خطاب التأجيج وخطاب السلام!
تاريخ النشر: 19th, October 2023 GMT
خطاب التأجيج وخطاب السلام!
عثمان ميرغني
زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة كانت محكومة بالفشل قبل أن تبدأ، لا بسبب مذبحة المستشفى الأهلي في غزة التي أثارت غضباً عارماً، وأدت لإلغاء القمة الرباعية التي كان يفترض أن تجمعه في عمان بالرئيس المصري والعاهل الأردني والرئيس الفلسطيني، وإنما بسبب الخطاب الذي تبنته إدارته والمواقف التي اتخذتها منذ تفجر الأوضاع بعد عملية «حماس».
ليس غريباً أن تتخذ الإدارات الأميركية مواقف داعمة لإسرائيل، ومدافعة عن أمنها بلا حدود، لكن إدارة بايدن ذهبت أبعد بكثير، وتبنت خطاباً فاجأ الكثيرين في حدته، وأثار التساؤلات حول مدى الحكمة في أن تقود واشنطن العديد من العواصم الغربية في تبني لهجة لا يمكن أن تؤدي إلا إلى مزيد من التأجيج لوضع ملتهب يمكن لنيرانه أن تتمدد وتتسع. رمت الإدارة بكل ثقلها وراء إسرائيل بلا قيود، وأعطتها الضوء الأخضر كي تفعل ما تريد، بل إنها حذرت دبلوماسييها من استخدام عبارات «وقف التصعيد، ووقف إطلاق النار، أو إنهاء العنف ووقف سفك الدماء، أو استعادة الهدوء» على أساس أن هذه العبارات لا تتماشى مع سياسة واشنطن الراهنة، وفقاً لمذكرة مسربة من الخارجية الأميركية نشرها موقع «هاف بوست» أو «هافنغتون بوست» كما كان يعرف سابقاً.
لذلك فإن كثيرين في المنطقة اعتبروا أن زيارة بايدن لن تتجاوز تأكيد التضامن مع إسرائيل ووقوف إدارته إلى جانبها. فحتى لو أنه جاء أيضاً، كما ردد بعض المسؤولين، لمنع تحول الأزمة إلى حرب واسعة في المنطقة، وللعمل على وصول المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة الذين يعانون تحت وطأة الحصار الشامل، والقصف المتواصل، فإن استمراره في خطابه الداعم للعمليات الإسرائيلية بلا قيود، عزز قناعة غالبية الرأي العام في المنطقة بأن سياسة واشنطن هذه تؤجج الوضع، وتشجع إسرائيل على المضي في استخدام العنف الذي تجاوز حق الرد ووصل إلى أعتاب التدمير الكامل لغزة، والإبادة العشوائية للفلسطينيين، ودفع المنطقة نحو حافة وضع قابل لانفلات كبير.
إسرائيل أعلنت أن هدفها إبادة «حماس» تماماً، وتدمير قدراتها العسكرية، وإنهاء سيطرتها وحكمها في القطاع، لكن ما تقوم به الآن يتجاوز ذلك إلى العقاب الجماعي لغزة، ومحاولة تهجير سكانها ودفعهم للنزوح نحو مصر كما عبّر عن ذلك صراحة متحدث عسكري إسرائيلي. فهناك جهات كثيرة في إسرائيل، وبشكل خاص في أوساط اليمين المتطرف، تعمل لتصفية القضية الفلسطينية، وخلق نكبة جديدة، وتراودها أفكار الدفع بمشروع الوطن البديل في سيناء وفي الأردن، أو في أي مكان آخر حتى ولو بفتح أبواب الهجرة لهم في أميركا.
هذه الأفكار لن تكون حلاً كما تتمنى أطراف في إسرائيل، بل ستأتي بنتائج عكسية وستقود إلى مزيد من التأجيج للأوضاع في المنطقة. فإذا تمكنت الآلة العسكرية الإسرائيلية الضخمة من تدمير قدرات «حماس» والحركات المتحالفة معها، وقامت بتصفية قياداتها الميدانية، فإن الفراغ سيملأه آخرون ربما يكونون أكثر تشدداً لأنهم نتاج الفظائع التي ترتكب اليوم، والأوضاع المزرية التي تعيشها غزة منذ فترة طويلة.
أما إذا فكرت إسرائيل في احتلال الجزء الشمالي من القطاع بدعوى إنشاء منطقة عازلة أو حزام آمن، أو تحت أي اسم آخر، فإن العواقب ستكون وخيمة، وقد سارع كثيرون لتحذيرها من الإقدام عليها. حتى الرئيس جو بايدن، الذي دعم حق إسرائيل في الرد بلا قيود، سارع إلى تحذير نتنياهو من أن أي تفكير في احتلال غزة سيكون خطأ كبيراً. هذا التحذير لم يأتِ من فراغ، وأميركا لديها بالتأكيد معلومات، وحضور رئيسها إلى المنطقة وزيارته لإسرائيل التي كان يفترض أن تعقبها القمة الرباعية الملغاة، دليل على أنها، أي أميركا، على الرغم من تأييدها المطلق لحق إسرائيل في الرد، فإنها لا تريد خطوات تدفع الأمور نحو منعطف أخطر يمكن أن يؤدي إلى إطالة أمد الحرب وتوسيع رقعتها، والمزيد من التعقيد في قضية الشرق الأوسط المتشابكة الخيوط أصلاً.
