جيش الاحتلال يفصل ضابطاً في الاستخبارات لرفضه التجنيد
تاريخ النشر: 20th, March 2025 GMT
#سواليف
أعلن #جيش_الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأربعاء، فصل #ضابط_احتياط في #شعبة_الاستخبارات العسكرية، إثر نشره تغريدة دعا فيها إلى رفض الامتثال للخدمة العسكرية أو #التجنيد للحرب.
ووصف الضابط المفصول ميخائيل مئير، في منشور على منصة “إكس” القيادة السياسية الإسرائيلية بأنها “زمرة خونة نتنين”.
وقال: “لقد انضممت إلى الجيش عن وطني وشعبي.
ورداً على ما سبق، أعلن المتحدث باسم الجيش فصل الضابط، ولفت في بيان إلى أن “القرار بالفصل يعكس سياسة الجيش بكل ما يتعلق بالدعوات العلنية لرفض الامتثال للخدمة وما يُشكله ذلك من مخالفة للقانون العسكري”.
على الرغم من فصله، أكد الضابط ميخائيل في تغريدة ثانية تمسكه بما قال، مضيفا “الأمر الأسهل بالنسبة لي هو مواصلة التغريد. قراري بالتعبير عن موقفي علناً هو خيار صعب، وله تبعات شخصية واجتماعية ونفسية غير بسيطة، لكن خياري صحيح”.
وأشار إلى أن حكومة الاحتلال “تجاوزت الخطوط الحمر منذ زمن، ولن أكون جزءاً من سعيها للتفريط بالمختطفين (الأسرى الإسرائيليين) وتركهم يموتون، فيما يبعث الجنود ليُقتلوا بلا هدف”.
وختم الضابط المفصول منشوره قائلاً إنه “عندما يصبح ابني بالغاً بما فيه الكفاية ليفهم ما حصل هنا وإذا سألني كيف سمحوا لهذا الأمر بالحدوث، سأقول له إنني استنفذت كل الطرق السلمية حتّى لا يحصل ذلك. ولن أكون من أولئك الأشخاص الذين قالوا إننا كنا ننفذ الأوامر فحسب”.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف جيش الاحتلال ضابط احتياط شعبة الاستخبارات التجنيد
إقرأ أيضاً:
الهزائم العسكرية العجيبة.. لماذا نتفاجأ مما نعرفه؟
«وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ…»
ثمة نوعان من المفاجآت: الأول، حين نتفاجأ بشيء لا نملك معلومات عنه، ويبدو هذا بديهيا جداً. والنوع الآخر، حين نتفاجأ بشيء لدينا معلومات كثيرة عنه، ويبدو هذا شديد الغرابة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2البروفيسور كيوهان لـ”الجزيرة نت”: ترامب أنهى قرن أميركا الطويل وجفَّف منابع قوتهاlist 2 of 2سيادة الدول رهن إشارة "جي بي أس".. فهل تتحرر قريبا من هذا الاستعمار؟end of listومع غرابة الأمر، فإنه يحدث بشكل ثابت مع الأفراد والجماعات على حد سواء، آخرها تفاجؤ إيران بالهجوم الإسرائيلي الذي أدى إلى اغتيال العديد من القيادات العسكرية وعلماء رفيعي المستوى في المشروع النووي، بعضهم كان في بيته من فرط ما كان مطمئناً.
ومع أن إيران راقبت أمام عينيها المفاجأة "المتوقعة" في "الإطباق" على حزب الله، وكانت على دراية باستعداد "إسرائيل" للهجوم عليها، فإنها استبعدت ذلك وتفاجأت به عندما حدث.
المفاجآت التي نعرفها تحدث على الدوام، حدثت مع الأميركيين يوم هجوم اليابان على بيرل هاربر عام 1941، ويوم حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، واجتياح صدام للكويت عام 1990، والكثير من الأمثلة، فما الذي يجعل المفاجأة المعروفة مسبقا تحدث؟
حين وضع توماس كون كتابه "بنية الثورات العلمية"، كان يفكر بالطريقة التي يتقدم بها العلم: تتوارد الملاحظات التي يعجز نموذج مستقر على معالجتها، إلا أن ذلك لا يؤدي إلى استبداله على الفور، فهذا يحتاج إلى ثورة داخل التصور تأخذ وقتا، لأن الذي يحكم تطور العلم ليس الحقائق العلمية المستقرّة في داخله فحسب، بل أيضا البيئة النفسية والاجتماعية للسياق العلمي.
