حملات التوعية.. دور محوري في التغيير الإيجابي وبناء الوعي
تاريخ النشر: 3rd, May 2025 GMT
أكد عدد من المختصين في المجال الصحي والإعلامي أهمية الحملات التوعوية في تعزيز الوعي والسلوكيات الصحية بالمجتمع، مشددين على ضرورة اتباع استراتيجيات هادفة وتكامل الجهود بين المؤسسات الصحية والتعليمية والقطاع الخاص لتحقيق الأثر الإيجابي وبناء مجتمع أكثر وعيًا قادرًا على مواجهة مختلف التحديات.
وقال الدكتور أحمد بن محمد الحنشي، الطبيب المسؤول بمجمع مرتفعات العامرات الصحي: تمثل الحملات التوعوية وسيلة فعالة في نشر المعرفة وتعزيز السلوكيات الصحية والاجتماعية بين أفراد المجتمع.
وأكد ضرورة تكامل الجهود بين المؤسسات الصحية والتعليمية والقطاع الخاص، لتصبح أداة قوية في بناء مجتمع أكثر وعيًا، قادر على اتخاذ قرارات صحية وسلوكية أفضل تعود بالنفع على الفرد والمجتمع ككل.
وأشار إلى تجربة برنامج سفراء الصحة في ولاية العامرات كمبادرة مجتمعية ناجحة انطلقت منذ عام 2016، وتهدف إلى تمكين القادة الصحيين لنشر الوعي في المجتمع، وكذلك دعم الجهود الوقائية للمؤسسات الصحية حيث تستهدف جميع فئات المجتمع من خلال الأنشطة التدريبية، والحملات الميدانية، بالإضافة إلى مبادرات تنفذها المثقفات الصحيات بالمراكز الصحية، تحت شعار "كن أنت التغيير... كن سفيرًا للصحة".
لغة موجهة
من جانبها أكدت جليلة بنت خلفان النعمانية، ممرضة أولى أمراض معدية بالمستشفى السلطاني، على أهمية الإعلام في رفع الوعي الصحي بالقضايا الصحية الحساسة، مثل فيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز). ولا يقتصر هذا الدور على الإحصائيات السنوية والشهرية، بل يتجاوز ذلك إلى التثقيف، وتغيير السلوكيات -خصوصًا أنها أمراض من الممكن تجنبها- وكسر الصور النمطية التي قد تلاحق المرضى.
وذكرت النعمانية، أن وسائل الإعلام سواء التقليدية أو الرقمية تلعب دورًا في إيصال الرسائل التوعوية الصحية الموثوقة، خاصة في المناطق التي لا تعتمد كثيرًا على الإنترنت. بينما تتيح وسائل الإعلام الرقمية -كمنصات التواصل الاجتماعي والمواقع الصحية- وصولًا أسرع وأكثر تفاعلية مع مختلف فئات المجتمع، وهي الأسهل في تلقي الاستشارة والمعلومة الصحيحة من المختصين. ويكمن تأثير هذه الوسائل في قدرتها على إعادة تشكيل التصورات المجتمعية حول المرضى المتعايشين مع الإيدز، وتأكيد حقهم في الرعاية والكرامة دون وصم.
وشددت النعمانية على أهمية صياغة الحملات الإعلامية بلغة موجهة ومدروسة ثقافيًا، والبناء على دراسات مسبقة لفهم الفئات المستهدفة. وعلى ضرورة إشراك خبراء ومتعايشين مع المرض لتعزيز مصداقية الرسائل.
وسلطت الضوء على أبرز الاستراتيجيات الفعالة التي يمكن أن تغير السلوكيات، منها القصص الإنسانية التي تلمس مشاعر الجمهور، فهي من أنجح الاستراتيجيات، فقالت: خصصت كتابي "على قيد الأمل" ليحكي قصصًا واقعية لمرضى مصابين بمرض نقص المناعة المكتسب... (تحكي ولادة أمل من رحم الألم)، ولمست ذلك التأثير الإيجابي في نشر الوعي بطريقة تلامس القلوب.
