أكد الدكتور نظير عياد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- في حديثه الرمضاني، أن الأخلاق تحتل مكانة رفيعة في ديننا الحنيف، فهي دعامة أساسية من دعائم الدين، وأصل مشترك اتفقت عليه جميع الشرائع السماوية. بها تُبنى المجتمعات، وتُشيَّد الحضارات، وتُصان الكرامة، وتُحقق التنمية والاستقرار.

مفتي الجمهورية: لا استقامة للأخلاق بدون عقيدة.. والدين سندها الحقيقيمفتي الجمهورية: العشر الأواخر من رمضان فرصة عظيمة للصائمين

وأوضح مفتي الجمهورية، أن الرسالات السماوية كافة جاءت لترسيخ منظومة من القيم والمبادئ التي تحفظ للإنسان إنسانيته وكرامته، وقد أكد الإسلام على هذه المنظومة بشكل واضح، كما في قول الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25].

وأشار فضيلته إلى أن الأخلاق لم تكن جزءًا هامشيًّا في الرسالة الإسلامية، بل كانت غايتها الكبرى، كما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق»، فمهمة النبوة ارتكزت على تقويم السلوك وتهذيب النفوس وتأسيس مجتمع قيمي قائم على العدل والرحمة والتكافل.

وأضاف أن الأخلاق تشكِّل الأساس الذي يُبنى عليه الفكر، والمبدأ الذي ينطلق منه السلوك، فإذا اختل هذا الأساس، انعكس ذلك سلبًا على الأفراد والمجتمعات، وأدى إلى تصدع العلاقات وانهيار القيم. فالأخلاق هي "المعاقد الثابتة" التي تقوم بها الروابط الاجتماعية، ومتى زالت تلك الروابط، تفكك نسيج المجتمع وتحول إلى تجمع هش فاقد لقوة التماسك.

وبيَّن فضيلته أن العرب قبل الإسلام، رغم ما كان فيهم من جاهلية، امتلكوا بعض القيم الأخلاقية، كالكرم والشجاعة والحرية، والتي حفظت لهم هُويَّتهم، ورفضوا أن يكونوا تابعين لغيرهم من الأمم التي احتكوا بها.
وقد أشار المؤرخ جوستاف لوبون إلى أن العرب في جزيرة العرب وسوريا وإفريقيا "يحبون الحرية حبًّا جمًّا، لا يستطيع الأوروبي أن يتصوره"، وكانوا يعتبرون فقدان الحرية نوعًا من الاستعباد المرفوض، ولذلك لم تخضع نفوسهم لأي احتلال خارجي رغم محاولات الأمم الكبرى آنذاك.

وتابع : حين جاء الإسلام، بنى على هذه القيم وغذَّاها ووجهها، وأعاد صياغتها ضمن منظومة شاملة تُعلي من كرامة الإنسان، وتغرس في النفوس الإيمان بالمثل العليا، وتحثُّ على البذل والتضحية من أجلها.
وقد أرسى النبي صلى الله عليه وسلم هذا البناء على أسس أخلاقية واضحة، كما في قول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ} [الجمعة: 2]، فكانت التزكية جزءًا أصيلًا من الوظيفة النبوية، وهي تهذيب النفوس وتنقيتها من أرجاس الجاهلية ومساوئ الأخلاق.

وأشار مفتي الجمهورية إلى أن التاريخ يحفل بقصص الأمم التي بلغت ذروة المجد، لكنها سرعان ما انهارت حين فقدت منظومة القيم الأخلاقية، واستبدلتها بالأنانية والاستعلاء وظلم الآخرين.
وقد أشار القرآن الكريم إلى نماذج من تلك الأمم، كما في قصة فرعون الذي قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي} [الزخرف: 51]، فكان استكباره سبب هلاكه. وكذلك قارون الذي قال: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص: 78]، فكانت عاقبته أن خسف الله به وبداره الأرض.

كما أشار إلى أن الأخلاق تقف نقيضًا للصفات الأربع التي كانت سببًا في هلاك بعض من في الأرض: "أنا، ونحن، ولي، وعندي". فإبليس قال: {أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ} [ص: 76]، فاستحق اللعنة والطرد من رحمة الله.
وقوم بلقيس قالوا: {قَالُوا نَحْنُ أُو۟لُوا۟ قُوَّةٍۢ وَأُو۟لُوا۟ بَأْسٍۢ شَدِيدٍۢ} [النمل:33 ]. وقارون قال: {عِندِي}، أي "عِلْمٌ عندي". وفرعون قال: {لِي مُلْكُ مِصْرَ}، فكانت هذه الأنانيات مدخلًا للفساد والهلاك.

