هل يُحدث حل حزب العمال الكردستاني تحولا في سياسات تركيا؟
تاريخ النشر: 26th, May 2025 GMT
في قرار وُصف بالتاريخي، أعلن حزب العمال الكردستاني في 12 مايو/أيار الجاري حل نفسه وإنهاء صراع مسلح ضد تركيا على مدار أكثر من 40 عاما، وذلك بعد أن بلورت القضية الكردية بشكل جوهري شخصية الدولة التركية ومفهومها للتهديد، وكان لها تأثير على سياسة تركيا الداخلية والخارجية أكبر من أي قضية أخرى.
ويرى المحلل والخبير السياسي التركي غالب دالاي -وهو زميل استشاري بارز بمبادرة تركيا، في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تقرير نشره معهد تشاتام هاوس البريطاني (المعروف رسميا باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية)- أن عملية السلام الجديدة فريدة من نوعها من حيث إنه ليست هناك عناصر خارجية أو أطراف ثالثة.
ورغم أن الكفاح المسلح قد انتهي، سوف تتطور القضية الكردية الآن إلى مسألة سياسية ومدنية وديمقراطية بشكل أكثر، وهذه بداية عملية جديدة وحسمها سوف يستغرق وقتا.
ودرست تركيا لفترة طويلة تجارب دول مثل كولومبيا وأيرلندا وإسبانيا وسريلانكا، وإذا كُللت هذه العملية بالنجاح، فإن تركيا والأكراد سوف يتطورون إلى نموذج لحل الصراعات والتعامل مع التعبير المسلح لمسألة هوية قائمة منذ فترة طويلة.
إعلانوتأثر نهج أنقرة تجاه الدول المجاورة لها منذ فترة طويلة بصراعها مع حزب العمال الكردستاني ووجوده أو فروعه التابعة له في العراق وسوريا وإيران، حيث اعتبرت الطموحات السياسية الكردية تهديدا.
وأحيانا، اعتبرت تركيا الأكراد حاجزا بينها وبين بقية الشرق الأوسط نظرا لأن المجتمعات التي تعيش على جانبي حدود تركيا مع سوريا والعراق، ذات أغلبية كردية.
تأثيرات إقليميةوأضاف دالاي أن نجاح السلام الكردي لن يعيد تحديد علاقات تركيا مع الأكراد داخل تركيا فحسب، بل مع الأكراد في منطقة الشرق الأوسط الأوسع نطاقا. ولن يتطلب هذا أن يكون للأتراك والأكراد هويات جيوسياسية متعارضة.
ومن الناحية العملية، يعنى هذا أنه يجب أن تتطور علاقات تركيا مع الأكراد السوريين لتشبه علاقاتها مع الأكراد العراقيين، التي تحولت من علاقات حادة إلى ودية (على الأخص بين تركيا والحزب الديمقراطي الكردستاني).
وسوف تكون سوريا أرض اختبار وعالما صغيرا لشكل جديد من العلاقات بين تركيا والأكراد في المنطقة. وإذا نجحت عملية السلام، فإن هذا يمكن أن يدفع النخب السياسية التركية إلى إعادة تصور منطقة جوارهم على أنها منطقة يصبح فيها الأكراد حليفا طبيعيا لتركيا وجسرا بين أنقرة وبقية الشرق الأوسط.
ويمكن أن يكون لعملية السلام تأثير عميق على علاقات تركيا الدولية الأوسع نطاقا؛ فعلى المستوى الإقليمي تنافست تركيا وإيران لفترة طويلة، وأحيانا تعاونتا بشأن القضايا الجيوسياسية الكردية الإقليمية.
وإذا حل حزب العمال نفسه جديا، فسوف يُعيد هذا تحديد مكانة تركيا وإيران في الفضاء الجيوسياسي الكردي الإقليمي، ومن المحتمل أن يكون ذلك لصالح تركيا.
وبالمثل، يمكن أن يوجِّه حل حزب العمال ضربة لسياسة إسرائيل صوب سوريا وتركيا.
