القرار ليس في واشنطن… بل في صنعاء
تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT
بعد عملية “طوفان الأقصى” والهجوم المفاجئ الذي شنته المقاومة الفلسطينية ضد كيان الاحتلال في السابع من أكتوبر 2023، بات واضحاً للجميع أن الحرب لم تعد مجرد صراع بين طرفين؛ بل كانت بداية لمرحلة جديدة في المنطقة، مرحلة تراجع فيها النفوذ الغربي بشكل غير مسبوق. فالتطورات التي شهدتها الساحة العسكرية والسياسية في الأشهر التي تلت تلك العملية كانت تشير بوضوح إلى أن المعادلة الإقليمية كانت على وشك الانقلاب.
اليوم، ليس من المستغرب أن نقول إن القوى التي كانت تُعتبر في السابق “فاعلين غير أساسيين” قد أصبحت تصنع القرارات الحاسمة في المنطقة، وكان من أبرز هؤلاء اليمن.
لقد غيّر الدور البارز الذي لعبته حركة أنصار الله في هذا السياق كل الحسابات ولم تعد اليمن مجرد ساحة حرب أخرى تتعرض للدمار بسبب حصار قاسٍ فرضه تحالف العدوان بقيادة السعودية، بل أصبحت عامل تأثير رئيس في محيطها الإقليمي. ومن المفارقات الكبرى أن ذلك جاء في وقت كان فيه العالم يُلقي باللوم على إيران في كل ما يتعلق بالتحركات اليمنية، رغم أن الواقع أثبت أن حركة أنصار الله مستقلة تماماً في قراراتها، بل وتفوقت على العديد من الدول الكبرى في قدرتها على مواجهة التحديات.
عندما نتحدث عن دعم إيران لحركة أنصار الله، فإننا نتجاهل حقيقة أن هذا الصراع ليس مجرد حرب بالوكالة.
اليمن، منذ بداية الحرب، لم يتلق الدعم العسكري من إيران كما كان يُروج في الإعلام الغربي. فما كشفته الأحداث في السنوات الماضية هو أن اليمنيين قد نجحوا في تطوير قدراتهم العسكرية بأنفسهم، بفضل الإرادة الصلبة والدعم المحلي من قبل شباب اليمن الذين أثبتوا أنهم أكثر استعداداً وكفاءة من كثير من القوى الإقليمية والدولية. حتى الشهيد قاسم سليماني، الذي كان أحد الأركان الأساسية في السياسة الإقليمية الإيرانية، أكد في أكثر من مناسبة أن شباب اليمن يمتلكون من القدرات ما يجعلهم أكثر كفاءة من أي قوة أخرى في المنطقة.
والأمر الذي ربما يجهله الكثيرون هو أن اليمن، منذ بداية العدوان عليه في عام 2015، يعاني من حصار بري وبحري وجوي لا مثيل له في التاريخ الحديث. هذا الحصار لم يسمح بأي إمدادات خارجية، بما في ذلك الأسلحة والذخائر، مما دفع أنصار الله إلى تصنيع معداتهم الحربية محلياً. وعلى الرغم من هذه الظروف، تمكنت الحركة من إنتاج صواريخ وطائرات مسيرة أصبحت تشكل تهديداً حقيقياً لعدد من القوى الإقليمية والدولية، وهو ما دفع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني إلى محاولة فرض عقوبات قاسية على إيران بدعوى أنها تُقدّم الدعم لحركة أنصار الله. إلا أن الحقيقة تظل ثابتة: اليمن محاصر، وليس هناك أي دليل يثبت أن إيران كانت وراء تزويد “أنصار الله” بالأسلحة أو المعدات العسكرية.
إن محاولات الولايات المتحدة وكيان الاحتلال لتحميل إيران المسؤولية عن أي هجوم ينفذه أنصار الله تبدو محاولة يائسة لتغطية عجزهما عن مواجهة التحديات التي فرضها محور المقاومة.
