حكم إطلاق لفظ العيد على المولد النبوي الشريف
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية، إن الأمر الذي لا يتردد فيه شاكّ، ولا يغفله عاقل: أنه لا نعمة تستحق أن يسعد بها المسلم ويهنأ حتى يَعُدَّ يوم حدوثها عيدًا، كنعمة ظهور النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوجود، واحتفال المسلمين بالمولد النبوي الشريف في كل عام، وإقامة الولائم، وصناعة الحلوى، والتزاور فيما بينهم إيذانًا باحتفالهم وابتهاجهم كما يفعلون في الأعياد، بل وإطلاق اسم "عيد المولد النبوي" على هذا اليوم؛ كل هذا مِن الأمور المشروعة المندوب إليها بالاتفاق.
أوضحت الإفتاء، أن الاعتراض بعدم جواز تسمية الأيام بالأعياد؛ بدعوى أنَّ الشَّرع الشريف لم يجعل للمسلمين إلا عيدين فقط؛ هما: الفطر والأضحى؛ استدلالًا بحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في يومِ فِطرٍ أو أضحى -وكان عندها قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بما تَقَاذَفَت الأنصارُ يوم بُعَاث-: «إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا» متفق عليه. وفي لفظ للبخاري: «وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا اليَوْمُ».
واستشهدت الإفتاء، بما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قَدِمَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلم المدينةَ ولهم يَوْمَانِ يلعبون فيهما، فقال: «مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟» قالوا: كنا نلعبُ فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، وأبو داود -واللفظ له- والنسائي في "السنن".
وأجابت الإفتاء على هذا الاعتراض مِن عدة وجوه؛ منهاأولًا: أنَّ قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ» يقتضي ترك المبدل منه بالمبدل به، والمبدل منه هنا: خصوص اليومين اللذين كانا بالجاهلية؛ لارتباطهما بأعياد المشركين وعبادتهم، ولا يعني ذلك أنه قد قَصَرَ أن يكون للمسلمين أيُّ عيدٍ غير الفطر والأضحى؛ ودليل ذلك: أنَّ الشرع الشريف قد سمَّى كلًّا مِن يومَي الجمعة وعرفة عيدًا؛ لما يعتاد فيهما مِن الاجتماع بين المسلمين، وما يصاحب ذلك مِن أداء العبادة مع مظاهر المؤانسة والمشاركة الاجتماعية، مما يعود على الناس بالسعادة والسرور، مع كونهما لم يرد ذكرهما في حديث الإبدال، فأفاد ذلك أنَّ إطلاق لفظ "العيد" على يومَي الفطر والأضحى إنما هو مِن قبيل التغليب لا مِن قبيل قصر التسمية عليهما فقط.
ففي خصوص يوم الجمعة: ورد عن ابْنِ السَّبَّاقِ رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللهُ تَعَالَى عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَاغْتَسِلُوا، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ» أخرجه الإمام مالك في "الموطأ"، والإمام الشافعي في "المسند"، وعبد الرزاق في "المصنف"، والبيهقي في "السنن الكبرى" و"معرفة السنن والآثار".
دار الإفتاء المصريةوفي خصوص يوم عرفة وما بعده من أيام التشريق: ورد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ: عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهُنَّ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، وأبو داود والترمذي والنسائي في "السنن"، وابن حبان وابن خزيمة في "الصحيح".
وقال أيضًا: [ولما كان عيد النحر أكبر العيدين، وأفضلهما، ويجتمع فيه شرف المكان والزمان لأهل الموسم؛ كانت لهم فيه معه أعياد قبله وبعده، فقبله يوم عرفة وبعده أيام التشريق، وكل هذه الأعياد أعياد لأهل الموسم، كما في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه].
ويضاف إلى ذلك: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عبَّر عنهما بـ"اليوم" كما عبَّر عنهما بـ"العيد"، فلما صح أنْ يطلق عليهما "يوم الفطر" و"يوم الأضحى"؛ أفاد أنَّ استخدام لفظ "العيد" فيهما إنما هو لمناسبة حالهما مِن إظهار السعادة والسرور فيهما، لا أنّه مصطلحٌ خاصٌّ بهما لا يُطلَق على غيرهما، ولذا فإنَّ كل ما ناسبه ذلك المعنى مِن الفرح والسرور مِن الأيام صَحَّ أنْ يطلق عليه ما أطلقه الشرع عليهما؛ قال شمس الدين الكرماني في "الكواكب الدراري" (6/ 62، ط. دار إحياء التراث العربي): [يريد بقوله: «هَذَا عِيدُنَا» أنَّ إظهار السرور في العيدين مِن شعار الدين وإعلاء أمره. قيل: وفيه دليلٌ أنَّ العيد موضوع للراحات، وبسط النفوس إلى ما يحل مِن الدنيا.. ألا ترى أنه أباح الغناء من أجلِ عذر العيد!].
