إقليم الحوز – في الطريق إلى "أمندار"، إحدى القرى المعزولة المتضررة من الزلزال في إقليم الحوز، وبعد قرابة 3 ساعات في طرقات ومسالك جبلية ضيقة ومتعرجة ومليئة بالحُفر، انتهى دور سيارتنا "المدللة" التي لا بد أن نستبدلها لتحل مكانها سيارة أخرى ألفت هذه الجبال وتظهر عليها "ندوبها" بوضوح.

هذه المسالك التي شق بعضها سكان القرى بتعاونهم وتضامنهم وبوسائلهم الخاصة، لا ينفع فيها محرك ولا بنزين ولا عجلات، ولا يعوّل فيها إلا على الدواب أو الأقدام، وإن كانت الدراجات النارية قد بدأت خوض غمارها في السنوات الأخيرة.

سيارة متهالكة حمولتها في الأصل 5 أشخاص، تكدس فيها مبعوث الجزيرة نت مع 9 أشخاص آخرين من أبناء المنطقة، وقد سعدنا لأننا وجدنا ما يحملنا في هذه المسالك الرهيبة دون أن نلقي بالا لشعارات السلامة والأمان، فالسلامة الحقيقية في هذه الجبال وفي هذه الظروف هي أن تجد من ينقلك من قرية إلى أخرى، وإلا ستضطر للمشي ساعات تحت الشمس ووسط الغبار.

كرم رغم الكارثة

القرية التي قصدناها لنقضي ليلة في العراء مع منكوبيها، تبعد عن مدينة تارودانت نحو 150 كيلومترا وتقع في منطقة "أغبار" بإقليم الحوز، وهي وقرى أخرى كثيرة نائية وكانت في الأصل معزولة، وزاد الزلزال أوضاعها سوءا ودمارا.

المسلك الوحيد المؤدي إلى أمندار لا يزال إلى حدود زيارتنا لها مغلقا، حيث عاينّا عجز بعض الآليات الثقيلة عن فتحه، مما اضطرنا إلى المشي نحو ساعة ونصف الساعة على الأقدام لنصل إلى أول تجمع سكني في القرية.

وصلنا أمندار وقت الأصيل، واستقبلنا كرم أهلها، حيث عرضوا علينا بحفاوة شرب الشاي والقهوة وما تيسر من ثمار ما تنبت بساتينهم الغنّاء، وخصوصا الجوز واللوز، قبل أن يأخذنا "دّا إبراهيم" (العم إبراهيم) -كما يناديه شباب القرية- في جولة إلى المساكن التي أصبحت خاوية على عروشها، وكذا مسجدها المتصدع الذي بُني قبل أسابيع فقط، والذي اشتهرت نساء "أمندور" بحمل الآجر على ظهورهن للمساهمة في بنائه.

هذه القرية وأُخَر مثلها عبارة عن مساكن متشبثة بجبال صخرية شديدة الانحدار، وتنتشر هنا وهناك على طول واد سحيق مليء ببساتين من الأشجار المثمرة، أبرزها الجوز والتفاح والتين.

كوخ من خشب وبلاستيك ينام فيه منكوبو الزلزال في قرية أمندار بإقليم الحوز (الجزيرة) أكواخ في البساتين

الأسر المنكوبة غادرت منازلها وآوت إلى هذه البساتين تستظل تحت أشجارها نهارا، وتنام تحت بعضها الآخر ليلا بعد أن بنت هناك أكواخا من ركام الزلزال.

في التجمع الذي استقر بنا فيه المقام (هناك تجمعات غيره في باقي أنحاء القرية)، توجد 6 أسر من نحو 50 فردا، أقامت كوخين تحت شجرة جوز، ومطبخا في العراء تحت شجرة تين. وطول الكوخ الواحد نحو 10 أمتار وعرضه نحو 3 أمتار، وهو هيكل من أخشاب مربوطة بالحبال ومغطاة ببعض الفِراش والنيلون.