المفارقة الكبرى التي تكشفها الحرب في اليمن هي أن واشنطن وكيان الاحتلال يعيشان في فقاعة سياسية، حيث لا يزالان يعتقدان أن السيطرة على المنطقة أمر حتمي بالنسبة لهما. ولكن الحقيقة أن اليمن قد غيّر هذه المعادلة بشكل غير متوقع. من خلال الهجمات التي استهدفت السفن {الإسرائيلية} في البحر الأحمر، مروراً بالهجمات على مواقع أمريكية، أثبتت حركة “أنصار الله” أنها ليست مجرد فصيل تابع لدولة أخرى، بل هي قوة مستقلة تستطيع تحريك الموازين الإقليمية. وفي هذا السياق، يمكن القول إن قرار الحرب والسلام لم يعد بيد واشنطن أو يافا التي أصبح أسمها العبري تل أبيب، بل أصبح في يد أطراف جديدة تسعى لتحقيق استقرار في المنطقة بناءً على معايير أخرى غير تلك التي تسعى القوى الغربية لفرضها.
أما في ما يخص تصريحات ترامب، فإنها تعكس حجم الارتباك الذي تعيشه الإدارة الأمريكية.
الرئيس الأمريكي الذي جاء إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية محملاً بوعود “إعادة الهيبة” إلى أمريكا، لم يكن يدرك أن مصالحه الاقتصادية والسياسية أصبحت على المحك بسبب تطورات الأوضاع في المنطقة. فالحصار الذي فرضه على إيران منذ عام 2018، والسياسات العدائية تجاه محور المقاومة، جعلته يجد نفسه أمام تحد غير مسبوق. في الوقت الذي كانت فيه أمريكا تحاول فرض هيمنتها على أسواق الطاقة، جاء الهجوم على السفن {الإسرائيلية} في البحر الأحمر ليؤكد أن ميزان القوى في المنطقة قد تغير.
كما أن فكرة أن إيران تتحمل مسؤولية الهجمات التي ينفذها {الحوثيون} هي فكرة مغلوطة. إيران لم تكن هي من قرر الهجوم على سفن الكيان الصهيوني أو القوات الأمريكية في البحر الأحمر. بل إن حركة أنصار الله في اليمن هي التي اتخذت قراراتها بشكل مستقل، وفقاً لمصالحها الاستراتيجية. ليس هذا فحسب، بل إن الهجمات التي استهدفت السفن الأمريكية والتابعة للكيان الصهيوني كانت بمثابة رد فعل طبيعي على الحصار المفروض على اليمن، وعلى موقف أمريكا من دعم الكيان الصهيوني في العدوان على الفلسطينيين.
إذاً، فإن النظرة السطحية التي تحاول أن تروج لها بعض القوى الغربية ووسائل إعلام عربية تابعة لها حول مزاعم الدعم الإيراني للحوثيين هي مجرد ستار يغطي عجز تلك القوى في مواجهة الحقيقة: إن حركة أنصار الله أصبحت قوة ذات قدرة كبيرة على اتخاذ قرارات مستقلة تؤثر بشكل مباشر في مجريات الأحداث الإقليمية. فما فعله “أنصار الله” في هذا السياق هو أنهم أطلقوا حركة مقاومة حقيقية، ترتكز على استقلال القرار، بعيدة عن تأثيرات الدول الكبرى والدول الأخرى .
وفي النهاية، إذا كانت هناك أي دروس يجب تعلمها من هذه الحرب، فهي أن إرادة الشعوب هي العنصر الحاسم في تغيير الواقع. لم يعد الأمر محصوراً في سياسات القوى الكبرى أو الحروب بالوكالة. ما يحدث اليوم في اليمن هو نتيجة إرادة حرة لشعب قرر أن يكون له دور في تقرير مصيره، دون أن ينتظر توجيها من أحد. هذه هي الحقيقة التي يحاول ترامب ونتنياهو تجاهلها، لكنهم في النهاية سيضطرون للاعتراف بها، لأن الحقائق على الأرض تتحدث بصوت أعلى من أي خطاب سياسي.