ثانيًا: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أقر الناس على الفرح، والاحتفال بمناسباتهم السعيدة، ومآثرهم الحسنة، بل وسمَّاها بنفسه صلى الله عليه وآله وسلم "أعيادًا"، وأباح لهم فيها ما يباح لهم في الأعياد مِن التهنئة، والترويح عن النفس، والتزاور فيما بينهم؛ فروى البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أنَّ أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم عندها، يومَ فطرٍ أو أضحى، وعندها قينتان تغنيان بما تقاذفت الأنصارُ يومَ بُعَاث، فقال أبو بكر رضي الله عنه: مزمار الشيطان! مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا اليَوْمُ». وفي لفظ في "الصحيحين": «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ؛ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ»، وفي لفظ لأبي عوانة في "مستخرجه على صحيح مسلم" بلفظ: «دَعْهُمَا؛ فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عيدنا».
ثالثًا: أنَّ أيام المسرات وأحداث الخير التي تعود ذكراها على الناس وطِيب شذاها لَمَّا أشبهت العيد في إدخال السرور والسعادة على النفوس: صح إطلاقه عليها مِن باب التشبيه؛ كما أطلق الشرع الشريف على الجمعة عيدًا لَمَّا أشبهت العيد في الاجتماع والعود والسرور.
قال العلَّامة الخرشي في "شرح مختصر خليل": [وإن كان قد جاء أن يوم الجمعة عيد المؤمنين: فمن باب التشبيه؛ بدليل أنه عند الإطلاق لم يتبادر الذهن إلى الجمعة ألبتة؛ إذ لا يلزم اطراد وجه التسمية. وقيل: لعوده بالفرح والسرور على الناس. والعيد أيضًا: ما عاد مِن هَمٍّ أو غيره].
وقال العلَّامة الصاوي في "حاشيته على الشرح الصغير": [وما ورد مِن تسمية الجمعة عيدًا: فمن باب التشبيه؛ بدليل أنه عند الإطلاق لم يتبادر للذهن الجمعة ألبتة].
وقال العلَّامة الماوردي الشافعي في "الحاوي": [المختار للناس في هذا اليوم مِن الزينة، وحسن الهيئة، ولبس العمائم، واستعمال الطيب، وتنظيف الجسد، وأخذ الشعر، واستحسان الثياب، ولبس البياض: ما يختاره في يوم الجمعة وأفضل؛ لأنه يوم زينة؛ ولأنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في جمعة مِن الْـجُمَع: «إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللهُ سُبْحَانَهُ عِيدًا لَكُمْ؛ فَاغْتَسِلُوا»، فلما أمر بذلك في الجمعة تشبيهًا بالعيد كان فعله في العيد أولى].
وقال العلَّامة البرماوي في "اللامع الصبيح": [(عيدان) أي: يوم الجمعة ويوم العيد، وإنما سُمِّي يومُ الجمعة عيدًا؛ لأنه زمانُ اجتماعِ المسلمين في مَعبَدٍ عظيمٍ لإظهارِ شعارِ الشريعة كيوم العيد، فأُطلق عليه "عيدٌ" تشبيهًا].
رابعًا: أنَّ انصراف لفظ "العيد" إلى يومَي الفطر والأضحى إذا أُطلق إنما هو لما يتعلق بهما مِن أحكام فقهية، وآداب شرعية لا ينبغي لمسلمٍ إهمالها؛ كالاغتسال، والصلاة، والأضحية، وزكاة الفطر، والتزاور وغير ذلك، ولا يمنع هذا مِن إطلاق لفظ "العيد" على غيرهما مِن الأيام سواء أكانت قومية أم مجتمعية أم شخصية مع كونها لا يترتب عليها شيء من هذه الأحكام أو الآداب؛ إذ إنَّ كلَّ يومٍ يمر على الإنسان وهو غارق في نعم الله تعالى أو مستغرق في عبادته يصح كونه عيدًا له، ولا نعمة على العبد تستحق سعادة العيد، كنعمة ميلاد خير الأنام؛ إذ هو النعمة العظمى، والمنة الكبرى، رحمة الله للعالمين، وسبب النجاة في الدنيا والدين ويوم يقوم الناس لرب العالمين.
فعن الحسن البصري رضي الله عنه أنه قال: "كُلُّ يَوْمٍ لَا يَعْصِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ الْعَبْدُ فِيهِ فَهُوَ عِيدٌ" أخرجه الإمام عبد العزيز الكتاني في "مسلسل العيدين".
قال العلَّامة العدوي في "حاشيته على شرح مختصر خليل" في سبب تسمية العيد بذلك: [قوله: (وقيل: لِعَوْدِهِ بالفرح)؛ أي: وقيل: تفاؤلًا بأن يعود على مَن أدركه من الناس.. قوله: (والعيد أيضًا: ما عاد مِن هَم.. إلخ) ظاهره: أنه مقولٌ بالاشتراك على اليوم المعروف، وعلى ما عاد، ويدخل في الغير: يوم الجمعة؛ لأنه يعود].