أوانيهم بعض ما ترك لهم الزلزال وبعض ما وصلهم من قوافل المساعدات الإنسانية التي تحدّت الظروف في هذه الأعالي، صحون قصديرية وبلاستيكية قادرة على الصمود في مثل هذه الظروف، وقدور وطناجر وكؤوس تتزاحم هي الأخرى مثل البشر في هذه المساحة الضيقة.


دخان وسمر وظلام

بعد صلاة المغرب، بدأ الرجال يفترشون حصيرا تحت شجرة لوز، والنساء بعضهن في المطبخ العاري تحت شجر تين يطبخن بالحطب مرقا بما تبقى لديهن من قديد عيد الأضحى، وبما جمعن من خضار بساتين القرية، وأعينهن تفيض من الدمع لكثرة ما تعرضت له من دخان.

تقول يامنة، التي يظهر من خلال تعامل النساء معها أنها من "قيدوماتهن"، أي أكبرهن سنا وقدرا، "نتعاون جميعا في الطبخ، تستيقظ أولا اللواتي ليس لديهن أطفال، ويبدأن في العمل إلى أن تلتحق بهن المرضعات اللائي سهرن الليل مع أطفالهن".

الصغار والكبار هنا سواسية في المسؤولية، فالفتيات يجلبن الماء من النهر ويساعدن أمهاتهن في الطبخ ويعتنين بإخوانهن الصغار، والفتيان يهتمون بكل ما من شأنه مساعدة الرجال في مهامهم مثل الرعي والاعتناء بالبساتين والمواشي وغيرها.

وتتابع يامنة "نطبخ كل ما نستطيع، نعد الحساء والمرق والكسكسي والخبز، ونعد الشاي والقهوة والحليب، في الأيام الأولى عانينا من البرد القارس، لكن في هذه الأيام الحمد لله وصلنا ما يكفي من الأغطية".

وتناشد القائمين على المساعدات الإنسانية قائلة "أولويتنا الآن أن يتم توفير مأوى لنا ويتم إعادة إعمار مساكننا، نحتاج مكانا نؤوي فيه أطفالنا من البرد والأمطار القادمة".

أما "إيجّو"، وهي مسنة في الثمانين، فتقول إنها شاهدت في هذا الزلزال أهوالا لم تشاهدها قط في حياتها، وتضيف للجزيرة نت "نجونا بأرواحنا إلى هذه البساتين نحن وأطفالنا وما تبقى لنا من مواش وحيوانات".

وتضيف "لا أذكر في حياتي أننا عشنا مثل هذه الكارثة، لكننا نحمد الله تعالى على ما ابتلانا به. انتشلني أبنائي وأحفادي من تحت الأنقاض، والحمد لله لم أصب بأذى كثير، رحم الله شهداءنا وشافى جرحانا وأحسن إلى من أحسن إلينا".

خارج الحدود

رغم هول الزلزال، فإن الحياة مستمرة وتمضي لأن صلابة هؤلاء الرجال والنساء من صلابة الجبال التي عاشوا فيها، لذلك وإن كانت مأساتهم تلازمهم في كل وقت وحين، فإنهم يهتمون لمأساة إخوانهم في المناطق الأخرى.

على إيقاع توزيع كؤوس الشاي في ظلام دامس يشقه بصيص ضوء من مصباح يدوي معلق في شجرة اللوز، يسألني العم إبراهيم، الذي يحترمه الجميع هنا لكبر سنه ولمسارعته للخير بينهم، "أنت صحفي وجلت في كثير من المناطق والقرى التي تضررت، أما نحن فبالكاد نصل إلى أقرب نقطة نستلم فيها المساعدات، حدثنا قليلا عما رأيت وكيف حال المتضررين هناك".

رويت لهم بعض ما رأيت في قرى "تاجكالت" و"تفنكولت" و"تيزي نتاست" و"إيخفيس" و"أيت تيوكا" و"تمسولت" و"شفارني"، وبعض ما رأيت في قرى أخرى بمنطقة "أغبار" مررنا عليها ونحن في الطريق إليهم، كما حدثتهم عن حالة كثير من الطرق والمسالك التي سلكناها.

"نوف كرا يافاغ كرا" يقول الحسين (50 عاما)، وهي عبارة أمازيغية معناها "نحن أفضل من البعض والبعض أفضل منا"، لخص فيها معاني الرضى بالقدر التي تتجلى في سرائر وظواهر هؤلاء الرجال والنساء.

