السوري. ولكن، إذا أُسيء استخدامها، فقد تسفر عن نتائج عكسية تؤثر سلبا على المجتمع ككل.
كيف تتحقق الخصخصة النموذجية في سوريا؟
يستدعي تحقيق الخصخصة في سوريا بطريقة نموذجية اتباع نهج شامل ومتوازن يجمع بين الفلسفة الاقتصادية والاجتماعية.
وتُعدّ الشفافية أمرا أساسيا في عملية الخصخصة، حيث يتعين على الحكومة إطلاع الجمهور على كل خطوة من خطوات التنفيذ، وتساهم هذه الشفافية في تعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين، مما يمكن المجتمع من المشاركة الفعالة في صنع القرار والشعور بالأمان.
المساءلة هي عنصر آخر لا غنى عنه، إذ يتعين على الشركات التي ستخضع للخصخصة أن تكون مسؤولة أمام الجهات الرقابية وأمام المجتمع، وهذا الالتزام يضمن تقديم خدمات عالية الجودة وتحقيق التنمية الاقتصادية.
توازن الربحية مع العدالة الاجتماعية هو أمر حيوي، إذ يجب أن تُوجه الأرباح المحققة من عملية الخصخصة نحو تحسين الخدمات العامة وتعزيز الدعم الاجتماعي، لا سيما للفئات الأكثر ضعفا في المجتمع. هذا النهج يضمن أن القيم الإنسانية والعدالة الاجتماعية لن تُهمل لصالح الربح المالي فقط.
التوعية والتثقيف يلعبان دورا حاسما في هذه العملية، فقبل الشروع في الخصخصة، ينبغي على الحكومة تنفيذ حملات توعية شاملة تشرح الأهداف والفوائد والتحديات المحتملة. وتثقيف المواطنين والموظفين حول التوقعات وكيفية التعامل مع التغييرات القادمة يمكن أن يسهم في تحقيق انتقال سلس. فالمعرفة قوة، وتمكين المجتمع من خلال الفهم يساعد على تحقيق ذلك.
الخصخصة التدريجية تُعتبر استراتيجية فعالة لتجنب السلبيات، حيث إنّ تنفيذ الخصخصة على مراحل يتيح التقييم المستمر للنتائج والتكيف مع التحديات. هذه الطريقة تمكن الحكومة من تعديل السياسات وتجنب الوقوع في أخطاء كارثية قد تنجم عن التنفيذ السريع.
لا يمكن إغفال الجوانب البيئية ضمن فلسفة التنمية المستدامة، فالشركات الخاصة التي ستتولى الأصول الحكومية ينبغي أن تلتزم بمعايير البيئة والاستدامة، حتى لا تكون التنمية الاقتصادية على حساب البيئة.
التشريعات والتنظيمات الواضحة والقوية تساهم في تنظيم عمل الشركات الخاصة وتضمن التزامها بالأهداف الوطنية. التنظيم الذكي لا يعني تقييد الشركات، بل يهدف إلى تحقيق التوازن بين الحرية الاقتصادية والمسؤولية الاجتماعية.
في المجمل، تعتمد الخصخصة النموذجية على تحقيق توازن دقيق بين الفعالية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. يتطلب ذلك قيادة حكيمة وإدارة شاملة تأخذ بعين الاعتبار تطلعات المجتمع واحتياجاته، مع الحفاظ على القيم الإنسانية والمبادئ الفلسفية. إنها رحلة طويلة ومعقدة، ولكن بإدارة حكيمة، يمكن أن تكون وسيلة لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الخصخصة اقتصادية الاستثمارات سوريا التنمية سوريا اقتصاد استثمار تنمية الخصخصة مدونات مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العدالة الاجتماعیة الخدمات العامة الشرکات الخاصة الخصخصة فی یمکن أن ت فی سوریا أن تکون
إقرأ أيضاً:
«الإمارات للدراجات» حديث العالم بالإنجاز التاريخي
مراد المصري (أبوظبي)
أخبار ذات صلةتصدر فريق الإمارات – إكس آر جي، المشهد العالمي بعد احتفاظه بلقب طواف فرنسا الدولي للدراجات الهوائية للعام الثاني على التوالي، والفوز للمرة الرابعة بقيادة النجم تادي بوجاتشار، ليرسخ الفريق الإنجاز التاريخي بهذه الرباعية التي تعزز سجله من الانتصارات القياسية على كافة الأصعدة، والتي جعلت منه أفضل فريق في العالم في آخر عامين على التوالي.
