حكم بيع الثمار قبل ظهور صلاحها
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية، إن ما ورد في الشرع الشريف من النهي عن بيع الثمار قبل بُدُوِّ صلاحها هو ما رواه الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا"، والظاهر أن مقصوده أول ظهور الثَّمَرِ وبدايته، وأن تؤمن فيها من العاهة والفساد، وإن لم تطب الثمرة، وليس المراد كمال النضج؛ كما هو مذهب الحنفية، وهو ما يُفهم من لفظ الحديث: «حتى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا»، فلم يقل: "حتى يتم صلاحها".
أضافت الإفتاء، أن حمل فقهاء الحنفية النهي عن بيع الثمار قبل بُدُوِّ صلاحها على ما قبل ظهور الثمر، بشرط الترك على الشجر -وهذا لا خلاف في منعه-، وعلى ما بعد ظهوره، بشرط القطع؛ وهذا لا خلاف في جوازه، وقد روى مسلم في "صحيحه" بسنده إلى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تَبْتَاعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَتَذْهَبَ عَنْهُ الْآفَةُ»، ووجه الدلالة من هذا الحديث: أن العلة التي علَّل بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهيه عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها هي خوف الآفة على الثمر، ومع وجود القطع فإن هذه العلة غير متحققة، والأحكام تدور مع عللها وجودًا وعدمًا.
قال الإمام ابن الهُمَام في "فتح القدير": [لا خلاف في عدم جواز بيع الثمار قبل أن تظهر، ولا في عدم جوازه بعد الظهور قبل بُدُوِّ الصلاح بشرط الترك، ولا في جوازه قبل بُدُوِّ الصلاح بشرط القطع فيما ينتفع به، ولا في الجواز بعد بدو الصلاح، لكن بدو الصلاح عندنا أن تؤمن العاهة والفساد].
بيع الثمار قبل ظهور صلاحهاوقال الإمام ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق شرح كنز الدقائق": [وأجاب عنه -أي عن الحديث الوارد بالنهي- الإمامُ الحلواني كما في الخانية: أنه محمولٌ على ما قبل الظهور، وغيره على ما إذا كان بشرط الترك، فإنهم -أي الجمهور- تركوا ظاهره -أي الحديث-؛ فأجازوا البيع قبل بدو الصلاح بشرط القطع، وهي معارضةٌ صريحةٌ لمنطوقه؛ فقد اتفقنا -أي الحنفية والجمهور- على أنه متروكُ الظاهر، وهو لا يحل إن لم يكن لموجب، وهو عندهم: تعليله عليه الصلاة والسلام بقوله: «أرأيتَ إن منع اللهُ الثمرةَ؛ فيما يَستَحِلُّ أحدُكُم مالَ أخيه»، فإنه يستلزم أن معناه أنه نهى عن بيعها مدركةً -أي على أنها قد أدركت الصلاح- قبل الإدراك -أي قبل أن تدركه حقيقةً-؛ لأن العادة أن الناس يبيعون الثمار قبل أن تقطع، فنهى عن هذا البيع قبل أن توجد الصفة المذكورة، فصار محل النهي بيع الثمرة قبل بدو الصلاح بشرط الترك إلى أن يبدو الصلاح، والبيع بشرط القطع لا يُتَوَهَّمُ فيه ذلك، فلم يكن متناولًا للنهي، وإذا صار محله بيعها بشرط تركها إلى أن تصلح فقد قضينا عهدة هذا النهي؛ فإنا قد قُلنا بفساد هذا البيع، فبقي بيعُها مطلقًا غيرَ متناولٍ للنهي بوجهٍ من الوجوه].
أوضحت الإفتاء، أن البيع بعد الظهور قبل بُدُوِّ الصلاح بغير شرط -أي بيعًا مطلقًا- فقد اشترط الحنفية لجواز هذا الصورة شرطين:
أحدهما: أن يكون البيع مطلقًا بلا شرط؛ فلا يشترط البائعُ على المشتري قطع الثمار في الحال عند الشراء، ولا يشترط المشتري على البائع ترك الثمار في الأشجار إلى تمام النضج.
والآخر: أن يكون الثمر منتفعًا به في الحال أو المآل؛ سواء في الأكل أو علف الدواب أو غير ذلك، حتى يصدق عليه أنه مالٌ متقوَّم.
