في ذكرى ميلاده.. نجيب سرور شاعر الألم الإنساني وصوت المقهورين
تاريخ النشر: 1st, June 2025 GMT
لم يكن مجرد اسم في سجل الأدب، بل كان وجدانًا حيًّا يكتب بالدمع والنبض، ويحمل في قصائده ومسرحياته صوت الإنسان البسيط، وهموم الذين لا تُلتقط صورهم في الصحف، ولا تُروى حكاياتهم في الأخبار، إنه الشاعر والمسرحي نجيب سرور، الذي تحل اليوم، الأحد، ذكرى ميلاده.
من قرية "إخطاب" في محافظة الدقهلية، خرج نجيب طفلًا يلاحق الحقول ويستمع لأغاني الفلاحين، فزرع في داخله منذ الصغر وعيًا مبكرًا بالبساطة، والجمال، والعدل.
التحق بكلية الحقوق أولًا، لكنه ما لبث أن انجذب لعالم الفن، فالتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وهناك بدأ مشواره الحقيقي مع الكلمة، تلك التي آمن أنها قادرة على التغيير.
الشعر.. مرآة الوجدانلم يكن شعر نجيب سرور عاديًا أو مكرورًا، بل جاء كأنّه وثيقة وجدانية لشاعر يعاني ويتأمل ويحلل، دون أن يبتعد عن جوهر الشعر نفسه.
في ديوانه الشهير “التراجيديا الإنسانية”، يكتب عن الإنسان في لحظات ضعفه وقوته، عن الحيرة، والكرامة، والحلم، والحب، وكان دائمًا ما يُصرّ على أن الشعر ليس زينة لغوية، بل موقف من الحياة.
أما مجموعته “لزوم ما لا يلزم”، فقد مثّلت مرحلة متقدمة من تجربته، حيث استخدم اللغة العامية ليقترب أكثر من وجدان الناس، ويجعل الشعر متاحًا لمن لا يقرأ الشعر عادة.
نجيب سرور والمسرح.. الرؤية والرسالةإلى جانب الشعر، كان نجيب مسرحيًا بارعًا، كتب وأخرج عددًا من المسرحيات المهمة التي لا تزال تُدرّس وتُعرض حتى اليوم، مثل ياسين وبهية التي استلهم فيها التراث الشعبي المصري، ومسرحية آه يا ليل يا قمر التي تُعتبر من أنضج أعماله المسرحية.
في أعماله، كان يؤمن بأن المسرح ليس فقط تسلية، بل نافذة لفهم الذات والمجتمع، وفرصة لطرح الأسئلة العميقة عن العدالة والكرامة والهوية.
محطات من الألم والهدوءعانى نجيب سرور من فترات صعبة في حياته، شابها القلق والتعب النفسي، لكنه ظل مخلصًا لفنه حتى اللحظة الأخيرة، لم يتاجر بألمه، بل حوّله إلى طاقة إبداعية مذهلة، جعلت منه واحدًا من أكثر الشعراء قربًا من القارئ العادي.
توفي في عام 1978، في سنٍ مبكرة، لكن ما تركه من شعر ومسرح وفكر بقي خالدًا، يُلهم أجيالًا متعاقبة من الكُتاب والقراء.
إرثه الحيّفي ذكرى ميلاده، لا نُحيي نجيب سرور كواحد من شعراء الكلاسيكيات، بل كنبض إنساني حيّ، ما زال يحمل لنا مرآة نرى فيها أنفسنا بوضوح.
كان يؤمن بأن الفن رسالة، وأن الكلمة الطيبة لا تموت، بل تثمر على مهل، في عقول الناس وقلوبهم.
نجيب سرور لم يكن شاعر تمرد فقط، بل شاعر وجدان، لم يكتب ليعارض، بل كتب ليُضيء.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: نجيب سرور محافظة الدقهلية كلية الحقوق عالم الفن نجیب سرور
إقرأ أيضاً:
نبوءات ويتمان.. كيف تنبأ شاعر القرن الـ 19 بأمريكا العصر الحديث؟
رغم مرور أكثر من قرن على رحيله، لا يزال الشاعر الأمريكي والت ويتمان (1819–1892) حاضرًا بقوة في المشهد الأدبي والثقافي، ليس فقط كواحد من رواد الشعر الحر، بل كصوت استثنائي سبق زمانه وتجاوز حدود عصره.
