من مذكرات الريحاني وبديع خيري.. أسرار فنان الشعب
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
«أنا المصرى كريم العنصرين، بنيت المجد بين الأهرمين، جدودى أنشأوا العلم العجيب، ومجرى النيل فى الوادى الخصيب، لهم فى الدنيا آلاف السنين، ويفنى الكون وهم موجودين»، كلمات ترددت على ألحان عبقرية لفنان الشعب سيد درويش، جسّدت تراث مصر الفنى خلال الربع الأول من القرن الماضى، ليرحل درويش عن عالمنا مبكراً فى 1923 عن عمر يناهز 31 عاماً.
دخول سيد درويش عالم التلحين المسرحى كان نتاج «حادث عجيب»، بحسب رواية بديع خيرى فى أحد اللقاءات الإذاعية النادرة، حيث استوقف جورج أبيض إقبال الجمهور بصورة كبيرة على مسارح الريحانى والكسار بعد عزوفه عن مشاهدة الدراما الكلاسيكية، وهو ما دفعه للتفكير فى إنتاج مسرحية غنائية ضاحكة، فرشح عبدالرحيم المصرى لاكتشاف المواهب، ليكلف الأخير سيد درويش بتلحين المسرحية.
«أنا عاوز أقابل سيد درويش، قل له بديع خيرى، وغمزته بقرشين، فقادنى إلى سيد درويش فى مقصورته وكان ممنوع حد يقابله». كلمات سطرها بديع خيرى فى مذكراته عن فنان الشعب السكندرى سيد درويش بعد أن جلس فى صفوف المتفرجين واستمتع بموهبته فى كوم الدكة، وفى حركة مفاجئة قام سيد درويش واحتضن بديع خيرى الذى لا يعرفه وسط دهشة الأخير، ليفسر له سيد درويش الأمر بأنه قام بتلحين زجل كتبه «خيرى» بإحدى المجلات دون أن يعرف هذا الأمر، وسمّعه سيد درويش اللحن الذى أعجبه بشدة، ليتمكن خيرى بعدها من إقناع سيد درويش بالرحيل معه للقاهرة للعمل فى المسرحية الكوميدية مع جورج أبيض ليتم تقديم مسرحية «فيروز شاه».
وتوطدت أواصر الود بين الثنائى سيد درويش وبديع خيرى، ويقول عنها «خيرى» فى مذكراته: «أصبحت لا أفترق عن سيد درويش، وتوطدت بيننا الألفة والصداقة بل والأخوَّة، ومن أجلى نقل سكنه إلى جانبى فى شبرا بجزيرة بدران»، وتوطدت صلة والدة سيد درويش بوالدة بديع خيرى، وأصبح البيتان بيتاً واحداً، وكان كثيراً ما يوقظه من نومه ويحثه عل العمل، وكان سيد درويش عنيداً وصلب الرأى جداً، ويحكى خيرى: «كان يقول لى ممكن تسمع اللحن ده وتحط عليه كلام يناسب الوضع، فينتهى الحوار بالنشيد الشهير: قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك».
«الريحانى»: برىء كالأطفال وسليم النية كان يشعر بأنه قريب من الموتإعجاب «الريحانى» بصوت «درويش» لم يمنع سوء الفهم بينهما خلال أول لقاء بعد أن أبدى «الريحانى» تعجبه من أن يقوم شخص بهذه الهيئة بتلحين هذه الألحان الرقيقة، ليرد «درويش» على تهكمه متسائلاً إذا كان يتم اختيار الملحنين وفقاً لأوزانهم على الميزان أو أنهم يطلبون ملحنين مصابين بالسل، قبل أن يهم بمغادرة المكان، لولا أن «الريحانى» تشبث بملابسه ليوقفه ويتفق معه على تلحين مسرحيته الجديدة: «نظرتى للشيخ سيد تغيرت، روحه الشفافة الرقيقة طغت على جسده الضخم، فأضحى كطفل برىء، وهو فعلاً كان طفل برىء طيب القلب وسليم النية، يفرح بكلمة ويزعل من كلمة، وكل ده إحساس صادر عن روح دايماً محبوسة عايزة تنطلق من قيود الجسد، تئن وتصرخ وتثور بلغة الأرواح، لغة الموسيقى».