الانتقال من تصوّر بطليموس للكون إلى تصوّر كوبرنيكوس، والمشاكل التي واجهتها فيزياء نيوتن مُتيحةً المجالَ لظهور النسبية، وغيرها من المسائل التي لم يحكمها تطور العلم بحدّ ذاته فقط، بل يلعب الإطار المعرفي (البردايم) دوراً أساسياً في ظهور بعضها وتأخر قبول بعضها الآخر.
إعلانقد تتراكم الملاحظات والمشاكل أمام العلماء ولا يرونها أو يستثنونها، حفاظاً على إطار تقليدي للفهم اعتادوه، حتى لا يعدّ بالإمكان تجاهل هذا التنافر الرهيب بين الملاحظات والإطار التفسيري، فتصبح هناك ضرورة لإحداث ثورة على هذا الإطار التفسيري، غالبا ما تواجه بتعنت وصدام، لأن الفطام عن المألوف شديد، وهذه قصة تغير البنى العلمية كل فترة.
هذا يعني باختصار أن تطور العلم ليس هو قصة تطوّر تجاربه ومعلوماته فقط، بل أيضا قصّة الطريق الطويل الذي تعبره الحقائق في صراع أطر الفَهم، والتي تعمل مثل "فلتر" حقيقي يحجب أحيانا ما هو بدهي، شديد الوضوح.
ولقد بدأتُ بطرح الظاهرة في عالم العلم، لأنه يبدو أبعد الأماكن عن تحيزات الأطر والمفاهيم، إلا أن هذا منزع إنساني يحتاجه الإنسان لكي يشعر بنوع من السيطرة والأمن على محيطه، لكنه إذا استقر أكثر من اللازم يصبح تهديداً، وفي عالم السياسة والحرب يصبح قاتلاً، فمفهوم واحد مضلل يكفي لهزيمة بلد بأكمله.
المفاهيم المفخخةفي مساء 5 أكتوبر/تشرين الأول 1973، كان المقدم الإسرائيلي يونا باندمان يراقب بلا اكتراث؛ التقارير التي تتوالى عن استعداد مصر وسوريا لشن الهجوم الصادم، الذي سيشكل لاحقا عقدة حقيقية في الوعي الصهيوني. كتب بثقة: "مع أن مجرد تصور تشكيل الطوارئ على جبهة القناة يحمل ظاهريًا مؤشرات على مبادرة هجومية، فإنه على حد علمنا، لم يطرأ أي تغيير على تقييم المصريين لتوازن القوى بينهم وبين قوات جيش الدفاع الإسرائيلي. لذا، فإن احتمالية نية المصريين استئناف القتال ضئيلة".
كانت المعلومات التي أمامه تتحطم سريعا على "فلتر" ضخم من الثقة بالفهم، ثقة ستأخذ لاحقاً مصطلحاً محدداً في الوعي الإسرائيلي: "المفهوم"، وهو الاسم الذي أطلقته لجنة "أغرانات" خلال محاولة إجابتها عن الإخفاق في التنبؤ بالهجوم.
بدأ "المفهوم" بالتشكّل أواخر عام 1968، ففي اجتماع لهيئة الأركان العامة الإسرائيلية يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني، قيّم رئيس إدارة الطيران في القوات الجوية، اللواء بيني بيليد، أن المصريين سيرتكبون خطأً فادحًا إذا حاولوا عبور القناة دون تحقيق تفوق جوي، وقال بثقة: "أتمنى أن يرتكبوا هذا الخطأ". وافقه رئيس الجيش الإسرائيلي وقائد سلاح الجو قبل حرب الأيام الستة، اللواء عزرا وايزمان.
