أزمة «ناصر».. وتداعياتها الوطنية والإقليمية «1- 2»

مثيانق شريلو

يطرح الإعلان الرسمي للحكومة عن بَدْء العملية العسكرية الجديدة لاستعادة مدينة ناصر بولاية أعالي النيل، تساؤلات عدّة حول جدوى العملية وأهدافها والتوقيت الزمني المحدد ودائرة اتساعها، فضلا عن ذلك التداعيات المحتملة لها على المستوى الوطني والإقليمي، خصوصا مع التجاذبات الإقليمية السائدة مع استمرار الحرب في السودان والفرص الكبيرة في أن تتحول ولاية النيل الأزرق المجاورة مع أجزاء من ولاية أعالي النيل إلى ساحة جديدة للحرب بعد التحالف الجديد بين الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الجنرال عبد العزيز الحلو وقوات الدعم السريع بقيادة الجنرال حميدتي، في هذه القراءة سنحاول طرح خطوط عريضة لهذه التطورات الجديدة، وعرض الخيارات الممكنة للحل الوطني لهذه الأزمة لتفادي الانزلاق نحو مسارات يمكن أن تقوض الوحدة الوطنية على المدى القريب او البعيد:

* جدوى العملية العسكرية وأهدافها:

أدت الأحداث المُتسارعة في مدينة الناصر في ولاية أعالي النيل وإعلان الحكومة بأنها فقدت السيطرة عليها لصالح الجيش الأبيض ومقتل القائد العسكري للمنطقة اللواء مجور داك، إلى تغير طريقة تعاطي الحكومة لهذه الأزمة خصوصا وانها قد قبلت بعد ضغوطات من المجتمع المحلي لمقاطعة ناصر باستبدال تلك القوات بأخرى بعد أن قضت هذه القوات نحو 8 سنوات في المنطقة وهو ما يتعارض مع التقليد المعمول في الجيش بشأن التغيير الروتيني لمنسوبيها في المواقع العسكرية، وبعد أن أعلنت الحكومة عن إرسال قوات جديدة عقب انضمام الجنرال جونسون أولونج المنشق عن الحركة الشعبية في المعارضة بقيادة النائب الأول لرئيس الجمهورية الدكتور ريك مشار، تغيرت مطالب المجتمع المحلي إلى الرفض التام بقدوم هذه القوات وطالبت بنشر “القوات الموحدة” بحسب ما جاء في اتفاق السلام المنشط، وما زاد من وتيرة التوتر أن سياسيين مواليين لحركة مشار تقدموا الصفوف الرافضة لإعادة انتشار القوات الجديدة في ناصر، وآخرين محسوبين للحكومة دعموا خيار نشر القوات التي اعدتها الحكومة للنشر في المنطقة، واعتبرت الحكومة أن هذه المواقف الصادرة من الموالين لحركة مشار، أثرت على مطالب المجتمع المحلي، ودفعت إلى عودة الجيش الأبيض إلى الواجهة مرة أخرى باعتباره فصيل داعم لمواقف الحركة الشعبية في المعارضة بحسب تصريحات لمسؤولين سياسيين وعسكريين ضمن صفوف الحكومة، ودفعت عمليات التعبئة إلى تحول التوتر السياسي الى مواجهة عسكرية انتهت بمقتل قائد الجيش وطاقم اوكراني تابع للأمم المتحدة، وعلى إثر ذلك حملت الحكومة حركة مشار المسؤولية المُباشرة لأنها بدلت ثوبها هذه المرة تحت جلباب الجيش الأبيض الحليف الرئيس والدائم للحركة الشعبية في المعارضة منذ 2013م.

توجت كل هذه التداعيات بالعملية العسكرية التي أعلن عنها المتحدث الرسمي باسم الحكومة مايكل مكوي لويث، والذي قال في مؤتمره الصحفي الأخير”قواتنا قصفت ناصر وهي بداية عملية عسكرية لاستعادة المدينة”، معلنا أن الهدف الرئيسي للحكومة هي استعادة المنطقة لفرض الوجود الرسمي فيها، وتشير التحليلات الى ان هذه الخطوة سيترتب عليها  إزاحة اي وجود للحركة الشعبية في المعارضة أمام البوابة الرئيسية التي تفصل بين جنوب السودان والجارة إثيوبيا، ما يزيد من احتمالات عودة الأطراف إلى الحرب مرة أخرى.

التداعيات على المستوى الوطني:

مؤكد بلا شك أن هذه العملية العسكرية ستخلق تداعيات عميقة على المستوى الوطني، لذلك سارعت منظمات المجتمع المدني إلى المطالبة بتوقف هذه العملية وانخراط الأطراف في حوارات سياسية تعزز الحوَار وتنبذ الحرب، وان المخرج الوحيد من هذه الأزمة هو تبني الحوار السياسي وتحديد الاتجاه الرئيسي للجيش الأبيض في هذه المعادلة، وهذا الجيش هي عبارة عن تنظيم مسلح غير نظامي يرى في نفسه حارسًا لمصالح المكون الاجتماعي، وشبيها لقوات غير نظامية أخرى في بحر الغزال واعالي النيل والاستوائية مثل “قيل وينق، اقوليك، الايرو بويز”، وهي مجموعات تصنف باعتبارها وحدات الدفاع المجتمعي الذاتي تشكلت في أوقات غياب السيطرة الرسمية للأوضاع الأمنية في مناطقهم، ولكن وضعية الجيش الأبيض تغيرت من الدفاع الذاتي إلى الحديث عن مطالب سياسية وعدم الاعتراف بالحكومة، مع تأكيده المستمر بانه لا يدين بالولاء إلى ريك مشار، ولا تحالف سياسي وعسكري قائم مع الحركة الشعبية في المعارضة بالرغم من أن بعض الوقائع بحسب الموقف الحكومي تشير الى عكس هذا الموقف، وحتى الآن لم يعلن هذا الجيش عن قائده الرئيسي حتى تفتح خطوط للحوار الرسمي بينها والحكومة، وبحسب البيانات الرسمية المنسوبة للجيش الأبيض، فإن نظرتهم للحكومة بحاجة إلى إيضاحات عميقة وواضحة تتطلب التفريق بين الحكومة والمكون الاجتماعي، وهنا تظهر التداعيات الخاصة بهذه العملية على المستوى الوطني، خصوصا وان موجه خطاب الكراهية والقبلية بدأ يتصدر المشهد عبر صفحات تحظى بمتابعة كبيرة على الفيسبوك.

والجدير بالذكر هنا أن الحركة الشعبية في المعارضة أكدت بشكل قاطع بأنها لا تملك السيطرة على الجيش الأبيض، وقد ثبتت هذا الموقف في بيانات رسمية وموثقة لجهات وطنية واقليمية ودولية.

ولاحقا سنستعرض الحلول الممكنة لتجاوز تداعيات هذه الأزمة على المستوى الوطني.

تجاذبات اقليمية:

لا يمكن اطلاقا في ظل تصاعد التوترات في جنوب السودان عدم الإشارة إلى وجود تجاذبات من دول الجوار التي تبحث عن تأمين مصالحها إزاء هذه التطورات، فالدول التالية، “السودان، أوغندا، إثيوبيا، مصر” قد تحاول التأثير بطريقة مباشرة وخلافها في تلك المجريات لاعتبارات تتعلق بمصالحها اذا وضعنا في الاعتبار الخلافات العديدة بين هذه الدول ما ستجعل البلاد ساحة نشطة للعمل الاستخباراتي وفق مصالح دول الجوار وتحالفاتها في الاقليم على النحو التالي:

السودان:

يضع الموقع الجغرافي لمقاطعة ناصر، السودان في قلب الأحداث، وعندما نتحدث عن السودان فإننا نشير إلى واقع السودان الحالي المنقسم بين “حكومة بورتسودان، والدعم السريع وحلفائه الجدد” كانت مدينة ناصر منطقة قد شهدت مواجهات عسكرية في الثمانينيات بين الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة الراحل جون قرنق وحكومة السودان في عهد الراحل الصادق المهدي ومن ثم الرئيس المعزول عمر البشير، لخصوصية في موقعها، فعندما تمكنت الحركة الشعبية لتحرير السودان من السيطرة على المنطقة نهاية الثمانينيات استطاعت من خلالها تأمين خطوط استراتيجية دفعتها الى التقدم عسكريا حتى جنوب ولاية النيل الأزرق، ولاحقا في العام 1994م تمكنت حكومة المؤتمر الوطني بقيادة عمر البشير من استعادتها وتركزت المواجهات العسكرية حينها في عرقلة تقدم الجيش الشعبي نحو الدمازين بعد أن كانت قد قامت بمناورة عسكرية حتى مدينة الروصيرص بعد ان احكمت سيطرتها على الكرمك والقيسان، ومع التطورات الحالية في السودان وتوسيع الدعم السريع لرقعة تحركاتها العسكرية في النيل الأزرق مع الحلفاء الجدد، ومحاولة حكومة بورتسودان لوقف تقدم الدعم السريع في تلك المناطق القريبة على الحدود، حاول الدعم السريع إرسال رسالة للحكومة في جوبا عبر العملية العسكرية ألأخيرة وأسرها لعدد من الجنود والتأكيد على أن القوة التي هاجمتهم يتبعون لجماعات معارضة لحكومة جوبا وتلقت الدعم من حكومة بورتسودان عبر نائب رئيس مجلس السيادة الجنرال مالك عقار، واتضح فيما بعد ان قائد القوة الجنرال بارجيك يتبع فعليا للحركة الشعبية في المعارضة بقيادة مشار بشهادات متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن جوبا لم تصدر أي تعليق حول الرسالة، التي وصلتها في وقت ترى فيها حكومة بورتسودان أن جارتها لم تتخذ الإجراءات المطلوبة في حدودها لمنع الدعم السريع من الحصول على الإمدادات التي تصلها عبر الشريط الحدودي من قبل تجار أجانب اغلبهم صوماليين، وهنا يأتي الاهتمام السوداني بالوضع في ناصر من حيث موقعها الاستراتيجي في ظل اتهام بورتسودان لجارتها أديس أبابا بتوفير خطوط للدعم السريع.

وفي سياق آخر ترى حكومة بورتسودان أن الوجود اليوغندي في جنوب السودان، يهدد الأمن القومي لديها، مع التصريحات السابقة لرئيس هيئة أركان الجيش اليوغندي، والذي هدد باجتياح السودان إذا تلقى موافقة مباشرة من والده الرئيس اليوغندي.

نواصل

#لا للحرب

الوسومأعالي النيل الجيش الأبيض الحركة الشعبية السودان الناصر النيل الأزرق جنوب السودان جون قرنق حكومة المؤتمر الوطني رياك مشار مالك عقار مثيانق شريلو

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أعالي النيل الجيش الأبيض الحركة الشعبية السودان الناصر النيل الأزرق جنوب السودان جون قرنق حكومة المؤتمر الوطني رياك مشار مالك عقار الحرکة الشعبیة فی المعارضة على المستوى الوطنی العملیة العسکریة حکومة بورتسودان الجیش الأبیض الدعم السریع جنوب السودان النیل الأزرق هذه الأزمة

إقرأ أيضاً:

رحيل المخرج المصري سامح عبد العزيز.. صاحب البصمة الشعبية في السينما والدراما

ودّع الوسط الفني المصري المخرج سامح عبد العزيز، الذي توفي عن عمر يناهز 49 عاما، بعد تعرضه لأزمة صحية حادة خلال الأيام الماضية.

وكان الراحل قد دخل إلى المستشفى إثر إصابته بعدوى فيروسية، قبل أن تتدهور حالته بشكل مفاجئ في الساعات الأخيرة، ليرحل صباح اليوم الخميس.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2وفاة الممثلة العراقية إقبال نعيم.. وداع لصوت مسرحي نادرlist 2 of 2في أول ظهور بالحجاب منذ عامين.. حلا شيحة تكشف تفاصيل "الانتكاسة الروحية"end of list

وشيع جثمانه من مسجد الشرطة بمنطقة الشيخ زايد، وسط حضور عدد كبير من الفنانين وأصدقائه المقربين. وكان من بين الحضور نقيب المهن التمثيلية الفنان أشرف زكي، والفنانة روبي، التي ارتبط بها المخرج الراحل سابقا، إلى جانب كل من محمد هنيدي، وسلوى عثمان، وريهام حجاج، وأحمد السعدني، وعمر السعيد، وأحمد خالد صالح، وعدد من الفنانين.

حرص عدد كبير من نجوم الوسط الفني على نعي المخرج الراحل سامح عبد العزيز، وكان من بينهم الفنانة روبي، التي نشرت عبر حسابها على إنستغرام صورة له وعلقت قائلة:

"إنا لله وإنا إليه راجعون، توفي إلى رحمة الله تعالى المخرج الكبير سامح عبد العزيز، اللهم ارحمه واغفر له، واعفُ عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد".

View this post on Instagram

A post shared by Ruby (@therubyegy)

ونعته الفنانة يسرا، ووصفت رحيله بأنه مفجع ومحزن، مشيرة إلى أنه كان صديقا عزيزا ومخرجا موهوبا، ودعت له بالرحمة ولأسرته ومحبيه بالصبر، كما اعتذرت عن عدم حضور الجنازة نظرا لوجودها خارج مصر.

وأعرب عدد من الفنانين عن حزنهم العميق لرحيل عبد العزيز، ومن بينهم الفنانة عبير صبري التي استرجعت ذكرياتها في عدد من الأعمال التي جمعتهما، مثل "خيانة عهد"، و"يوتيرن"، و"جميلة"، و"ليلة العيد"، مشيرة إلى النجاحات الكبيرة التي حققاها معًا. واختتمت نعيها بالدعاء له بالرحمة والمغفرة، وأن يكون مثواه الجنة.

