لجريدة عمان:
2025-06-10@23:11:18 GMT

هل تصبح الخوارزميات المواسم الجديدة للحصاد؟

تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT

هل تصبح الخوارزميات المواسم الجديدة للحصاد؟

مع تسارع زيادة عدد سكان العالم الذي يُتوقع أن يصل إلى حوالي 10 مليارات نسمة بحلول عام 2050، يستدعي العلماء وصنّاع القرار تحديات الإنتاج الغذائي بما فيها الإنتاج الزراعي الذي يأتي في تحدياته الكثيرة منها البحث عن آليات للنظم الزراعية للدفع بمضاعفة الإنتاج مع موارد أقل. رغم نجاح وسائل الزراعة التقليدية منذ عصور قديمة، لكنها مع زيادة سكّان العالم وارتفاع معدلات الطلب الغذائي؛ فإن هذه الوسائل التقليدية لم تعد كافية لتلبية احتياجات المجتمعات السكانية في العالم.

في هذا الشأن، تبرز الحاجة إلى استعراض دور الذكاء الاصطناعي وقدراته في مواجهة هذه التحديات عبر خوارزمياته الذكية وتقنياته المتعددة مثل التعلم الآلي والعميق، ورؤية الحاسوب، والروبوتات، وتحليل البيانات التي يمكنها أن تعيد تشكيل الممارسات الزراعية في جميع أنحاء العالم. يتميّز الذكاء الاصطناعي بقدرته على تحويل الزراعة إلى صناعة تعتمد على البيانات بكفاءة عالية؛ ليعمل على تحسين كل ما يتعلق بالزراعة من صحة التربة وإنتاجية المحاصيل إلى إدارة الموارد وسلاسل التوريد.

في هذا المقال، سنحاول أن نستعرض الدور متعدد الأوجه للذكاء الاصطناعي في الزراعة، ونفحص الأدلة من الدراسات الحديثة والتطبيقات الواقعية، ونتناول التحديات والآفاق المستقبلية لدمج الذكاء الاصطناعي في الممارسات الزراعية. عبر الاستناد إلى البحوث العلمية ودراسات الحالة، ونهدف إلى تقديم تحليل صُلب واقعي لكيفية تفعيل ممارسات زراعية أكثر ذكاءً عن طريق الذكاء الاصطناعي.

الخط الزمني في تفاعلات الذكاء الاصطناعي مع الزراعة

نالت الزراعة منذ نشأة الحضارة الإنسانية حظوتها الأكبر في التحسينات بدءًا من إدخال المحراث وأنظمة الري وصولًا إلى التقنيات الحديثة مثل الثورة الخضراء التي استعملت الأسمدة الكيميائية وأنواع المحاصيل ذات الإنتاجية العالية. رغم ذلك، يمثّل دمج الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية؛ فيتيح الذكاء الاصطناعي اتخاذ قرارات فورية استنادًا إلى بيانات من مصادر متنوعة مثل الصور الفضائية، وأجهزة استشعار التربة، وتوقعات الطقس؛ ليسهم في التحول من الإدارة التفاعلية إلى الإدارة الاستباقية عبر تحويل الزراعة إلى علم يعتمد على الدقة والبيانات السابقة.

من الزراعة الدقيقة إلى الزراعة الذكية

اعتمدت الزراعة الدقيقة التي ظهرت في أواخر القرن العشرين على نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد لأجل إدارة التفاوت المكاني في الحقول، وكذلك يعتمد الذكاء الاصطناعي على هذا الأساس؛ حيث لا يقتصر الأمر على جمع كميات هائلة من البيانات فحسب، ولكن يشمل معالجتها في الوقت الفعلي وتحليلها. يُشير هذا التطور من الزراعة الدقيقة إلى الزراعة الذكية إلى أن القرارات المتعلقة بالري، والتسميد، ومكافحة الآفات، والحصاد باتت مدفوعةً بشكل متزايد بواسطة خوارزميات متطورة بدلاً من الاعتماد الكلي على التحكّم البشري المباشر. تبرز عددٌ من التطبيقات للذكاء الاصطناعي في الزراعة مثل:

مراقبة صحة المحاصيل وتشخيص الأمراض

يعد مراقبة صحة المحاصيل وتشخيص الأمراض في مراحلها المبكرة أحد أهم التطبيقات الواعدة للذكاء الاصطناعي في الزراعة عن طريق اقتران تقنيات مثل رؤية الحاسوب المتقدمة وإنترنت الأشياء بأنظمةِ الذكاء الاصطناعي عبر تحليل الصور الملتقطة بواسطة الطائرات دون طيار أو الهواتف الذكية واكتشاف علامات الإجهاد النباتي أو نقص العناصر الغذائية أو أعراض الأمراض التي تكون -في كثير من حالاتها- غير مرئية للعين البشرية؛ فمثلا، ثمّة تطبيق هاتفي طورته شركة «Object Computing, Inc» يعتمد خوارزميات التعلم الآلي لتحليل صور المحاصيل؛ ليسمح بتشخيص الأمراض بسرعة وتقديم توصيات علاجية دقيقة، وأثبتت مثل هذه التطبيقات الهاتفية قدرتها على تقليل خسائر المحاصيل وتقليل الاعتماد على المبيدات الكيميائية؛ ليسهم في تحقيق معدل عالٍ في الاستدامة الزراعية.

تحليل التربة وحجز الكربون

تعد التربة الصحية الأساس الأول للزراعة الناجحة، وحينها يتطلب أن تُفحصَ التربة قبل الزراعة، ولكن طرق تحليل التربة التقليدية تستغرق وقتا طويلا وتتطلب جهدا ومالا كبيرا، ولهذا يمكن الاستعانة بأنظمة الذكاء الاصطناعي في معالجة البيانات الملتقطة بواسطة أجهزة استشعار التربة، والصور الفضائية، والسجلات التاريخية لإنشاء خرائط تفصيلية لصحة التربة؛ إذ تمكّن هذه الخرائط المختصين من مراقبة مستويات المغذيات، ورطوبة التربة، وتوزيع المادة العضوية بدقة غير مسبوقة.

تعد قياسات الكربون في التربة ممارسة مهمة باعتبارها مؤشرًا رئيسًا على صحة التربة ومكونًا حيويًا في الجهود المبذولة لمكافحة تغيّر المناخ. يشير تقريرٌ نشره موقعُ «رويترس» استعمال شركاتِ تقنية الذكاء الاصطناعي لدمج البيانات البيئية مع تقنيات الاستشعار عن بعد لإنتاج خرائط رقمية للتربة؛ لمساعدة المزارعين على تحسين ممارسات التسميد وتعزيز المبادرات البيئية الساعية إلى رفد ممارسات حجز الكربون في التربة.

الري الذكي وإدارة الموارد

تعد ندرة المياه واحدة من أكبر التحديات التي تواجه الزراعة الحديثة، ويمكن أن تسهم أنظمة الري التقليدية إلى استهلاك غير فعّال للمياه؛ فيؤدي إلى شح المياه وارتفاع التكاليف الزراعية، ولكن يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي معالجة هذه المشكلة عن طريق تمكين أنظمة ري ذكية تعمل على توفير المياه بأسلوب دقيق وفق الحاجة الزمانية والمكانية دون أي استهلاك غير ضروري. عبر تحليل البيانات المجموعة، وتوقعات الطقس، وسجلات الري السابقة؛ تستطيع خوارزميات الذكاء الاصطناعي التنبؤ بجداول الري المناسبة وضبط معدلات الري في الوقت الفعلي. لا يحافظ هذا النظام على المياه فحسب، بل يرفع أيضا من إنتاجية المحاصيل بواسطة ضمان حصول النباتات على الكمية المثالية من الرطوبة، ويمكن لهذه الأنظمة أن تتكامل مع الآلات المؤتمتة لتعزيز الكفاءة في العمليات الزراعية.

الروبوتات الزراعية

تأتي الحاجة إلى الآلات وأتمتها في ظل نقص القوى العاملة والحاجة إلى زيادة الكفاءة، ولهذا ساهمت الروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي والآلات الحديثة -مثل الجرارات المستقلة وآلات الحصاد والآلات المخصصة لإزالة الأعشاب الضارة- في إحداث نقلة نوعية في القطاع الزراعي؛ إذ تأتي مثل هذه الآلات مجهزةً بأجهزة استشعار وأنظمة رؤية حاسوبية تسمح لها بالتنقل في الحقول وأداء المهام المتكررة بدقة، والعمل باستمرار دون معوقات الإرهاق البشري؛ فنجد مثلا روبوتات مصممة لإزالة الأعشاب الضارة عن طريق نظام التمييز الذكي للأعشاب وفصلها عن المحاصيل؛ ليقلل من الاعتماد على المبيدات الكيميائية ويسهم في ممارسات زراعية أكثر استدامة.

التحليلات التنبؤية

تتميز قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات الكبيرة والتعرّف على الأنماط بدقة؛ ليسهم في تحليل تنبؤي دقيق للإنتاج الزراعي. تعتمد التحليلات التنبؤية في الزراعة على استعمال البيانات الزراعية السابقة المسجّلة، والمعلومات الجوية في الوقت الفعلي، وخصائص التربة للتنبؤ بإنتاجية المحاصيل بدقة عالية. تساعد مثل هذه التوقعات المزارعين في تخطيط جداول الزراعة والحصاد وتحسين توزيع الموارد وإدارة المخاطر المتعلقة بتقلبات السوق. كذلك يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي توقّع التحديات المحتملة مثل الجفاف أو تفشي الآفات؛ لتمنح المزارعين قدرةً على اتخاذ إجراءات استباقية لتقليل الخسائر وتطوير العملية الإنتاجية.

قراءة في الأبحاث العلمية

أظهرت دراسةٌ نُشرت عام 2022م في مجلة «Ecological Informtics» قدرة الذكاء الاصطناعي في تشخيص أمراض المحاصيل مبكرًا، حيث قام الباحثون بتطوير نموذج يعتمد على الشبكات العصبية التلافيفية (CNN) يعمل على تصنيف أمراض النباتات استنادًا إلى صور الأوراق بدقة تجاوزت 97.33%. يكشف هذا البحث إمكانية الذكاء الاصطناعي في تحويل إدارة الأمراض الزراعية من أسلوب المكافحة المتأخرة إلى المكافحة الاستباقية عن طريق الكشف المبكّر الذي يمكن أن ينقذ المحاصيل بنسبة كبيرة.

كذلك في مشروع تعاوني بين مؤسسات بحثية وشركات معنية بتقنيات الزراعة - وفقَ تقرير نشره موقع «رويترس»-، اُستعملت أنظمةُ مراقبة لمتابعة صحة التربة مدعومة بالذكاء الاصطناعي في عدة مزارع تجريبية في الولايات المتحدة وأوروبا. أظهر المشروع أن الخرائط الرقمية للتربة حسّنت من كفاءة استعمال الأسمدة بنسبة تصل إلى 30%، ورفعت من معدلات حجز الكربون في التربة الذي يعد عاملا رئيسا في مكافحة تغيّر المناخ، وأكدت النتائج المستخرجة فوائد مزاوجة الذكاء الاصطناعي في أنظمة المراقبة الزراعية للعمل في تحسين الإنتاج الزراعي والمحافظة على البيئة.

رغم التحديات التي تواجه المزارعين في البلدان النامية بسبب ضعف الخبرات الزراعية والأساليب الحديثة، ولكن استطاعت مثل هذه الدول عبر وسائل تقنية غير مكلفة -كما أظهرت دراسة أجريت في كينيا التي أشار إليها موقع صحيفة «The Guardian»- عن طريق التطبيقات الهاتفية المدعومة بالذكاء الاصطناعي إحداث تأثير إيجابي ملحوظ في الاستدامة الزراعية، وكانت النتائج واعدة؛ إذ أفاد المزارعون الذين استعملوا التطبيقات الذكية بزيادة متوسط إنتاج المحاصيل بنسبة 20% وخفض تكاليف التشغيل.

أظهر تفاعل الذكاء الاصطناعي مع الآلات الزراعية وأنظمتها المتعددة تفوقًا ملحوظًا حسب ما أمكن استعراضه من أمثلة بحثية في الفقرات السابقة، وكذلك نجد في دراسة نُشرت عام 2024م في مجلة «AgriEngineering»، قام باحثون بتقويم كفاءة آلات الحصاد الروبوتية لمزارع القطن؛ فأظهرت الدراسات أن متوسط وقت الحصاد قل بحوالي 46%؛ ليساهم في زيادة نسبة الحصاد بمقدار 16%؛ فساهم في خفض تكاليف الأيدي العاملة بشكل ملحوظ، وهذا ما أثبتته فعالية استعمال روبوتات حصاد تعمل بالذكاء الاصطناعي في جني محاصيل الطماطم في اليابان -وفقَ ما نشره موقع «أخبار باناسونيك» عام 2018م-؛ لتنجز عملا بنسبة تقدّر بـ20%؛ فتوفّر حلولًا لمشكلة نقص اليد العاملة الشابة في اليابان التي تعاني من مشكلة تناقص أعداد الفئات الشابة. تعكس مثل هذه التجارب الناجحة الفوائد الاقتصادية والعملية لهذه التقنيات الذكية خاصة في ظل نقص القوى العاملة في القطاع الزراعي.

مواجهة التحديات في الزراعة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي

تعتمد فعالية نماذج الذكاء الاصطناعي بشكل كبير على جودة البيانات المستعملة وتكاملها. في العديد من المناطق الزراعية خاصة في البلدان النامية، تكون منظومة جمع البيانات محدودة؛ لتقود إلى وجود فجوات يمكن أن تؤثر -سلبًا- على دقة تنبؤات الذكاء الاصطناعي، ولهذا تُبذل جهودٌ حثيثة لدمج مصادر البيانات المختلفة -من الصور الفضائية إلى أجهزة الاستشعار الأرضية- ضمن منصات مركزية واحدة يمكنها تزويد أنظمة الذكاء الاصطناعي ببيانات موثوقة ودقيقة. في نطاق آخر، نجد أن نشر أنظمة الذكاء الاصطناعي المتطورة يتطلب استثمارات أولية كبيرة تتعلق بالمعدات والبرمجيات والتدريب، وحينها يواجه بعضُ المزارعين -خصوصا في الدول ذات الدخل المحدود- صعوبات في تحمل التكاليف أو الحصول على البنية التحتية التقنية اللازمة.

في نطاق أخلاقي تقني، يمكن أن يثير استعمال الذكاء الاصطناعي في الزراعة قضايا أخلاقية تتعلق بخصوصية البيانات وحقوق الملكية، حيث يمكن أن تستخرج المستشعرات المتعددة كميات هائلة من البيانات الزراعية التي يمكن أن يُساء استعمالها عبر خوارزميات الذكاء الاصطناعي، إذا لم تُنظّم بضوابط تقنية أخلاقية، ولتجنب مثل هذه القضايا الأخلاقية، سيتطلب تحديد إرشادات وسياسات واضحة لحماية البيانات الزراعية وضمان الشفافية في عمليات اتخاذ القرار القائمة على الذكاء الاصطناعي، وينبغي على الباحثين وصانعي السياسات العمل معا لتطوير أطر أخلاقية توازن بين التقدم التقني وحقوق الأفراد والحفاظ على البيئة.

التطويرات القادمة

عبر ما أمكن استعرضاه من تفاعلات فعّالة للذكاء الاصطناعي في القطاع الزراعي؛ فإننا نجد أن هذا التفاعل يتسع ليشمل الاندماج مع أجهزة إنترنت الأشياء (IoT) وتحليلات البيانات الضخمة. كذلك من المتوقع أن تحدث نظم الزراعة الذاتية تحولًا جذريًا في سلسلة القيمة الزراعية بأكملها. إلى جانب الجرارات وآلات الحصاد المستقلة، يمكن أن تظهر أنظمة متكاملة قادرة على إدارة العمليات الزراعية بأكملها -من الزراعة إلى الحصاد والمعالجة اللاحقة-، وستفي هذه الأنظمة بقدرتها على تقليل تكاليف الأيدي العاملة وزيادة الكفاءة والإنتاجية.