شيئاً فشيئاً، سيتحول هذا التقييم إلى إطار للرؤية وإطار لحجبها أيضا، فقد استقرّ "المفهوم" إطاراً صارماً للفهم بعد أن صاغه قسم الأبحاث في مديرية استخبارات الجيش الإسرائيلي عام 1971، واضعاً شروطاً مسبقة تحكم ذهاب المصريين والسوريين إلى خيار الحرب، وأساسُه هو: لن تذهب مصر إلى الحرب مع "إسرائيل" ما لم تضمن لنفسها القدرة الجوية على مهاجمتها في العمق، خاصة المطارات الرئيسية لديها.
ومن أجل شل حركة القوات الجوية الإسرائيلية، احتاجت مصر من الاتحاد السوفياتي أن يزودها بالطائرات المقاتلة بعيدة المدى (طائرات "ميغ 23") التي يمكنها ضرب قواعد القوات الجوية الإسرائيلية، وأسلحة الردع (صواريخ "سكود" أرض-أرض) التي من شأنها أن تهدد العمق الإسرائيلي وتردعه عن ضرب أهداف عميقة في مصر، إلا أن ذلك لم يحصل. بعد أقل من سنة سينشأ لدى القيادة الإسرائيلية تناقض رهيب بين المعلومات الاستخباراتية التي تشير إلى استعدادات مصرية وسورية لخوض الحرب، وحقيقة أن مصر لم تحقق بعدُ القدرة الجوية لشل سلاح الجو الإسرائيلي.
إعلانارتفع "المفهوم" إلى مرتبة العقيدة، ولم تعد آحاد الملاحظات والتقارير قادرة على زعزعته. وخلال ذلك، كان تقدير المصريين قد تغيّر: سنخوض المعركة دون الحصول على الطيران السوفياتي.
كان العبور المصري حدثا صادما، ما زال يحفر في الوعي الإسرائيلي بعيداً، خاصة أن الإنذار المبكر وما يحمله من ضرورة تفوق استخباري، يشكل أحد الأركان الثلاثة الأساسية لمفهوم الأمن الإسرائيلي، إلى جانب الردع والحسم. لقد كان اندلاع الحرب بدون سابق إنذار ودون استعداد الجيش الإسرائيلي، "وضعا كارثيا" كما وصفه رئيس أركان الجيش، اللواء ديفيد إليعازر. وكما أشارت لجنة "أغرانات"، فإن المفاجأة الاستخباراتية كانت لها عواقب وخيمة عند اندلاع القتال.
ومقابل الدم الكثير الذي سال إسرائيلياً، سال حبر كثير في محاولة الإجابة عن السؤال الأهم: كيف تفاجأنا بشيء كان يحدث أمامنا طوال الوقت؟
عام 1983، كتب المؤرخ العسكري تسفي لانير كتاب "المفاجأة الأساسية.. استخبارات في أزمة"، محاولاً التفريق بين "المفاجأة الظرفية" الناتجة عن نقص المعلومات وبين "المفاجأة الأساسية"؛ تلك التي تحدث بسبب فجوة مفاهيمية لا يصلح فيها إطار الفهم في استيعاب المعلومات الواردة، وبالتالي فإن المعلومات الإضافية لا تُساعد في معالجتها.
"تحديد المفاجآت الأساسية أمر معقد"، كتب لانير، "فحتى بعد وقوع الحدث، نستمر في الحكم عليه باستخدام النظام الإدراكي القديم"، مقترحاً الوقوف في منطقة وسطى بين التفكير المنطقي والتفكير الحدسي، أو بكلماته: "التفكير في العاطفة"، ولكن ماذا يعني هذا؟
كان الدرس الأهم* بالنسبة للجنة "أغرانات" فيما يتعلق بالفشل الاستخباراتي قبل الحرب، أنه لا ينبغي الاعتماد على تحليل نوايا العدو، بل يجب على الجيش الإسرائيلي أن يُجهِّز نفسه بناءً على تقييم قدراته. هذا معناه، أن تكون العين على توسيع القدرات، لا على الانشغال بنوايا الأعداء، وأن تعدّ نفسك وكأنك ستُهاجَم الآن، ومن كل أحد.