وكذلك الشخصيات المؤثرة ممن يستخدمون منصاتهم للتوعية عبر التكرار الذكي للرسائل في قنوات متنوعة، ودمج الرسائل الصحية في برامج ترفيهية أو درامية.
وفي هذا الإطار، يواصل المستشفى السلطاني جهوده في التوعية من خلال فريق مختص بالأمراض المعدية، ينفذ زيارات أسبوعية للمدارس والجامعات، يهدف من خلالها إلى رفع مستوى المعرفة حول الأمراض المعدية والتقليل من الوصمة الاجتماعية المرتبطة بها، خاصة ما يتعلق بمرض نقص المناعة.
وحول التحديات أوضحت جليلة: رغم الجهود المبذولة، إلا أن الحملات الإعلامية تواجه تحديات مثل الوصمة المجتمعية المرتبطة بالإيدز، ضعف التنسيق بين الجهات الصحية والإعلامية، ومحدودية التمويل لبعض المبادرات، مؤكدة أن الشباب والمراهقين من الفئات الأكثر حاجة للحملات الإعلامية لقلة معرفتهم بمخاطر الأمراض وطرق الوقاية، بالإضافة إلى الأسر لدورها التربوي والوقائي، والأيدي العاملة الوافدة التي قد لا تصلها الرسائل الصحية بسهولة.
تقييم الحملات
وحول وسائل التواصل الاجتماعي ودورها، أكدت جليلة، أن وسائل التواصل الاجتماعي توفر بيئة مرنة للوصول إلى شرائح متعددة من المجتمع، خاصة فئة الشباب. ويمكن استخدامها عبر إنشاء حملات "هاشتاق"، نشر مقاطع توعوية قصيرة، إجراء جلسات حوارية مباشرة مع أطباء أو متعايشين، والتعاون مع مؤثرين لديهم حس اجتماعي.
وتابعت: تلعب المدارس دورًا محوريًا في نشر الثقافة الصحية الوقائية، من خلال إدماج موضوعات عن الإيدز وحقوق المرضى في المناهج، إقامة ورش عمل تفاعلية، ويمكن تضمين التثقيف الصحي في المناهج الدراسية عبر مواد دراسية تشرح الأمراض وطرق الوقاية بلغة مبسطة، أنشطة مدرسية تفاعلية، ودعم جهود الصحة المدرسية بالتعاون مع وزارة الصحة.
واقترحت النعمانية، أن يتم تدريب العاملين في المجال الصحي والإعلامي على مهارات الاتصال الصحي، التعاون مع الإعلاميين بشكل مستمر لتحديث الخطاب الإعلامي، مع قياس أثر الحملات وتحسينها بناءً على النتائج.
سلوك المجتمع
وقالت إيمان بنت راشد القلهاتية، أخصائية تغذية بالمديرية العامة للخدمات الصحية بمحافظة جنوب الشرقية: لتنفيذ وإنجاح الحملات الإعلامية التغذوية، لا بد من فهم طبيعة الأسرة العُمانية، وأنماطها الغذائية اليومية، والعوامل المؤثرة في قراراتها، سواء كانت اقتصادية، ثقافية أو اجتماعية. وأظهرت دراسة حديثة أن الوسائل الإعلامية التقليدية كالتلفزيون والإذاعة لم تعد كافية للوصول إلى شريحة كبيرة من أفراد المجتمع، خاصة فئة الشباب والمراهقين الذين يتجهون بشكل متزايد نحو الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي للحصول على معلوماتهم حول الغذاء الصحي.