وترغب إسرائيل في استخدام تطلعات ومخاوف الدروز والمجموعات الكردية كأدوات لإبقاء سوريا متشرذمة والحصول على مكاسب في تنافسها مع تركيا.
إعلان العلاقة مع الغربوتابع دالاي أن مستقبل القضية الكردية التركية وعلاقات تركيا مع الأكراد الإقليميين سوف يعيد تشكيل علاقات أنقرة مع الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا. ولم تسمِّم أي قضية علاقات الولايات المتحدة وتركيا بنفس القدر الذي تسبب فيه الصراع السوري.
وبالمثل، كانت سوريا هي مهد علاقات أوثق بين تركيا وروسيا، ولكن لم تكن في الحقيقة بشأن سوريا ولكن القضية الجوهرية في كلتا الحالتين كانت القضية الكردية.
وكانت شراكة الولايات المتحدة مع وحدات حماية الشعب الكردية (التابعة لحزب العمال الكردستاني، والتي تحولت فيما بعد إلى قوات سوريا الديمقراطية "قسد")، هي التي تسببت في حدوث صدع عميق في العلاقات بين أنقرة وواشنطن.
ووصلت العلاقات بين تركيا وروسيا إلى نقطة متدنية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015 بعدما أسقطت تركيا طائرة حربية روسية انتهكت مجالها الجوي. وفي ذلك الوقت، كانت روسيا اللاعب الخارجي الرئيس في شمال غرب سوريا، ولم تتمكن موسكو وأنقرة من إطلاق عمليات عسكرية في هذه المنطقة إلا من خلال اتفاق.
ووضع هذا التواصل الأساس لتأسيس منصة أستانا في نهاية عام 2016، وهي عملية قادتها تركيا وروسيا وإيران وأدت لتغيير مسار الحرب الأهلية السورية.
وكانت القضية الكردية، إلى جانب الانتهاكات السياسية وحقوق الإنسان المرتبطة بها، تمثل عقبة دائمة في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي. وإضافة إلى ذلك، تسببت شراكة فرنسا مع قوات "قسد" في سوريا في توتر حاد مع أنقرة.
وقد يكون لعملية السلام تأثيرات إيجابية على علاقات تركيا مع الغرب. ومن المحتمل أن يزيل حل حزب العمال أكبر العقبات في العلاقات التركية الأميركية، مما يقلص معارضة أنقرة للوجود الأميركي في سوريا ويُحسّن المناخ العام للعلاقات الثنائية.
ويمكن أن يساعد حل حزب العمال الكردستاني أيضا على تحسين العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي. وعلى النقيض، سوف يزيل أي سلام كردي أحد مصادر نقطة ضعف تركيا في علاقاتها مع روسيا ويمكن أن يقلص اعتماد أنقرة النسبي على موسكو.
إعلانوتُعد عملية السلام من جانب حزب العمال تاريخية وفريدة ولكنها أيضا في مراحلها المبكرة وهشة. ويتعين تعزيزها من خلال إصلاحات قانونية وسياسية ودستورية في تركيا.
وفي حين أن هناك دعمًا واسع النطاق داخل المشهد السياسي الكردي والتركي لإنهاء الكفاح المسلح، فإن الحاجة ماسة الآن لتوسيع نطاق هذا الإجماع ليشمل الدعم للإصلاح القانوني.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات حزب العمال الکردستانی العلاقات بین ترکیا علاقات ترکیا مع القضیة الکردیة حل حزب العمال الشرق الأوسط عملیة السلام مع الأکراد
إقرأ أيضاً:
العم يلقي سلاحه وينتظر رد أنقرة (بورتريه)
وجهان يمثلانه فهو "رمز للصمود" لدى كثير من الأكراد، فيما تعتبره تركيا "إرهابيا يهدد أمنها القومي".
من سجنه الانفرادي في جزيرة إمرالي، وجه رسالة مصورة أعلن فيها نهاية الكفاح المسلح ضد تركيا.