إسرائيل ذاتها لو تأنت بالتفكير فإنها سوف تستذكر لماذا قرر أحد صقورها وهو آرييل شارون الانسحاب من غزة وفك الارتباط بها وإخراج المستوطنين اليهود منها، وفق تفكير أمني بحت بعدما وجد أن تكلفة البقاء في القطاع وتوفير الحراسة لأي بؤر استيطانية فيها، ستكون باهظة، ولن تخدم أمن إسرائيل.
أما أي توجه إسرائيلي لخلق نكبة جديدة وتهجير سكان غزة إلى سيناء، فإنه لن يواجه مقاومة فلسطينية، ورداً مصرياً قوياً وحازماً فحسب، بل سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، وتقويض معاهدات السلام السابقة، وآمال إحياء عملية السلام المتعثرة وربما وأدها تماماً لسنوات طويلة.
هذه الأوضاع الملتهبة لا تحتاج إلى خطاب ومواقف وسياسات تزيد في تأجيجها، لا سيما من حلفاء إسرائيل وأصدقائها في الغرب. فاستمرار دوامة العنف والقتل والدمار لن يؤدي إلى تحقيق أمن إسرائيل. السلام وحده يمكن أن يحقق ذلك، وهو ما يتطلب إنهاء تجاهل المجتمع الدولي معاناة الفلسطينيين المستمرة والمتفاقمة، وإنهاء التهميش الحاصل الآن لقضيتهم، وتوجيه الجهود نحو تحريك العملية السلمية المعطلة منذ فترة طويلة، وهو ما يمكن لإدارة بايدن أن تقوم بدور كبير فيه لو أرادت، بدلاً من دعمها غير المشروط لنتنياهو الذي ترتفع أصوات قوية في إسرائيل لتنحيته بوصفه غير صالح للقيادة، لأنه يريد إنقاذ نفسه من ورطة الفشل الاستخباراتي الكبير في ظل حكومته، ومن ورطاته السابقة التي تهدد بإرساله إلى السجن.
* نقلاً عن الشرق الأوسط
الوسومأميركا إسرائيل الأردن الشرق الأوسط بنيامين نتنياهو جو بايدن حماس عثمان ميرغني فلسطين قطاع غزة مصرالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أميركا إسرائيل الأردن الشرق الأوسط بنيامين نتنياهو جو بايدن حماس عثمان ميرغني فلسطين قطاع غزة مصر فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
أطباء بلا حدود: المساعدات القليلة التي سمحت “إسرائيل” بدخولها غزة مجرد ستار لتجنب اتهامها بالتجويع
#سواليف
قالت منظمة ” #أطباء_بلا_حدود ” إن سماح ” #إسرائيل ” بدخول كمية #مساعدات غير كافية إلى قطاع #غزة يشير إلى نيتها تجنب اتهامها بتجويع سكان القطاع.
وأضافت المنظمة، في تصريح صحفي اليوم الأربعاء، أن #كمية_المساعدات التي بدأت “إسرائيل” السماح بدخولها إلى غزة تُعد مجرد ستار للتظاهر بأن #الحصار انتهى.
وأوضحت المنظمة أن العملية الإسرائيلية الأخيرة أدت إلى تدمير أو إغلاق نحو 20 منشأة طبية في غزة جزئيًا أو كليًا خلال الأسبوع الماضي.
مقالات ذات صلة أبو زهري ينفي موافقة “حماس” على الإفراج عن أسرى “إسرائيليين” مقابل هدنة لشهرين 2025/05/18وداعت المنظمة “إسرائيل” إلى إنهاء حصارها المفروض على القطاع ووقف تدمير نظامه الصحي، الذي يأتي ضمن حملتها للتطهير العرقي.
وأكدت أطباء بلا حدود، أن خطة “إسرائيل” تهدف إلى استغلال المساعدات الإنسانية وجعلها أداة لتحقيق أهدافها العسكرية.
وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الاثنين: “مرّ شهران على الحصار الإسرائيلي الأخير على غزة، ويعاني مليونا شخص من الجوع، بينما يُحتجز 116 ألف طن من الغذاء على الحدود ويمنع الحصار المستمرّ عمدًا وصول المساعدات الإنسانية بما فيها الغذاء، ويتزايد خطر المجاعة في غزة”.
وكان الاحتلال الإسرائيلي قد استأنف فجر 18 آذار/مارس 2025، عدوانه وحصاره المشدد على قطاع غزة، بعد توقف دام شهرين بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير الماضي، إلا أن الاحتلال خرق بنود الاتفاق طوال فترة التهدئة.
وبدعم أميركي وأوروبي، ترتكب “إسرائيل” منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، إبادة جماعية في قطاع غزة، أسفرت عن أكثر من 174 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 14 ألف مفقود.