تركيا وحزب العمال الكردستاني.. مرحلة جديدة محفوفة بمخاطر وتحديات
تاريخ النشر: 13th, July 2025 GMT
يشكل قرار حزب العمال الكردستاني بنزع أسلحته وحل نفسه خطوة مهمة وتاريخية في نظر مراقبين، لأنه سينهي عقودا من التمرد المسلح، ويفتح المجال أمام الحزب للانخراط في الحياة السياسية التركية، لكنّ مراقبين آخرين يرجحون أن تكون العملية محفوفة بتحديات ومخاطر.
وبدأ حزب العمال الكردستاني أمس مراسم إلقاء سلاحه في مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق، حيث أضرم مقاتلون تابعون للحزب النار في أسلحتهم الخفيفة والمتوسطة، في خطوة جاءت استجابة لزعيم الحزب المعتقل عبد الله أوجلان، الذي طالب من سجنه في جزيرة إمرالي بإنهاء العمل المسلح المستمر منذ ثمانينيات القرن الماضي، والدخول في العمل السياسي الديمقراطي.
وفي تعليقه على العملية، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم السبت إن صفحة جديدة فُتحت لتركيا، مؤكدا أن بلاده انتصرت وانتصر الأتراك والأكراد والعرب. واعتبر-في كلمته أثناء اجتماع استشاري لـ"حزب العدالة والتنمية" بأنقرة- أن مشاكل الأكراد في سوريا والعراق هي مشاكل مشتركة، وأن أنقرة تنسق مع بغداد ودمشق وهم سعداء بتخلي المنظمة عن سلاحها.
وخاض حزب العمال الكردستاني على مدى عقود تمردا مسلحا على الدولة التركية أودى بحياة نحو 40 ألف شخص، لكنهما دخلا في عملية سلام بين عامي 2013 و2015، لم تعمر طويلا.
ويرى محللون، أن هناك عدة عوامل قد تضمن نجاح عملية السلام الحالية بين الحزب الكردستاني والدولة التركية، يعددها الكاتب والباحث السياسي، محمود علوش -في حديثه لبرنامج "ما وراء الخبر"- في الوضع الداخلي في تركيا ودعم القوميين هذه العملية، والتحولات التي طرأت على الحزب نفسه، حيث لم يعد قادرا على الاستمرار في التمرد المسلح بفعل الضربات القوية التي تلقاها خصوصا في العقدين الأخيرين.
إضافة إلى انتهاء سياسة إنكار الهوية الكردية في تركيا، حيث بدأ أردوغان منذ وصوله إلى السلطة في إصلاحات فتحت الأبواب للأحزاب الكردية وللاعتراف بالهوية الكردية.
إعلان
ظروف إقليمية ودولية
كما لعبت الظروف الإقليمية والدولية دورا في التأثير على الحالة الكردية في علاقتها بتركيا، ويشير علوش في هذا الصدد إلى الانعطافة التي حصلت في السياسة الأميركية، وإلى التحول الذي حصل في سوريا، وشكل -حسبه- منعطفا كبيرا في الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، فضلا عن إيران التي قال، إنها استثمرت في الحالة الكردية على مدى سنوات طويلة في إطار التنافس مع تركيا وفي إطار طموحاتها الإقليمية.
غير أن العوامل والظروف التي هيأت الأرضية للسلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، قد تعترضها حسابات وتحديات كبيرة، ومنها ملف "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، حيث إن عدم اندماج هذا الحزب في الدولة السورية سيكون انتكاسة على الاتفاق بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، كما يوضح علوش.
ولم تبد "قسد" أي موقف علني اتجاه الاتفاق بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، منذ دعا أوجلان إلى إنهاء العمل المسلح، وهي متحفظة كثيرا من هذه الخطوة، كما يقول الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات، الدكتور لقاء مكي، إذ أشار إلى أن السيطرة على المشكلة الكردية في سوريا سيدفع المنطقة باتجاه التهدئة.
ويأمل قادة حزب العمال الكردستاني، أن تتوجع عملية نزع سلاحه وتخليه عن العمل المسلح بإطلاق سراح زعيمه المسجون عبد الله أوجلان، وهو ما أكده مكي، أن الإجراء الثاني ربما يكون الإفراج عن أوجلان.
