الإفتاء: تعليق زينة رمضان حلال شرعًا .. وفعلها عمر بن الخطاب
تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT
قال الشيخ محمد كمال، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن شهر رمضان يستقبله المواطنون بالفرحة والسرور، ومن هذه الفرحة يأتي تعليق الفوانيس والزينة، فتعليق الزينة مبهجة في شهر رمضان وهى حلال شرعًا.
وأوضح أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية في فيديو بثته دار الإفتاء عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل فيسبوك، أن سيدنا عمر بن الخطاب عندما دخل المسجد في أحد أيام شهر رمضان، فوجد الصحابة يصلون منفردين، فجمع الصحابة على إمام واحد وأنار لهم المساجد بالقناديل، وبعد انتقاله جاء سيدنا على بن أبي طالب وقال: «رحم الله بن الخطاب ونوّر قبره كما أنار المساجد بهذه الإنارة».
وأشار إلى أن تعليق زينة رمضان اقتداء بسيدنا عمر رضي الله تعالى عنه جائز شرعا للتعبير عن الفرح بقدوم شهر رمضان المبارك.
حكم تعليق زينة رمضان ؟تعليق الزينة والفوانيس فرحًا بقدوم شهر رمضان مباح من حيث الأصل، بل قد يكون مندوبًا متى تعلَّقت به نية صالحة، إلَّا أن يتعلق بتعليقها أمر محرَّم، كأن يكون بها إسراف أو خيلاء أو إضرار واعتداء على حق الغير، ولا يستقيم وصف هذ الفعل بالبدعة لكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعله؛ إذ ترك الفعل لا يستلزم منه عدم الجواز.
إظهار الفرح والسرور بقدوم شهر رمضانمن الأمور المقررة شرعًا أنَّ الفرح مطلوبٌ عند حلول النعم، ومن تلك النعم قدوم مواسم الطاعات؛ كالصيام والحج وسائر العبادات؛ لقول الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58].
وقد كان السلف يفرحون بقدوم شهر رمضان ويحمدون الله على بلوغه؛ قال معلى بن الفضل: "كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم"؛ كما في "لطائف المعارف" لابن رجب (ص: 348، ط. دار ابن خزيمة).
قال الإمام ابن رجب الحنبلي في "لطائف المعارف" (ص: 349): [بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه ويدل عليه: حديث الثلاثة الذين استشهد اثنان منهم، ثم مات الثالث على فراشه بعدهما فَرُئِي في المنام سابقًا لهما فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أليس صلى بعدهما كذا وكذا صلاة وأدرك رمضان فصامه! فوالذي نفسي بيده إن بينهما لأبعد ممَّا بين السماء والأرض» خرجه الإمام أحمد وغيره] اهـ.
حكم تعليق الزينة والفوانيس في رمضانما زال المسلمون يحتفلون بقدوم الشهر المبارك قرنًا بعد قرن وجيلًا بعد جيل بإشعال أنوار الشموع والقناديل فرحًا باستقباله؛ يقول الرحالة ابن جبير في "رحلته" (ص: 122، ط. دار صادر): [ووقع الاحتفال في المسجد الحرام لهذا الشهر المبارك، وحَقُّ ذلك من تجديد الحُصُر وتكثير الشمع والمشاعيل وغير ذلك من الآلات حتى تلألأ الحرم نورًا وسطع ضياءً] اهـ.
وممَّا درج عليه المصريون منذ زمن بعيد استقبالهم شهر رمضان الكريم بتعليق الزينة والفوانيس كلونٍ من ألوان إظهار الفرح والسرور؛ استبشارًا بفضل الله فيه؛ من نزول الرحمات، وإفاضة النفحات، وتوسيع الأرزاق، وفتح أبواب الجنان، وغلِّ أبواب النيران، وتصفيد المردة من الجان، فهو أعمُّ الشهور خيرًا وأكثرها فضلًا وأوسعها أجرًا.
وقد تقرَّر أنَّ الأصل في الأشياء الإباحة وأنَّه لا يحرم إلَّا ما دلَّ الشرع الشريف على تحريمه؛ قال الإمام السيوطي في "الأشباه والنظائر" (ص: 60، ط. دار الكتب العلمية): [الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم] اهـ.
ويدل لهذا الأصل: ما رواه أبو الدرداء رضي الله عنه مرفوعًا: «مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَافِيَةٌ، فَاقْبَلُوا مِنَ اللهِ عَافِيَتَهُ، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ نَسِيًّا»، ثم تلا هذه الآية: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: 64] أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"؛ قال الشيخ ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/ 429، ط. دار ابن الجوزي): [أخبر النَّبيُّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن ربه تبارك وتعالى أنَّ كل ما سَكَتَ عن إيجابه أو تحريمه فهو عَفْوٌ عَفَا عنه لعباده، يباح إباحة العفو؛ فلا يجوزُ تحريمه ولا إيجابُه] اهـ.
