نهض العالم في كل تاريخه على التجارة وممراتها، ومن أجل تلك الممرات وتجارة مجدية قامت الحروب والاكتشافات وأمكن رسم الخرائط للمحيطات، والبحار، والجبال، والسهول، والصحارى، وخلالها ترسخت فكرة كروية الأرض قبل أن تثبتها اكتشافات وممرات أخرى على اليابسة والمياه والفضاء الشاسع.

اتصلت الصين بأوروبا والمغرب العربي عبر الشرق الأوسط بواسطة طريق الحرير، وعبر طريق التوابل نمت علاقة الهند بالخليج العربي والقارة العجوز، وأرادت إسبانيا طريقاً إلى الهند أقصر من ذلك الذي يمر حول رأس الرجاء الصالح، فأرسلت كريستوف كولومبوس، الذي بدلاً من الهند، وجد نفسه في عالم جديد يزخر بالذهب لا بالبهارات والأفاوية!

حصل كل ذلك على وقع التنافس والصدام، فكانت التجارة مرادفاً للحرب أو امتداداً لها، مثلما أن الحرب امتداد للسياسة على قول المعلم كلاوسفيتز، وامتدت تلك المرحلة قروناً من الحروب المغولية إلى حروب الاستعمار الأوروبية بهدف اقتسام العالم، فإلى المجازر العالمية العظمى في القرن الـ20 التي لم تنهِ عصور اشتباكات السيطرة، لكنها فتحت الباب واسعاً أمام احتمال التنافس من دون اللجوء إلى دمار شامل للمنافسين.

شهد العالم منذ بداية القرن الحالي وانتهاء الحرب الباردة نشاطاً كثيفاً في مجال فتح مسارب جديدة للنقل والتعامل والتبادل. لم تكن خطوط الغاز والنفط بين روسيا، وأوروبا الغربية وبين العراق، وتركيا سوى البداية، ولاحقاً نهضت مشاريع الربط البري بين الشمال والجنوب، واتفقت روسيا وإيران والهند عام 2000، على مشروع طموح يربط البلدان الثلاثة بشبكة طرق وسكك الحديد تصل روسيا بالبلدين عبر بحر قزوين، وتصل الهند بميناء تشابهار الإيراني، على بحر العرب. وفي الأعوام التالية طرحت أفكار كثيرة ووقعت اتفاقات حول ربط البلدان العربية بشبكات القطار، والطرق، والأنابيب قبل أن تعلن الصين عن مبادرة "الحزام والطريق" بلسان زعيمها شي جين بينغ في كازاخستان عام 2013، ومنذ ذلك الحين اتسعت المبادرة لتشمل نحو 150 دولة في آسيا، وأفريقيا، وأوروبا وليتقرر من خلالها تنفيذ أكثر من 2600 مشروع في أكثر من 100 دولة، وستة ممرات أبرزها الممر الأوسط من تركيا إلى الصين، عبر جورجيا، وأذربيجان وبحر قزوين، ثم تركمانستان، وأوزباكستان، وقيرغيزستان وكازاخستان.

سبقت الهند الصين في سياسة الممرات ومشروعها مع روسيا وإيران أقدم بـ13 عاماً من مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، والأسئلة التي تطرح اليوم حول تضارب هذه المبادرات وخلفياتها السياسية، خصوصاً بعد الإعلان عن الممر الهندي الخليجي الأوروبي خلال قمة "مجموعة الـ20" الأخيرة في الهند، إنما تعود للحسابات السياسية لأطرافها، وليس لجدواها والتطوير الذي يمكن أن تحدثه في الحياة التجارية والاقتصادية الدولية.

المشروع الذي أعلن عنه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيسان الهندي والأمريكي هو في الواقع خطوة طبيعية، وواقعية نحو تعزيز العلاقات بين ثلاثة أجزاء من العالم ربطتها منذ قرون علاقات اقتصادية عريقة. كانت الروبية الهندية عملة سائدة في الخليج العربي، حتى عقود قليلة، وكان التجار والبحارة العرب يجوبون البحار بين الجزيرة العربية، والهند استيراداً وتصديراً، وحضرت الجاليات الهندية إلى الخليج بكثافة لتشارك في نهضته وازدهاره بعد بداية عصر النفط، ولذلك لم يكن مشروع الممر الذي أعلن عنه قبل أيام مفاجئاً أو غريباً ليوضع في موقع المنافسة مع "الممر الصيني" كما ذهب مجتهدون في السياسة، فمشروع الممر الهندي هو بمثابة تطوير حديث لما كان قائماً منذ مئات السنين.



رحبت الصين التي غاب زعيمها شي جينبينغ عن "مجموعة الـ20" بحصيلة القمة ولم يصدر عنها انتقاد لمشروع الممر الذي تقرر وضع آليات تنفيذه خلال شهرين، لكن انتقادات صدرت ضد المشروع من ثلاث جهات كل لأسبابه.
في روسيا، رأت فيه الصحافة المقربة من السلطات محاولة لتعطيل "الحزام والطريق"، ونقلت "أزفستيا" عن المستشرق الروسي أندريه أونتيكوف قوله: "إنه مشروع موجه ضد الصين... وكثيرون يربطون غياب شي جينبينغ عن القمة بفكرة ممر النقل الجديد" الذي جرى "توريط الهند فيه" ضمن ما سمّاه المستشرق "لعبة الأمريكيين المفضلة التي حققت نجاحاً كبيراً في أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا والتي تقوم على مبدأ فرق تسد. في الجوهر ستستغل أمريكا التناقضات بين بكين ونيودلهي وتضعهما في مواجهة بعضهما بعضاً".

لكن ليس هذا الرأي الوحيد الذي نقلته وسائل الإعلام الروسية، ففي صحيفة "أرغومنتي إي فاكتي" نقرأ عن تعاون روسي هندي في تطوير ممر النقل عبر بحر الشمال، وفي ذلك تقول ويندي ديتليفا رئيسة قسم في الجامعة المالية التابعة للحكومة الروسية، إن "الهند هي إحدى أكبر القوى البحرية في العالم، ومشارك رئيس في الشحن الدولي، لذلك يهتم الهنود بصيانة القواعد والسيارات في منطقة القطب الشمالي، فوجودهم هناك يزيد من نفوذهم السياسي. وسيكون ذات فائدة مضاعفة لروسيا".
ليست الأحكام السياسية المسبقة كافية للحكم على مشروع في حجم المشروع الهندي السعودي الأوروبي، ولا قيمة لرمي الاتهامات المتسرعة حول استهداف هذا البلد أو ذاك، رغم أن صانعي مثل هذا المشروع الضخم يبحثون أصلاً في الجدوى وفي الموجبات الأمنية والاقتصادية.
بدا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منزعجاً من الممر الجديد، وهو في طريق عودته من نيودلهي. قال للمراسلين إن تركيا "أكثر ملاءمة لحركة المرور من الشرق إلى الغرب. ولن يكون هناك ممر من دون تركيا".
يدعم أردوغان خطاً يمر عبر العراق من الفاو إلى تركيا فإلى أوروبا، لكن صحفاً تركية معارضة انتقدت الرئيس التركي وقالت إن "أطراف الممر الهندي اختاروا الطريق الآمن، وليس العراق حيث تسيطر إيران، والميليشيات التابعة لها".
ولم تخفِ إيران استياءها، فصحيفة "خراسان" الأصولية كتبت أن "إيران هي الخاسر الرئيس من هذا الممر، وحتى من ممر طريق الحرير الصيني.فطهران متخلفة عن ركب الدول المنافسة في هذه الممرات بسبب عزلتها الدولية."، وذهبت صحيفة "سرامد" إلى الاستنتاج أن "المشروع سيكون له ما بعده، فهو يهدد موانئ إيران وعليها النظر إليه بجدية".
تطمح طهران إلى ربط العراق، وسوريا، وصولاً إلى لبنان بشبكة ممراتها، لكن طغيان الطابع الأيديولوجي الأمني على السياسة الإيرانية يجعل طموحاتها متعسرة. فحتى العراق رفض رغبة إيران في تحويل خط شلمجة البصرة الذي افتتح أخيراً إلى خط لنقل البضائع، وأصر على أنه مخصص للركاب المسافرين. وفي إيران، ترتفع أصوات تناقش في الاقتصاد وضرورة تغيير السياسات، ويقدرون بين أوضاع بلادهم والمملكة العربية السعودية، القطب الإقليمي والدولي في مختلف المشاريع التي يجري العمل عليها. ولاحظ مدير صحيفة "صبح أمروز" صالح أبادي أن السعودية "تقود خطة لتغيير" شكل الشرق الأوسط، ويقول: "السعودية حققت نمواً إيجابياً يتجاوز 8.7%، فيما بلغ النمو في إيران في آخر 32 عاماً 3.2%، وكان سلبياً في السنوات الـ12 الأولى بعد الثورة بنسبة 1.7 %"، ليخلص إلى القول إن "استمرار إيران بسياستها الحالية يعني أنه لن يكون لها أي دور اقتصادي في الشرق الأوسط الجديد".
لقد فتح مشروع الممر الهندي الخليجي الأوروبي العيون والجراح الكامنة، ولدى تنفيذه ستكون أوضاع كثيرة قد تغيرت في منطقة راوحت كثيراً في براثن حسابات بائدة.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني الشرق الأوسط الممر الهندی مشروع الممر

إقرأ أيضاً:

النجم الهندي  Hiten Tejwani لـ "الفجر الفني" : "العواطف لا تحتاج إلى ترجمة... وهذا سر سحر السينما الهندية"

 

كشف أحد أبرز نجوم بوليوود  Hiten Tejwani  في حوار خاص مع الفجر الفني عن السر الحقيقي وراء قدرة السينما الهندية على أسر قلوب الجمهور في الشرق والغرب، مؤكدًا أن الفن الصادق لا تحده لغة، وأن المشاعر الإنسانية هي الجسر الذي يصل بين الشعوب.