وهنا يمكن استخدام هذه المنصات لبث محتوى بصري تفاعلي يُقدّم باللهجة المحلية ويُلامس واقع الأسر العُمانية. على سبيل المثال، يمكن إنتاج مقاطع قصيرة تسرد مواقف حياتية يومية تُظهر الفرق بين نمط غذائي غير صحي وآخر صحي بطريقة مبسطة، وربما ساخرة أحيانًا، مما يزيد من قبولها لدى الجمهور. ويُعد إدراج عناصر القصص المحلية، وإشراك شخصيات محببة لدى المجتمع، أسلوبًا فعّالًا في توصيل الرسائل، إذ ترتبط الرسالة بوجدان المتلقي وتصبح أكثر رسوخًا وتأثيرًا.
نماذج إيجابية
وأشارت إلى الاستراتيجيات التي تعد أكثر نجاحًا: تغيير السلوك التغذوي لا يتحقق من خلال التوعية فقط، بل يتطلب مزيجًا ذكيًا من التحفيز العاطفي، وتقديم الحلول العملية، وتعزيز السلوك الإيجابي عبر نماذج يُحتذى بها. لذلك، على الحملات التغذوية أن توفر أمثلة حقيقية لأشخاص استطاعوا تغيير حياتهم بالغذاء، وأن تعرض قصصًا ملهمة من المجتمع نفسه، تُظهر كيف يمكن لأم أن تحافظ على صحة أطفالها من خلال تغييرات بسيطة في المطبخ، أو كيف يمكن لشخص مصاب بداء السكري أن يسيطر على حالته من خلال التزامه بخيارات غذائية مدروسة.
كذلك، تُعد الملصقات الغذائية الواضحة والمبسطة أداة مهمة في تمكين المستهلك من اتخاذ قرار مستنير، خاصة إذا تم ربطها بحملات توعوية تُعلّم الناس كيفية قراءة المكونات، وتفسير الرموز والألوان.
وعن التحديات، قالت: رغم اتساع نطاق الوعي الغذائي في سلطنة عمان، إلا أن الفجوة بين "المعرفة" و"الممارسة" ما تزال تمثل أحد أكبر التحديات. فقد كشفت دراسة أجريت في محافظة مسقط عام 2019 أن 91% من الأفراد يدركون أن الإفراط في تناول الملح مضر، إلا أن 42% فقط يحاولون التقليل من استهلاكه فعليًا. هذا التناقض يكشف عن وجود عوائق داخلية، منها التمسك بالعادات الغذائية الموروثة، والثقة الزائدة في بعض الممارسات التقليدية التي يظن البعض أنها صحية.
أن غياب القدوة داخل الأسرة -كأب أو أم يطبقان نمط حياة صحي- يجعل من الصعب على باقي الأفراد الالتزام بالتوجيهات. يُضاف إلى ذلك، انتشار المعلومات المغلوطة عبر الإنترنت، وكثرة البرامج والصفحات التي تروّج لحميات غير مدروسة أو منتجات سريعة التأثير. لذلك، لا بد أن تتحلى الحملات الرسمية بالمرونة والابتكار في عرض رسائلها، مع الحرص على تبسيط اللغة، وتجنب المصطلحات العلمية المعقدة.
بيئة المدارس
وأكدت أن المدارس تلعب دورًا جوهريًا في تشكيل أنماط السلوك لدى الأجيال الجديدة، ولا يجب أن يقتصر دورها على الجانب الأكاديمي فقط. حيث تعد المدارس من أهم البيئات الحاضنة لتعليم السلوكيات الصحية منذ الصغر، كما أنها تمتلك القدرة على التأثير غير المباشر في الأسر من خلال الطلبة، وتعد المدرسة المكان الأنسب لغرس مفاهيم التغذية السليمة، لذا فإن دمج التوعية التغذوية في المناهج التعليمية لا ينبغي أن يكون نشاطًا جانبيًا، بل يجب أن يكون جزءًا من البرنامج الأساسي للتعليم والأنشطة الصفية واللاصفية. على سبيل المثال: إقران العملية التعليمية بأنشطة تطبيقية مثل إعداد وجبات صحية داخل الصف، أو مسابقات عن قراءة الملصقات الغذائية.
كذلك، فإن تمكين المعلمين ليكونوا "سفراء التغذية"، وتفعيل دور مجالس أولياء الأمور لنقل الرسائل إلى المنازل، يمكن أن يخلق بيئة تعليمية صحية متكاملة، تنشئ جيلًا واعيًا يقود التغيير داخل أسرته ومجتمعه. كما أنه من الضروري إجراء المسوح والاستطلاعات لتقييم الأنشطة المتعلقة بالتغذية في المدارس والتأكد من فعاليتها في تحسين السلوكيات الغذائية للطلاب والأسر.
محتوى تفاعلي
ومن جانبه، أوضح أحمد بن سيف العيسائي، أخصائي اجتماعي تربوي، أن الحملات التوعوية تلعب دورًا محوريًا في تعزيز الوعي الصحي، حيث تسهم في نشر المعلومات الصحية وتصحيح المفاهيم الخاطئة، مما يؤدي إلى تحسين سلوكيات الأفراد والأسر.
وقال: نلاحظ أن الحملات تسهم في تقليل معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة وتعزز من جودة الحياة. ويُعد المؤثرون على منصات التواصل الاجتماعي من العوامل الفعالة في نشر الرسائل الصحية، نظرًا لقدرتهم على الوصول إلى جمهور واسع وبناء الثقة معهم. من خلال تقديم محتوى توعوي جذاب وموثوق، يمكنهم تعزيز الوعي الصحي وتشجيع السلوكيات الإيجابية، وتوصيل الرسالة بطريقة سهلة ومؤثرة.
وأضاف: يجب تحديد الأهداف والفئة المستهدفة بدقة، واستخدام قنوات التواصل المناسبة للوصول إلى الجمهور، بالإضافة إلى تقديم رسائل واضحة ومبسطة. وأهم عنصر من وجهة نظري هو تقييم فعالية الحملة وتعديلها بناءً على التغذية الراجعة ودراسة الأثر الاجتماعي لها.
ويرى العيسائي أن التثقيف الصحي المستمر من أهم الاستراتيجيات التي تعتبر أكثر نجاحًا في تغيير سلوكيات أفراد المجتمع، بالإضافة إلى استخدام النماذج الإيجابية لتشجيع التغيير، تقديم الحوافز والدعم للمشاركين، وتوفير بيئة داعمة للتغيير السلوكي.
وحول استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فعال للوصول إلى مختلف شرائح المجتمع، أشار الأخصائي الاجتماعي إلى ضرورة إنشاء محتوى مرئي وجذاب ومتنوع لسهولة الوصول للجماهير، إنشاء منفذ للتفاعل المستمر مع الجمهور والرد على استفساراتهم، والتعاون مع مؤثرين موثوقين في المجال الصحي.
وأكد العيسائي أن الأطفال والمراهقين الفئات الأكثر حاجة إلى حملات إعلامية صحية، وكذلك كبار السن مع إيجاد وسيلة مناسبة يستخدمونها، والمصابين بالأمراض المزمنة. كما يجب تخصيص الرسائل لتكون ملائمة لاحتياجات كل فئة، مع استخدام اللغة والمحتوى المناسبين.
وأشار أحمد إلى دور المدارس في دعم الحملات الإعلامية الصحية وتعزيز السلوكيات الوقائية داخل الأسر، من خلال تقديم برامج التثقيف الصحي للطلبة، تنظيم حلقات عمل وندوات توعوية، وتشجيع الطلبة على نقل المعلومات الصحية إلى أسرهم.
