عضوية «بريكس» بين الطموح الحالم ولغة المصلحة
تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT
في منتصف السبعينيَّات من القرن الماضي أعلن الرئيس المصري السَّابق أنور السَّادات ـ رحمه الله ـ بشكلٍ واضح بأنَّ 90% من قواعد اللعبة السياسيَّة والاقتصاديَّة العالَميَّة باتتْ في يد الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة، ومنذ هذا الوقت بدأت مصر في الخروج من المعسكر الشرقي، وتبنَّت اتِّجاهًا اقتصاديًّا يسعى لتحرير الاقتصاد المصري، وأثبتت التجربة صحَّة مقولة السَّادات وانهار الاتِّحاد السوفيتي وارتهن العالَم للقطبيَّة الأحاديَّة، إلَّا أنَّ الاقتصاد المصري لَمْ يُحقِّق النُّمو المطلوب طول تلك الفترة الطويلة رغم المساعي والجهود؛ نظرًا لارتباط الاقتصاد المصري بأبعاد اجتماعيَّة تتمثل في منظومة الدَّعم، ما جعل التحرير المطلق قرارًا صعبًا، ما خلق تشوهًا تنمويًّا يتأرجح بَيْنَ توجُّه رأسمالي يسعى إلى توثيق الارتباط بالنظام العالَمي، ومنظومة دعم اشتراكيَّة يصعب التخلِّي عَنْها بشكلٍ كامل.
ومع تطوُّر الأحداث العالَميَّة، وبدء ظهور قوى اقتصاديَّة عالَميَّة تطلَّع لتعدُّد الأقطاب، وبعد أن أثبتت التجربة أنَّ النظام العالَمي من المنظور الغربي الرأسمالي القائم على هيمنة الدولار الأميركي، والمُتَّخذ من نصائح صندوق النقد والبنك الدوليَّيْنِ بوَّابة لتحقيق المصالح، والذي أثبتت التجربة ما يخلفه من أضرار كبرى على اقتصادات الدوَل النامية، خصوصًا أنَّها نصائح تكرِّس حالة التفوُّق والهيمنة الغربيَّة، وتزيد فقر ومعاناة الدوَل عَبْرَ تكبيلها بديون تلْتَهِم فوائدها معظم الدخل الوطني، وتجعل آفاق التنمية وإثراء شعوب تلك الدوَل حلمًا بعيد المنال، رغم ما تملكه من ثروات، خصوصًا دوَل القارَّة السَّمراء التي لَمْ تكَدْ تتحرَّر وطنيًّا من براثن الاستعمار، حتَّى تمَّ استغلال مواردها الغنيَّة من ذات الدوَل عَبْرَ بوَّابة النظام الرأسمالي الغربي.
إنَّ تلك الخلفيَّة كوَّنت طموحًا لدى الدوَل الناشئة الطامحة لدَوْر عالَمي ينهي حقبة القطب الأوحد تتَّجه ـ برغم اعتماد اقتصاداتها على قواعد السُّوق الحُر ـ إلى إقامة كيانات بديلة، بل وصل الأمْرُ في نموذج مجموعة (بريكس)، إلى الاتِّجاه نَحْوَ إنشاء أدوات تنمويَّة مِثل بنك التنمية التابع للمجموعة، والذي باتَ إحدى أدوات الإنقاذ من تبعات الاعتماد على النماذج الغربيَّة، وظهر ذلك التوجُّه واضحًا من عدد الدوَل التي أبدت الاهتمام بالانضمام للمجموعة، حيث بلغ أكثر من (40) دَولة، فيما قدَّمت (23) دَولة طلبات رسميَّة لذلك، وهو ما يعكس حالة من الرفض للنموذج التنموي الغربي على أقلِّ تقدير.. ورغم هذا الإقبال على الانضمام، وافقت المجموعة على طلبات انضمام (6) دوَل فقط، هي مصر والسعوديَّة والإمارات وإيران وإثيوبيا والأرجنتين، ما يؤكِّد أنَّ الدوَل الخمس الرئيسة في المجموعة وهي الصين والبرازيل والهند وروسيا وجنوب إفريقيا تمتلك رؤية مستقبليَّة واضحة المعالم. فبجانب ما تملكه الدوَل المنضمَّة حديثًا من أسواق استهلاكيَّة واعدة، تُعدُّ تلك الدوَل أيضًا من الدوَل المصدِّرة للطَّاقة بشتَّى أنواعها في الحاضر والمستقبل؛ نظرًا لِمَا تملكه من مُقوِّمات تجعلها جميعًا أحد مصادر الطَّاقة المُتجدِّدة في العالَم الجديد الذي تطمح إليه (بريكس) في المستقبل، ليظهر تساؤل حالم ومشروع عن دَوْر الكيان كمُخلِّص من النظام العالَمي الحالي، قَدْ يصطدم بواقع يؤكِّد أنَّ الكيان الجديد لَنْ يختلفَ عمَّا سبَقَ في مساعي أعضائه القدامى من تغليب لغة المصالح. ويبقى للحديث بقيَّة عمَّا تحمله المجموعة من طموحات تُلبِّي احتياجات أعضائها الجُدد، وعلى رأسهم مصر، الذي باتَ الانضمام للمجموعة وما سنجنيه من فوائد محلَّ نقاش، ليس فقط من قِبل المختصِّين في علوم السِّياسة والاقتصاد، بل باتَ المواطن العادي يناقش هذا الانضمام، وتشهد حتَّى الموصلات العام نقاشات محتدمة تعكس طموحات وتطلُّعات الشَّعب المصري.
إبراهيم بدوي
ibrahimbadwy189@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
تسريبات إماراتية تكشف تعاوناً إسرائيلياً مع قوات طارق عفاش في الساحل الغربي
الجديد برس|
كشفت وثائق إماراتية مسرّبة عن مشاركة طيارين إسرائيليين في دعم ما يُعرف بـ”القوات المشتركة” في الساحل الغربي والمخا، بقيادة طارق صالح عفاش، خلال عامي 2018 و2019، بينهم طيارون من أصول يمنية استمر وجودهم في المنطقة حتى بعد انتهاء مهامهم الرسمية.
وبحسب ما أورده الصحفي والناشط السياسي أنيس منصور، فإن الوثائق تظهر أن العلاقة بين طارق عفاش والجانب الإسرائيلي تطورت بمعزل عن التنسيق الإماراتي، الأمر الذي أثار تحفظات أبوظبي التي طالبت بأن تكون أي قنوات اتصال مع الإسرائيليين أو الأمريكيين عبرها حصراً.
كما بيّنت الوثائق أن طارق صالح تلقى أسلحة ومعدات عسكرية من إسرائيل دون علم الإماراتيين، جرى تخزينها في جزيرة ميون، في حين أكدت تقارير ميدانية وجوداً إسرائيلياً وأمريكياً في أرخبيل سقطرى ضمن تعاون ثلاثي لم يحظَ برضا الإمارات.
وتعكس هذه التسريبات تباين المصالح داخل التحالف في اليمن، لا سيما في المناطق الاستراتيجية المطلة على البحر الأحمر، وتثير تساؤلات حول مستقبل النفوذ الإقليمي في تلك الجغرافيا الحساسة التي تشهد تنافساً محموماً بين القوى الإقليمية والدولية.