وقال النجم   Hiten Tejwani : "السينما لغة لا تحتاج إلى ترجمة، فالعواطف لا تحتاج إلى كلمات. قد لا يفهم المشاهد اللغة، لكنه يشعر بالحب، بالحزن، بالفرح  وهذه المشاعر عالمية. نعم، أحيانًا نبالغ في التعبير، لكن هذا جزء من طبيعة العائلات، ولهذا نجد ذلك الترابط الحقيقي بين الناس والأفلام الهندية."

الحظ وحده لا يكفي

وتطرق النجم إلى الحديث عن مفاتيح النجاح، قائلًا: "الحظ له دور، بلا شك، لكنه ليس كل شيء. العمل الجاد هو الأساس، والذكاء في اختيار الأدوار والقرارات لا يقل أهمية. عليك أن تعرف ما الذي تريده وما الذي ترفضه، ولماذا. هذه العناصر إلى جانب الإيمان بما تفعله، هي ما يصنع الفارق."

الحدود تتلاشى بين التلفزيون والمسرح والسينما

وحول الفرق بين التمثيل في السينما والمسرح، قال: "في الماضي، كان من الصعب على ممثل تلفزيوني أو مسرحي دخول عالم السينما. أما الآن، فقد بدأت هذه الحواجز تتلاشى تدريجيًا. صحيح أن الأمر لا يزال يحتاج جهدًا، لكن الأهم أن تكون ممثلًا جيدًا، عندها يمكنك أن تنجح في أي وسيلة عرض."

رسالة حب للجمهور العربي

وفي ختام حديثه، وجّه رسالة مؤثرة إلى جمهوره في العالم العربي، قائلًا: "أشكركم من أعماق قلبي على حبكم ودعمكم. لم أكن لأتخيل هذا الارتباط، لكنكم جعلتم حياتي أكثر اكتمالًا. سأبذل كل جهدي كي أستمر في إسعادكم، وأرجو أن تواصلوا إرسال دعواتكم وأمنياتكم الطيبة لي. شكرًا جزيلًا!"




 

Indian star Hiten Tejwani to Al Fajr Al Fany: "Emotions don't need translation... and that's the secret to the magic of Indian cinema."

 


 

Global Indian star Hiten Tejwani is one of the most prominent figures on the Indian screen, captivating audiences with his talent, handsomeness, and overwhelming presence. Al-Fajr Al-Fanni website conducted an exclusive interview with him.


 

What makes Indian cinema resonate with 
 audiences both in the ? Eastand West
 

Cinema is a universal language. You don’t need to understand the spoken language to connect with emotions — emotions themselves have no language. Whether it’s drama, love, or family dynamics, those themes resonate globally. Even if the stories have dramatic elements or are heightened, these are reflections of real life. That's why Indian cinema touches hearts across  
. cultures — because emotions are the bridge


 

Is success more about hard work, intelligence, and decision-making — or does faith also play    
?  a role

 

Faith definitely plays a role, but hard work is the foundation. You can't achieve anything without putting in the work. Intelligence and making smart decisions also matter — knowing what roles to choose, what paths to follow. You must be clear about your goals and choices. Everything matters — hard work, intelligence, decisions, and faith — all together


 

What’s the real difference between a film actor and a drama actor in India? Is the transition between the two easy?


 

Earlier, there was a huge divide. TV or drama actors rarely made it into films. But now, that line is beginning to blur. If you're a good actor, you can succeed in any medium. While the transition is still not easy, it’s definitely better than it used to be. There are still challenges, of course, but it's more possible now than before.





 

A message for your Arab fans who love you even without understanding the language,   but         
?feel all your emotions

 

To all my fans in the Arab world — thank you so much for loving me. Honestly, I never even dreamed of such love, and yet here you are, making my life feel complete. I promise to continue entertaining you for the rest of my life — in every way I can, and hopefully even better than before. Please keep loving me, sending your prayers and best wishes. Thank you from the bottom of my heart.

مقالات مشابهة

  • وزيرة التخطيط تلقي بيان مشروع خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية أمام الشيوخ
  • إيران والسعودية.. مساران متناقضان في الشرق الأوسط
  • خط السيطرة في كشمير فاصل الأمر الواقع الذي فرضته الحروب
  • سباق أجنبي لامتلاك أراضي بمحيط قناة السويس.. هل الممر الملاحي المصري في خطر؟
  • النجم الهندي   Hiten Tejwani   لـ"الفجر الفني": منصات OTT أضافت لصناعة المحتوى ولم تقتل الإبداع
  • النجم الهندي العالمي Hiten Tejwani : لم أزر مصر بعد لكن أتمنى ذلك.. وأرحب بالتمثيل في إنتاج عربي
  • النجم الهندي  Hiten Tejwani لـ "الفجر الفني" : "العواطف لا تحتاج إلى ترجمة... وهذا سر سحر السينما الهندية"
  • الصين تبدأ مشروع ضخم في السودان
  • إرث العقوبات على إيران.. أزمة اقتصادية وجهود للاكتفاء الذاتي
  • كيف جعلت الصين شركة آبل أسيرة لمصالحها الاقتصادية؟