فالأصل في تعليق الزينة والفوانيس فرحًا باستقبال شهر رمضان هو الإباحة، بل قد يكون مندوبًا متى تعلَّقت به نية صالحة؛ لما رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» أخرجه البخاري.
ومن ذلك: أن ينوي بتعليقها نشر البهجة وإدخال الفرح والسرور على الناس، وخاصة أهل بيته؛ لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُسْلِمِ» أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط"؛ قال الشيخ الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير" (1/ 386، ط. دار السلام): [«أحبُّ الأعمال إلى الله» أي: الأعمالُ النفلُ، كما دلَّ له قوله: «بعد الفرائض إدخال السرور على المسلم» بفعل أو قول؛ فهو أعم من حديث الحكم في المدخل عليه، ويؤخذ منه: أنَّ أبغضها إليه تعالى إدخال الحزن على المسلم] اهـ.
ويستأنس لهذا المعنى بما جرت به عادة كثيرٍ من البلاد قديمًا بتعليق القناديل بمنارات المساجد عند دخول شهر رمضان، خاصة ليلة الثلاثين من شعبان، حتى قد اعتبرها الفقهاء أمارة من الأمارات الظاهرة الدالة في حكم الرؤية. ينظر: "البحر الرائق" لابن نجيم (2/ 290، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"تحفة المحتاج" لابن حجر الهيتمي (3/ 373، ط. المكتبة التجارية الكبرى).
الزينة والفوانيس في رمضانهذه الإباحة ليست مطلقة بل مقيدة بجملة من الضوابط شأنها في ذلك شأن أغلب المباحات، ومن تلك الضوابط:
الأول: ألَّا يصاحب تعليق تلك الزينة إسراف أو مباهاة أو تفاخر؛ لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: 67].
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا مَا لَمْ يُخَالِطْهُ إِسْرَافٌ، أَوْ مَخِيلَةٌ» أخرجه ابن ماجه في "سننه"؛ قال الإمام المناوي في "فيض القدير" (5/ 46، ط. المكتبة التجارية): [هذا الخبر جامع لفضائل تدبير المرء نفسه، والإسرافُ يضر بالجسد والمعيشة، والخيلاءُ تضر بالنفس حيث تكسبها العجب، وبالدنيا حيث تكسب المقت من الناس، وبالآخرة حيث تكسب الإثم] اهـ.
الثاني: ألَّا يترتَّب على تعليقها ضرر بالغير؛ من نحو إشغال الطريق العام والتضييق على المارة، فمن المقرَّر شرعًا أنَّه: "لا ضرر ولا ضرار"، وهي قاعدة فقهية من القواعد الخمس التي يدور عليها غالب أحكام الفقه، وأصل هذه القاعدة ما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «قَضَى أَنْ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» أخرجه ابن ماجه في "سننه".
الثالث: ألَّا يترتَّب على تعليقها اعتداء على حق الغير، كأن يقوم بتعليق الزينة على منزل جاره من غير إذن سابق أو رضًا مقارن.
الرابع: ألَّا تتم إنارتها من خطوط الكهرباء العامة إلا باستخراج التصاريح اللازمة من الهيئات المعنية بذلك؛ لأنَّ فيه تَعَدِّيًا على المال العام بغير وجه حق؛ وقد حرَّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الاعتداء عليه، وجعل حمايته من النهب والإهدار والاستغلال مسئولية الجميع؛ فعن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُم النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجه البخاري.
وتجدر الإشارة إلى أنَّه يستحسن استخدام مواد صديقة للبيئة في مادة صنع الفوانيس والزينة بما يتحقَّق معه المحافظة على البيئة من التلوث والمساهمة الإيجابية في إعادة التدوير.
الرد على من ادعى أن تعليق الزينة والفوانيس في رمضان بدعة
هذا، ولا يستقيم وصف هذا الفعل بالبدعة؛ لكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعله، وتركه صلى الله عليه وآله وسلم لأمرٍ ما لا يستلزم منه عدم جواز فعله، وهو ما استقرَّ عليه عمل المسلمين سلفًا وخلفًا.
وليست كل بدعة مذمومة؛ فقد قسَّم العلماء البدعة إلى خمسة أقسام: واجبة ومندوبة ومحرَّمة ومكروهة ومباحة. ينظر: "شرح النووي على مسلم" (6/ 154، ط. دار إحياء التراث العربي).
قال الإمام الشافعي: [المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما: ما أُحدث يخالف كتابًا أو سنة أو أثرًا أو إجماعًا، فهذه البدعة الضلالة. والثانية: ما أُحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة. وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان: "نعمت البدعة هذه"] اهـ؛ كما نقله الإمام البيهقي عنه في "مناقب الشافعي" (1/ 469، ط. مكتبة دار التراث).