خطوة وصفت بالتاريخية في تركيا تنهي مرحلة دموية من الصراع بين تركيا وحزب "العمال الكردستاني" استمرت لأربعة عقود، وخلفت أكثر من 45 ألف قتيلا.
عرف عبد الله أوجلان باسم "آبو"، تعني "العم" بالكردية، وهو من مواليد قرية عمرلي في شانلي أورفة جنوبي تركيا على الحدود السورية عام 1948.
التحق بالثانوية المهنية بمدرسة "الأناضول للسجل العقاري" في أنقرة عام 1966 حيث بدأ يتعرف على الفكر الاشتراكي.
وبدأ العمل في مصلحة المساحة في ديار بكر، ثم انتقل إلى إسطنبول حيث التحق بكلية الحقوق في جامعة اسطنبول عام 1971، وحول تخصصه في نفس العام إلى كلية العلوم السياسية بجامعة أنقرة.
بدأ نشاطه السياسي عضوا في شعبة "جمعية ثوار الثقافة الشرقية" في إسطنبول عام 1970. واهتم في عام 1971 عندما كان في أنقرة بمنظمة "جمعية الحقوق التركية" وألقي القبض عليه في عام 1972 عندما كان يوزع منشورات لصالح "مجموعة الفجر".
وفي عام 1975 أسس "جمعية التعلم الديمقراطي العالي" في أنقرة وانتقلت الجمعية إلى جنوب شرق الأناضول خلال فترة قصيرة وبدأت نشر الدعوة بين الشباب الموجودين في المنطقة.
أسس في ديار بكر في عام 1978 منظمة باسم "حزب العمال الكردستاني" تعمل على جزء من أراضي تركيا وإيران والعراق وسوريا بهدف تأسيس دولة كردية مستقلة تعتمد مبادئ الماركسية اللينينية في المنطقة المسماة "كردستان"، والتي أدرجتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي في قوائمها للمنظمات الإرهابية بعد ذلك.
وبعد انقلاب عام 1980 في تركيا الذي قاده الجنرال كنعان إيفرين وأطاح بحكومة سليمان دميريل، قتل 60 من رؤساء المنظمة وقبض على الكثير منهم، وتراجعت قوة الحزب وانسحب أوجلان إلى سوريا بعد قراره أن البقاء داخل حدود تركيا سيكون خطرا، ومن هنا بدأ في إدارة المنظمة.
أقام أوجلان معسكرات تدريب لمقاتلي حزبه في سهل البقاع اللبناني، الذي كان خاضعا آنذاك للسيطرة السورية، واستمر في نشاطاته السياسية والعسكرية ضد تركيا استعداد لمرحلة "الكفاح المسلح"، التي أعلن عنها " العمال الكردستاني" في عام 1984.
استفاد عبد الله أوجلان من توتر العلاقات بين أنقرة ودمشق في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، بسبب قضية تقاسم مياه نهر الفرات ومسألة تطور العلاقات بين تركيا ودولة الاحتلال. وفي المقابل استخدمت سوريا أوجلان وحزبه وسيلة ضغط ضد تركيا.
بلغت الأزمة ذروتها وكادت أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية بين البلدين، إلى أن تم التوصل إلى "اتفاق أضنة" في عام 1998 والذي نص على التزامات سورية تتعلق بأوجلان و" العمال الكردستاني".
ونتيجة للضغوط التركية على دمشق غادر سوريا في عام 1998 ومنها إلى روسيا ومن هناك إلى إيطاليا، اعتقل أوجلان في مطار ليوناردو دا فينشي واعتبرته إيطاليا شخصا "غير مرغوب فيه"، فعاد إلى روسيا ثم نقل بعدها إلى طاجيكستان، حيث احتجز مدة أسبوع، قبل أن يعود إلى موسكو مجددا.
وفي عام 1999 توجه إلى أثينا، ثم نقل إلى جزيرة "كورفو" اليونانية، قبل سفره إلى جنوب أفريقيا كما وعدته بذلك السلطات اليونانية، إلا أن الرياح قادته إلى السفارة اليونانية بالعاصمة الكينية نيروبي.