لجان وإجراءات وكتب، حاولت "إسرائيل" من خلالها أن تسيطر على الطبيعة البشرية المجبولة على النقص. وضعت ثقتها في التكنولوجيا حيث التفوّق الاستخباراتي، فظنّت أن الجبل التكنولوجي سيعصمها من الماء، لكنْ جاءها الطوفان.
طوفان الأقصى.. لماذا أخفقت "إسرائيل" مجددا؟أمام أنظار "إسرائيل"، كانت تجري التدريبات العسكرية على اقتحام "غلاف غزة". وفي الأسابيع الأخيرة التي سبقت هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وردت التقارير التي تفيد بقيام مزارعين فلسطينيين بالتقاط صور للسياج الحدودي، وأخرى تتحدث عن عناصر من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يراقبون المواقع العسكرية والمستوطنات وبيدهم خرائط، لكنْ جرى تجاهل كل هذا.
قبل 11 ساعة من الهجوم، كان بالإمكان تفاديه، تقول التقارير الاسرائيلية، ففي 6 أكتوبر/تشرين الأول، أرسلت الاستخبارات الإسرائيلية بعض المؤشرات التحذيرية، التي أدت إلى سلسلة من المشاورات الأمنية في وقت متأخر من الليل، بين قادة في مناصب حسّاسة. لكن "المفهوم" سيطر عليهم، فلم يرسل "الشاباك" سوى عدد قليل من العاملين الإضافيين إلى قطاع غزة، بينما واصل مدير "جهاز الاستخبارات العسكرية" (أمان) اللواء أهارون هاليفا، قضاء إجازته في إيلات.
بتقدير مشترك من جهازي "الشاباك" و"أمان"، كانت ثمة قناعة راسخة بأن التفوق العسكري والاستخباري الإسرائيلي من شأنه أن يردع حماس عن الشروع في أي عمل عسكري كبير، وفي حال وجود هجوم يُخطط له فسيكون مسبوقاً بتحذير من المؤسستين في الوقت المناسب.
أخفقت "إسرائيل" أمام مثال سبق أن تعرضت له، واستطاعت المقاومة الفلسطينية أن تتحرك باتجاهين:
أولاً: تعزيز "المفهوم" عند العدو حتى يصبح عقيدة، وهو ما انعكس بضبط النفس الذي أبدته كتائب القسام بعدم دخولها في المواجهات المتقطعة بعد "سيف القدس"، وبمواصلة تدفق المساعدات المالية، وبزيادة نسبة العمال في الداخل المحتل؛ كلها مؤشرات أفادت بردع حماس وبنيّتها الذهابَ نحو تهدئة طويلة. ثانياً: التخدير بالإغراق، وهو أمر عملت عليه حماس بشكل ذكي، فخدّرت اليقظة الاستخبارية وأغرقتها بالعديد من الرسائل الأمنية، التي أدت في النهاية إلى تعطيل حاسة الخطر. إن كنتَ مسؤولاً عن تقييم المخاطر الكبرى، وكنت تحصل كل يوم على تحذير بمخاطر كبرى، فإنك لا تعود قادراً على معرفة الخطر الكبير عندما سيأتي. لقد قرأنا قصة شبيهة في طفولتنا عن الراعي الذي كان على الدوام يستنفر أهل قريته ضد ذئب غير موجود، فعندما جاء الذئب حقيقةً لم يكن أحد قادرا على أخذ تحذيره على محمل الجد. إعلاننُقلت القصة كما هي لتوصيف هذا الخطأ في عالم الاستخبارات، وصارت تعرف باسم "متلازمة الذئب" (Cry wolf syndrome)، وهي المشكلة المعروفة باسم "إرهاق التحذيرات". تكلمت حماس بشكل مستمر عن الطوفان والغلاف والاستعداد للمعركة الكبرى، وذُكر هذا في خطاب العديد من القادة، بل وأنتجت الحركة مسلسلاً تلفزيونياً يتحدث عن الخطة بكل وضوح؛ خالقةً حالة "تبلد التحذير" عند العدو.
