#تأملات_قرآنية
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآية الأولى من سورة التوبة: “بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ”.
يعتبر نزول سورة التوبة مرحلة فاصلة في تاريخ الأمة، إذ بدأت المرحلة التي اشتد فيها ساعد المسلمين، وأصبحوا فيها قوة تمكنهم من فرض شروط عادلة، بعد أن كانوا قبلا ولأجل المحافظة على بقائهم يتقبلون بعض الشروط المجحفة التي يفرضها المشركون وهم المعسكر الأقوى، ولذلك بدأت السورة بهذا النص القوي، ومن غير الابتداء كجميع باقي السور باسم الله الرحمن الرحيم، ليفهم المسلمون أنه لا مهادنة مع معادي الله، فعليهم العمل لكي تبقى كلمة الله في بيته الحرام هي العليا.
نزلت هذه السورة من أواخر ما نزل من القرآن، وكان ذلك بعد غزوة تبوك في السنة التاسعة للهجرة، وقد آن الأوان لتطهير البيت الحرام وإلى الأبد من دنس المشركين، لذلك احتوت هذه السورة على قرارين هامين:
الأول: ورد في الآية 28 : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا” وفيها أمر بعدم السماح للمشرك بالاقتراب من المسجد الحرام، وليس عدم دخوله فقط، بمعنى أن يحظر دخول المشرك الى محيط الحرم، ويحدد هذا المحيط ما يعرف بالميقات الذي يجب على زائر البيت الاّ يتجاوزه إلا بملابس الإحرام.
والثاني: ورد في الآية 29 : “قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ”، وفيها أمر صريح بعدم جواز بقاء أتباع العقائد السابقة الذين يرفضون الايمان بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض الجزيرة العربية، إلا بصفة أهل الذمة، والتي تعني اعترافهم بسيادة الدولة الإسلامية الكاملة على هذه البقعة التي أرادها الله أن تبقى موئل الدولة الإسلامية، وخالصة لدينه، لا يكفر فيها ولا يشرك.
وقد صدع المسلمون بهذين الأمرين، منذ نزول هذه السورة، وطوال القرون الماضية حاول الكافرون أن يبطلوا كلام الله بشتى الطرق، لكن المسلمين لم يمكنوهم من ذلك، سواء في حالات الضعف أو القوة التي انتابت الدولة الإسلامية، لذلك لم يُبنَ في الجزيرة أي معبد شركي منذ فجر الدعوة، ولم يسمح لغير المسلمين بدخول الحرم.
في آخر قرن تم الاختراق، فأقدمت بعض الزعامات القبلية في الجزيرة على محالفة هؤلاء الذين حرم الله على المسلمين موالاتهم، طمعا بالحكم بعد الانفصال عن الدولة العثمانية، وبسبب فساد الحكم في هذه الدولة وضعفها، نجم عن ذلك القضاء على اخر صورة للدولة الاسلامية الموحدة، فتقسمت الأمة مقاطعات متشاكسة، همُّ زعمائها الوحيد البقاء في الحكم، وفي سبيل ذلك يتقبلون ما يفرضه عليهم عدو الأمة الأزلي.
بدأ الاختراق أولا بالسماح بإقامة معبد بوذي في الطرف الشرقي القصي للجزيرة، وكان ذلك بمثابة بالون اختبار لبحث مدى نجاح مخالفة الأمرين الصريحين الآنفي الذكر، بعدها تطور الأمر بالسماح بإقامة معبدين لأصحاب العقيدتين السابقتين في المنطقة ذاتها، وكل ذلك بحجة التسامح.
المرحلة الثالثة من الاختراق تتمثل بخرق الأمر الأول، وذلك من خلال دخول أقطار الجزيرة في اتفاقيات “ابراهام” التي هي جزء أساسي من عملية التطبيع التي تحاول تحاول أمريكا فرضها على الدول العربية، بهدف إلغاء العمل بالأمرين السابقين، وبالتالي هدم ركن أساسي من أركان الدين.
لقد ذكر الله لنا كثيرا مما جرى مع بني إسرائيل الذين كرمهم الله وفضلهم على كثير من العالمين بأنبياء ورسالات تترى لهدايتهم، لكنهم حينما عصوا الله كتب عليهم الذلة والمسخ في الدنيا، إضافة الى عذاب مخز في الآخرة.
علينا أن نفهم أن ما قصه الله علينا من أخبارهم ليس للامتاع والمؤانسة، بل لكي نفهم سننه وتعامله مع من ينعم الله عليهم فيعصوه، فتعظ بهم ونتوب إليه قبل فوات الأوان.
الأمة الآن على مفترق خطر: فأمتنا التي كرمها الله بهديه، إما تبقى لاهية عما يفعله السفهاء بها، ومصلحيها ساكتون عما يجري دفعها اليه، وحينها يأخذه الله أخذة رابية، العاصين منها والطائعين.
وإما أن تثبت على إيمانها وطاعتها، وتأخذ على أيدي سفهائها، فلا تسمع لهم بمخالفة أوامر الله. مقالات ذات صلة
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: تأملات قرآنية هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
الأوقات التي تُكرَه فيها الصلاة؟.. الإفتاء توضح
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: ما هي الأوقات التي تُكرَه فيها الصلاة؟
وأجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة: إن الفقهاء يسموها أوقات الكراهة، وقد ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن عددها ثلاثة:
عند طلوع الشمس إلى أن ترتفع بمقدار رمح أو رمحين
وعند استواء الشمس في وسط السماء حتى تزول
وعند اصفرار الشمس بحيث لا تتعب العين في رؤيتها إلى أن تغرب.
وذهب المالكية إلى أن عدد أوقات الكراهة اثنان:
عند الطلوع وعند الاصفرار، أما وقت الاستواء فلا تُكرَهُ الصلاة فيه عندهم.
واشارت الى أن الفقهاء اتفقوا على كراهة التطوع المطلق في هذه الأوقات، وعند الشافعية أنه لا ينعقد فيها أصلًا، ولكنهم استثنوا الصلوات التي لها سببٌ مقارنٌ؛ كصلاة الكسوف والخسوف، والتي لها سببٌ سابقٌ؛ كركعتَي الوضوء وتحية المسجد، فأجازوا أداءها في أوقات الكراهة، بخلاف الصلوات التي لها سببٌ لاحقٌ؛ كصلاة الاستخارة مثلًا، فلا تُصَلَّى في أوقات الكراهة.
حديث أوقات النهي عن الصلاة
يدل على أوقات النهي عن الصلاة ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس».
وروى مسلم عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه يقول: «ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب».
وروي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَال: «شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس وبعد العصر حتى تغرب»، وروى البخاري ومسلم عن ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلاةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلاةَ حَتَّى تَغِيبَ».