وتشعب النقاش بشأن الكارثة إلى الحديث عن بعض المشاكل والنواقص التي اعترت عملية توزيع المساعدات، وامتد إلى الانتقاد الحاد لبعض السياسيين، وعرج على مشروع المساعدات الفرنسية التي أثارت جدلا حادا في البلدين هذه الأيام، وتفرع إلى تراجع النفوذ الفرنسي في أفريقيا، ولم يخلُ الحديث من طرائف استرجعها البعض من فترة ما قبل الزلزال، بل إن منهم من حوّل بعض لحظات الكارثة إلى طرفة ومزاح.

وتجاوز النقاش حدود البلاد للحديث عن زلزال كهرمان مرعش في تركيا وما خلفه من دمار في فبراير/شباط الماضي، وبدأت المقارنات والتحليلات، ثم كارثة الفيضانات التي ضربت مدينة درنة الليبية الأسبوع الماضي، وكانت الأحاديث مفعمة بمشاعر التضامن والأخوّة وبالدعاء للمتضررين هناك.

صوف ومصابيح

تصل الحرارة في هذه الجبال وفي هذا الفصل في الليل إلى نحو 10 درجات مئوية، لذلك فالكل بعد المغرب يهرع إلى ما لديه من ملابس صوفية سميكة ودافئة.

ومن حين لآخر تسمع تحذيرا من السقوط أو إسقاط شيء، فالمصابيح اليدوية القليلة التي يبددون بها الظلام معدودة، وأعطي أكثرها للنساء، فليس هناك أحوج للضوء من قدر أو طنجرة يطبخن فيها عشاء 50 شخصا.

وسط صيحات الأطفال وصراخهم وبكاء بعضهم، وصل إعلان من المطبخ أن العشاء جاهز، فهبّ أحد الشباب لجلب إناء مليء بالمياه وسطل فارغ وبدأ يلف على الجالسين ليغسلوا أيديهم استعدادا للأكل، وتلك عادة مغربية في الترحيب بالضيف وإكرامه، وتحلّق الرجال في مجموعتين حول مائدتين، في حين شكلت النساء بدورهن مجموعتين في حيزهن للغرض نفسه.

وما كاد الجمع ينتهي من الأكل حتى برز من بين أشجار البساتين ضوء مصباح يدوي، إنهم 4 شبان من أبناء القرية يعملون في مدينة الرباط واصلوا الليل بالنهار ليصلوا الرحم ويجلبوا لأهلهم ما استطاعوا من مساعدات، وبدأت جولة جديدة من السمَر في انتظار تجهيز عشاء سريع من الشاي والخبر والبيض المقلي للقادمين الجدد.

كوابيس تحت البلاستيك

بعد مدة، بدا العياء على الجميع وهرع 4 شبان إلى الكوخ البلاستيكي لإعداد فراش النوم، تكدسنا أكثر من 20 رجلا وطفلا جنبا إلى جنب، واستمرت في الظلام أحاديث الزلزال والمساعدات والسياسة والأوضاع، ولم يقطعها إلا بدء شخير بعض ممن غلبهم النوم.

في الليل تسمع من حين لآخر بعض الهمهمات والصرخات المكتومة من تلك التي تدل على أن صاحبها غارق في رعب تحت الفراش، وتلك علامة على أن أهل القرية لا يزالون يستذكرون هول الزلزال ليس فقط في يقظتهم، بل إنه جعل كثيرا من أحلامهم كوابيس.

وفي الصباح أبى أهل قرية أمندار إلا أن يكون مسك الختام إفطارا بالشاي المنعنع وبالجبن والعسل المصفى، ودعناهم بالشكر والثناء على الكرم وحسن الاستقبال، وودعونا بالآمال في أن ننقل للعالم معاناتهم.