أخرجت الشرطة الكينية أوجلان من السفارة اليونانية، وبينما كان في طريقه إلى مطار نيروبي نحو وجهة خارجية يرجح أنها كانت أمستردام، تمكنت المخابرات التركية من اعتقاله، ونقله إلى تركيا بواسطة طائرة كينية خاصة، تم استئجارها لهذا الغرض.
وبعد وصوله إلى تركيا وضع في سجن خاص في جزيرة امرالي واعترف بتأسيسه لحزب "العمال الكردستاني" وبإدارته للمنظمة وقيادتها واستمرارية نشاطاتها تحت قيادته إلى اللحظة التي تم فيها القبض عليه.
وحكم علي عبد الله أوجلان بالإعدام، ولم يتم إعدامه لأن عقوبة الإعدام كان قد تم وقفها لتصبح الأحكام في تركيا ملائمة لعضوية الاتحاد الأوروبي.
أطلق أوجلان أكثر من دعوة إلى وقف إطلاق النار، وبدأ ذلك في عام 2006 ضمن مسعى للمصالحة مع تركيا. في هذه الدعوة، طلب أوجلان من حزبه عدم استخدام السلاح إلا في الدفاع عن النفس، وركز على ضرورة إنشاء علاقات جيدة مع الشعب الكردي التركي والحكومة التركية، وفي عام 2013 دعا أوجلان مقاتلي حزبه إلى وقف إطلاق النار ضد الحكومة التركية وسحب مقاتليه من تركيا إلى شمال العراق.
في الفيديو الذي أرسله قبل أيام أعلن أوجلان، نهاية حقبة الكفاح المسلح والانتقال إلى العمل السياسي، معتبرا أن السلاح لم يعد له مبرر، وأن الحزب حقق هدفه الأساسي، وهو وضع القضية الكردية على طريق الحل.
وقال إن الحزب أنهى أجندته الانفصالية، واصفا هذا التحول بأنه "فوز تاريخي"، معتبرا، أن هذه الخطوة "بادرة حسن نية" يجب البناء عليها لتحقيق سلام دائم.
وفي تطور آخر، وعلى وقع هذا الإعلان قال الحزب إن مقاتليه في شمال العراق سيبدؤون تسليم أسلحتهم، وبالفعل، أقيمت الجمعة أولى مراسم نزع السلاح في شمال العراق، حيث يتمركز معظم مقاتلي الحزب منذ سنوات.
فيما التقى قائد "قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي الرئيس السوري أحمد الشرع لإجراء محادثات بشأن استكمال اتفاق آذار/ مارس الماضي حيث أعلن عن توقيع اتفاق يقضي باندماج قوات سوريا الديمقراطية ضمن مؤسسات الدولة، والتأكيد على وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم.
الخطوة العملية الواحدة التي يجري الحديث عنها، وهي تشكيل لجنة برلمانية في تركيا للإشراف على عملية الحل، وقد بدأت التحركات بهذا الاتجاه فعلا.
لكن هذا الحل قد لا يبدو الحل النهائي للمسألة الكردية، فثمة التزامات يقتضيها هذا الحال، من بينها الاعتراف بحقوق الأكراد بشكل واضح، وحسم مصير عناصر حزب "العمال الكردستاني" كيف سيتم التعامل معهم قانونيا؟ وما هو مصير نحو 5000 معتقل من عناصر الحزب، الذي أعلن عن حل نفسه؟
هل تدخل تركيا في مرحلة جديدة من التعديلات الدستورية تشمل ضمان الحقوق السياسية والثقافية للأكراد، وهي مرحلة لن تكون سهلة في ظل معارضة الأحزاب القومية للعملية السياسية، إضافة إلى التحفظات التي يعبر عنها حزب "الشعب الجمهوري" أكبر أحزاب المعارضة.
أوجلان علق الجرس وألقى عصاه، في انتظار أن تتلقفها أنقرة وتقدم من طرفها مشروعا سياسيا يغلق ملف "الدولة الكردية" بشكل نهائي.