إن خلق الضوضاء طريقة فعالة أمام هيمنة المراقبة وزيادة سطوتها، ومع أن الأمر قديم، فإن فاعليته الآن تزداد مع تزايد الرقابة واتساع قدرتها على جمع المعلومات. قبل الهجوم على بيرل هاربر عام 1941، أدى فائض الإنذارات والافتراضات إلى إلغاء فاعليتها، وعُدت هذه الحالة مثالا مرجعيا في فشل الاستخبارات الناتج عن ضوضاء التحذيرات.
يكشف معهد "بونيمون" أن المحللين الأمنيين، بسبب التشبّع المفرط بالمعلومات، يفوتون ما نسبته 31% من التحذيرات، وتتراوح الإنذارات الكاذبة بين 75 و95% من جميع التنبيهات الأمنية.
سوريا.. كيف يمكن "للمفهوم" أن لا يعضك؟لا يمكن الاستغناء عن المفاهيم والأطر التحليلية، فهي ضرورية لترتيب الزخم الكبير من المعلومات التي تحيط بنا. وتساهم الأطر في تحديد الأولويات ورؤية العالم ووضع الخطط، وفي كثير من الأحيان يعتبر التحليل أهم من المعلومة ومقدما عليها، فبإمكان المعلومات أن تكون مُضلّلة، كما ضللت الديكَ الرومي ألفُ يوم حول نيّات صاحب البيت الذي يطعمه ثم يذبحه في عيد الشكر، والمثال لنسيم طالب. ولو أن الديك الرومي تمسّك بالمعرفة التاريخية عن الإنسان والأعياد وموقعه هو من عالم البشر، لما اغتر بالمعلومات الخاطئة المُستقاة من رعايته اليومية واستعد ليومه الموعود.
تشيع العديد من القناعات اليوم في الفضاء العام السوري، آخذة طريقها نحو تشكيل أطر مفخخة للفهم في مجال السياسة، قناعات مثل أننا دخلنا مرحلة بناء الدولة بما يتطلبه الأمر من وعد بالاستقرار والرفاه، وأن الالتزام بهذا التوجه من شأنه أن يطمئن الإقليم ومن خلفه العالم إلى التجربة الجديدة فيقومون بدعمها، وكأن العالم يكافئ أصحاب النيات الجيدة ويعاقب أصحاب النيات السيئة، وليس قائما على تدافع خشن وعنيف يهدف إلى تجريد أي تجربة في منطقتنا من ممكنات قوتها، إما بتنفيسها تدريجيا ثم جزّها، وإما بالقضاء عليها قبل أن تكتمل.
ويُخشى أن استقرار المفاهيم الوردية على التصور السياسي يُفوّت القدرة على التحليل الثابت لطبيعة النظام العالمي والإقليمي العربي (مثلما حدث مع الديك الرومي)، ويفوت قراءة المعلومات الكثيرة التي تتوارد من مشروع إسرائيل الكبرى الذاهب إلى إخضاع التجربة وتقسيمها بوصفها مجالا لنفوذه الإقليمي، خصوصا بعد تراجع إيران. فنحن نتكلم عن ثلاث قوى إقليمية: إيران وتركيا وإسرائيل، ولن تترك دولة فراغا لأخرى إلا بالصراع، وهذا يعني أن سوريا بطبيعة الحال ميدان لهذا الصراع حاضرا ومستقبلا.
مجددا، تُوازن المعلومات بالتحليل ويُراجع التحليل بتراكم المعلومات، ويقتضي الحس السليم فحص المجالين باستمرار وطلب الهداية من الله. قد تستدرجنا المعلومات إلى الفخ، وقد تخدرنا، وقد تزيد من استرخائنا النفسي أمام الأخطار، ولهذا، فإن الاستناد إلى التحاليل والبنى والمعرفة التاريخية ضروري جداً لترتيب كل ما يحدث. ومع توارد الملاحظات الجديدة، فإن علينا باستمرار أن نفحص مفاهيمنا عن الواقع ومدى قدرتها التفسيرية، ثمّ ردّها إلى الأسس الثابتة في فهم طبائع الأمور والصراعات.
الواقع متغير ولا يمكن القبض عليه في لحظة سكون، والتناقضات الداخلية في هذا الواقع مكون أساسي فيه. وبالطبع، تساعدنا المفاهيم، لكن ستخيب آمال أولئك الذين يضعون ثقتهم فيها بلا نهاية.