آخر كلام سمعناه في القرية ما قاله مالك، وهو أحد أبناء القرية القاطنين في مدينة طنجة شمالي البلاد وعاد إليها هذه الأيام لمواساة أهله ومساعدتهم على تجاوز الكارثة، "حللت ضيفا عزيزا علينا وكنت واحدا منا هذه الليلة، ونرجو أن تحمل رسالة إلى العالم ليعلموا أن في هذه الجبال قرى منسية لا يلتفت إليها إلا في الكوارث والأزمات".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: هذه الجبال بعض ما فی هذه

إقرأ أيضاً:

المغرب يعتزم تشديد الخناق على التواصل الاجتماعي.. هل ينقلب المشهد الرقمي بالمغرب؟

"النص التشريعي المُرتقب يأتي استجابة لتزايد التحديات والإشكالات التي أفرزها التطور السريع للفضاء الرقمي، والذي أضحى، مجالا غير مضبوط تسري فيه المضامين بدون حواجز قانونية" هكذا انطلق وزير الشباب والثقافة والتواصل المغربي، محمد المهدي بنسعيد، في الكشف عن قرب عرض مشروع قانون لتأطير وتنظيم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.

وخلال اجتماع لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب (أحد غرفتيّ البرلمان المغربي)، الأربعاء الماضي، أكد الوزير، أنّ الحكومة، تهدف لـ"التصدي للمخاطر المتنامية المرتبطة بالمحتوى الرقمي، مع ضمان عدم المساس بحرية التعبير".

وفيما أبرز الوزير أنّ "منصات التواصل الاجتماعي أضحت من أبرز الوسائل المؤثرة في تشكيل الرأي العام وصناعة المحتوى، في ظل غياب معايير واضحة للمسؤولية والمساءلة الرقمية"، أثير نقاش متسارع بين رواد مختلف مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب، بين مستفسر عن فحوى مشروع القانون، وبين متخوّف من تقييد حرية التعبير.

ماذا نعرف عن مشروع القانون؟ 
بحسب وزير الشباب والثقافة والتواصل، فإنّ: "مشروع القانون يسعى إلى سد فراغ قانوني، قد شكّل نقطة ضعف في مواجهة الانفلاتات الرقمية"، مؤكّدا على: "ضرورة التفاعل مع التحولات التكنولوجية المتسارعة عبر إطار قانوني يحقق التوازن بين حرية التعبير وضرورة حماية المواطنين، لا سيما القاصرين، من التأثيرات السلبية للمحتوى الرقمي".

وسيمكّن النص القانوني المُرتقب، وفقا للوزير المغربي، الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (مؤسسة حكومية) من: صلاحيات موسّعة لضبط محتوى مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة عندما يكون موجها للجمهور المغربي أو يدر أرباحا داخل السوق الوطني، وذلك حتى في غياب مقر مادي لها بالمغرب.

وأكد بنسعيد أنّ: "القانون سيلزم المنصات الرقمية الأجنبية بتعيين ممثل قانوني معتمد داخل التراب الوطني، ليكون المخاطب الرسمي للدولة، ومكلفا بتقديم تقارير دورية تتعلق بأنظمة تعديل المحتوى، وآليات التعامل مع الشكاوى، والمعطيات الإحصائية الخاصة بالمضامين المحذوفة أو المثيرة للجدل".

كذلك، أوضح أنّ: "النص المقترح يسعى لتفعيل أنظمة فعالة لتعديل المحتوى (moderation) عبر خوارزميات ذكية ترصد تلقائيا المضامين المخالفة للقانون، مثل المحتويات المحرضة على العنف، الكراهية، الأخبار الزائفة أو تلك الموجهة بشكل غير ملائم للقاصرين". 

"ضرورة تصنيف المحتوى حسب الفئة العمرية، وتفعيل الرقابة الأبوية، ومنع الإشهارات الضارة أو المخادعة الموجهة إلى الأطفال والمراهقين، بما في ذلك المحتويات التي قد تؤثر سلبا على النمو النفسي أو السلوكي" أضاف بنسعيد.
أكد وزير الشباب والثقافة والاتصال، محمد المهدي بنسعيد، أن الوزارة بصدد دراسة تنظيم مشاورات لتقديم حلول للإشكاليات المتعلقة بالتشهير الإلكتروني والعنف الرقمي عبر منصات التواصل الاجتماعي.


