مصير التطبيع بعد طوفان الأقصى
تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT
علي بن مسعود المعشني
لا شك عندي أن طوفان الأقصى غيَّرَ كثيرًا في قواعد الاشتباك مع العدو الصهيوني ولكن التغيير الأكبر للطوفان يتضح في حجم الأوراق والخيارات السياسية التي أسقطها، وحجم الأوراق والخيارات السياسية التي أبرزها على السطح في المُقابل كذلك.
طوفان الأقصى خلط الكثير من الأوراق السياسية والعسكرية في المنطقة، واخترق الوعي العربي المُعاصر والمحاصر منذ عقود بالنظرية الصهيونية "الخوف مُقابل الكثرة"، وأعاد ترميمه ورمم معه ومن خلاله الرأي العام العربي والضمير العالمي، لهذا رأينا حجم المساندة والتأييد والدعم والتعاطف للمقاومة في الوطن العربي وعواصم العالم وبصورة غير متوقعة ولا مسبوقة، رغم التهديد والوعيد في عواصم غربية عدة للشعوب من النشر أو التعبير بأضعف الإيمان وهو التظاهر أو النشر عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي.
ما يهُمُنا في هذا المقال، ليس الحديث عن الانتصار العسكري المدوي والمُبهر لفصائل المقاومة انطلاقًا من غزة وإلى سائر تراب فلسطين العزيزة، فقد رأى العالم ذلك بالعين المجردة وبالصوت والصورة، لكننا سنتطرق الى ما لا تراه الأعين اليوم ولكن تُدركه العقول، والمتمثل في النتائج السياسية لهذا الطوفان، والتي ستأتي تباعًا وبصور تعادل حجم الانتصار العسكري، على اعتبار أن محور المقاومة هو من سيستثمر هذا الطوفان ويجني ثماره ويوزعها على المؤمنين بفضل المقاومة ودورها في هذه المكاسب، بعد أن ولَّى زمن تحويل الانتصارات العربية العسكرية الى هزائم سياسية نكراء للعرب، وأقرب مثال لها نصر حرب أكتوبر المجيدة عام 1973م والذي تحول بفعل التخاذل الرسمي العربي الى اتفاقية كامب ديفيد المعيبة.
طوفان الأقصى اليوم سيكون مُميتًا للتطبيع الرسمي العربي مع الكيان الصهيوني، وسيجعله وبالًا حقيقيًا وحصريًا على المُطبِّعين، على اعتبار أن المقاومة سترسم ملامح مستقبلها بيدها وبمعزل عن النظام الرسمي العربي المُكبل بقيود كثيرة، بدءًا من وبال الدولة القُطْريَّة وصولًا إلى التسلُّح بنظرية الشرعية الدولية التي تُنصِف الكبار فقط ويتسلح بها الضعفاء والصغار لاختيار طريقة حتفهم ونهاياتهم.
التطبيع بعد طوفان الأقصى، سيصبح حالات فردية معزولة تمامًا عن أي تأثير على نهج وخيار المقاومة ولا على الأمن القومي العربي بمكوناته ومفهومه العميق؛ حيث لن يجد المطبِّعُون في الكيان الصهيوني ولا رُعاته أي مكاسب سياسية أو قيمة مضافة يُعتد بها أو يُراهن عليها، فما قبل الطوفان ليس كبعده على الإطلاق.
قد يُحقق التطبيع للكيان الصهيوني شيئًا من التنفيس والدعاية والتضليل الإعلامي، لكنه في المقابل لن يحقق له أي مكاسب سياسية أو عسكرية ملموسة على الأرض بعد طوفان الأقصى، لهذا سنلاحظ أن قيادات الكيان المتعاقبة مستقبلًا فاترة مع التطبيع وليست بجذوة الحماس السابق، على اعتبار أن أهم عنصر لهم وهو الأمن مفقود ومهدد ومصيرهم بأيدي محور المقاومة وليس بيد المطبعين الفاقدين لكل أوراق الضغط والتأثير بعد جلاء ضجيج الطوفان.
التطبيع بعد الطوفان لن يحقق للكيان الصهيوني شيئًا من استراتيجيته الكبرى في المنطقة ولا من أهداف الغرب في استثمارهم للكيان كمعيق لنهوض الأمة، وأداة لنشر التصهيُن وتطويع الأمة العربية وإخضاعها "للسيد" الصهيوني كشُرطي مطلق وقائد أوحد لمصيرها.
"طوفان الأقصى" اسمٌ على مسمى بالفعل، وسيكون كالحجر الذي يتسبب في تغيير مجرى نهر التاريخ، وستظهر أعراضه ومؤثراته تباعًا.
قبل اللقاء.. أمريكا تُريد، والله فعَّالٌ لما يُريد سبحانه وتعالى.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
استعراض إسرائيلي لحوافز التطبيع مع أكبر دولة إسلامية
في الوقت الذي تواجه فيه دولة الاحتلال عزلة عالمية متزايدة، تتوجه أنظارها الى استئناف مسار التطبيع مع عدد من الدول العربية والاسلامية، وآخرها إندونيسيا، الدولة الاسلامية الأكبر، التي رغم دعمها المعلن للفلسطينيين، ورغم الحواجز الدستورية والثقافية مع الاحتلال، لكن النهج البراغماتي للرئيس فرابوو سوبيانتو، وعلاقاته مع الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية، ورغبته بالتميز على الساحة الدولية، قد يُمهّد الطريق لعملية التطبيع مع الاحتلال في اليوم التالي لانتهاء العدوان في غزة.
وذكر الباحث بمعهد "ميسغاف" للأمن القومي، والمستشار الجيو-سياسي يوسي روزان، أنه "في الأيام التي أعقبت الحرب ضد إيران، وحول اجتماع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كان من المتوقع ورود تقارير بشأن صفقة واسعة النطاق، ليس "صفقة القرن"، بل "صفقة الألفية" إذا صح التعبير، من شأنها أن تشمل عملية تطبيع مع سوريا والسعودية، وتوسيع اتفاقيات أبراهام للدول الإسلامية في جنوب شرق آسيا، مع التركيز على إندونيسيا".
وأضاف في مقال نشره موقع ويللا، وترجمته "عربي21" أن "هذه القضية لا يتم تناولها في فراغ، ويبدو أن الرغبة من جانب الدول الإسلامية قائمة رغم الحرب المستمرة في غزة، وكانت المحادثات مع السعودية جارية قبل السابع من أكتوبر 2023، مما أثار قلق إيران ووكلائها بشكل كبير، ولم تبدأ المحادثات مع سوريا إلا في الأشهر الأخيرة، على خلفية الاحتضان الذي يحظى به حاكمها الحالي، أحمد الشرع، من المجتمع الدولي".
وأشار أن "الحديث عن التطبيع أندونيسيا ليس مجرد تفكير متفائل، بل قد يكون هناك شيء في الهواء، فهي تضم أكبر عدد من المسلمين في العالم، لديها بالفعل علاقات تجارية مع إسرائيل، ويقدر حجم التجارة بينهما 200 مليون دولار لعام 2023، رغم عدم وجود بنية أساسية متفق عليها لدعم هذا النشاط، وصعوبة إصدار التأشيرات، ولذلك فإن خطاب التطبيع معها ليس جديدا، لكنه لم يحقق حتى الآن تقدما كبيرا بسبب الحواجز المتجذرة بعمق في الثقافة السياسية الإندونيسية".
وأكد أن "أول العقبات الرئيسية تكمن في دستور إندونيسيا الذي ينص على معارضة أي شكل من أشكال الاستعمار، وهو تذكير بالاحتلال الهولندي لها، ونتيجة لذلك، نشأ فيها تفسير تقليدي يرى أن التحركات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين تشكل تعبيراً عن الاستعمار، وأن محاولات التطبيع مع الدول العربية تهدف لكسر دعم الكتلة العربية والإسلامية للفلسطينيين، وحل الدولتين".
وأضاف أن "العقبة الثانية تكمن في اعتماد نظامها السياسي على المنظمات الإسلامية الدينية، التي عارضت التطبيع مع الاحتلال بشكل ثابت، وعلى مر التاريخ، كان يُنظر لأي تحرك نحو التطبيع بأنه يحمل خطر خلق توترات داخلية في إندونيسيا، وتقويض قواعد دعم المنظمات الإسلامية في السلطة، ومع ذلك، فقد عقدت في السنوات الأخيرة لقاءات بين كبار المسؤولين الإندونيسيين والإسرائيليين، بما في ذلك سوبيانتو، عندما كان وزيراً للدفاع؛ وزار ممثلو أكبر حركة دينية فيها، نهضة العلماء، دولة الاحتلال، والتقوا بنتنياهو في 2018".
وزعم أن "تحركات دبلوماسية سرية خلف الكواليس جرت لسنوات لبدء التطبيع، وتم تبادل مسودات بشأن افتتاح مكتب مصالح مشتركة، لكن اندلاع الحرب على غزة شهد انحياز إندونيسيا للفلسطينيين، وانضمت للدعوى المرفوعة ضد الاحتلال في محكمة العدل الدولية".
وأشار أن "الاتجاه في العلاقات الإندونيسية الإسرائيلية كان سلبيا تماما، لكن انتخاب سوبيانتو رئيسا في فبراير 2024 عبر عن التفاؤل بهذا المسار، ورغم أنه امتنع عن الإشارة صراحة للتطبيع، طالما أن حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليس في الأفق، ولا يقوض التزام بلاده تجاه الفلسطينيين، لكن نهجه البراغماتي على الساحة الدولية يوفر مرونة في التفكير لتحقيق هذا الالتزام، كما تحدى التفسير القديم للدستور، واقترح نهجا نشطا للتعامل مع القضية الفلسطينية".
وأوضح أن "سوبيانتو زار في نيسان / أبريل الإمارات وقطر وتركيا ومصر والأردن، وعرض خطته لإجلاء سكان غزة مؤقتًا، يبلغ عددهم ألف نسمة في المرحلة الأولى، لأسباب إنسانية، وطلب مناقشة جدواها مع الدول العربية، بحيث إذا سمحت ظروف غزة بالعودة، فسيعودون إليها، وأعرب عن استعداده للعب دور في "اليوم التالي"، سواء في إعادة الإعمار، أو قوات حفظ السلام، وفقا لقرار المجتمع الدولي".
وأكد أنه "ينبغي النظر لهذا الاقتراح باعتباره بمثابة بالون اختبار من جانب سوبيانتو لاختبار مدى استعداد شركائه في الشرق الأوسط لقبول مثل هذا النهج، واختبار رد الفعل داخل بلاده، وفي سياق أوسع، ما إذا كانت هناك ظروف مناسبة لبدء التطبيع مع دولة الاحتلال".
وأوضح أن "سوبيانتو لن يشرع في خطوات التطبيع مع دولة الاختلال دون التنسيق مع السعودية، كما أن التزام بلاده تجاه القضية الفلسطينية ثابت، لذلك، فإن أي محاولة للتقدم وتعزيز التطبيع يجب أن تتم بدبلوماسية هادئة، وبقدر كبير من الصبر لبناء البنية التحتية التي ستدعمه "في اليوم التالي".