جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-10@11:00:41 GMT

الحُب في زمن التوباكو (5)

تاريخ النشر: 23rd, April 2025 GMT

الحُب في زمن التوباكو (5)

 

 

مُزنة المسافر

 

جوليتا: وأين هو الآن رجل القطار يا عمتي؟

ماتيلدا: لقد رحل.

جوليتا: إلى أين؟

ماتيدا: صار القطار البطيء سريعاً فجأة، أخذ منديله ووضعه في جيبه مع قبعته الرصينة، وتركني وحيدة، قال لي: لقد حان الوقت إنها المحطة المنتظرة.

جوليتا: لكن لم يكتب لكِ أي عنوان يا عمتي؟

ماتيلدا: القطار صار سريعاً، والزمن تحرك بسرعة عاجلة، ولم يعِ أن قلوبنا واهية وضعيفة أمام التغيير، وأن الخجل والوجل الذي ساد قلبي، لم يكن في قلوب الأخريات.

 بالطبع  كنت أعتقد أنَّ إحداهن قد قنصت قلبه بعيداً عني أنا، والأسوأ من ذلك يا عزيزتي أن والدك وجدك قد ثقبوا قبعته ولطخوا سترته الثمينة بالغبار، وفي الحقيقة ألقوا به في وحل الشارع، وأهانوا كرامته وحطموا أناقته.

ولأنه كان رجلاً مختلفاً، لم يرغب أبداً أن يشعل نيران الشك في قلوبهم أكثر، وجاءوا إلى وكري في منزل جدك القديم، وألغوا لي فصلاً جميلاً من الرومانسية، وقالوا إنِّه أرعن وغير متوازن، ومع الوقت اكتشفت أنا أنهما يكذبان طبعاً حتى استمرُ في الغناء، لأحصد المال والشهرة لهما، وأن يكون المسرح منشغلاً بي وبصوتي فقط، بينما كنتُ أنا منشغلة برجل القطار، وكان اسمه غابرييل.

كان رجلاً لبقاً، لطيفاً للغاية يا جولي، بينما كان أبوك وجدك يشبهان رجال المناجم المحترقة قلوبهم للوقت الذي يضيعونه في الظلام، وكانت حياتي في المسرح أجمل الأمور التي حصلت لي، لكن بين فينة وأخرى كان هو في بالي، وكان بالطبع مُرادي الذي يسكن فؤادي دائماً، بحثتُ عنه ووجدتُ عنواناً بين جواباته ومراسلاته لي، وكاد والدك يحرقها كلها ويشعلها بنيران الغيرة، وكنت للفكرة أسيرة، فأخذت حقيبة صغيرة ومددت نفسي نحو الشرفة، وقفزت منها كانت قريبة من الأرض، ووجدته بعد أيام.

جوليتا: وهل وجدتِه يا عمتي؟

ماتيلدا: بالطبع وجدته، وقال لي إنه سيعود لأبي وأخي، وسيكون له كلمة جادة، وإنه يود خطبتي وسيدافع عني إذا حدث لي شيء.

وبالفعل قام بكل ما قاله، ولكن والدك الأهوج، وجدك الذي يعرج، كانت ألسنتهم سليطة، وكنت أنا شابة يانعة، لم أكن لنفسي نافعة، كنت أحتاجه، وكنت أمدد الفكرة لزمن آخر ربما.

جوليتا: وهل يئستِ؟

ماتيلدا: لا، وسعى والدك لأن يبحث عنه، ويلطخ قلبه بمشاعر غريبة لا تخصني، وهدده، وندَّد به.

جوليتا: قولي يا عمتي، ماذا فعل رجل القطار؟

ماتيلدا: فعل الكثير من أجلي.

 

 

 

 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

في ذكرى ميلاده.. أحمد خالد توفيق العرّاب الذي غيّر وجه الأدب العربي

"نحن نكتب لأن هناك من يُصغي، حتى وإن لم نرَه... نكتب لأن الكلمات تخلق العالم، وتنقذنا من قسوته"، بهذه الروح، عاش الدكتور أحمد خالد توفيق، وبهذه الروح كتب، فصار للعربية جسرٌ جديد إلى قلوب الشباب، وصار هو العرّاب الذي قاد أجيالًا كاملة في رحلات بين السطور، بين الرعب والفانتازيا، بين الطب والحياة، بين الموت ومعناه الحقيقي.

أنغام: "كل ما أغني عن فرح غايب.. بعيط من قلبي"قافلة كسر حصار الاحتلال لغزة تعبر الحدود التونسية إلى ليبيانادين الراسي تعترف: جربت المخدرات وتخليت عنها بدعم ابنيمراسل القاهرة الإخبارية: الهجوم الروسي الواسع على كييف الأعنف منذ أشهر

وُلد أحمد خالد توفيق في 10 يونيو 1962 بمدينة طنطا، محافظة الغربية، نشأ في أسرة مصرية عادية، ودرس الطب في جامعة طنطا حتى حصل على الدكتوراه في طب المناطق الحارة، لم يكن الطب نهاية الطريق، بل كان بداية موازية لمسارٍ آخر، سلكه بشغف أكبر: الكتابة.