وذكر أن الحملات التوعوية لكبار السن ومرضى السكري تعد من الأمثلة الناجحة على الحملات التوعوية الصحية، وأثرت بشكل كبير من خلال زيادة الوعي عندهم ومراجعتهم المستمرة مع الدكتور المسؤول عنهم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: وسائل التواصل الاجتماعی الحملات الإعلامیة الحملات التوعویة بالإضافة إلى للوصول إلى من خلال فی نشر
إقرأ أيضاً:
تراجع معدلات التدخين في مصر لـ14.2%.. وطبيب يؤكد أهمية التوعية المستمرة لمواجهة المخاطر الصحية
بمناسبة اليوم العالمي للإقلاع عن التدخين، الذي يُحتفل به سنويًا في 31 مايو برعاية منظمة الصحة العالمية (WHO)، أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر تقريرًا شاملًا، يتناول فيه أبرز المؤشرات الصحية العالمية والمحلية المرتبطة بالتدخين. التقرير يرسم صورة دقيقة عن حجم الظاهرة وتأثيرها على المجتمع المصري، ويُسلّط الضوء على الجهود المبذولة للتصدي لها والنتائج المتحققة حتى الآن.
الموت الأسود.. أرقام مفزعة عالميًاوأبرز التقرير حقيقة صادمة وهي أن التبغ يتسبب في وفاة أكثر من 8 ملايين شخص سنويًا حول العالم، معظمهم في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وهي فئة تعاني بالفعل من تحديات صحية واقتصادية متعددة. لا يقف ضرر التدخين عند حدود الإصابة بالأمراض القلبية والرئوية، بل يمتد ليشمل أكثر من 20 نوعًا مختلفًا من السرطان.
كما أن التدخين السلبي، أو ما يُعرف بالتعرض غير المباشر للدخان، يشكل خطرًا كبيرًا، إذ يؤدي إلى وفاة 1.2 مليون شخص سنويًا، من بينهم 65 ألف طفل يفقدون حياتهم بسبب أمراض ناتجة عن استنشاق الدخان في بيئات مغلقة أو من مدخنين في الأسرة. وكشف التقرير أن نصف أطفال العالم تقريبًا يتعرضون بانتظام لهواء ملوث بدخان التبغ، ما ينذر بعواقب صحية وخيمة على الأجيال القادمة.
السجائر الإلكترونية.. الخطر الخفيوتناول التقرير أيضًا المخاوف المتزايدة من السجائر الإلكترونية، التي غالبًا ما يُروّج لها على أنها أقل ضررًا. إلا أن الحقيقة، كما أكدها التقرير، هي أن هذه المنتجات لا تخلو من المخاطر، بل قد تكون أشد ضررًا بسبب احتوائها على مواد كيميائية مجهولة التأثير طويل الأمد، خاصة مع تزايد استخدامها بين فئة الشباب.
التدخين في مصر.. بين تراجع الأرقام واستمرار التحديوعلى الصعيد المحلي، سجلت مصر تراجعًا ملحوظًا في نسب التدخين، حيث أظهرت النتائج الأولية لمسح الدخل والإنفاق والاستهلاك لعام 2023/2024 أن نسبة المدخنين بلغت 14.2% من إجمالي السكان البالغين (15 سنة فأكثر)، ما يعادل حوالي 10.3 مليون فرد، مقارنة بـ17% في المسح السابق لعام 2021/2022.
ويعكس هذا الانخفاض تطورًا إيجابيًا، لكنه لا يزال يطرح العديد من التحديات، خاصة أن ظاهرة التدخين لا تزال ذكورية بالأساس، إذ تبلغ نسبة المدخنين من الذكور 28.5%، مقابل 0.2% فقط من الإناث.
الأسرة.. بيئة الخطر الصامتكشف التقرير أن ثلث الأسر المصرية (33.5%) تحتوي على فرد مدخن على الأقل، ما يعني أن هناك ما يقرب من 26 مليون شخص غير مدخن يتعرضون للتدخين السلبي داخل منازلهم. ويُعد هذا الرقم مؤشرًا مقلقًا، خاصة في ما يتعلق بصحة النساء والأطفال الذين لا خيار لهم في تجنب هذه البيئة الضارة.
كما جاءت الفئة العمرية (35-44 عامًا) على رأس قائمة المدخنين بنسبة 19.2%، تليها فئة (45-54 عامًا) بنسبة 18.5%، ما يدل على أن التدخين لا يزال شائعًا بين الفئات الأكثر إنتاجية في المجتمع.
فاتورة مكلفة.. التدخين واستنزاف موارد الأسرأوضح التقرير أن متوسط الإنفاق السنوي للأسرة المصرية على التدخين يبلغ 12.9 ألف جنيه، مع تفاوت واضح بين الشرائح الاقتصادية. فقد سجلت الشريحة الأعلى إنفاقًا معدل 16.2 ألف جنيه سنويًا، بينما سجلت الشريحة الأدنى إنفاقًا 8.5 ألف جنيه.
المفارقة اللافتة أن الشرائح الأفقر تُنفق نسبة أكبر من دخلها على التدخين، حيث بلغت نسبة الإنفاق عليه من إجمالي الإنفاق الكلي 10.2% للشريحة الأدنى، مقابل 9.2% فقط للشريحة الأعلى. هذا يعني أن التدخين لا يُثقل كاهل الصحة العامة فقط، بل يُشكل عبئًا اقتصاديًا مضاعفًا على الفئات الهشة.
أثر إيجابي على الصحة العامة
وفي هذا السياق، أكد الدكتور محمد حنتيرة، أستاذ أمراض الصدر، أن هذا الانخفاض يحمل في طيّاته دلالة صحية مهمة، خصوصًا في ما يتعلق بأمراض الجهاز التنفسي المزمنة مثل الانسداد الرئوي المزمن وسرطان الرئة، وكذلك أمراض القلب. وأوضح أن التدخين يُعد السبب الأول في هذه الأمراض، ما يجعل تراجع نسبته مؤشرًا واعدًا على تقدم جهود الوقاية والتوعية الصحية في المجتمع المصري.
دور التشريعات وحملات التوعية
أشار حنتيرة إلى أهمية القوانين التي تُقيّد التدخين في الأماكن العامة والمغلقة، إضافة إلى فرض الغرامات على المخالفين، مؤكدًا أن هذه الإجراءات ساهمت في خلق بيئة أقل تشجيعًا على التدخين. كما شدّد على أهمية استمرار حملات التوعية الصحية، وتوسيع برامج التثقيف حول أضرار التدخين النشط والسلبي، مع التركيز على الفئات الأكثر عرضة للتأثر مثل الشباب والنساء.
برامج الدعم والإقلاع عن التدخين
وأكد حنتيرة على ضرورة تعزيز برامج الإقلاع عن التدخين، من خلال توفير الدعم الطبي والنفسي للمدخنين، وتقديم بدائل علاجية فعالة مثل العلاجات البديلة للنيكوتين. وأشار إلى أهمية مراعاة الجانب النفسي في مراحل الإقلاع، مما يُزيد من فرص النجاح في التخلص من هذه العادة الضارة.
السجائر الإلكترونية.. خطر صاعد
كما حذّر من الانتشار المتزايد لاستخدام السجائر الإلكترونية، خاصة بين الشباب، مطالبًا بضرورة مراقبتها عن كثب وزيادة التوعية بمخاطرها المحتملة، التي لا تقل ضررًا عن السجائر التقليدية، بل وربما أكثر غموضًا من حيث تأثيراتها طويلة الأمد.
يرى الخبراء أن تراجع نسبة التدخين في مصر يُعتبر إنجازًا ملموسًا، لكنه لا يعني نهاية المعركة. فالنجاح الحقيقي يتطلب مواصلة حملات التوعية، وتكثيف البرامج الوقائية، وتوسيع رقعة الدعم للمُقبلين على الإقلاع، بالتوازي مع رقابة صارمة على بدائل التدخين الحديثة. إن بناء مجتمع صحي يبدأ من قرارات فردية مدعومة بسياسات وطنية رشيدة، وهو ما بدأ يتحقق على أرض الواقع، ولكنه بحاجة إلى استمرارية وتكامل الجهود.