وقال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في "إحياء علوم الدين" (2/ 3، ط. دار المعرفة): [ليس كلُّ ما أبدع منهيًّا، بل المنهي بدعة تضاد سنةً ثابتةً، وترفع أمرًا من الشرع مع بقاء علَّته] اهـ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: شهر رمضان حكم تعليق الزينة والفوانيس في رمضان الزينة والفوانيس في رمضان المزيد النبی صلى الله علیه وآله وسلم ه علیه وآله وسلم بقدوم شهر رمضان رضی الله عنه قال الإمام بن الخطاب ما رواه ل الله
إقرأ أيضاً:
تحقق نبوءة نبوية في اليمن .. الإمام الذي أحيا الله به الدين
(سيخرج رجل من ولدي في هذه الجهة، اسمه يحيى الهادي، يُحيي الله به الدين) ، نبوءة نبوية وردت عن النبي محمد صلوات الله عليه وآله ، تحققت في شخصية تاريخية فريدة، جمعت بين العلم والقيادة، والسياسة والدين، والورع والعدل. إنه الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، الذي غيّر مجرى التاريخ اليمني، وأسّس أول دولة زيدية قائمة على الشورى والفقه والعدالة في القرن الثالث الهجري.يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
من المدينة إلى صعدة
وُلد الإمام يحيى بن الحسين في المدينة المنورة عام 245هـ، ونشأ في بيت علم عريق من سلالة الإمام الحسين بن علي عليهم السلام، ظهرت عليه ملامح الفقه والنبوغ منذ الصغر، فغاص في علوم القرآن والحديث واللغة، حتى غدا مرجعًا في الفقه الزيدي، وفي ظل تزايد الظلم والفساد في اليمن، خاصة في مناطق الشمال، وجّهت قبائل يمنية دعوة له للقدوم إلى اليمن عام 280هـ، طلبًا للعدل والقيادة، فاستجاب، وتحرك صوب صعدة، حيث أسّس نواة دولة دينية إصلاحية استمرت قرونًا.
محطات بارزة في مسيرة الإمام الهادي
تأسيس الدولة الزيدية الأولى .. استطاع الإمام الهادي أن يوحّد القبائل اليمنية المتفرقة، ويقيم نظام حكم مستند إلى العدل والشرع، رافضًا الاستبداد السياسي الذي ساد زمنه، وتميزت دولته بالاستقرار والنهضة الفقهية.
نشر العلم وإحياء المذهب الزيدي .. أنشأ المدارس العلمية، وشجع الكتابة والتأليف، وخلّف وراءه تراثًا فكريًا ضخمًا، أسهم في تأصيل المذهب الزيدي، وترسيخ قواعد الاجتهاد، والانفتاح على الحوار المذهبي.
مواجهة الظلم والتصدي للطغيان .. قاد الإمام الهادي معارك شرسة ضد الظالمين والولاة العباسيين الفاسدين في اليمن، وكان نصيرًا للفقراء والمظلومين، ولم يتوانَ عن مناهضة الجور حتى لو كان الثمن حياته.
ماذا قال عنه المؤرخون؟
قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: ( كان عالمًا عاملًا، زاهدًا مجاهدًا، إمام هدى، أعاد للإسلام روحه في اليمن)
وقال عنه ابن خلدون: (هو أحد المجددين البارزين في الإسلام، جمع بين العلم والسياسة والورع، وأحيا به الله الدين في اليمن)
الإمام الهادي ونبوءة النبي صلوات الله عليه وآله
الرواية النبوية للنبي صلوات الله عليه وآله : سيخرج رجل من ولدي في هذه الجهة اسمه يحيى الهادي، يُحيي الله به الدين، جاءت مطابقة لحال الإمام الهادي يحيى بن الحسين من عدة وجوه، فهو من ذرية النبي صلوات الله عليه وآله عبر الحسين بن علي عليهم السلام، وخرج من جهة اليمن بدعوة من أهلها، واسمه يحيى ولقبه الهادي، وأحيا الله به الدين في زمن تغلغلت فيه البدع والطغيان
إرث حيّ إلى اليوم
لا تزال مدارس الفكر الزيدي، ومبادئ العدل، والاجتهاد، التي أرسى دعائمها الإمام الهادي، حاضرة في واقع اليمن، رغم التحولات السياسية، وتُعدّ تجربته نموذجًا للإصلاح الديني والسياسي، يتّكئ عليه الكثير من الباحثين في فقه الإمامة والنهضة الإسلامية.
# التاريخ اليمنيالإصلاح الدينيالإمام الهاديالتراث الإسلاميالدولة الزيديةالزيدية في اليمنالنبي محمد صلوات الله عليه وآلهصعدة