وكتب ويتمان بروح بدت وكأنها خرجت من قلب القرن الحادي والعشرين، بتناقضاته، وتحدياته، وصراعاته حول الهوية والحرية والتعدد.
وهذا الحضور الفريد يطرح تساؤلًا ملحًا: كيف لشاعر ولد في القرن التاسع عشر أن يكتب عن قضايا تعد من أبرز ملامح عصرنا الحديث؟ وهل كان Leaves of Grass مجرد ديوان شعري أم وثيقة فكرية تنبؤية استشرفت ما هو آت
وفي زمن كانت فيه الولايات المتحدة تخوض صراعاتها الداخلية لبناء هويتها كأمة، جاء ويتمان ليصوغ رؤيته الخاصة لأمريكا، رؤية أكثر شمولًا وإنسانية، تتجاوز التصنيفات والانقسامات.
ولم يكن يكتب عن النخبة أو السلطة، بل عن الناس العاديين؛ المزارعين، العمال، النساء، المثليين، السود، الجنود، والمهمشين.
واحتوى شعره كل هؤلاء، واحتفى بهم بلغة شعرية تمزج الجسد بالروح، والحب بالتمرد، والذات بالمجتمع، في نظر ويتمان، كانت أمريكا حلمًا يتسع للجميع، حلمًا لا يتحقق إلا بالاعتراف بالتنوع والاختلاف.
وهذه الرؤية، التي بدت غريبة في عصره، أصبحت اليوم جوهر النقاش السياسي والاجتماعي في أمريكا والعالم.
واللافت في تجربة ويتمان الشعرية أنه سبق عصر “السوشيال ميديا” بمئات السنين، لكنه عبر عن ذاته بنفس طريقتها.
فقصائده، خاصة في ديوان Leaves of Grass، تبدو كأنها تدوينات شخصية على فيسبوك أو تغريدات صريحة على تويتر.
قال في أول سطر من الديوان: “أحتفل بنفسي، وأغني نفسي”، وهو سطر يبدو وكأنه خرج من حساب شخصي لا من نص كلاسيكي.
لم يتردد ويتمان في الحديث عن جسده، رغباته، تناقضاته، وحتى ميوله، ما جعله مثار جدل في عصره، لكنه في الوقت ذاته، جعله قريبًا من روح هذا العصر الذي أصبح فيه الإفصاح عن الذات جزءًا من الحياة اليومية.
تجربة ويتمان الإنسانية لم تتوقف عند الكتابة فقط، بل امتدت إلى الواقع، ففي فترة الحرب الأهلية الأمريكية، لم يحمل بندقية، بل حمل قلبًا.
تطوع للعمل في مستشفيات الجيش، وشاهد بعينيه جراح الجنود، الألم، والموت، لكنه لم يتحول إلى شاعر رثاء، بل ظل ينظر للإنسان نظرة شفقة وتعاطف.
كتب عن الجسد الجريح بروح محبة، وعن الموت كجزء من دورة الحياة لا نهايتها، هذه النزعة الإنسانية هي التي تجعل من ويتمان شاعر سلام، حتى وهو يعيش في قلب حرب.
وهي ذاتها التي نجدها اليوم في الخطابات الداعية للتسامح ونبذ الكراهية وقبول الآخر.
لكن ويتمان لم يكن مجرد شاعر حسي يحتفي بالجسد، بل كان أيضًا فيلسوفًا روحيًا يرى الإنسان ككل متكامل لا ينفصل فيه الجسد عن الروح.
لم يكن يرى تناقضًا بين التمتّع بالحياة والتأمل في الخلود، بين الحب الجسدي والتجليات الروحية، وفي عصرنا الذي يعاد فيه تعريف الإنسان وسط طوفان الذكاء الاصطناعي والعوالم الافتراضية، تعود أسئلة ويتمان لتفرض نفسها: هل الإنسان عقل فقط؟ أم روح؟ أم جسد؟ أم كل هذا معًا؟ لقد كتب عن الإنسان بطريقة تُحاكي القلق الوجودي الذي نعيشه اليوم.