وأوضح الوزير في رده على سؤال كتابي للنائبة البرلمانية عزيزة بوجريدة عن الفريق الحركي، أن… pic.twitter.com/B40XxllTbr — Hespress هسبريس (@hespress) October 19, 2024
وشدّد على أنّ: "مشروع القانون سيلزم المنصات باتخاذ إجراءات فورية لإزالة الأخبار الزائفة أو المحتويات التي تتضمن تحريضا على الإرهاب، العنف، التمييز العنصري أو الديني، مع التعاون الكامل مع السلطات الوطنية في تنفيذ قرارات الحجب أو التقييد".

ولفت أيضا إلى أن القانون المُنتظر، سيُلزم "المنصات الرقمية الأجنبية التي تحقق أرباحا من السوق الإشهاري المغربي، بالتصريح الضريبي الشفاف والتعاون مع مديرية الضرائب، بنك المغرب، ومكتب الصرف، خاصة في حال وجود مخالفات تستوجب تقييد أو منع تحويل الأموال".

إلى ذلك اعتبر الوزير، أنّ: "البعد المالي جزء أساسي من ضبط المنصات العابرة للحدود، بما يضمن إنصاف الفاعلين الوطنيين ويعزز مبدأ السيادة الرقمية للمغرب".

واختتم الوزير المغربي حديثه بالإشارة إلى أنّ: "التجربة الأوروبية، خاصة قانون الخدمات الرقمية الأوروبي الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2023، تمثل مرجعية متقدمة في هذا المجال، ويمكن الاستئناس بها في صياغة التشريع المغربي بما يضمن التوازن بين حرية التعبير وواجب حماية المجتمع".


جدل سابق
قبل ما يُناهز عاما كاملا، كان وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، قد كشف عبر تصريحات صحافية، مُتفرٍّقة، عن: "تنظيم استخدام تيك توك ويوتيوب، ووضع حد لفوضى مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، من خلال نصوص قانونية تنص على عقوبات سجنية"، وهو ما كان قد أثار نقاشا متسارعا وأشعل مختلف مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب.

وفي حوار مع الموقع الإلكتروني الإخباري للقناة المغربية الثانية (2M)، قال وهبي، إنّ: "الحل لتقنين تيك توك، ووضع حد للتشهير في مواقع التواصل الاجتماعي، هو إدراج نصوص في القانون الجنائي تعاقب على هذه الأفعال، وإنهم أدرجوا النصوص بالفعل في مشروع القانون الجنائي". 

"سيدة لديها حياتها الخاصة، وسيد لديه حياته الخاصة، من أنت لكي تصورها، أو تصور باب منزل؟!" تابع وهبي، خلال حديثه آنذاك، مبرزا أنّ: كل هذه الأمور ستنظم من خلال القانون الجنائي، وأنهم ما زالوا يشتغلون عليها، وسيوسعون مجال التجريم في هذه الجرائم، وأنه لا يوجد في الوقت الحالي نص قانوني، وهناك الفوضى.

وتابع: "اليوتيوب، الذي يقول فيه شخص ما يريد في حق وزير، أو مسؤول، هل لدى ذلك الوزير الوقت ليهتم بهم، أو ليشتغل؟، مضيفا: "لن ندع الأمور تمر هكذا؛ من يقول ما يريد في حق وزير، أو مسؤول، على يوتيوب، سنضع نصّا خاصّا حول ذلك الموضوع، ونجرّمه" ما أشعل النقاش أكثر، وبعدها خفت الموضوع.

"أدعو جميع المغاربة ضحايا الابتزاز الالكتروني والتشهير في مواقع التواصل الاجتماعي إلى اللجوء إلى القضاء وطلب تعويض عن ذلك"(وزير العدل، عبد اللطيف وهبي)#برلمان #المغرب pic.twitter.com/KH5lf3OCxC — 2M.ma (@2MInteractive) December 10, 2024
ما رأي المغاربة؟
بتاريخ في 19 آذار/ مارس 2020، كان مجلس الحكومة قد وافق على مشروع القانون رقم 22.20 بشأن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، والذي قدمه وزير العدل.