وعنونت صحيفة «ماركا» الأشهر في إسبانيا: «بوكر لبوجاتشر»، حيث تشير كلمة بوكر في المصطلحات الإسبانية إلى الرباعية، فيما عنونت صحيفة «الجارديان» البريطانية، موجهة الكلام إلى بوجاتشار: «استمتع بهذه اللحظة، بوجاتشار يقاوم الإرهاق ليعانق مجد طواف فرنسا».
أما موقع «سي إن إن» الأميركي، فكتب: «تادي بوجاتشار يفوز بلقب طواف فرنسا للمرة الرابعة، مؤكداً مكانته كواحد من عظماء رياضة الدراجات»، وأضاف موقع اليابان تايمز: «تادي بوجاتشار يحرز لقبه الرابع في طواف فرنسا بهيمنة واضحة».
وقال مطر سهيل اليبهوني، رئيس مجلس إدارة فريق الإمارات – إكس آر جي: «فخورون بهذا الإنجاز التاريخي الذي تحقق بفضل تضافر جهود الجميع من دراجين إلى الجهازين الفني والإداري، والفوز بلقب طواف فرنسا 2025 هو تتويج لمسيرة طويلة من الإعداد والتفاني، ورسالة واضحة أن الطموح الإماراتي لا حدود له، ونشكر القيادة الرشيدة على دعمها اللامحدود والمتابعة المستمرة، ونعِد بمواصلة العمل لرفع راية الإمارات في جميع الاستحقاقات المقبلة».
فيما قال عارف العواني، الأمين العام لمجلس أبوظبي الرياضي: «نهنئ فريق الإمارات إكس آر جي، على تحقيقه الفوز الرابع بلقب طواف فرنسا 2025، الأعرق والأصعب في العالم، ونثمن عالياً الدعم اللامحدود من قيادتنا الرشيدة، وحرصها المستمر على دعم وتطوير الرياضة الإماراتية، وبارك لأبطال الفريق كافة، وللأيقونة تادي بوجاتشار، الذي واصل كتابة اسمه بأحرف من ذهب، محققاً 21 فوزاً في مراحل طواف فرنسا في تاريخه، منها 4 مراحل في نسخة هذا العام، وتمنياتنا للفريق بالمزيد من التألق والإنجازات في المحافل العالمية».
أما تادي بوجاتشار، فتحدث عقب هذا الانتصار الذي يأتي وهو في سن الـ 26 عاماً، مما يجعل الاحتمالات قائمة لمعادلته السجل التاريخي لأكثر المتوجين باللقب في خمس مناسبات خلال السنوات القادمة، وقال: «ما زلتُ غير معتاد على التحدث أمام هذا العدد الكبير من الجماهير، وكل هذه الكاميرات مسلطة علي، إلا أنه لشرفٌ لي أن أكون على منصة التتويج هذه مع أفضل منافسين في السباق، هناك احترامٌ كبيرٌ وروح قتاليةٌ حماسية، لقد كان طواف فرنسا صعباً للغاية، وأنا سعيدٌ جداً وفخورٌ جداً بوقوفنا هنا ونحن نرفع اللقب».
وأضاف: «كان جميع المشجعين رائعين على المسار طوال المراحل الـ 21، كان من الجميل حقاً رؤية ذلك في جميع المرتفعات، جماهير رائعة حقاً، الكثير من الأطفال يهتفون للجميع، وليس دراجاً واحداً فقط، كان حقاً شيئاً مذهلاً أن أراه وأعيشه».