برج حمود في بيروت.. زيارة إلى أرمينيا الصغيرة
تاريخ النشر: 3rd, August 2025 GMT
بيروت ـ في الزاوية الشرقية من بيروت حيث يخفّ صخب الكورنيش وتبهت ملامح الأبراج الزجاجية، تبدأ الحكاية، حكاية حيّ لا يشبه غيره، اسمه "برج حمود".
حي يبدو لأول وهلة كأنه خارطة متشابكة من أزقة ضيقة ومحال بسيطة وأرصفة لا تهدأ، لكنه في الحقيقة قطعة صغيرة من أرمينيا نسجت فوق تراب لبنان، بكل ما تحمله من ذاكرة ولغة وحِرفة.
هنا، لا تحتاج لأن تسأل عن الأرمن، فكل حجر في المكان يجيبك بلغته. واجهات المتاجر تومض بأحرف أرمنية، ورائحة "السجق" و"الباستيرما" تتسلل من الأفران الشعبية، والذهب يلمع في واجهات الورش الصغيرة، وكأنه يحكي قصص المهجرين الذين جاؤوا بالحرف من مرعش، وعاشوا للدهر.
منذ أن خط الأرمن أول متجر صياغة في برج حمود تغيّر شكل الذهب في لبنان. أصبح أكثر دقة، أكثر صبرا، وأقرب إلى التحف الفنية منه إلى الحلي. عشرات الورش تتراص في الحي كحبات السبحة، كل واحدة منها تحكي سيرة عائلة توارثت المهنة كأنها إرث مقدّس.
صياغة الذهب هنا ليست مهنة عابرة، بل حرفة تتنفس اللغة الأرمنية وتشتغل على نبض الذاكرة. لا غرابة إذن أن يقصد اللبنانيون، وبعض السياح أيضا، برج حمود بحثا عن "قطعة أرمنية"، كأنها توقيع فني على الجسد.
"مرعش" في قلب بيروتفي أزقة الحي تسمع كثيرا عبارة "Bari Galust Sireli" أي "تفضل عزيزي"، وكأنها المفتاح السري للعبور إلى عالم من الحرفية.
الأرمن في برج حمود لم يندمجوا فقط في النسيج اللبناني، بل نسجوا فيه خيوطا خاصة بهم، ملونة كالأقمشة الأرمنية المطرزة، ومتقنة كحُليّهم الدقيقة.
تتفرع الأزقة وتتداخل، حتى تصل إلى شارع اسمه "مرعش". الاسم وحده كفيل بإيقاظ الذاكرة، مرعش (Մարաշ) المدينة التي كانت ذات يوم مركزا حضاريا في السلطنة العثمانية، أصبحت اليوم اسما لشارع يحمل نبض التاريخ الأرمني في قلب بيروت.
إعلانهناك تحت أضواء خافتة تجد مشاغل حرفيين لم يغادروا المهنة منذ أجيال، ولا يزالون يطرقون المعدن وكأنهم يطرزون حكاياتهم الخاصة.
في أحد زوايا الحي، يعمل النحات اللبناني الأرمني أشود تازيان داخل مشغله الصغير، حيث تتحول الأخشاب والأحجار إلى منحوتات بديعة، ورشته ليست مكانا للعمل فقط، بل متحفا صغيرا يتنفس إرثا جماعيا بكثير من السكون والعمق.
حين يصبح الشتات نكهةلكن لا تكتمل حكاية برج حمود دون أن تتوقف عند المذاق، ففي كل شارع تقريبا فرن قديم، أو مطبخ عائلي، أو محل صغير تفوح منه رائحة اللحوم المتبلة بالبهارات الأرمنية، "لحمة بعجين" تُخبز على طريقة الجدة، و"المعكرونة باللبن والثوم" تُطهى كأنك في بيت أرمني وسط يريفان عاصمة أرمينيا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات برج حمود
إقرأ أيضاً:
مقررة أممية تندد بتهديدات إسرائيل لمراسل الجزيرة أنس الشريف
نددت إيرين خان المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير بالاتهامات والتهديدات الإسرائيلية ضد مراسل الجزيرة في قطاع غزة أنس الشريف، وقالت إن ذلك يعرض حياته للخطر.
وفي مقابلة مع الجزيرة، أبدت المسؤولة الأممية قلقها الشديد من الاتهامات والشائعات التي تطلقها إسرائيل بحق مراسل الجزيرة أنس الشريف -آخر صحفيي الجزيرة في شمال غزة- والصحفيين بالقطاع، معتبرة ذلك تبريرا لأي عملية قتل بحقهم.
ووصفت اتهام الجيش الإسرائيلي لأنس الشريف وصحفيين آخرين بأنهم "إرهابيون" بالباطلة، ودعت العالم لمنع إسرائيل من استهدافهم.
وقالت إن الجيش الإسرائيلي يشيع أن الصحفيين إرهابيون لتبرير قتلهم، وأضافت أن قتل الصحفيين الفلسطينيين واعتقالهم إستراتيجية إسرائيلية لقمع الحقيقة، مؤكدة أن إسرائيل تريد إسكات الصحفيين لمواصلة الإبادة في غزة.
وأشارت المقررة الأممية إلى أن إسرائيل ترفض السماح لأي صحفي دولي بدخول غزة وتشوه سمعة الصحفيين المحليين، موضحة أن الصحفيين مدنيون وفقا للقانون الدولي، ولكن إسرائيل تقتل المدنيين.
وشددت إيرين خان على أهمية أن يستمر الصحفيون في قطاع غزة في إيصال ما يحصل من أخبار الإبادة الجماعية إلى العالم.
وكانت شبكة الجزيرة الإعلامية نشرت يوم الجمعة الماضي بيانا نددت فيه بتحريض الجيش الإسرائيلي ضد صحفييها في قطاع غزة، خصوصا الزميل المراسل أنس الشريف.
وأعربت الشبكة عن استنكارها وتنديدها بالحملات التحريضية ضد كوادرها منذ بدء تغطية الحرب على غزة.