وبحسب وزير العدل المغربي، فإنّ: "النص يهدف إلى سد ثغرة قانونية من أجل مكافحة المعلومات الخاطئة بشكل أكثر فاعلية، ومواءمة التشريعات المغربية مع اتفاقية بودابست بشأن الجرائم السيبرانية، التي صادق عليها المغرب، على الرغم من أن الاتفاقية المذكورة لا تتضمن أي حكم بشأن حرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي".

غير أنّ مواقع التوصل الاجتماعي قد اشتعلت نقاشا ورفضا لمشروع القانون بوصفه "تكميما للأفواه" في إشارة إلى قدرته على تضييق حريات التعبير. كما استنكرت عدّة منظمات للمجتمع المدني، غياب المشاورات قبل اعتماد مشروع القانون، وكذلك عدم الشفافية فيما يتعلق بمحتوى الأحكام، مبرزين أنّ: "الحكومة استغلت جائحة كوفيد-19 لوضع تدابير تقيد الحريات المدنية".

#يسقط_قانون_2220
لم يبقى لهم إلا إضافة قانون بحظر التغريد والتدوين بعد اذان المغرب وربما في المستقبل يضاف أيضا منع الدخول إلى منصات التواصل الإجتماعي في أيام العطل هزلت #لا_لتكميم_الأفواه pic.twitter.com/CqXmfKGoml — حُسَام ???? بربروس ???????? (@2barbaros) April 27, 2020
أي مُقتضيات؟
خلال عام 2020 تم تسريب المواد التي يشملها مشروع القانون المرتبط بمواقع التواصل الاجتماعي، ما خلّف آنذاك موجة غضب جماعية بين رواد التواصل في المغرب؛ وهذه بعضا من مواده:

كانت المادة 8 من مشروع القانون، تمنح سلطات رقابية واسعة النطاق لـ "مزودي الخدمات" ، المكلفين بـ "حذف أو محظر أو توقيف أو تعطيل الوصول يظهر بشكل جلي أنه يشكل تهديدا خطيرا على الأمن والنظام العام أو من شأنه المساس بثوابت المملكة المغربية أو بمقدساتها ورموزها، وذلك داخل أجل أقصاه 24 ساعة... ".

وفي حالة عدم الامتثال للمادة 8، تنص المادة 10 على أن تكون الإدارة مختصة بإرسال إشعار رسمي إلى مزود الخدمة المتخلف في المقام الأول حيث لا يمتثل على الفور للطلبات المقدمة من الإدارة ولا يتابع مع إزالة أي محتوى يعتبر غير قانوني أو ضار بشكل واضح للسلامة العامة والنظام العام، بعد خمسة أيام من تاريخ الاستلام.

وإنّ عدم الامتثال لهذا الأمر، قد يؤدي إلى: عقوبة إدارية بقيمة 500.000 درهم، والتي قد تكون مصحوبة بتعليق مؤقت. في حال ما استمر مقدم الخدمة في عدم الامتثال لطلب الإدارة في غضون خمسة أيام، تسمح المادة 11 للإدارة بسحب تفويضهم أو رخصة التشغيل الخاصة بهم وتمنعهم من العمل على الأراضي المغربية.

وتمنح المواد 10 و 11 و 12 من مشروع القانون نفسه الذي خلّف غضبا عارما بين المغاربة، صلاحيات واسعة للإدارة أو "هيئة الرقابة"، وذلك دون تقديم مزيد من التفاصيل حول إنشاء هذه الهيئة.

وتنص المادة 14 من مشروع القانون على "الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 5000 إلى 50.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، من قام عمداً عبر شبكات التواصل الإجتماعي أو عبر شبكات البث المفتوح أو عبر الشبكات المماثلة بالدعوة إلى مقاطعة بعض المنتوجات أو البضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض علانية على ذلك".

وأكّد عدد من الرّافضين لهذه المقتضيات، قبل سنوات، أنّ: "حظر المواقع دائما ما يكون غير متناسب بموجب المادة 19 (3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه المغرب، لأنه يمنع الوصول إلى محتوى شرعي آخر على الإنترنت".

مشروع قانون في المغرب لفرض الوصاية على وسائل التواصل الاجتماعي .. حرية التعبير وحرية الرأي ستصبح متحكم فيها ومسيرة
بالنسبة لاصحاب شعار العام زين ماتخافوش انتم هم مثال لما يراد به ان تكون وسائل التواصل الاجتماعي في المغرب pic.twitter.com/96YFHWIXiw — Mohamed Bouarbi (@MohamedBouarby) April 24, 2020
جرّاء ذلك، تم تعليق مشروع القانون؛ ليعود بعد سنوات النقاش بخصوص مشروع قانون آخر يخص كذلك مواقع التواصل الاجتماعي، ليشتعل النقاش المتسارع من جديد. رغم عدم الكشف عن وثيقة مشروع القانون بعد، للاطّلاع على فحواها. 

تجدر الإشارة إلى أنّ عدد سكان المملكة المغربية هو: 33 مليونا و848 ألفا و242 نسمة، بحسب الإحصاء العام للسكان والسكنى، الذي تمّ أواخر عام 2014. فيما كشفت دراسة حديثة لشركة "سونرجيا" المُتخصصة في أبحاث السوق، أن 80 في المئة من سكان المغرب يستعملون مواقع التواصل الاجتماعي في عام 2024، وذلك بزيادة تبلغ 7 في المئة مقارنة بعام 2020.

وأوضحت الدراسة نفسها أنّ: "واتساب، وفيسبوك، وإنستغرام، هي التطبيقات الثلاثة الأكثر استعمالا من قِبل المغاربة، بنسب 76 في المئة، و65 في المئة، و40 في المئة على التوالي، بينما يأتي تيك توك في المركز الرابع بـ19 في المئة، وسناب شات في المركز الخامس بـ8 في المئة، ثم لينكدإن في المرتبة السادسة بـ6 في المئة، وفي المركز السابع تويتر بـ4 في المئة".


أمّا فيما يخص يوتيوب، فقد أورد تقرير "Digital 2023 Global Overview Report"، الذي صدر في شباط/ فبراير 2023، أن: "عدد مستعملي المنصة في المغرب قد بلغ بحلول عام 2023 21,30 مليون مستخدم".

إلى ذلك، يظل مشروع القانون المغربي لتنظيم مواقع التواصل الاجتماعي إشكالية متعددة الأبعاد، تحاول البحث عن توازن بين حماية المجتمع من المخاطر الرقمية، وضمان حرية التعبير.

وبينما تؤكد الحكومة على ضرورة "سد الفراغ التشريعي" في مواجهة المحتوى الضار، لا يزال رواد التواصل الاجتماعي متخوّفين مما يصفونها بـ"انزلاقه نحو تقييد الحريات". فهل سيكشف النص القانوني مستقبلا قادرا على تجاوز إرث الجدل السابق، واستيعاب تطلعات مجتمع رقمي نشط؟

مقالات مشابهة

  • محمد زمان أسطورة التعليق الكروي بالمغرب يمر بأزمة صحية
  • تقرير رسمي: عدد الفقراء بالمغرب إنخفض من حوالي 4 ملايين إلى 2,5 مليون نسمة
  • طقس الخميس: أجواء حارة نسبيا بعدد من الجهات مع زخات رعدية في الأطلس
  • نورة الكعبي تشارك في اجتماع تحالف تنفيذ حل الدولتين بالمغرب
  • حشرة ضارة تفتك بأشجار اللوز بكلميم
  • تطبيقات النقل الذكي.. وزير الداخلية يعلن عن إصلاح تشريعي لتقنين القطاع بالمغرب
  • طقس الأربعاء: أجواء حارة وزخات رعدية بالأطلس مع رياح قوية وتطاير الغبار جنوباً
  • طقس الأربعاء: أجواء حارة نسبيا بعدد من المناطق
  • المغرب يعتزم تشديد الخناق على التواصل الاجتماعي.. هل ينقلب المشهد الرقمي بالمغرب؟
  • رئيس الليغا الإسبانية يحل بالمغرب ويلتقي مسؤولين رياضيين وحكوميين