تثبت الوقائع الميدانية والسياسية أن ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران تلجأ، مع كل تضييق للخناق عليها أو كشف ممارساتها المعرقلة للسلام، إلى رفع ورقة التصعيد العسكري والتهديد بتفجير الوضع في الجبهات، في محاولة لابتزاز المجتمع الدولي والحكومة اليمنية وانتزاع مكاسب تفاوضية بالقوة. 

ويصف مراقبون هذا السلوك بأنه “تكتيك الابتزاز” الذي أصبح جزءًا أصيلًا من استراتيجية الجماعة للبقاء، حيث تستغل كل مناسبة أو ظرف لإعادة إشعال الحرب متى شعرت بتراجع أوراق الضغط لديها.

في جلسة مجلس الأمن الدولي الأخيرة، انتقد المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، ما أسماه بـ"القرارات الأحادية والممارسات التصعيدية" التي تنفذها الميليشيا، محذرًا من أنها خطوات تعمّق الانقسامات وتقوض فرص إحلال السلام. وأشار غروندبرغ إلى إصدار الحوثيين عملات معدنية جديدة من فئة 50 ريالًا، وأوراق نقدية من فئة 200 ريال، بوصفها مثالًا على تلك القرارات التي تزيد الانقسام الاقتصادي وتنهك الأسر اليمنية وتقيد نشاط القطاع الخاص.

>> إحاطة غروندبرغ أمام مجلس الأمن تُثير غضب مليشيا الحوثي

كما أبدى المبعوث الأممي قلقه من التصعيد الحوثي في البحر الأحمر، مؤكدًا أن الهجمات على السفن المدنية والصاروخية على إسرائيل، وكذلك الردود الإسرائيلية على اليمن، تسببت في تدمير شبه كامل لمرافق موانئ الساحل الغربي، ما فرض ضغطًا هائلًا على البنية التحتية الحيوية. ودعا إلى وقف فوري لهذه الأعمال، مشيرًا إلى أن الاضطرابات البحرية لا تزال تقوّض أي مسار نحو تسوية سياسية شاملة.

وفي سياق متصل، أشاد غروندبرغ بعملية ضبط شحنة الأسلحة الإيرانية الأخيرة قبالة السواحل اليمنية من قبل القوات البحرية التابعة للمقاومة الوطنية، معتبرًا أنها خطوة مهمة في سياق الالتزام بقرارات مجلس الأمن الخاصة بحظر السلاح، ومؤشر على خطورة استمرار تدفق الدعم العسكري الإيراني للحوثيين.

بيان المبعوث أثار غضب مليشيات الحوثي التي خرجت عبر ما يسمى "وزارة الخارجية" تهاجم غروندبرغ وتعتبره منحازا للحكومة المعترف بها دوليا. وزعمت أن "إحاطة المبعوث غروندبرغ تدور في حلقة مفرغة وتبتعد عن الأسباب الجذرية للأزمة في اليمن"، مشيرة إلى أن سكها للعملات، استهدفت "حماية الاقتصاد" حد قولها.

كما زعمت أنها هجماتها على اسرائيل "تضامن مع غزة" وليس جزءاً من الصراع الداخلي، واتهمت المليشيات المبعوث بتنفيذ "أجندة الدول المعادية" وأن قرار "إعلان إنهاء عمله بات أمرا واردا"، حد قولها.

التعنت السياسي لم يكن بعيدًا عن التحرك ميدانيًا في محاولة منها لتخفيف الضغط والخناق المفروض على الجماعة بعد فضح مخططاتها ووقوفها وراء إفشال جهود السلام والتحركات الرامية للتخفيف من معاناة المواطنين وإنهاء الحرب العبثية التي تعيشها البلد منذ العام 2015.