اليوم ومع كل تقدم تحققه المقاومة، يصبح من الواضح أن القرار لم يعد يُتخذ في واشنطن أو كيان الاحتلال، بل أصبح في عواصم أخرى تسعى لتحقيق أهدافها بعيداً عن الهيمنة الغربية، ومنها بالطبع صنعاء.
كاتب عراقي
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
إيران تشترط تعويضات قبل استئناف المفاوضات مع واشنطن
البوابة- أكد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أن استئناف المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة يجب أن يسبقه تعويض رسمي عن الخسائر التي لحقت بإيران جراء الضربات الأميركية خلال حرب يونيو/حزيران الماضي.
وفي مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز، أشار عراقجي إلى أن واشنطن مطالبة بتفسير الهجوم الذي وقع خلال فترة المفاوضات، إلى جانب تقديم ضمانات تضمن عدم تكرار مثل هذا التصعيد في المستقبل. واعتبر أن هذه الخطوات ضرورية لبناء الثقة بين الطرفين، مضيفًا أن بلاده بحاجة إلى "إجراءات عملية" من الجانب الأميركي قبل العودة إلى طاولة الحوار.
الصحيفة البريطانية كشفت أن تبادلاً للرسائل جرى بين عراقجي والمبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف أثناء الحرب وبعد اندلاعها. وقد شدد المسؤول الإيراني في رسائله على ضرورة التوصل إلى حل متوازن يخدم مصالح الجانبين ويضع حدًا للأزمة المستمرة بشأن البرنامج النووي الإيراني.
وطالب عراقجي بأن يشمل أي اتفاق محتمل تعويضات مالية وضمانات بعدم تكرار الهجمات خلال فترات التفاوض، لكنه لم يذكر تفاصيل إضافية بشأن شكل أو حجم هذه التعويضات.
يأتي هذا الموقف الإيراني في وقت تتصاعد فيه الانتقادات الداخلية؛ إذ واجه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان هجومًا لاذعًا من الصحف المحافظة بعد تصريحاته المؤيدة لاستئناف الحوار مع واشنطن، والتي أدلى بها خلال مقابلة مع الإعلامي الأميركي تاكر كارلسون.
من جهته، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن بلاده ليست في عجلة للتفاوض، مدعيًا أن المواقع النووية الإيرانية قد "دُمّرت". ومع ذلك، وافقت واشنطن بالتنسيق مع الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) على مهلة تنتهي في نهاية أغسطس/آب المقبل للتوصل إلى اتفاق.
وكانت خمس جولات من المفاوضات قد عُقدت بين الطرفين قبل شن الضربات الأميركية التي وصفتها واشنطن وإسرائيل بأنها استهدفت منشآت مرتبطة بتطوير سلاح نووي، بينما تصر إيران على أن برنامجها النووي سلمي تمامًا ويهدف لأغراض مدنية.
المصدر: رويترز
كلمات دالة:إيران تشترط تعويضات قبل استئناف المفاوضات مع واشنطنواشنطنمفاوضاتتعويض© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
عملت رولا أبو رمان في قسم الاتصال والتواصل لدى جمعية جائزة الملكة رانيا العبدالله للتميز التربوي، ثم انتقلت إلى العمل كصحفية في موقع "نخبة بوست"، حيث تخصصت في إعداد التقارير والمقالات وإنتاج الفيديوهات الصحفية. كما تولت مسؤولية إدارة حسابات مواقع التواصل الاجتماعي.
انضمت رولا لاحقًا إلى فريق "بوابة الشرق الأوسط" كمحررة وناشرة أخبار على الموقع وسوشال ميديا، موظفة في ذلك ما لديها من مهارات في التعليق...
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن