عملاء إسرائيل في الخليج!
تاريخ النشر: 5th, July 2025 GMT
د. محمد بن عوض المشيخي **
الشعوب الحية والعظيمة تتعلم وتأخذ العبر وتتعظ من الدروس، لكي تتجنب الوقوع في أخطاء الماضي، وتعمل بجهود مضاعفة لتحجز لنفسها مكاناً مرموقاً يليق بتراثها التليد وشموخها وتضحياتها بين الأمم في هذا الكون الذي لا مكان فيه للضعفاء والانهزاميين، وعلى الرغم من ذلك فهناك من يتهم العرب بعدم قراءة التاريخ والخوف من النظر إلى الخلف بما يحمله من أحزان وإخفاقات.
صحيحٌ أن هناك صحوة فكرية ووعيًا غير مسبوق ويقظة للحفاظ على ثوابت الأمة على وجه الخصوص من المفكرين وجيل الشباب، لكن في المقابل يشهد عالم اليوم متغيرات لم نعهدها من قبل، من خلال بروز التيارات المتطرفة التي يقودها ما يعرف بـ"المحافظين الجدد" أصحاب النزعة الإجرامية والتوسعية من مصاصي دماء البشر؛ حيث يسود عالم الصفقات التجارية والسيطرة على ثروات العالم بقوة السلاح.
ومن هنا، تتجه بوصلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نحو العرب هذه المرة ليس فقط لمنح الكيان الصهيوني فلسطين المحتلة بالكامل والقضاء على فكرة قيام دولة فلسطينية على حدود 1967، بل العمل بجهد مضاعف على محاولة إخضاع الدول العربية المطبعة أوالمنتظرة دورها للتطبيع لتكون تابعة وخاضعة للنفوذ الإسرائيلي، من خلال اصطفاف هذه الدول خلف نتنياهو كالأقزام الصغيرة، على الرغم من وجود دول ذات سيادة وكان لها تاريخ عريق وثقل سياسي ونفوذ عسكري في ماضي الأيام على مستوى العالم.
والهدف الأساسي من ذلك هو أن يكون نتنياهو الآمر الناهي في المنطقة، ليس مقابل السلام العادل؛ بل لكي تستمر هذه الأنظمة في الحكم بشكل صوري حتى يحين موعد القضاء عليها نهائيا؛ وذلك أقرب إلى سيناريوهات سقوط الخلافة العباسية على يد التتار، وكذلك انهيار وتساقط ملوك الطوائف في الأندلس.
وهذا الأمر يستدعي أن تتحرك الشعوب بسرعة لإنقاذ مستقبل الأمة ومقاومة الطغيان والعربدة الأمريكية التي تعتمد على نهب أموال الشعوب والسيطرة على مقدرات الأوطان بلا رحمة وتطويعها لأعداء أمة الإسلام من الشركات متعددة الجنسيات والتي تعود ملكية بعضها إلى عرَّاب "صفقة القرن" دونالد ترامب، الذي يعمل ليل نهار لنهب وجمع الثروات من الشرق والغرب.
هنا نتذكر موقفًا فريدًا وشجاعًا يُكتب بماء الذهب من رئيس مجلس الأمة الكويتي الأسبق مرزوق الغانم في مؤتمر اتحاد البرلمان العربي الطارئ في الأردن، والذي أمسك بنسخة من صفقة القرن المزعومة وألقاها في سلة المهملات، مؤكدا أنَّ تلك الصفقة وُلِدَت ميتة و"مكانها مزبلة التاريخ".
لا شك أنَّ التآمر على المسلمين والعرب هواية وهدف أصيل ليس للغرب الإمبريالي فقط؛ بل بالشراكة مع المتطرفين حول العالم والصهاينة، إلى جانب تجنيد جواسيس من العاملين الأجانب في دول الخليج والجمهورية الإسلامية الإيرانية لمصلحة إسرائيل والغرب الاستعماري.
وما يتم تداوله بين البعض حول اختراق وقرصنة البيانات الحساسة لبعض الدول في المنطقة، وخاصة معلومات السجل المدني وبيانات جوازات السفر للمواطنين وأنظمة المطارات والمعدات العسكرية من قبل الفنيين والبرمجيين من جنسيات بعينها ومنهم من يعملون في وزارات وشركات الدول المستهدفة، ومن ثم تسليمها للموساد، والأخطر من ذلك كله أنَّ تلك البرمجيات- بحسب الخبراء- تعمل على تعطيل المعدات العسكرية، وتُمكِّن الجواسيس من التحكم عن بعد في الأهداف المطلوبة، رغم ما تبذله أجهزة مكافحة التجسس وفرق الأمن السيبراني في تلك الدول من جهود لكشف تلك الأعمال الإجرامية التي سبق لها أن تسببت في قتل قادة وعلماء واستهداف المنشآت النووية في إيران خلال حرب الأيام الـ12.
عددٌ من العاملين في هذا القطاع، يُشيرون إلى أن هناك برامج وتطبيقات جرى استيرادها من إسرائيل، عن طريق شركات آسيوية تعمل في المنطقة، ثم جرى تركيبها في الأجهزة الحاسوبية، وهي تحتوي على عين ثالثة تجسُّسية أو برمجيات خلفية تُرسل معلومات إلى الكيان الصهيوني مباشرةً من إيران وعدد من دول الخليج؛ إذ تعمل على التجسس ونقل معلومات عسكرية ومدنية حساسة إلى الموساد باستخدام شبكات إنترنت فضائية عبر الأقمار الصناعية، مثل تلك التي أنشأها الملياردير الأمريكي إيلون ماسك.
وفي الختام.. يبدو لي أن منطقة الشرق الأوسط تمُر حاليًا بمخاض عسير شبيه باتفاقية "سايكس- بيكو" التي تآمرت فيها الدول الاستعمارية على الوطن العربي باحتلاله وتقسيمه إلى كيانات ودويلات صغيرة، يتولاها عملاء ولاؤهم للخارج أكثر من الوطن؛ وذلك لكونهم وكلاء لبريطانيا وفرنسا اللتين لم تكتفيا بتقسيم الأراضي العربية؛ بل وزرعتا فيها الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي وتعهدوا بحمايته للعمل كقاعدة متقدمة لتحقيق غايات الغرب الاستعماري. والأيام المقلبة ستكشف لنا ما يُحاك من مؤامرات وخيانات في الدهاليز المُظلِمة، بأيدي عدد ممن يعملون في دولنا الخليجية، المتعاونين مع أجهزة استخباراتية عالمية، وعلى رأسها الموساد.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
"حدود الدم".. مشروع بيتزر للشرق الأوسط الجديد والحرب الأخيرة
د/ محمد بن خلفان العاصمي
في يونيو من عام 2006م، كتب الجنرال الأمريكي المتقاعد رالف بيتزر مقالاً في مجلة أمريكية متخصصة بالشؤون العسكرية تسمى (آرمدفورسز جورنال)، اقترح فيه تقسيم جديد لدول الشرق الأوسط إلى دول سنية وشيعية وكردية، إضافة إلى دولة إسلامية تضم الأماكن المقدسة مستقلة عن السعودية، وكذلك مملكة الأردن الكبرى ودويلات أخرى.
وبحسب فرضية الجنرال الأمريكي المتقاعد فإنَّ تقسيم المنطقة على أساس الطوائف والإثنيات، بحيث تعيش كل طائفة أو قومية منفصلة عن الطوائف والقوميات الأخرى في دولة سياسية مستقلة، من شأنه أن ينهي العنف في هذه المنطقة. ويستطرد الجنرال المتقاعد في حديثه ليضيف "أن الشرق الأوسط لديه مشكلات كثيرة، منها الركود الثقافي وعدم المساواة الفاضحة والتطرف الديني المُميت، لكن المشكلة الأكبر في فهم أسباب فشل المنطقة ليس الدين، وإنما الحدود الدولية البشعة".
واستدرك قائلاً: "بالطبع، لا يمكن لأي تعديل في الحدود مهما كان ضخماً وكاسحاً، أن ينصف كل الأقليات المهضوم حقها في الشرق الأوسط"، وعلى الرغم أن الخريطة التي اقترحها سترفع الظلم عن أكثرهم معاناة مثل الأكراد والبلوش والعرب الشيعة حسب زعمه، إلا أنها تعمدت تجاهل طوائف أخرى مثل المسيحيين والبهائيين والإسماعيليين والنقشبنديين والكثير من الأقليات الأقل عدداً، إلا أنه على ما يبدو فإنَّ الهدف كان واضحاً من هذا المقال وهو تغليف مشروع التقسيم بغلاف ديموقراطي حقوقي، وتفتيت الدولة الإسلامية في الشرق الأوسط تمهيداً لقيام إسرائيل الكبرى.
