بعد نحو ثلاثة أسابيع من انطلاق حملة جوية كثيفة على اليمن في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لم تحقق العمليات العسكرية أي إنجاز استراتيجي واضح، رغم تجاوز كلفتها حاجز المليار دولار.

 

ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير الماضي، اعتبر أن جماعة «أنصار الله» تمثل «خطرًا متصاعدًا» بعد استهدافها سفنًا تجارية مرتبطة بإسرائيل، تضامنًا مع الفلسطينيين خلال الحرب على قطاع غزة.

وردّت واشنطن بحملة جوية تحت شعار «حماية حرية الملاحة»، شملت مئات الضربات ضد أهداف في شمال وغرب اليمن باستخدام ذخائر دقيقة.

 

غير أن هذه الحملة افتقرت إلى التنسيق الدبلوماسي وبناء التحالفات الإقليمية، كما تجاهلت السياق الأوسع المتمثل في حرب غزة، ما جعلها تبدو منقطعة عن جذور الأزمة، ومكلفة ماليًا بدون تحقيق مكاسب حقيقية.

 

النتائج على الأرض: فاعلية محدودة

 

رغم إعلان القيادة المركزية الأمريكية تدمير عشرات «الأهداف المتحركة»، إلا أن مراقبين مستقلين شككوا في دقة هذه الأرقام. فسرعان ما استأنفت جماعة «أنصار الله» عملياتها البحرية، ما كشف عن محدودية التأثير العسكري الأمريكي، والفشل الواضح في شل قدرة الجماعة.

 

في المقابل، وظّفت الجماعة خطابًا سياسيًا وإعلاميًا ذكيًا، فظهر المتحدث باسمها محمد عبد السلام ليصف الهجوم الأمريكي بأنه «محاولة لكسر إرادة اليمنيين»، فيما أكد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي أن الغارات تدل على عجز واشنطن، متوعدًا باستمرار الردّ.

 

استخدمت «أنصار الله» خطابًا حقوقيًا يصف الضربات بأنها «انتهاك للسيادة اليمنية»، و«جرائم حرب»، وقدمت شكاوى إلى مجلس الأمن تطالب بتحقيق دولي. وعرض إعلام الجماعة مشاهد لطائرات مسيّرة واستعراضات عسكرية، ما عزز صورتها كحركة مقاومة فعالة.

 

كما أن انتشار الجماعة في تضاريس جبلية صعبة، وارتباطها بشبكات قبلية، زاد من صعوبة استهدافها رغم التفوق الأمريكي التكنولوجي، لتتحول الحملة إلى نزيف مالي من دون نتيجة سياسية أو ميدانية واضحة.

 

أثر عكسي: توسيع القاعدة الشعبية للحوثيين

 

بدلاً من إضعاف الحوثيين ساهمت الغارات في تعزيز شعبيتها. بل أثارت موجة معاداة للولايات المتحدة في المنطقة، وتحديدًا في العراق وسوريا ولبنان. كما أبدى حلفاء واشنطن في أوروبا، مثل فرنسا وألمانيا، قلقهم من تصاعد العنف، ودعوا إلى حل دبلوماسي.

 

أما داخل أمريكا، فواجهت إدارة ترامب انتقادات من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وطالب مشرّعون بتوضيح أهداف الحملة وآلية الخروج منها، والتي وصفها السيناتور كريس مورفي بأنها «بلا نهاية»، بينما اعتبر الجمهوري راند بول أن الإنفاق العسكري في الخارج غير مبرر في ظل التحديات الاقتصادية المحلية.

 

وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة «غالوب» أن 62 في المئة من الأمريكيين يفضلون توجيه الميزانية نحو قطاعات مثل الصحة والتعليم، مقابل 27 في المئة فقط أيدوا الحملة العسكرية في اليمن، ما يعكس تراجع التأييد الشعبي للمغامرات العسكرية الخارجية.

 

تحذيرات مبكرة من داخل الإدارة

 

وحتى قبل تولي ترامب منصبه، كانت هناك تحذيرات داخل إدارته من التصعيد ضد الحوثيين، حيث وصف المستشار الأمني مايك والتز الجماعة بأنها «وكلاء لإيران»، معتبرًا أن التركيز يجب أن يكون على طهران لا اليمن. أما إلبريدج كولبي، المرشح لإدارة سياسات البنتاغون، فاعتبر أن إرسال طائرات لضرب اليمن يعكس فشلًا استراتيجيًا عميقًا.

 

وجاءت فضيحة التخطيط للضربات في دردشة جماعية عبر تطبيق «سيغنال» لتزيد الضغوط على الإدارة، والتي دافعت عن الحملة واعتبرتها «عودة للقوة الأمريكية» بعد «تراخي» إدارة بايدن.

 

ورغم التغييرات في التكتيك، تتشابه الحملة الحالية مع نهج بايدن الذي لم ينجح أيضًا. ورغم ضرب أكثر من 100 هدف منذ آذار/مارس الماضي، بما في ذلك منشآت قيادة وتخزين أسلحة، فإن الحوثيين ظلوا قادرين على إعادة الإمداد بدعم من إيران.

 

واعتبر مايكل نايتس، الباحث في معهد واشنطن، أن «من غير المرجح أن تنهار الجماعة قريبًا». بل أن هذه الحرب الجوية تؤكد استمرارية في الفشل، وليست استراتيجية جديدة كما تزعم الإدارة.

 

تحول الشحن العالمي وغياب الأفق

 

منذ بدء استهداف السفن في البحر الأحمر، الذي تمر عبره 15 في المئة من تجارة العالم، أعادت شركات الشحن العالمية مساراتها، رافضة المجازفة بالمرور في منطقة مشتعلة، ما أدى إلى إيرادات أكبر لتلك الشركات خلافا للمورد أو المستورد، وما يجعل عودة الأوضاع السابقة شبه مستحيلة.

 

وقال نايتس: «الحوثيون أعادوا تشكيل الشحن العالمي بشكل مربح، ما يعني أن أحد الأهداف الأساسية للحملة – إعادة فتح الممرات – لم يتحقق، وربما لن يتحقق قريبًا».

 

واستأنف الحوثيون هجماتهم في 11 آذار/مارس بعد هدنة قصيرة، ما يثبت أن الردع العسكري لم يحقق هدفه. وأشار المحلل بن فريدمان إلى أن وقف الهجمات قد يتحقق بشكل أسرع لو مارست واشنطن ضغوطًا على إسرائيل لتسهيل دخول المساعدات إلى غزة، بدلًا من مواصلة القصف.

 

ولكن بدلاً من ذلك، اختارت إدارة ترامب التصعيد، فمددت نشر حاملة الطائرات «هاري إس ترومان»، وأرسلت أخرى إضافية، مع تعزيزات من قاذفات «بي-2» وبطاريات دفاع جوي.

وفيما تستمر الغارات، حذر ديمقراطيون في الكونغرس من أن الكلفة العسكرية ستؤثر على الجاهزية الأمريكية، بينما وصف مساعد في الكونغرس استراتيجية البنتاغون بأنها تفتقر للتوازن بين الوسائل والغايات.

 

ورغم القوة العسكرية الهائلة، لم تُحقق الحملة الأمريكية في اليمن أي اختراق استراتيجي. فالجماعة المستهدفة أثبتت قدرة على الصمود، بل اكتسبت زخمًا سياسيًا وشعبيًا، بينما تواجه إدارة ترامب ضغطًا داخليًا وخارجيًا متزايدًا.

 

وفي ظل غياب أهداف واضحة وخطة خروج، تبدو الولايات المتحدة عالقة في صراع مكلف، يعيد إلى الأذهان دروسًا لم تُستوعب من تدخلات سابقة في المنطقة.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن أمريكا الحوثي حرب اسرائيل

إقرأ أيضاً:

عاجل|ترامب يشعل معركة الصلب: رفع الرسوم إلى 50% لتعزيز الصناعة الأمريكية

في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع الرسوم الجمركية على واردات الصلب إلى 50%، مؤكدًا أن القرار يهدف إلى تعزيز مكانة صناعة الصلب الأمريكية.
وخلال زيارته لمصنع شركة "يو إس ستيل" في ولاية بنسلفانيا، قال ترامب: سنضيف زيادة بنسبة 25% على الرسوم الحالية، مما سيعزز بشكل أكبر قطاع الصلب في بلادنا".

عاجل|ترامب يسخر من لحظة ماكرون المحرجة: تأكد من إغلاق الباب ???? عاجل- شاهد.. فيديو مضحك ترامب لماكرون بعد صفعة زوجته: "خلي بالك من إغلاق باب الطائرة" صفقة كبرى مع اليابان: استثمارات بالمليارات والسيطرة الأمريكية محفوظة

وأوضح ترامب أن قراره جاء بالتزامن مع صفقة ضخمة مع اليابان تشمل استثمارات بمليارات الدولارات، مؤكدًا أن الاتفاق يضمن الحفاظ على السيطرة الأمريكية على المنشآت الصناعية الاستراتيجية.
الصفقة، وفق تصريحات ترامب، تمثل جزءًا من خطة أكبر لإعادة التوازن التجاري مع الدول التي تمتلك فوائض كبيرة في التبادل التجاري مع الولايات المتحدة.

عاجل|ترامب يشعل معركة الصلب: رفع الرسوم إلى 50% لتعزيز الصناعة الأمريكيةحرب الرسوم: من 10% إلى 50%... والكرة في ملعب الشركاء التجاريين

تعود جذور القرار إلى مرسومين وقعهما ترامب سابقًا، ينصان على فرض رسوم "متبادلة" على الواردات، تبدأ بنسبة 10% وتصل إلى معدلات أعلى بناءً على عجز الميزان التجاري الأمريكي مع الدول المعنية.
ورغم دخول الرسوم حيز التنفيذ في أبريل، طلبت أكثر من 75 دولة التفاوض بدلًا من الرد بإجراءات مماثلة، ما أدى إلى تطبيق الرسوم الأساسية فقط لمدة 90 يومًا باستثناء الصين.

معركة قضائية مشتعلة: المحكمة تتحدى وترامب يتمسك بالقرار

في تطور قانوني لافت، قضت محكمة التجارة الخارجية الأمريكية بأن ترامب تجاوز صلاحياته بفرض تلك الرسوم، وأمرت بتعليقها فورًا.
لكن المفاجأة جاءت سريعًا، حيث أعادت محكمة الاستئناف تفعيل الأوامر الرئاسية مؤقتًا في اليوم التالي، مستثنية بعض الرسوم مثل تلك المفروضة على السيارات والصلب والألمنيوم، والتي لا تزال سارية حتى إشعار آخر.

ترامب: الصين "انتهكت بالكامل" الاتفاق مع واشنطن بشأن الخفض المتبادل للرسوم ترامب يشيد بماسك ويعلن مؤتمرا مشتركا بمناسبة انتهاء فترة عمله الحكومية هل تتحول قضية الصلب إلى أزمة اقتصادية عالمية؟

مع تصاعد التوترات التجارية وإجراءات الحماية الجمركية، يبقى السؤال الأهم:
هل تنجح هذه القرارات في إنقاذ صناعة الصلب الأمريكية أم أنها ستؤدي إلى حرب تجارية واسعة تُلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي؟
الأيام القادمة كفيلة بالكشف تأثير هذه الإجراءات على الأسواق والشراكات الاقتصادية الكبرى.

مقالات مشابهة

  • عاجل|ترامب يشعل معركة الصلب: رفع الرسوم إلى 50% لتعزيز الصناعة الأمريكية
  • الرئيس العليمي يطلب من روسيا تزويد اليمن بمنظومة دفاع جوي ويكشف: الحوثيون هددوا بقصف مطاراتنا (شاهد المقابلة كاملة)
  • واشنطن تُمهل طهران.. شروط صارمة لوقف التخصيب وتفادي المواجهة العسكرية
  • الصين لـ واشنطن : نرفض وبشدة مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى تايوان
  • الصين تحوّل القذائف المدفعية إلى قنابل انزلاقية!
  • باحث صهيوني: الغارات الإسرائيلية على اليمن بلا جدوى.. وغزة هي المفتاح لإيقاف ضربات صنعاء
  • باحث “إسرائيلي”: الغارات على اليمن بلا جدوى وغزة هي المفتاح
  • لماذا تستعرض إسرائيل حجم المساعدات العسكرية الأمريكية المقدرة بـ 940 سفينة؟
  • هل يتخلى ترامب عن نتنياهو؟.. مستشار بمعهد واشنطن يجيب
  • ماسك يحذر من تكاليف باهظة لمشروع قانون السياسة الداخلية