مع تزايد الطلب العالمي على الغذاء، يصبح تحسين الإنتاجية الزراعية بواسطة الذكاء الاصطناعي عاملا مهما في إستراتيجيات الأمن الغذائي، وستسهم تنبؤات الذكاء الاصطناعي، وإدارة الموارد بكفاءة، والكشف المبكر عن أمراض المحاصيل في تحسين استقرار نظم الغذاء وإنتاجه، ومع تضاعف تركيز الحكومات والمنظمات الدولية على قضايا الأمن الغذائي؛ فإن المؤشرات تشير إلى تضاعف الاستثمارات في بحوث الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في الزراعة مستقبلا.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاصطناعی فی الزراعة الذکاء الاصطناعی فی للذکاء الاصطناعی فی بالذکاء الاصطناعی صحة التربة التربة ا یمکن أن مثل هذه عن طریق

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي يوجه المسيّرات رغم العوائق الطبيعية


في مهمة لإطفاء حرائق الغابات في سلسلة جبال سييرا نيفادا، قد تجد طائرة مسيّرة ذاتية التحكم نفسها تواجه رياح «سانتا آنا» العاتية التي تهدد بإخراجها عن مسارها. التكيف السريع مع مثل هذه التقلبات الجوية غير المتوقعة أثناء الطيران يمثل تحديًا هائلًا لأنظمة التحكم في وضع الطيران الخاصة بهذه الطائرات.
ولمواجهة مثل هذه التحديات، طوّر باحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا «MIT» خوارزمية تحكم تفاعلي جديدة تعتمد على تقنيات تعلّم الآلة، قادرة على تقليل انحراف الطائرة عن مسارها المحدد حتى في مواجهة عوائق مفاجئة مثل هبوب الرياح.

وعلى عكس الطرق التقليدية، لا تتطلب هذه التقنية من المبرمج أن يكون على دراية مسبقة ببنية أو نمط هذه الاضطرابات. بدلاً من ذلك، يتعلم نموذج الذكاء الاصطناعي المستخدم في نظام التحكم كل ما يحتاجه من خلال بيانات ملاحظة تُجمع خلال 15 دقيقة فقط من الطيران.
الميزة الأبرز لهذه التقنية تكمن في أنها تحدد تلقائيًا خوارزمية التحسين الأمثل للتكيف مع هذه الاضطرابات، مما يعزز من دقة تتبع المسار. إذ تختار الخوارزمية الأنسب بحسب طبيعة الاضطرابات التي تواجهها الطائرة في كل حالة.

وقد درّب الباحثون نظامهم على تنفيذ هذين الأمرين معًا، التكيّف وتحديد الخوارزمية باستخدام تقنية تُعرف باسم التعلم الفوقي «meta-learning»، والتي تُعلّم النظام كيفية التكيّف مع أنواع مختلفة من الاضطرابات.
النتائج جاءت واعدة، إذ سجل النظام الجديد نسبة خطأ في تتبع المسار أقل بنسبة 50% مقارنة بالطرق التقليدية، سواء في المحاكاة أو في الظروف الحقيقية، كما أثبت كفاءته في التعامل مع سرعات رياح لم يسبق له مواجهتها أثناء التدريب.

يأمل الباحثون أن يُسهم هذا النظام مستقبلاً في تحسين كفاءة الطائرات المسيّرة في توصيل الطرود الثقيلة رغم الرياح القوية، أو في مراقبة المناطق المعرضة للحرائق في المحميات الطبيعية.
يقول نافيد عزيزيان، الأستاذ المساعد في قسم الهندسة الميكانيكية ومعهد البيانات والنظم والمجتمع «IDSS» بمعهد «MIT»، والباحث الرئيسي للدراسة: «قوة طريقتنا تكمن في التعلم المتزامن لمكونات النظام. من خلال الاستفادة من التعلم الفوقي، يتمكن نظامنا من اتخاذ قرارات تلقائية تحقق أفضل تكيف ممكن في وقت قصير».

شارك عزيزيان في إعداد الورقة البحثية كل من سونبوتشين تانغ، طالب دراسات عليا في قسم الطيران والفضاء، وهاويان صن، طالب دراسات عليا في قسم الهندسة الكهربائية وعلوم الحاسوب. وقد عُرض البحث مؤخراً في مؤتمر «التعلم للديناميكيات والتحكم»

التعلم على التكيف
تتغير سرعات الرياح التي قد تواجهها الطائرة في كل رحلة، لكن من المفترض أن تبقى الشبكة العصبية ودالة الانحدار المستخدمة ثابتتين، لتجنّب إعادة التدريب في كل مرة.
لتحقيق هذه المرونة، اعتمد الباحثون على التعلم الفوقي، ودربوا النظام على مجموعة من سيناريوهات الرياح المختلفة أثناء مرحلة التدريب.