يلعب الهوى دوراً خطيراً في كل هذا، تميل النفس إلى تفسير المعلومات وفقًا لرغبتها في سير الأمور، والنتائج التي تنفر من رؤيتها في الواقع تقلل معالجة المعلومات التي ترسخها. بطبيعة الحال، فإن التخلّص من الهوى أمر صعب، لكن فحصه باستمرار؛ أمانة وقوة وضرورة.
ومن المهم بمكان، الفصل بين "التحليل السياسي" (وهو عملية موضوعية بطبيعتها) وبين "اتخاذ الموقف" (وهي عملية انحياز واع وإيماني)، لكنّ أحدهما لا يحل مكان الآخر، وبدافع الرغائب؛ كثيراً ما يصبح الموقف تحليلًا والتحليل موقفاً.
يساعدنا التدربُ على طرح سؤال "ماذا لو؟" بدلاً من "هل؟"، والقيادات التي لا تعود للتفكير في السؤال الأول، تخاطر في مواقعها، أو أنها تسلمها مسبقا. فليس السؤال في سوريا اليوم "هل إسرائيل ستقبل بوجود التجربة الجديدة مستقرة وقوية بقربها؟"، بل السؤال الحقيقي: ماذا لو قررت "إسرائيل" مهاجمة سوريا قريباً؟ بقاء السؤال يقظا يتيح الإعداد الجاد، ويبقي النفس خارج مناطق الراحة القاتلة.
إعلانيصف القرآن الكفار "بالعَمَه"، وهو عدم القدرة على رؤية الأمور على حقيقتها استناداً إلى البصيرة، وهو غيرُ العمى الخاص بتعطل جارحة العين. يخبرنا ابن فارس أن "العين والميم والهاء أصلٌ صحيح واحد يدل على حيرةٍ وقلة اهتداء".
ولقد اقترن الفعل "يعمهون" بالطغيان في 5 آيات، وبالسكرة في آية، وبالتزيين في آية، مما يدل على فقدان التبصّر والتنبيه في "العمه". وهذا يعني أن التزكية وتخليص النفس من انحيازاتها؛ مسألة أساسية في رؤية الأمور على حجمها الحقيقي، وفي رؤية المخاطر قبل قدومها، وفي التصدي لطغيان النفس وثقتها الزائدة بنفسها، خصوصاً بعد لحظة انتصار، وعند السُكر والنشوة التي قد تصيبنا تحت وطأة الفرح أو الفزع، وعند التزيين الذي يمارسه شياطين الإنس والجن.. ومن تغلّب على نفسه "عدوه الداخلي"، يوشك أن يظفر بعدوه الخارجي.
__________
*هامش
قبل الحرب، كانت مديرية الاستخبارات تحتكر تقييم المعلومات الاستخبارية في "إسرائيل". وكجزء من دروس الحرب، تم تفكيك مركزية التقييم، كما أُنشئت هيئات تقييم في "الموساد" (شعبة الاستخبارات) ووزارة الخارجية (دائرة البحوث السياسية).
أنشأت مديرية استخبارات الجيش الإسرائيلي قسم الرقابة (المعروف أيضًا باسم "التقييم المحتمل")، ومهمته تقديم تفسيرات بديلة للتقييم المركزي، لإثارة التساؤلات حول افتراضاته الأساسية. رئيس القسم ضابط برتبة مقدم، ويرفع تقاريره مباشرةً إلى رئيس مديرية الاستخبارات، وليس إلى رئيس قسم الأبحاث.
بالإضافة إلى ذلك، تقرر فصل شعبة الاستخبارات عن هيئة الاستخبارات، التي سيرأسها ضابط استخبارات رئيسي تابع لرئيس الاستخبارات العسكرية، واستبدالها بمنصب "مساعد رئيس الاستخبارات العسكرية". وكان الهدف من ذلك، تمكين رئيس الاستخبارات العسكرية من تكريس نفسه للبحث وتقييم المعلومات الاستخبارية والتحذير، وإزالة الأعباء الإدارية للشؤون اللوجستية والتنظيمية عنه.