تابعت الإفتاء: قال الإمام ابن عابدين في "رد المحتار": (والخلاف إنما هو في بيعها قبل بُدُوِّ الصلاح على الخلاف في معناه لا بشرط القطع: فعند الشافعي ومالكٍ وأحمد: لا يجوز. وعندنا: إن كان بحالٍ لا ينتفع به في الأكل ولا في علف الدواب؛ فيه خلافٌ بين المشايخ، قيل: لا يجوز، ونسبه قاضي خان لعامة مشايخنا، والصحيح: أنه يجوز؛ لأنه مالٌ منتفعٌ به في ثاني الحال إن لم يكن منتفعًا به في الحال -بمعنى أنه مالٌ متقوَّم-].
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: دار الافتاء الإفتاء الشرع قبل ب د خلاف فی عن بیع على ما ولا فی قبل أن الله ع
إقرأ أيضاً:
ما حكم ولادة المرأة عند طبيب رجل؟.. دار الإفتاء: جائز بشروط
أكدت دار الإفتاء المصرية في فتوى رسمية صادرة عبر موقعها الإلكتروني أن ولادة المرأة على يد طبيب رجل جائزة شرعًا في حالات الضرورة، موضحة أن الشريعة الإسلامية راعت حفظ النفس وصيانة الحياة، وأن الضرورات تبيح المحظورات متى تعينت المصلحة ولم يوجد بديل مأمون من جنس المرأة.
جاء ذلك ردًا على سؤال ورد للدار حول الحكم الشرعي المتعلق بولادة المرأة على يد طبيب، حتى في الحالات الطبيعية، وما إذا كان يجوز للطبيب الأعزب أو من يُخشى على خُلقه أن يباشر مثل هذه الحالات.
وأوضحت دار الإفتاء أن الأصل في الشريعة أن بدن المرأة كله عورة أمام الأجنبي عنها، باستثناء وجهها وكفيها وقدميها، وأنه يحرم النظر إلى غير ذلك إلا للضرورة القصوى، مثل ما يقع في حالات الطب والعلاج والولادة والختان والحقن، شريطة أن يقتصر النظر على موضع الحاجة فقط دون تجاوز، وألا يكون هناك بديل من النساء المتخصصات.
ونقلت الدار ما ورد في كتاب التبيين (6/17): «ينبغي للطبيب أن يعلّم امرأةً إذا كان المريض امرأةً إن أمكن؛ لأن نظر الجنس إلى الجنس أخف، وإن لم يمكن وكان لابد من تدخل الرجل الأجنبي، فليستر كل عضو من الجسد عدا موضع المرض، ولا ينظر إلا بقدر الحاجة».
وأشارت إلى أن ما يُباح للضرورة يقدَّر بقدرها، فينبغي للطبيب أن يغض بصره عن غير الموضع المطلوب وأن يتحرى أقصى درجات الحيطة.
واستشهدت الفتوى بقول الله تعالى:
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ [النور: 30]،
وقوله عز وجل: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ [النور: 31]،
وبيّنت أن معنى "يحفظن فروجهن" أي يسترنها حتى لا تُكشف أمام غير ذي محرم. كما استدلت بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «مَلْعُونٌ مَنْ نَظَرَ إِلَى سَوْءَةِ أَخِيهِ»، تأكيدًا على وجوب صيانة العورات.
وأشارت دار الإفتاء إلى أن الولادة تعد من الحالات الدقيقة التي تستوجب خبرة طبية عالية، إذ قد تتطور الحالة فجأة من ولادة طبيعية إلى معقدة تهدد حياة الأم أو الجنين، الأمر الذي يجعل تدخل الطبيب الرجل من قبيل الضرورة التي يُستثنى فيها الحكم العام، خاصةً إذا لم يتوافر العنصر النسائي المختص أو كان الموقف لا يحتمل التأخير.
وأضافت الفتوى أن الشرع الشريف لا يكلّف الإنسان فوق وسعه، مستشهدة بقول الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وقوله سبحانه: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]، مؤكدة أن من مقاصد الشريعة الكبرى حفظ النفس، وهو ما يجعل تقديم حياة الأم والجنين مقدمًا على غيره من الاعتبارات.
وأكدت دار الإفتاء أن الأصل والأفضل هو أن تتولى الطبيبة أو القابلة المؤهلة مهمة الولادة كلما أمكن ذلك، أما في حال غيابهن أو وجود خطر على حياة المريضة، فلا حرج في أن يتولاها الطبيب الرجل، بشرط مراعاة الضوابط الشرعية في النظر واللمس، وألا يتجاوز الحاجة الطبية الفعلية.