أخبار ذات صلة سيتي يتعاقد مع النجم الفرنسي الشاب ريان شرقي انقطاع الكهرباء في جزيرة بالما الإسبانية

يوضح تانغ: «الهدف ليس فقط أن يتكيف النظام، بل أن يتعلم كيف يتعلم. عبر التعلم الفوقي، يمكننا إنشاء تمثيل مشترك من بيانات متعددة السيناريوهات بسرعة وكفاءة».
في التطبيق العملي، يقوم المستخدم بتغذية نظام التحكم بمسار الطيران المطلوب، ويقوم النظام بحساب قوة الدفع اللازم في الزمن الحقيقي لإبقاء الطائرة على المسار رغم أي اضطرابات جوية.

وقد أثبت النظام كفاءته سواء في المحاكاة أو في اختبارات حقيقية، حيث تفوق على جميع الطرق التقليدية في تتبع المسار، حتى في الظروف الجوية القاسية.
يضيف عزيزيان: «حتى عندما تجاوزت قوة الرياح مستويات لم نشهدها في التدريب، أثبتت تقنيتنا قدرتها على التعامل معها بكفاءة».

واللافت أن تفوق النظام على الطرق الأخرى ازداد كلما زادت شدة الرياح، مما يدل على قدرته على التكيف مع البيئات الصعبة.
ويجري الفريق الآن تجارب ميدانية على طائرات مسيّرة حقيقية لاختبار النظام في مواجهة ظروف جوية متنوعة.

كما يسعى الفريق لتوسيع قدرات النظام ليتعامل مع اضطرابات متعددة المصادر في وقت واحد. فعلى سبيل المثال، تغير سرعة الرياح قد يغيّر من توزيع وزن الحمولة أثناء الطيران، خصوصاً عند حمل مواد سائلة.
كما يطمح الباحثون إلى تطوير خاصية التعلم المستمر، بحيث يتمكن النظام من التكيف مع اضطرابات جديدة دون الحاجة إلى إعادة تدريبه على البيانات السابقة.

وفي تعليق على البحث، قال بروفيسور باباك حسّیبي من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا «Caltech»، والذي لم يشارك في المشروع: «نجح نافيد وزملاؤه في الجمع بين التعلم الفوقي والتحكم التكيفي التقليدي، لتعلم الخصائص غير الخطية من البيانات. واستخدامهم لخوارزميات الانحدار المرآتي مكّنهم من استغلال البنية الجيومترية الكامنة للمشكلة بشكل لم تفعله الطرق السابقة. وهذا العمل قد يساهم بشكل كبير في تصميم أنظمة ذاتية التشغيل تعمل بكفاءة في بيئات معقدة وغير مؤكدة».
وقد حصل هذا البحث على دعم من عدة جهات، منها شركة «MathWorks»، ومختبر «MIT-IBM Watson» للذكاء الاصطناعي، ومركز «MIT-Amazon» للعلوم، وبرنامج «MIT-Google» للابتكار في الحوسبة.

مقالات مشابهة

  • السبع يوضح أهم مميزات ⁧‫الذكاء الاصطناعي‬⁩ في نظام ⁦‪ iOS 26
  • الذكاء الاصطناعي يوجه المسيّرات رغم العوائق الطبيعية
  • تعرف على أبرز الوظائف المستقبلية في عصر الذكاء الاصطناعي
  • “شبكة العنكبوت”: الحرب في عصر الذكاء الاصطناعي
  • المحاصيل الزراعية في مهب الريح.. وهشاشة التسويق العقبة الكبرى
  • كيف يساعد الذكاء الاصطناعي على إنقاص الوزن؟
  • تعلّموا زراعة شتلات الخضار في المنزل بطريقة صحيحة
  • تراجع كبير في المحاصيل الزراعية بألمانيا بسبب أحد أمراض النبات
  • الزراعة: يوجد تعاون جاد ومثمر مع محافظة سوهاج لتعزيز التنمية الزراعية
  • هجوم حاد على راشد الماجد لاستخدامه الذكاء الاصطناعي في أغنيته الجديدة.. فيديو