أصبحت المشاهد الدموية أمام مركز المساعدات التابع للشركة الأمريكية غرب مدينة رفح جنوب قطاع غزة، تتكرر بشكل فظيع مع بزوغ فجر يوم جديد، حينما يتجه المجوعين الفلسطينيين إلى المركز الموجود عند "دوار العلم" بمنطقة المواصي، والذي يقع تحت سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي.

تحت جنح الظلم يبدأ الفلسطينيون بالتوجه إلى مركز المساعدات، بقصد الحصول على الغذاء والاحتياجات الأساسية التي باتت مفقودة بفعل الحصار الإسرائيلي وحرب الإبادة الوحشية، لكنهم يصطدمون بنيران جيش الاحتلال التي تسبق خطواتهم، فتقتل عددا منهم وتصيب آخرون.



وبات مشهد الموت يتكرر بشكل يومي، رغم ترويج الاحتلال والولايات المتحدة لآلية المساعدات الجديدة، والتي تم تدشينها بإشراف شركة أمنية أمريكية وبعيدا عن المؤسسات الأممية والمنظمات الدولية المختصة بإغاثة الفلسطينيين.

وحصلت "عربي21" على شهادات حية للعائدين من رحلة الموت، والذين أكدوا أنهم لم يلجؤوا إلى هذا الطريق إلا بعد انقطاع سبل الحياة بهم، وبحثا عن غذاء لأطفالهم، لكن يبدو أن الموت يحيط بهم من كل جانب، فمن نجا من القصف سيُقتل في "مصائد الموت".

رحلة إلى مركز الموت
نعيم أبو السعود أحد الناجين من مجزرة المساعدات غرب مدينة رفح والتي راح ضحيتها أكثر من 27 شهيدا والعشرات من الجرحى، ويؤكد أنه "توجه إلى مركز الموت وليس مركز المساعدات"، موضحا أن "قراره جاء بعد انقطاع كل سبل الحياة، ولم يبقَ له ما يُبقي أطفاله على قيد الأمل".

ويتابع أبو السعود قائلا: "تبدو الكلمة ناعمة على الأذن: "مركز مساعدات"… لكنها في الحقيقة شيء آخر تمامًا. إنه مركز الموت، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بل وأكثر".

ويتحدث عن تفاصيل الرحلة قائلا: "في تمام الرابعة فجرًا، خرجت من مكان قريب من ذلك المركز، أحمل في يدي كيسًا فارغًا، وفي قلبي أمل صغير أن أعود ببعض الدقيق، أو السكر، أو الزيت… أي شيء يُفرح به أطفالي".



ويواصل شهادته: "وصلت إلى شارع لا يتجاوز عرضه ستة أمتار، يوازي البحر، ووجدت أمامي سيلًا بشريًا يمتد من بحر خانيونس حتى بحر رفح، لا يقل عن 400 ألف إنسان. لم أصل بسهولة… الرصاص يتطاير من كل اتجاه، برًا وبحرًا وجوًا. اختبأت خلف الرمال، وراء الجدران، مرات ومرات، حتى وصلت إلى الشارع.
قلت في نفسي: "أنا الآن بين آلاف البشر، من المستحيل أن يُطلق الرصاص على كل هذا الجمع". لكن كنت مخطئًا".

ويشير أبو السعود قائلا: "ما إن سرنا بضع دقائق، حتى بدأت أصوات الرصاص تعلو من كل الجهات. صرخ الناس: "انبطحوا!"، الكل وقع على الأرض. وكأنني أعيش مشهدًا من فيلم رعب. عشر دقائق من الخوف… لا أحد يجرؤ على رفع رأسه".

الخوف سيد الموقف
ويضيف: "هدأ الرصاص، فوقفنا. البعض قرر الرجوع، والبعض الآخر قرر التقدم. قررت أن أتقدم معهم.
كلما تقدمنا، بدأت الزوارق بإطلاق النار باتجاه الحشود. الجميع يسقط أرضًا، الكل يتشهد، والخوف سيّد الموقف. تكرر المشهد خمس مرات… نتقدم، يُطلق النار، نعود، ثم ننهض ونواصل".