ويذكر أن حزب العمال الكردستاني الذي أسسه أوجلان في نهاية سبعينيات القرن المنصرم، كان قد أعلن في 12 مايو/أيار الماضي حل نفسه وإلقاء السلاح. وجاء ذلك تلبية لدعوة أطلقها أوجلان في 27 فبراير/شباط من سجنه في جزيرة إيمرالي. وفي الأول من مارس/آذار، أعلن الحزب -الذي تصنّفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون منظمة "إرهابية"- وقف إطلاق النار.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات بین ترکیا وحزب العمال الکردستانی حزب العمال الکردستانی
إقرأ أيضاً:
من إلغاء قيصر إلى إعادة الإعمار.. مرحلة جديدة تنتظر الاقتصاد السوري
يشهد الملف السوري منعطفا حاسما بعد تصويت الكونغرس الأمريكي على مشروع "قانون تفويض الدفاع الوطني" لعام 2026، الذي تضمن إلغاء "قانون قيصر" للمرة الأولى منذ دخوله حيز التنفيذ قبل أكثر من خمس سنوات.
فقد شكل هذا القانون، منذ اعتماده في كانون الأول/ديسمبر 2019 بعيد تسريب صور التعذيب التي وثقها المصور المعروف بـ"قيصر"، أحد أعنف أدوات الضغط على سوريا، بعد أن طوق اقتصادها بسلسلة عقوبات معقدة عطلت قدرتها على الحركة وشلت إمكاناتها الإنتاجية، وارتدت على السوريين بأثمان اجتماعية وإنسانية قاسية.
واليوم يتخذ الإلغاء دلالات سياسية مضاعفة، ليس فقط لأنه يقترن بجهود إقليمية ودولية واسعة، بل لأنه يأتي في ولاية ترامب الثانية بقناعة مغايرة تماما لتلك التي وقع القانون على أساسها، وبهدف معلن هو إتاحة الفرصة أمام سوريا للانتقال من إرث الحرب إلى مسار إعادة البناء، خاصة بعد سقوط نظام الأسد ودخول الثوار إلى دمشق في كانون الأول/ديسمبر 2024.
الإلغاء لم يأت بصفته تشريعا مستقلا، بل جرى تضمينه داخل حزمة تشريعية كبرى هي "قانون تفويض الدفاع الوطني"، وهي حزمة تعد من القوانين الملزمة التي يحرص الكونغرس على تمريرها لربطها بتمويل وزارة الدفاع.
ولهذا، اكتسب بند الإلغاء قوة دفع واسعة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء. كما جاء تزامنا مع جهود عربية قادتها السعودية وتركيا وقطر ومع ضغط من الجالية السورية في الولايات المتحدة، والتوجه السياسي الصريح من الرئيس ترامب نحو رفع القيود كاملة ودون شروط، بهدف فتح الباب أمام الشركات الأمريكية والدولية للاستثمار في سوريا بلا خوف من عودة العقوبات.
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
رفع العقوبات الثانوية
ولا تكمن الأهمية الاستثنائية للإلغاء فقط في إنهاء العقوبات الأولية، بل في رفع طيف العقوبات الثانوية التي كانت تطال أي جهة تتعامل مع دمشق أو مع حلفائها، خصوصا روسيا وإيران.
كانت هذه العقوبات السبب الرئيسي في شلل قطاعات واسعة من الاقتصاد السوري ومنع أي تمويل خارجي لمشاريع إعادة الإعمار، وفي إبقاء سوريا خارج النظام المالي العالمي.
ومع الإلغاء، يصبح المجال مفتوحا لعودة التدفقات المالية، وإطلاق مشاريع إعادة البناء، وتأهيل البنية التحتية، وتمكين القطاع الإنتاجي من إعادة التشغيل، وهو ما سيترك أثرا مباشرا على حياة السوريين الذين يعيش أكثر من 90% منهم تحت خط الفقر، بينما يعاني 12.9 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، وفق تقديرات أممية حديثة.