وخلال الأيام الماضية، صعّدت ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران عملياتها العسكرية، بفتح جبهات قتال جديدة على خطوط التماس في محافظتي الضالع ولحج، في مؤشر واضح على نواياها المبيتة لتفجير الأوضاع ميدانيًا. وأفادت مصادر عسكرية أن القوات الجنوبية أحبطت مخططًا هجوميًا حوثيًا شمال الضالع، حيث تم استهداف مجموعات قتالية كانت تتحضر لشن هجوم على قطاع باب غلق، لتتحول إلى أشلاء تحت نيران المقاتلين. 

وفي جبهة حمالة – كرش شمال لحج، تصدت القوات الجنوبية لمحاولة تسلل حوثية جديدة، وكبّدت المهاجمين خسائر بشرية، بعد أن أقدمت المليشيا على قصف القرى المجاورة لجبل الأحمر بالمدفعية وقذائف الهاون، ودفع العشرات من عناصرها نحو خطوط التماس دون أن تحقق أي تقدم. 

وتزامن هذا التصعيد مع رصد تحركات حوثية لتعزيز جبهاتها في محافظات مأرب وتعز، حيث دفعت المليشيا بتعزيزات عسكرية جديدة ووزعتها على مواقع مختلفة استعدادًا لشن هجمات متفرقة ومحاولات تسلل على مواقع الجيش والمناطق المحررة.

وكشف الصحفي المختص بمتابعة أنشطة الميليشيا، عدنان الجبرني، أن ما يسمى "المكتب الجهادي" لدى الحوثيين بدأ التعبئة العسكرية لمعركة داخلية، متزامنة مع ذكرى المولد النبوي بعد نحو ثلاثة أسابيع. وأكدت مصادر عسكرية أن الجماعة حشدت قواتها ومعداتها إلى عدة جبهات خلال الأسابيع الماضية، في إطار خطة ممنهجة لتوسيع رقعة المواجهات والسيطرة على مزيد من المناطق.

ويرى محللون أن استغلال الحوثيين للمناسبات الدينية، مثل المولد النبوي، لتبرير تحركاتهم العسكرية هو جزء من خطاب دعائي وطائفي يُستخدم لرفع معنويات عناصرهم وحشد الدعم الداخلي، فيما يهدف فعليًا إلى فرض السيطرة بالقوة واستنزاف قدرات الدولة والمجتمع.

ويحذر الخبراء من أن أي جولة تصعيد جديدة ستفاقم الأزمة الإنسانية وتؤدي إلى مزيد من الانهيار الاقتصادي، ما يضاعف معاناة ملايين اليمنيين الذين يواجهون أصلًا أزمات غذاء وخدمات متردية، ويضع جهود إعادة السلام وإعادة بناء مؤسسات الدولة أمام تحديات أصعب.

المصدر: نيوزيمن

إقرأ أيضاً:

مبعوث أممي: الاضطرابات الإقليمية تقوض استقرار اليمن

وجه المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ مساء الثلاثاء تحذيرا جديدا من أن تقوض الاضطرابات الإقليمية آفاق السلام والاستقرار في اليمن، معتبرا أن الوضع "لا يزال هشا".

وقال غروندبرغ، في إحاطته أمام اجتماع لمجلس الأمن لمناقشة الوضع في اليمن، إنه من أجل أن تحظى البلاد بفرصة حقيقية للسلام، يجب "حمايتها من الانجرار أكثر إلى الاضطرابات الإقليمية المستمرة الناجمة عن حرب غزة".

وحث المبعوث الأممي الخاص على ضرورة أن تتوقف الهجمات على السفن المدنية في البحر الأحمر، كما طالب بإنهاء "الهجمات الصاروخية على إسرائيل والهجمات الإسرائيلية التي تتبعها على اليمن".

وأشار غروندبرغ إلى مصادرة شحنة كبيرة من الأسلحة والتكنولوجيا مؤخرا قبالة سواحل اليمن على البحر الأحمر، موضحا أن ذلك يؤكد أهمية تذكير جميع الدول الأعضاء بالتزامها بالامتثال الكامل لقرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بحظر الأسلحة.

"لا بد من تجنيب اليمن مزيدا من التورط في أزمات إقليمية تهدد بتقويض الوضع الهش للغاية في البلاد. يعتمد مستقبل اليمن على عزمنا الجماعي لحمايته من المزيد من المعاناة ومنح شعبه الأمل والكرامة التي يستحقونها بشدة".

مبعوث الأمم المتحدة إلى #اليمن هانس غروندبرغ.https://t.co/Px2D4YV4yi pic.twitter.com/d1txmizQap

— أخبار الأمم المتحدة (@UNNewsArabic) July 9, 2025

وتحدث غروندبرغ عما يمكن للأطراف في اليمن تحقيقه من تقدم نحو محادثات سياسية أوسع نطاقا عبر إيجاد حلول وتسويات تمكّن الاقتصاد اليمني من العمل بفعالية لتوفير السلع والخدمات للجميع، معتبرا أن "المزيد من التصعيد والتشرذم الاقتصادي ليس في مصلحة أحد".

ورحب بالخطوات الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي اليمني في عدن والحكومة اليمنية لمعالجة انخفاض قيمة العملة مؤخرا، لافتا إلى اتخاذ الأطراف قرارات أحادية وتصعيدية تنذر بتعميق الانقسامات داخل المؤسسات وهياكل الدولة.

إعلان

كما أكد المسؤول الأممي أنه لا ينبغي الاستهانة بدور الشباب في تذليل العقبات نحو العملية السياسية، وجدد الدعوة إلى إطلاق سراح 23 موظفا أمميا لا يزالون محتجزين في اليمن، إلى جانب محتجزين آخرين من منظمات غير حكومية وطنية ودولية ومنظمات مجتمع مدني وبعثات دبلوماسية "فورا ودون قيد أو شرط".

وقال غروندبرغ "يجب أن نبقى ثابتين في جهودنا المشتركة لدفع اليمن نحو مستقبل ينعم فيه بالسلام مع نفسه ومع المنطقة".

من جهته، اعتبر راميش راجاسينغهام رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في جنيف أن اليمن بات "واحدا من أكثر دول العالم معاناة من الأمن الغذائي"، مبينا أن نصف أطفال البلاد دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد، ويعاني ما يقرب من نصفهم من التقزم، مشيرا إلى أن هذا يعني تأخرا في النمو والإصابة بالعدوى، وأن خطر الوفاة من الأمراض الشائعة أعلى من المتوسط بما يتراوح بين 9 و12 مرة.

وشدد على أن الجوع يمكن الوقاية منه، مطالبا بزيادة التمويل الآن لتوسيع نطاق الدعم الغذائي الطارئ، وتقديم دعم مالي مباشر لصندوق التمويل الإنساني في اليمن.

مقالات مشابهة

  • إحاطة غروندبرغ أمام مجلس الأمن تُثير غضب مليشيا الحوثي
  • مبعوث أممي: الاضطرابات الإقليمية تقوض استقرار اليمن
  • غروندبرغ يحذر من جر اليمن إلى أتون الاضطرابات الإقليمية ويطالب بوقف الهجمات في البحر الأحمر
  • المبعوث الأممي يحذر من تفاقم أزمة العملة ويثمن خطوات البنك المركزي في عدن نحو الاستقرار
  • المبعوث الأممي في مجلس الأمن: الحوثيون أصدروا قرارات تهدد بتعميق الانقسامات بين مؤسسات الدولة وهياكلها ويؤكد على الأولويات الثلاث
  • غروندبرغ في مجلس الأمن: الحوثيون أصدروا قرارات أحادية تعمق الإنقسام الاقتصادي في اليمن
  • نتنياهو يدفع نحو توسيع الحرب في غزة.. حماس ترفض والغضب يتصاعد داخليًا ودوليًا | تقرير
  • المركزي اليمني بعدن يطلق آلية جديدة لتغطية الواردات
  • ما بين إضراب وتظاهر.. حراك إسرائيلي داخلي رافض لتوسيع الحرب واحتلال غزة