وينوه إلى أن "الخوف بدأ يتسلل إلى داخلي. قررت الرجوع. وما إن خطوت بضع خطوات إلى الخلف، حتى رأيت نساء يتقدمن. قلت في نفسي: "لن تكون النساء أشجع مني"، فقررت الاستمرار".

ويؤكد أن "الرصاص استمر، والناس استمروا بالتقدم. بدأ الفجر يظهر، ومعه بدأت تتكشف الكارثة. الكل يركض نحو مركز المساعدات… وكنت معهم. فجأة… توقفت. تجمدت خطواتي. توقف تفكيري. رأيت جثة شاب اخترقت رصاصة رأسه. لم يتوقف عنده أحد، الجميع قفز من فوقه وكأنه لم يكن. وقفت بجواره ثلاث دقائق مشلول الفكر، أحدث نفسي: "هذا ليس مقاومًا، لم يكن يحمل سلاحًا، فقط جاء ليحصل على بعض الطعام… أي ظلم هذا؟".

ويستكمل قائلا: "سرت بعدها خطوات، فرأيت 17 جثة أخرى مرمية على الأرض. حدّقت في وجوههم واحدًا تلو الآخر، والخوف يعتريني أن أتعرف على أحدهم… أحد الأصحاب، أو أحد أفراد العائلة… فتصبح المصيبة مصيبتين. اقتربت من شاب كانت فيه الروح، وجاءه شاب آخر يسأله: "من أي عائلة أنت؟" فأجابه، ثم لفظ أنفاسه الأخيرة".



ويختم قائلا: "تلك الرحلة كانت رحلة موت حقيقية. رأيت فيها ما لم أكن أتصور رؤيته. وما سردته هنا لا يُمثل إلا جزءًا بسيطًا من الألم الذي عشناه. وفي النهاية، بعد كل هذا العناء، لم أعد بشيء. لا طحين، لا سكر، لا زيت… لا شيء".

وانطلقت صرخات من أحد الناجين أثناء نقله من قبل الطواقم الطبية، وهو شاب أصيب برصاص الاحتلال خلال محاولته الحصول على المساعدات الأمريكية غرب مدينة رفح.

عاد بقليل من الطعام جريحا..

صرخات شاب أصيب برصاص الاحتلال خلال محاولته الحصول على المساعدات الأمريكية الإنسانية غرب رفح. pic.twitter.com/IZr3KGwQ7f

— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) June 3, 2025
ومن المشاهد القاسية، تداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يوثق بكاء طفل أثناء وداع والدته التي أعدمها الاحتلال خلال محاولتها الحصول على المساعدات الإنسانية غرب رفح.

طفل يبكي ويودع والدته التي أعدمها الاحتلال خلال محاولتها الحصول على المساعدات الإنسانية غرب رفح. pic.twitter.com/WVCJaR49MC

— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) June 3, 2025
وتحولت مراكز توزيع "المساعدات الأمريكية- الإسرائيلية" إلى مصائد موت جماعي وأفخاخ دموية، ما أدى إلى ارتفاع حصيلة الضحايا المجوّعين إلى 102 شهيدا و409 مصابا خلال 8 أيام فقط، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة.

وارتكب جيش الاحتلال فجر الثلاثاء، مجزرة جديدة قرب مركز المساعدات في محافظة رفح، أسفرت عن استشهاد 27 مدنيا، وإصابة أكثر من 90 آخرين بجراح متفاوتة.

ووصفت حركة حماس هذه المجازر، بأنها تشكل جريمة إبادة جماعية متعمدة تضاف إلى سجل الاحتلال الأسود، مضيفا أن "استهداف الجوعى في لحظة بحث عن القوت، يكشف طبيعة هذا العدو الفاشي الذي يستخدم الجوع والقصف سلاحين للقتل والتهجير، ضمن مخطط ممنهج لتفريغ غزة من سكانها".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية المساعدات رفح غزة شهادات غزة رفح المساعدات شهادات حرب الابادة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحصول على المساعدات مرکز المساعدات الاحتلال خلال

إقرأ أيضاً:

700 شهيد وجريح في مجزرة ضد منتظري المساعدات شمال غزة

ارتفع عدد ضحايا المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي مساء الأربعاء بحق منتظري المساعدات شمالي قطاع غزة، إلى 51 شهيدا و648 مصابا.

وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن الاحتلال ارتكب مجزرة بمنطقة "السودانية" شمال القطاع حيث استشهد خلال ساعات قليلة 51 فلسطينيا وأصيب 648 آخرون، أثناء توجههم للحصول على مساعدات غذائية وصلت عبر شاحنات من منطقة زيكيم، وسط ظروف مجاعة خانقة يفرضها الحصار الإسرائيلي منذ أشهر.

وأضاف المكتب أن أن 112 شاحنة مساعدات دخلت أمس الأربعاء وتعرّضت غالبيتها للنهب نتيجة الفوضى الأمنية، مضيفا أن قطاع غزة يحتاج يوميا إلى ما لا يقل عن 600 شاحنة إغاثة ووقود، لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية.

وأشار المكتب الإعلامي إلى أن هذه المجزرة وما سبقها من جرائم مماثلة تؤكد أن الاحتلال يستخدم الجوع كسلاح حرب، ويستهدف بدم بارد المدنيين الباحثين عن لقمة العيش، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية والإنسانية.

كما طالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومؤسسات العدالة الدولية بالتحرك لفتح المعابر فورا وكسر الحصار، وتأمين دخول العون الإنساني بما في ذلك حليب الأطفال.

وحمل الاحتلال والدول الداعمة لعدوانه المسؤولية كاملة عن الجرائم المروعة التي تستهدف سكان قطاع غزة.

وفي وقت سابق، استشهد 86 فلسطينيا منذ فجر الأربعاء، بينهم 71 من طالبي المساعدات، في حين تشتد المجاعة في أرجاء القطاع، وتحصد مزيدا من أرواح الفلسطينيين.

ونفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأربعاء، قصفا جويا ومدفعيا على عدة مناطق في قطاع غزة، وذلك على الرغم من ادعائه "هدنة إنسانية" في 3 مناطق ذات كثافة سكانية عالية.



وأعلنت وزارة الصحة بقطاع غزة، الأربعاء، ارتفاع حصيلة الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة إلى 60 ألفا و138 شهيدا و146 ألفا و269 مصابا.

وفي التقرير الإحصائي اليومي قالت الوزارة: "وصل إلى مستشفيات غزة 104 شهداء، منهم شهيد جرى انتشاله، و399 إصابة، خلال الـ24 ساعة الماضية".

وأوضحت الوزارة أن حصيلة الضحايا الفلسطينيين منذ استئناف دولة الاحتلال إبادتها في 18 آذار/ مارس الماضي بلغت نحو "8 آلاف و970 شهيدا، و34 ألفا و228 إصابة".

مقالات مشابهة

  • عاجل.. 35 شهيدًا جراء استهداف الاحتلال منتظري المساعدات في محور زيكيم شمال غزة
  • شهيد و25 مصابا بنيران الاحتلال قرب مركز مساعدات برفح
  • عشرات الشهداء والجرحى جراء مجازر وحشية جديدة في غزة (حصيلة)
  • استشهاد 28 فلسطينيا بنيران جيش الاحتلال في قطاع غزة
  • 12 شهيدًا وعشرات المصابين بمجزرة إسرائيلية بحق طالبي المساعدات وسط القطاع
  • 34 شهيدًا في غزة منذ فجر اليوم بينهم 15من طالبي المساعدات
  • 12 شهيدًا وعشرات المصابين بمجزرة بحق طالبي المساعدات وسط القطاع
  • 700 شهيد وجريح في مجزرة ضد منتظري المساعدات شمال غزة
  • مصائد الموت بغزة.. وجبة غذاء مغمسة بالخوف والدم
  • صحة غزة: 1300 شهيد قضوا في "مصائد الموت"