رالف بيتزر هو عراب مشروع الشرق الأوسط الجديد، وهو من مواليد عام 1952، عمل ضابطا بالجيش الأمريكي حتى وصل لمنصب نائب رئيس هيئة الأركان للاستخبارات العسكرية الأمريكية في وزارة الدفاع، وهو يدعو دائما إلى إعادة تقسيم خريطة الشرق الأوسط بما يتفق مع المصالح الغربية والصهيونية، ويرى أن التقسيم سوف يجعل الشرق الأوسط أفضل وخالياً من المشاكل التي يعاني منها والتي تؤثر على العالم بشكل عام.
وهذه الرواية التي اتخذها مدخلاً لمشروعه المخطط بشكل متقن، وفي سياق التسويق لهذا المشروع تحدث بوش الابن وديك تشيني وكونداليزا رايس في العديد من المحافل عن مشكلات الشرق الأوسط الحقوقية والسياسية وسعيهم إلى إيجاد حلول لها، وهي الذرائع التي قدمت فيما عرف بـ"الربيع العربي" الذي اجتاح الوطن العربي في عام ٢٠١١م.
لقد انتهج هذا المشروع سياسة خبيثة في سبيل تنفيذ مراحله، حيث يبدأ بإثارة النعرات الطائفية والتحديات السياسية والتحريض على السلطة تحت غطاء الحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والدينية، ويستمر في زعزعة الاستقرار العام داخل الدول مركزاً على ملفات تمثل تحديات حقيقية مثل البطالة والفقر وغياب العدالة الاجتماعية والفساد المالي والإداري والسياسي، ويستمر في اختلاق المشكلات لهذه الدول عن طريق المنظمات التي تمثل الأذرع الرئيسية المساعدة في تنفيذ هذا المخطط، هذه المنظمات التي تتخذ شكل الوصي على الحقوق في الظاهر إلا أن سياساتها ترتكز حوّل السيطرة على القرار السياسي داخل الدول، كما تلعب ثعالب الاقتصاد من داخل الدول وخارجها دورا في تعميق المشاكل الاقتصادية من خلال سلوكهم الاستغلالي واستعدادهم للاستفادة من الفرص تحت أي ظرف كان.
وبعد أن تصل الدول إلى مرحلة الضعف وعدم القدرة على مواجهة التحديات والإعياء الاقتصادي والإنهاك الإداري، يأتي الفصل الأخير من الخطة وهو تغيير الأنظمة السياسية بأنظمة جاهزة تمَّ تحضيرها مسبقاً لهذه اللحظة، هذه الأنظمة تسلم كل مفاصل الدولة خاصة الاقتصادية والمالية لهم، وهذه هي وظيفتهم التي وضعوا من أجلها في مناصبهم السياسية، وعلى مر السنوات شاهدنا هذا النموذج يتكرر بشكل واضح جدا لا يحتاج إلى مزيد من التفكير والتوضيح والتحليل.
إنَّ مشروع الشرق الأوسط الجديد لن يتوقف بالهدنة التي تم التوصل إليها في الحرب الأخيرة، ومخطئ من يظن أنَّ إسرائيل سوف تكتفي بأرض فلسطين أو حتى بخدعة التطبيع، ويغالط التاريخ ونفسه من يعتقد أن مشروع إسرائيل الكبرى سوف يتوقف عند حدود القانون الدولي، فهذه القوانين والأنظمة والمنظمات لا تستطيع كبح جماح هذا المحتل الذي جلب الحرب والدمار إلى المنطقة منذ قدوم أول مهاجر إلى اليوم، هذه المنطقة التي عانت كثيراً من هذا المشروع المشؤوم ومازالت تعاني من الأطماع المتزايدة المتصاعدة يوماً بعض يوم.
إن أهمية إدراك كل ما ذكر أعلاه يتمثل في قدرتنا على زيادة الوعي الذاتي حول ما يخطط ضد الأمة العربية والإسلامية من مؤامرات، ولا أريد أن أكرّس نظرية المؤامرة ولكن علينا أن نتحلى بالفكر الذي يجعلنا قادرين على فهم ما يدور حولنا من أحداث وأن تكون لدينا نظرة واعية حول ما يحدث، وأن ندرك تمام الإدراك الأساليب التي تتبع لهدم الأوطان وزعزعة استقرارها وتقويض أمنها، فالشعارات التي تردد والخطب الشعبوية والعاطفية ما هي إلا أدوات لغايات أبعد، وعلينا أن نعي أنَّ الإصلاح الذاتي يصل بنا إلى الوضع الذي نرجوه لوطننا من تنمية وازدهار، وعندما يكون المجتمع مصلحاً لذاته فلن نحتاج إلى الحديث عن استيراد أفكار ضالة تعبث بأمن أوطاننا ومجتمعاتنا.