دخل عالم الأدب من أوسع أبوابه في التسعينيات، حين كتب أولى سلاسله الشهيرة "ما وراء الطبيعة" عام 1992، بعد أن رفضت المؤسسة العربية الحديثة روايته الأولى، لتعود وتطبعها بعد إصراره ومثابرته، كانت تلك البداية فقط، سرعان ما تبعتها سلاسل مثل "فانتازيا" و"سفاري"، التي أسرت القلوب وأطلقت الخيال من قيوده.

في زمنٍ كانت فيه المكتبات تمتلئ بالكتب المترجمة ويفتقر الشباب العربي لأدب يعبر عنهم، جاء أحمد خالد توفيق ليمنحهم بطلاً يشبههم، بأسلوب سهل عذب، يحمل عمقًا خلف بساطته، وروحًا ساخرة خلف وقاره، لم يتعالَ على القارئ، ولم يتكلف الفلسفة، بل خاطب القلوب قبل العقول، فتعلّق به القرّاء كأنهم وجدوا صوتهم في كلماته.

كتب أكثر من 500 كتاب بين سلاسل، وروايات، ومقالات، وترجمات، لكن روايته "يوتوبيا" التي صدرت عام 2008 كانت علامة فارقة، إذ خرج بها من إطار أدب الشباب إلى ساحة الرواية العربية الجادة، وتُرجمت إلى أكثر من لغة، لتُعرف كواحدة من أجرأ الروايات في نقد الواقع المصري.

ومع الوقت، تحوّل "العرّاب"- كما أطلق عليه قراؤه- إلى ظاهرة ثقافية، لم يكن فقط كاتبًا يروي قصصًا، بل كان أبًا روحيًا لجيلٍ بأكمله، منحهم الأمل حين ضاق الواقع، وفتح لهم أبواب الخيال حين أُغلقت النوافذـ، كان صوتًا حنونًا في زمنٍ صاخب، وخفيف الظل في عتمةٍ ثقيلة.

ولم تكن حياته تخلو من مواقف إنسانية، فقد عُرف بتواضعه الشديد، وحرصه على التواصل الدائم مع قرائه، لا سيما على الإنترنت، حيث كان يجيب على أسئلتهم، ويشاركهم مخاوفهم وطموحاتهم، حتى باتوا يشعرون بأنه صديق حقيقي لا مجرد مؤلف.

روى أحدهم مرة أنه التقاه مصادفةً في معرض الكتاب، وكان يرتدي ملابس بسيطة ويحمل حقيبة ظهر، كأي زائر عادي، لم يكن يحيط نفسه بهالة نجومية، بل بتواضع العلماء ودفء المعلمين، حكى له الشاب عن تأثره بسلسلة "ما وراء الطبيعة"، فابتسم العرّاب وقال: "الحمد لله إن الكلام ده نفعك.. أنا كنت بكتبه لنفسي في الأول."

رحل أحمد خالد توفيق في 2 أبريل 2018، عن عمر ناهز 55 عامًا، لكن وفاته لم تكن نهاية، بل بداية فصل جديد من الحب والوفاء، شيّعه الآلاف، وذرف القرّاء الدموع، وكأنهم فقدوا قريبًا لا كاتبًا، ومنذ ذلك اليوم، تحوّلت صفحاته ومؤلفاته إلى مزارات أدبية، يعود إليها الناس بحثًا عن الدفء، والفهم، والحنين.

طباعة شارك أحمد خالد توفيق العرّاب مدينة طنطا عالم الأدب ما وراء الطبيعة

مقالات مشابهة

  • في ذكرى ميلاده.. أحمد خالد توفيق العرّاب الذي غيّر وجه الأدب العربي
  • ملكية عامة للشعب.. النقل تتوعد بمحاسبة المتسبب في تخريب القطار الروسي
  • هذه مواقيت سير القطار الليلي الجديد “الجزائر-وهران-تلمسان”
  • هذه مواقيت سير القطار الليلي الجديد الجزائر-وهران-تلمسان
  • أكبر عقد لها بالخارج.. مجموعة إيطالية تفوز بصفقة الإتصالات الخاصة بالقطار فائق السرعة القنيطرة مراكش
  • بالفيديو .. من الشخص الذي أشعل فتيل الخلاف بين ترامب وماسك؟
  • النقل تُعلن أهم المعلومات عن الخط الثاني من شبكة القطار الكهربائي السريع
  • شريان لوجيستي وتنموي.. أهم معلومات عن الخط 2 من شبكة القطار السريع
  • شاهد.. الحي الذي نشأ فيه لامين جمال نجم برشلونة
  • من هو الأسير متان تسنجاوكر الذي يحاصر الاحتلال مكان تواجده؟