وقال الحافظ ابن رجب في "تفسيره": [أمَّا خواصُّ المؤمنينَ: فكل يوم لهم عيدٌ؛ كما قالَ بعضُ العارفينَ. ورُوي عن الحسن: كلُّ يومٍ لا يُعصَى اللهُ فيه فهو عيدٌ.. فالأعيادُ الثلاثةُ المجتمَعُ عليها تتعلقُ بإكمال الصلاةِ والصيامِ والحج، فأمَّا الزكاة: فليس لها زمانٌ معينٌ تكملُ فيه، وأما الشهادتانِ: فإكمالُهما هو الاجتهادُ في الصدق فيهما، وتحقيقِهما، والقيامِ بحقوقِهما، وخواصُّ المؤمنينَ يجتهدون على ذلكَ كلَّ يومٍ ووقتٍ، فلهذَا كانتْ أيامُهُم كلُّها أعيادًا].
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المولد النبوي دار الافتاء الإفتاء النبي صلى الله عليه وسلم المولد النبوي الشريف المسلمين بالمولد رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم النبی صلى الله علیه وآله وسلم ى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنه یوم الجمعة ی الله ع ع ید ن ا
إقرأ أيضاً:
إجازة ينتظرها المصريين.. هل يجوز الاحتفال بالمولد النبوي وحكم شراء الحلوى؟
كشفت الحسابات الفلكية، عن موعد احتفالات المولد النبوي 2025، حيث تشير الحسابات الفلكية إلى أن المولد النبوي 2025، سيوافق الخميس 4 سبتمبر المقبل، ومع اقتراب ذكرى المولد النبوي، يتجدد الجدل حول مشروعية الاحتفال بهذه المناسبة، ومدى جواز شراء الحلوى وتوزيعها في هذا اليوم.
أجازة رسمية ينتظرها المصريين
يترقب المصريين ببالغ الاهتمام، موعد يوم المولد النبوي 2025، الذي يعد إحدى أبرز المناسبات الدينية والوطنية التي يحتفل بها المسلمون في شتى أنحاء العالم، وخاصة في مصر، إضافة إلى أبعادها الروحية العميقة التي تجسد ذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، تحمل هذه العطلة أهمية اجتماعية واقتصادية كبيرة.
وتوفر الاحتفالات فرصة للراحة والتجمع العائلي، وقد أصبحت إجازة رسمية مدفوعة الأجر للعاملين في القطاعين العام والخاص، مما يسمح للجميع بالمشاركة في الاحتفالات أو الاستفادة من وقت الفراغ بعيداً عن ضغوط العمل.
حكم الاحتفال بالمولد النبوي
لم يُنقل عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة، ولا عن التابعين أو أئمة الإسلام المعروفين، أنهم احتفلوا بيوم مولده، أو خصصوا هذا اليوم بعبادات أو طقوس معينة، الا أن «النبي محمد صلى الله عليه وسلم» كان يصوم يوم الاثنين ويقول «هذا يوم ولدت فيه»، وبعدها بدأ الكثير الاحتفال بمولد سيد المرسلين وخاتمهم.
وقد ظهرت عادة الاحتفال بالمولد في عهد الدولة الفاطمية، المعروف عنها أنهم أول من ابتدع فكرة الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف، وجعلوه من الأعياد العامة في كل أمة من الأمم الإسلامية، كما ابتدعوا غيره من الاحتفالات الدورية التي عدت من مواسمها، وكذلك صرفوا الكثير من اهتمامهم إلى إحياء ما كان معروفًا من المواسم والأعياد قبل الإسلام، واعتبر كثير من العلماء أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة محدثة لا أصل لها في السنة.
حكم شراء حلوى المولد
من حيث الأصل، فإن تناول الطعام والحلوى مباح شرعًا، ما دام خاليًا من المحرمات أو الضرر، ولكن عند ارتباط الحلوى بمناسبة دينية مبتدعة، يصبح شراءها وتوزيعها جزءًا من مظاهر الاحتفال، وبالتالي، فإن شراء حلوى المولد أو إهداءها في هذا اليوم يعد مشاركة غير مباشرة في الاحتفال، حتى وإن كانت النية مجرد عادة أو مجاملة اجتماعية.
وقد أكدت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في فتاوى سابقة (منها فتوى عن عيد الحب) أن أي مشاركة في الأعياد المبتدعة من أكل أو شرب أو بيع أو شراء أو هدية أو إعلان، هي من التعاون على الإثم والعدوان، واستدلت اللجنة بقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
وهناك من رأى فيه أنه نشاط اجتماعي يبتغي منه خير دينيّ، كالمؤتمرات والندوات الدينية.