لحّن سيد درويش أول رواية استعراضية لـ«الريحانى» باسم «ولو»، وحققت نجاحاً منقطع النظير، ويسرد «الريحانى» القصة قائلاً: «الرواية طلعت فى المسرح من هنا وفلوس الناس طلعت من جيوبها من هنا، الشوارع مطرح ما تمشى ما تسمعش إلا (الحلوة دى قامت تعجن فى البدرية)، و(يهوّن الله على السقايين)، والمدهش إنى أنا بصوتى ده كان عامل لى ألحان تطرب وتكسر إيد المتفرجين من كتر التصفيق».
ذكريات طويلة تجمع «الريحانى» مع سيد درويش عنوانها الوداد والإخلاص والتقدير، ولم تخلُ أيضاً من المشاحنات والخلاف والغضب، إلى جانب الرضا والضحك والبكاء أحياناً، يروى الريحانى أحد تلك الخلافات الذى وصل إلى حد الخصام، فجمعهما صديق مشترك للصلح بينهما، غير أن المشاحنات لم تنته بمنزل صديقهما حتى وقف عصفور كناريا يغرد على الشباك، فما كان من سيد درويش إلا أن أطفأ النور نصف ساعة كاملة قام خلالها بالعزف على العود وسط انسجام كبير من الحضور قبل أن يترك عوده فجأة، فقام الريحانى بإضاءة النور ليجد سيد درويش غارقاً فى دموعه فاحتضنه واصطلحا قبل أن يشتبكا مرة أخرى.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: سيد درويش كوم الدكة فنان الشعب نادي الاتحاد السكندري سید درویش
إقرأ أيضاً:
مسارات السماء.. الأزهر يكشف أسرار الإعجاز البلاغي والعلمي في آيات الطير
نظم الجامع الأزهر، أمس الأحد، ملتقى التفسير ووجوه الإعجاز القرآني الأسبوعي، بعنوان: "الإعجاز البلاغي والعلمي في حديث القرآن الكريم عن الطير"، بمشاركة الدكتور حسني التلاوي، أستاذ البلاغة والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر، و الدكتور مصطفى إبراهيم، بكلية العلوم جامعة الأزهر، وأدار اللقاء الإعلامي الدكتور رضا عبد السلام، الرئيس الأسبق لإذاعة القرآن الكريم.
وتحدث الدكتور حسني التلاوي عن الإعجاز البلاغي في القرآن الكريم، مبينًا أن المعاني التي يتضمنها النص القرآني جاءت بصياغات إلهية دقيقة، وأن اختيار الألفاظ ومواقعها تم بعناية ربانية لا يقدر على مضاهاتها بشر.
وأشار إلى قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ}، موضحًا أن هذه الآية تبرز قدرة الله الكاملة وحكمته في خلق الكائنات، ومنها الطيور، التي زوّدها سبحانه بخصائص جسمانية وفسيولوجية تمكّنها من مقاومة الجاذبية والطيران في الجو، وجعل لها شكلاً ووزنًا مناسبين للاستفادة من خصائص الهواء.
وبيّن أن لفظ "مسخرات" يشير إلى أن الطيور ليست مجرد مخلوقات طائرة، بل مُسخّرة بأمر الله وقدرته.
أما الدكتور مصطفى إبراهيم، فتناول الإعجاز العلمي في طيران الطيور، مؤكدًا أن قدراتها الجوية ترجع إلى تكوينها الفريد، كالعظام المجوفة، والريش الخفيف، والقصبة العظمية، والأجنحة المصممة بدقة لتمكينها من الرفع والدفع.
وأضاف أن الطيور تستطيع التحليق على ارتفاعات شاهقة تصل إلى 11,000 متر، بينما تطير الطائرات عادة بين 9,000 و13,000 متر، وهو ما يدل على التكيّف العظيم الذي وهبه الله لها.
يُذكر أن ملتقى "التفسير ووجوه الإعجاز القرآني" يعقد أسبوعيًا في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وبتوجيه من الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر، ويهدف إلى إبراز الجوانب العلمية والبيانية في آيات القرآن، ويستضيف نخبة من كبار العلماء والمتخصصين.