رغم أن الإلغاء جاء كاملا، إلا أن النص التشريعي احتفظ بطلبات غير ملزمة، تتعلق بتقارير دورية ترفع إلى الكونغرس، تتناول تقييم أداء الحكومة السورية في ملفات مثل مكافحة "تنظيم الدولة"، والامتناع عن أي نشاط عسكري ضد دول الجوار، واحترام حقوق الأقليات، وإبعاد المقاتلين الأجانب عن المواقع العليا في مؤسسات الدولة، وتنفيذ اتفاق 10 آذار/مارس الماضي الموقع بين الرئيس أحمد الشرع والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، إلى جانب اتخاذ تدابير فعالة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتهريب المخدرات، وملاحقة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
وتظل هذه الطلبات ضمن إطار التوصيات، ولا تنطوي على أي شرط يعيد تفعيل العقوبات تلقائيا، إذ تقتصر صلاحية الرئيس على إعادة فرض عقوبات محدودة على أفراد بعينهم، وفي حال جاءت تقارير سلبية متتالية.
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
تفاعل شعبي واسع
وكان الاحتفال الشعبي في المدن السورية عند الإعلان عن تصويت الكونغرس تعبيرا عن حجم التطلع إلى كسر الطوق الذي خنق البلاد لسنوات طويلة.
ودفعت الأزمة الاقتصادية التي ورثتها البلاد عن نظام الأسد البائد، وعمقتها العقوبات، ملايين السوريين إلى تخطي حدود البقاء المعيشي، ودفعت الشباب والنساء إلى أعلى معدلات بطالة منذ عقود.
وأجبرت أكثر من 7 ملايين شخص على النزوح داخل البلاد، بينهم 1.5 مليون يعيشون في مخيمات تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة. ولذلك يرى قطاع واسع من السوريين في رفع العقوبات بداية فرصة حقيقية لالتقاط الأنفاس، وليس مجرد خطوة سياسية عابرة.
وتصطدم ورش إعادة الإعمار المنتظرة بتحديات كبيرة لا يمكن تجاهلها. فالنهوض الاقتصادي يتطلب بيئة قانونية شفافة وقضاء مستقل يطمئن المستثمرين، ويحتاج إلى تخطيط اقتصادي سليم يوازن بين الاستقرار والانفتاح، وإلى إصلاح شامل في الإدارة المالية والقطاع المصرفي والنظام الضريبي والجمارك.
وإلى جانب ذلك، يتطلب الأمر معالجة الترهل الكبير في الجهاز الإداري، الذي تراكم على مدى عقود طويلة، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة لتكون قادرة على إدارة عملية إعادة الإعمار. هذه المهمة تزداد صعوبة عندما نضع في الاعتبار تقديرات البنك الدولي، الذي يرى أن سوريا تحتاج إلى نحو 345 مليار دولار لإعادة البناء، منها 141 مليار دولار لإصلاح المؤسسات الحكومية وحدها.
تحديات سياسية وأمنية موازية
وتبرز تحديات سياسية وأمنية إضافية، يتصدرها استمرار وجود مناطق خارج سيطرة الدولة، مثل الجزيرة السورية والسويداء، ما يجعل إعادة الإعمار رهينة تفاهمات أوسع بين القوى المسيطرة على الأرض.
كما يشكل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية وتوغلاتها عاملا إضافيا يعقد مشهد الاستقرار، ويضغط على قدرة سوريا على جذب الاستثمارات الأجنبية التي تحتاج إلى بيئة آمنة ومضمونة.
ورغم كل ما سبق من تحديات، فإن رفع "قانون قيصر" يظل أهم نافذة أمل تفتح أمام السوريين منذ سنوات طويلة. فهو يضع البلاد على عتبة العودة إلى النظام المالي العالمي، ويمنح الاقتصاد السوري فرصة لبدء التعافي، ويدفع بالمستثمرين إلى إعادة النظر في السوق السورية، ويعيد رسم العلاقات الإقليمية والدولية على أسس جديدة.
وقد بدأت المؤشرات الأولى بالظهور حين أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية في 10 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي تعليق العقوبات لمدة 180 يوما، تمهيدا للإلغاء الكامل.
لا يعني إنهاء القانون الذي كان أحد أعمدة العزلة الاقتصادية والسياسية المفروضة على سوريا، حل جميع المشاكل، لكنه يمثل نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة، تنتقل فيها البلاد من زمن العقوبات والشلل إلى زمن الفرص وإعادة البناء.
ويبقى السؤال الأهم هو قدرة الحكومة السورية الجديدة على تحويل هذه الفرصة إلى واقع ملموس ينعكس على حياة السوريين، الذين طال انتظارهم لالتقاط أنفاسهم بعد سنوات من الحرب والدمار والجوع.