ومن خلال خاصية القصص المصورة على إنستغرام نشر الممثل أحمد السعدني صورة المخرج الراحل وعلق عليها: "إنا لله وإنا إليه راجعون، طيبة القلب وخفة الدم، أنتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم لاحقون".

إعلان

ونعت الفنانة ريهام حجاج المخرج سامح عبد العزيز، الذي أخرج لها مسلسلي "جميلة" و"صدفة"، معبرة عن حزنها الشديد لرحيله، وكتبت عبر حسابها:

"رحيله مؤلم.. كانت روحه طيبة ونقية، ولم تحتمل قسوة هذا العالم. أدعو الجميع لقراءة الفاتحة والدعاء له بالرحمة والمغفرة".

View this post on Instagram

A post shared by Riham Hagag (@rihamhagag)

وكتبت الفنانة هند صبري عبر خاصية القصص المصورة على حسابها الشخصي على إنستغرام: "خبر صادم ومحزن رحمه الله عليه وأسأل الله أن يلهم كل أحبائه الصبر ويجعل مثواه الجنة".

الفنان الكوميدي محمد هنيدي، الذي شارك في تشييع جنازة المخرج الراحل، كتب عبر حساباته الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي "ربنا يرحمك يا صديقي ويصبرنا على فراقك".

يذكر أن آخر الأعمال التي جمعت هنيدي بسامح عبد العزيز كان مسلسل "شهادة معاملة أطفال" الذي عرض في رمضان الماضي.

يُعد سامح عبد العزيز، المولود في القاهرة عام 1976، من أبرز المخرجين الذين تركوا بصمة واضحة في السينما والدراما المصرية خلال العقدين الأخيرين.

بدأ مشواره الفني في التلفزيون المصري بإخراج عدد من البرامج والأغاني المصورة، قبل أن يتجه إلى السينما في عام 2005 بفيلمه الأول "درس خصوصي".

وجاءت انطلاقته الحقيقية مع أفلام مثل "كباريه" و"الفرح"، التي رسّخت مكانته كمخرج ذي رؤية واقعية، يتقن إدارة الممثلين، ويبرع في تقديم الأعمال ذات الطابع الشعبي. وحقق نجاحا جماهيريا واسعا في الدراما التلفزيونية من خلال مسلسل "رمضان كريم"، الذي شكّل علامة فارقة في مسيرته.

وضم رصيده السينمائي أيضا عددا من الأعمال البارزة، من بينها "أحلام الفتى الطايش"، "أسد وأربع قطط"، "تيتة رهيبة"، "تتح"، "حلاوة روح"، إلى جانب فيلمه الأخير "الدشاش"، الذي عرض في السينمات مطلع هذا العام، من بطولة محمد سعد وزينة وباسم سمرة وخالد الصاوي.

وفي مجال الدراما التلفزيونية، أخرج سامح عبد العزيز مجموعة من المسلسلات الناجحة، منها "الحارة"، "مسيو رمضان مبروك أبو العلمين حمودة"، "فيفا أطاطا"، "بين السرايات"، "رمضان كريم"، "أرض النفاق"، "زي الشمس"، "خيانة عهد"، "حرب أهلية"، "يوتيرن"، "أنا وهي"، "جميلة"، و"صدفة".

وكان آخر أعماله مسلسل "شهادة معاملة أطفال" من بطولة محمد هنيدي، والذي عرض في موسم رمضان الماضي.

مقالات مشابهة

  • معارك طاحنة في السودان: الجيش يستعيد مواقع استراتيجية بالفاشر وتحذير من هجوم وشيك على الأبيض
  • القائمة الشعبية تبدأ استقبال طلبات الترشح لانتخابات النواب 2025
  • أزمة الوسط
  • السيد ذي يزن: البرنامج استكمال للجهود الوطنية الرامية إلى صقل مهارات الشباب وتوجيه طاقاتهم نحو مجالات البناء الوطني
  • تريند البنات: هل المزيكا الشعبية أصبحت ضيفًا دائمًا في السهرات الراقية؟
  • استمرار الحرب في السودان يُفاقم أزمة النازحين غرب البلاد
  • الجيش السوداني يصد هجوما على الفاشر.. وتفاقم أزمة النازحين غرب البلاد
  • “الثورة نت” ينشر نص كلمة قائد الثورة حول مستجدات العدوان على قطاع غزة والتطورات الدولية والإقليمية
  • رحيل المخرج المصري سامح عبد العزيز.. صاحب البصمة الشعبية في السينما والدراما
  • كلمة مرتقبة لقائد الثورة حول مستجدات العدوان على غزة والتطورات الدولية والإقليمية