واختتم مفتي الجمهورية حديثه بالتأكيد على أن سيادة "قانون الأخلاق" هي مفتاح نشأة الحضارات واستمرار الدول واستقرار المجتمعات، وأن تراجع هذا القانون أو ضياعه يؤدي حتمًا إلى الانهيار والسقوط.
وهذا ما جاءت به الشريعة الإسلامية، حيث قامت رسالتها على إصلاح النفوس، وإرساء مبادئ العدل والإحسان، وتحقيق السلم المجتمعي، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل: 90].
وأكد أن المجتمعات المعاصرة بحاجة ماسَّة إلى استعادة أخلاقها، فهي سفينة النجاة، والضامن الحقيقي للأمن والاستقرار، والمصدر الوحيد لاستعادة الكرامة الإنسانية التي تآكلت في ظل مفاهيم مغلوطة وشعارات براقة خادعة، ولن تعود إلا بالتمسك بالقانون الأخلاقي الإلهي الذي يحفظ الكرامة، ويضمن السلامة، ويحقق الخير والسعادة للبشرية جمعاء.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مفتي الجمهورية نظير عياد الدين الإسلام الأخلاق المزيد مفتی الجمهوریة أن الأخلاق إلى أن

إقرأ أيضاً:

الأضحية عذاب للحيوان.. كيف رد الشرع على المشككين في السنة التي شرعها الله؟

أجاب الباحث خالد شلتوت، بوحدة اللغة الألمانية بمرصد الأزهر، عن سؤال: “لماذا نضحى؟ وما الحكمة من نحر الأضحية في عيد الأضحى المبارك كمظهر أساسي من مظاهره؟ والرد على من يزعمون أن نحر الأضاحي فيه قسوة على هذه الحيوانات”.

لماذا نضحي؟
وقال خالد شلتوت، في تصريح له، إن كل الأديان والثقافات عرفت مفهوم القربان والأضحية بشكل أو بآخر، والإسلام دين رحمة وشفقة، وأخبرنا رسول الله “أن امرأة دخلت النار في هرة” وفي حديث آخر “رجل دخل الجنة لأنه سقى كلبا”.

وأضاف أن الله تعالى بين لنا أن وظائف الأنعام كثيرة، منها أنها تدخل في طعام الإنسان، فيقول الله (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ).

كذلك أن أحد أسباب استمرار الحياة على وجه الأرض هو التنوع البيولوجي فنجد أن بعض الحيوانات تتغذى على بعضها كذلك هناك صناعات متعلقة بلحوم الحيوانات.

من المضطر الذي لا يرد الله دعاءه؟.. الشيخ الشعراوي يُجيبدعاء الامتحانات.. للتيسير والسرعة في التحصيل فقط ردده بيقين

كيف رد الشرع علي المشككين في السنة التي شرعها الله؟ 
وأكد أن طريقة نحر الأضاحي وفقا للشريعة الإسلامية ليس فيها أي عذاب للحيوانات، وأن طريقة النحر تضمن التخلص من الدماء والمخلفات التي من الممكن أن تحتوي على العديد من المخاطر والأمراض.

من جانبها، قالت أسماء مطر، الباحثة بوحدة اللغة الإنجليزية بمرصد الأزهر، إن تقديم الهدى والأضاحي هو نسك وشريعة مقدسة وسنة للنبي إبراهيم عليه السلام، وليس كما يزعم البعض أنها مجزرة جماعية للأنعام.

وأوضحت أن قصة فداء سيدنا إسماعيل بكبش عظيم، هي بمثابة التأكيد على قدسية النفس الإنسانية، وضرب الوالد والولد أروع المثل في الطاعة المطلقة والامتثال لأوامر الله عزوجل.

هل تشعر الأضحية بالألم؟
وذكرت أن النحر بالطريقة الإسلامية لا يشعر فيها الحيوان بأي عذاب أو ألم على الإطلاق، منوهة إلى أن من خلال هذه الطريقة بفصل فيها أربعة عروق وهي: الودجان، والمريء مجرى الطعام، والحلقوم مجرى النفس، والذي يجزئ قطع ثلاثة منها فقط، ولكن بهذه الطريقة لا يشعر الحيوان بأي ألم على الإطلاق لأنه يغيب عن الوعي في جزء من الثانية ويصفى دمه كاملا في دقائق معدودة.

وأشارت إلى أن الأبحاث العلمية تقول إن عدد البكتيريا في اللحم الذي تم على الطريقة الإسلامية يصل في الجرام الواحد إلى 7 آلاف، أما عدد البكتيريا في اللحم الذي تم عن طريق الصعق أو القتل يصل إلى 20 مليونا في الجرام الواحد.

طباعة شارك لماذا نضحي الأضحى عيد الأضحى هل تشعر الأضحية بالألم كيف رد الشرع علي المشككين في السنة التي شرعها الله

مقالات مشابهة

  • الأزهر يطلق مشروعه الصيفي لحُفّاظ القرآن بمناطق الجمهورية
  • إمام وخطيب مسجد العلي العظيم يوضح الخطوات التي يحتاجها الإنسان للتحصين من الحسد
  • الأضحية عذاب للحيوان.. كيف رد الشرع على المشككين في السنة التي شرعها الله؟
  • من المضطر الذي لا يرد الله دعاءه؟.. الشيخ الشعراوي يُجيب
  • أزمة "الزمالك للساق الواحدة".. تجاهل واستغاثة برئيس الجمهورية
  • الكوكب الذي غاب عن السماء.. زاهر البوسعيدي في ذمة الله
  • هل يجوز للزوج إجبار زوجته على الإجهاض؟.. مفتي الجمهورية يجيب
  • من هو منشد حزب الله الذي تجسس لصالح إسرائيل وأطاح برؤوس حزب الله؟
  • الكائنات الغريبة التي لم نعهدها
  • غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء