إعلان الحوثيين الحرب على “إسرائيل”.. خبراء: أهدافهم الحقيقية في مكان آخر
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:
يعتقد الخبراء أن هجوم الحوثيين على الأراضي الفلسطينية المحتلة “إسرائيل” يأتي لأهداف أخرى غير متعلقة ب”دعم قطاع غزة” ضد الحرب الوحشية الإسرائيلية المستمرة منذ قرابة شهر والتي أدت إلى استشهاد 9500 فلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء.
وقلل الخبراء من تأثير صواريخ كروز والمسيّرات التي يطلقها الحوثيون، وقالوا إن تأثيرها يبقى رمزياً ولا تأثير على الأهداف الحوثية في “إسرائيل”.
وقال زوران كوسوفاك وهو خبير جيوسياسي وأمني إن إطلاق جماعة الحوثي المسلحة الصواريخ على الأراضي الفلسطينية المحتلة من “إسرائيل” لا يخوضون حرباً عسكرية بل حرباً سياسية.
وقال كوسوفاك إن الحوثيين خالفوا توقعاته، إذ أنه توقع: أن اعتراض البحرية الأمريكية (19 أكتوبر/تشرين الأول) بنجاح لجميع الصواريخ التي يطلقها الحوثيون اليمنيون باتجاه إسرائيل سيثنيهم عن إهدار المقذوفات في المستقبل.
وأضاف أن الحوثيين بهجوم يوم الثلاثاء 31 أكتوبر/تشرين الأول أثبتوا أنه مخطئ عندما إذ تبنوا إطلاق “مرة أخرى صواريخ كروز وطائرات بدون طيار على إسرائيل رغم أنهم لم يكن لديهم فرصة كبيرة لضرب أي شيء، إذا تقع (إسرائيل) على بعد 2000كم وهو حدود الصواريخ اليمنية طويلة المدى”.
اقرأ/ي أيضاً.. (تحليل خاص) المشروعية والورقة الرابحة.. ما الذي يريده الحوثيون من تبني هجمات “دعم غزة”؟!الإعلان عن قوة جديدة
وقال أحمد ناجي، أحد كبار المحللين اليمنيين في مجموعة الأزمات الدولية: “إن دخول الحوثيين إلى ساحة المعركة، حتى ولو بطريقة رمزية، يبعث برسالة واضحة إلى إسرائيل – وهي إشارة لا لبس فيها إلى ظهور قوة جديدة ضدها في المنطقة”.
وأضاف أن تنويع مصادر الهجمات على إسرائيل هو استراتيجية رئيسية لمحور المقاومة “مصممة لإرباك إسرائيل وردع توسيع عملياتها العسكرية البرية في غزة”.
من جهته قال فارع المسلمي، وهو زميل باحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، إنه في عام 2015، عندما بدأ التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن، لم يكن لدى الحوثيين حتى القدرة على تنفيذ ضربات بطائرات بدون طيار. لكن في السنوات التي تلت ذلك، قاموا ببناء قدراتهم بدعم إيراني.
في العام الماضي، أدت الهجمات التي أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنها في عاصمة الإمارات العربية المتحدة، أبو ظبي – على بعد أكثر من 700 ميل من شمال اليمن – إلى مقتل ثلاثة أشخاص.
اقرأ/ي أيضاً.. حصري- تقرير سري للحوثيين يحذر من انهيار سلطة الجماعة في مناطقها حصري- الحوثيون يحضرون لعودة الحرب مع توقف المحادثاتوفي السياق يرى عديد من الخبراء أن تأثير هجمات الحوثيين على الاحتلال الإسرائيلي ضعيفة، لكنه مع ذلك يدفع الاحتلال لتخصيص قدرات كان من الممكن استخدامها في جنوب لبنان أو قطاع غزة لتبقى متأهبة في “جنوب إسرائيل”.
وقال دانييل سوبلمان، وهو زميل باحث في مبادرة الشرق الأوسط بكلية كينيدي بجامعة هارفارد والذي يركز على محور المقاومة الإيراني، إن إسرائيل بدأت تنظر إلى الحوثيين كتهديد في السنوات الأخيرة.
وأضاف سوبلمان أنه حتى احتمال شن هجمات الحوثيين على جنوب إسرائيل يعني أنه “يجب على إسرائيل الآن تخصيص القدرات التي كان من الممكن استخدامها في أماكن أخرى”.
وقال ناجي الباحث اليمني في مجموعة الأزمات إن المخاطر الكبيرة التي تواجهها إسرائيل غير واضحة.
وعلى الرغم من نمو قدراتهم العسكرية، إلا أن الحوثيين يسيطرون على منطقة فقيرة للغاية مزقتها الحرب. وفي المقابل، يحتفظ الجيش الإسرائيلي بأنظمة دفاع جوي عالية التقنية ويتلقى دعم قوي من الحكومة الأمريكية.
من جهته قال زوران كوسوفاك المحلل الجيوسياسي والأمني: إن الحوثيين أطلقوا صواريخ كروز وطائرات بدون طيار على إسرائيل رغم أنهم لم يكن لديهم فرصة كبيرة لضرب أي شيء، إذا تقع (إسرائيل) على بعد 2000كم وهو حدود صواريخ الحوثيين طويلة المدى.
وأضاف: للوصول إلى إسرائيل، يجب على صواريخ الحوثيين أولا التهرب من سفن البحرية الأمريكية التي تقوم بدوريات في المنطقة والتي يمكنها إسقاطها، ثم طرادات الصواريخ التابعة للبحرية الإسرائيلية المتمركزة في البحر الأحمر.
وأشار إلى أنه من “المؤكد أن الحوثيين يدركون قلة فرص صواريخهم، ويعرفون أنه حتى لو تسلل عدد قليل منها، فلن يتمكنوا إلا من إلحاق أضرار رمزية بأهدافهم الإسرائيلية”.
ولطالما كان دعم القضية الفلسطينية والعداء تجاه إسرائيل أحد ركائز خطاب الحوثيين. منذ أن بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي الحرب على غزة أصدر قادة الحوثيين تهديدات متكررة بالدخول في المعركة.
وفي الأسبوع الماضي، قال عبد العزيز بن حبتور، رئيس وزراء حكومة الحوثيين غير المعترف بها دولياً، إن الحوثيين قد يهاجمون السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر. ونهاية الأسبوع كرر محمد علي الحوثي عضو المجلس السياسي والقيادي في الجماعة التهديد بشن هجمات على السفن والبوارج الأمريكية في البحر الأحمر.
ورغم هذا التهديد باستهداف الملاحقة يرى زوران كوسوفاك أنه و “من خلال إطلاق صواريخ كروز، فإنهم لا يخوضون حربا عسكرية بل حربا سياسية. والهدف الحقيقي ليس إسرائيل بل عدو الحوثيين اللدود المملكة العربية السعودية”.
وقال إنه “من خلال إطلاق صواريخ كروز، فإنهم لا يخوضون حربا عسكرية بل حربا سياسية. والهدف الحقيقي ليس إسرائيل بل عدو الحوثيين اللدود المملكة العربية السعودية”.
ويشير الخبير الجيو-سياسي إلى أن الولايات المتحدة بذلت جهوداً مضنية من أجل تحقيق تطبيع لإسرائيل مع المملكة العربية السعودية، لكن هجوم المقاومة الفلسطينية على الاحتلال الإسرائيلي في 07 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بدد هذه الجهود. وأعلنت السعودية وقف أي نقاشات في هذا الأمر.
وقبل الحرب الإسرائيلية الأخيرة، كان الحوثيون والسعودية يحققون تقدما كبيرا في مفاوضاتهم الثنائية مع بعضهم البعض. وقد حظيت هذه المفاوضات بمساعدة إيران التي مارست ضغوطًا على الحوثيين للانخراط بشكل كامل مع السعوديين. ويبدو أنها توقفت من جانب الحوثيين أو وضعت على الرف مؤقتاً خاصة بعد أن صَعد الحوثيون في الحدود السعودية خلال الشهر الماضي، وهو ما وضع الجيش السعودي في حالة تأهب قصوى.
اقرأ/ي أيضاً.. الحوثيون وقرار العودة إلى الحرب.. ما الذي يحدث على الحدود اليمنية-السعودية؟ (تقرير خاص)من جهته يشير مايكل هورتون، وهو باحث في معهد جيمس تاون، إلى زاوية أخرى لأهداف الحوثيين ويقول إن قرار الحوثيين إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل هو في المقام الأول مدفوع بالمخاوف الداخلية للجماعة. حيث يواجه التنظيم استياء متزايدا بين 80% من سكان اليمن البالغ عددهم 32 مليون نسمة والذين يحكمونهم.
وأشار هورتون -وهو باحث يدرس الحوثيين منذ عدة سنوات- “وفي حين تحافظ الأجهزة الأمنية الحوثية ذات الكفاءة الوحشية على قبضة حديدية على السلطة في معظم المناطق، إلا أن هناك بعض التصدعات الناشئة في قاعدة سلطة الحوثيين. فالاقتصاد اليمني يحتضر، وعملته (المقسمة إلى الريال الذي يسيطر عليه الحوثيون والريال الذي تسيطر عليه الحكومة) في حالة سقوط حر، ولم يتم دفع رواتب القطاع العام بانتظام منذ عام 2016″.
وتابع: بالإضافة إلى المشاكل الاقتصادية الحادة، التي تشمل جميع أنحاء اليمن، أثار الحوثيون أيضًا الاستياء من خلال التحركات الأخيرة لتعزيز سيطرتهم العلنية من أعلى إلى أسفل على شمال غرب اليمن. وفي 27 سبتمبر/أيلول، أعلن الحوثيون حل حكومة الإنقاذ الوطني. وشدد عبد الملك الحوثي، زعيم الحوثيين، على الحاجة إلى “تغيير جذري يبدأ بإعادة هيكلة الحكومة”.
ويشير إلى أن خطاب عبدالملك الحوثيون “وحل الحكومة في كثير من النواحي إنكارًا للتاريخ الجمهوري لليمن”. كما أن “الإصلاحات” التي دعا إليها عبد الملك تعمل على تهميش حلفاء الحوثيين من الحزب الحاكم السابق في اليمن، المؤتمر الشعبي العام.
اقرأ/ي أيضاً.. (انفراد) صراع الحلفاء المتشاكسين… هل يسقط مؤتمر صنعاء “مهدي المشاط” من رئاسة المجلس الأعلى؟وقال هورتون “يعد تحرك الحوثيين لتعزيز حكمهم رسميًا على شمال غرب اليمن استراتيجية عالية المخاطر أدت إلى تأجيج الاستياء بين العديد من اليمنيين الذين يعانون من الفقر المتزايد والذين يحكمونهم”.
وأشار: من خلال إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار باتجاه إسرائيل، يأمل الحوثيون في صرف انتباه اليمنيين عن فشلهم في توفير الفرص الاقتصادية. وفي الوقت نفسه، يدرك الحوثيون جيدًا كيف سينظر العديد من اليمنيين إلى عمليات الإطلاق، على الأقل على المدى القصير”.
يرى هورتون أن الحوثيين يريدون استغلال “المشاعر المعادية لإسرائيل في اليمن- كما هو الحال في معظم أنحاء العالم الإسلامي- فهي مرتفعة وتتزايد”، ويعتقد الحوثيون أن الهجمات سينظر إليها بشكل إيجابي، حتى أولئك الذين يعيشون خارج سيطرة الحوثيين.
كما يريد الحوثيون أيضاً أن يُنظر إليهم على أنهم ملتزمون بشعارهم الذي ينص على “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود”.
ويبدو أن اليمنيين -حتى المؤيدين لهجمات الحوثيين ضد الاحتلال الإسرائيلي دعماً لغزة- ينظرون إلى سلوك الجماعة تجاه معظم السكان المعارضين لحكمهم في مناطقهم بحذر جديد إذ أن سنوات تجربتها التسع المليئة بالفساد والعبث والطائفية تجعلها حائطاً يصد أي محاولات حصولها على مشروعية وشرعية من ركوب أقدس قضايا اليمنيين وأهم ثوابت هوية البلاد.
اقرأ/ي أيضاً.. حصري- تحذير أمريكي للحوثيين من قصف إسرائيل.. والجماعة تقدم شروطها دخول اليمن في الحرب الإسرائيلية “أسوأ مخاوف” المبعوث الأمريكي خاص| مشروع قانون بالكونجرس الأمريكي يعيد تصنيف الحوثيين “منظمة إرهابية”المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: إيران اسرائيل السعودية اليمن جماعة الحوثي حزب الله غزة فلسطين الاحتلال الإسرائیلی أکتوبر تشرین الأول هجمات الحوثیین على إسرائیل صواریخ کروز أن الحوثیین اقرأ ی أیضا بدون طیار من خلال
إقرأ أيضاً:
رواية مدين نجل "صالح" عن مقتل والده برصاص الحوثيين تثير الجدل في اليمن
أثارت رواية مدين صالح نجل الرئيس اليمني الأسبق، عن مقتل والده بنيران جماعة الحوثي، الجدل في اليمن، ليؤكد رواية الحوثيين لحادثة مقتل "صالح" في ديسمبر 2017م، والتي كانت محل شكل كبير في الأوساط اليمنية.
وقال مدين علي عبدالله صالح نجل الرئيس السابق "صالح" خلال فيلم وثائقي بثته قناة العربية، إن والده لم يقتل في منزله بصنعاء في الرابع من ديسمبر 2017م، على يد جماعة الحوثي، مشيرا إلى ان "صالح" قتل في قرية الجحشي بعد خروجه من منزله، ومحاولته الذهاب إلى قرية حصن عفاش، التي تعد مسقط رأسه.
وتطابق رواية نجل صالح مع رواية جماعة الحوثي التي أكدت وقتها أن صالح لقي مصرعه خلال محاولته الفرار، في إشارة منها إلى أنه فر من المواجهة، فيما ذهبت روايات أخرى إلى القول أنه قتل في منزله بصنعاء، بعد محاصرته.
ويعد هذا أول تأكيد من عائلة صالح عن مكان مقتله، على يد حلفائه في جماعة الحوثي، بعد تصادم بين الطرفين، انتهى بمصرعه.
وأحدث الفيلم ردود فعل من نشطاء يمنيين، سارعوا للتعليق على ما قدمه الفيلم، وقال الصحفي ماجد الداعري إن الفيلم قدم خلاصة تؤكد أن صالح قتل بقرية الجحشي قرب حصن عفاش بسنحان.
نهايته عبرة للتاريخ
الصحفي شاكر خالد، أكد أن معركة صالح الأخيرة أو نهايته ستظل عبرة للتاريخ. فجيل كامل كان يتسائل، كيف سينتهي هذا الحكم والهيلمان، حتى ظنوا بأنه سيخلد.
وقال: "حتى لو كان صالح، قتل في منزله وليس في الطريق أثناء محاولته الفرار إلى قريته، وهي الرواية التي أكدها وثبتها نجله في الفيلم الوثائقي".
وتساءل الصحفي شاكر خالد: ما البطولة التي تستدعيها مناسبة حاكم لأكثر من ثلاثين سنة، وهو ينسفها بخيانة عظمى للجمهورية ولتاريخه وتاريخ أسرته، بشهوة انتقام جبان لحثالة التاريخ؟.
وأضاف: "مخازن سلاح ومعسكرات وقيادات عسكرية وقبلية، وأكثر من ذلك، كل شيء، وضعه في خدمة التمرد والانتقام. هذه خيانات موثقة بالصوت والصورة ولا زالت طرية، بدون وثائقيات من جار أذي للبلد".
وحمل صالح المسؤولية الكاملة عن الأوضاع التي تشهدها البلاد، مع الرئيس السابق عبده ربه منصور هادي بالقول: "روائح الدم والخراب المبذور في جغرافيا البلد، يتحملها كاملة مكتملة مع هادي عن سبق إصرار وترصد".
تأكيد لرواية الحوثيين
أما المنهمي عبدالله فقد أشار هو الأخر إلى أن نجل صالح أكد رواية جماعة الحوثي، حول مقتل والده، بأنه مات في الطريق منسحبا من المعركة.
وعلق بالقول: "لا يهم إن كانت وجهته حصن عفاش كما قال مدين، أو مارب كما قال الحوثيون يومها. كلا الأمرين سواء".
بعد سقوط عمران لم يكن هنالك من مفاجأة
الصحفي عامر الدميني، كتب في صفحته على منصة فيسبوك: "بالنسبة لي لم أعد أتفاجئ من أي إخفاق عسكري أو مقتل شخصية كبيرة، منذ استشهاد العميد حميد القشيبي في عمران 2014م. كان خبر استشهاده صادما ونحن في ذروة مخاوفنا من القادم، وذروة طموحنا أن الدولة ستتدخل لإيقاف هرولة الحوثيين ولجم تمددهم".
وأضاف: "كان الأمل مرتفعا في أن يتدارك الحكام قبل المعارضين الأمر، ولا يسمحوا لهؤلاء بالتقدم، خاصة أن ملامح حكم الحوثي كانت واضحة في صعدة التي أسقطها مبكرا وسلخها من جسد الدولة. لكن كانت الأوضاع تزداد قتامة، وكأنها تمضي في مخطط واضح ومعلوم سلفا، سقطت عمران واستشهد القشيبي، وكان ذلك بداية الهبوط والانتكاسة".
ووصف الدميني يوم مقتل القشيبي بالقول: "كان يوما مظلما، ولا زلت أرى صنعاء من يومها مظلمة وموحشة بعد ذلك السقوط، الذي امتد لها، ولازال. كنا نتألم بقهر بينما كان حلفاء تلك اللحظة من صالح والحوثيين يتشفون ويتغنون ويرحبون، ووصف صالح القشيبي بالكلب، وفق تسجيلات صوتية منشورة".
وأردف: من بعدها لم أعد أشعر بالصدمة من أي حدث آخر، كانت صدمة مستنجد مؤمل لكنه شعر بالخذلان النهائي. وللمفارقة نفس الجهة التي قتلت القشيبي قتلت صالح، وتسببت بطرد هادي وكادت أن تقتله".
وختم بالقول: "لقد سقطنا هناك في عمران، ومن بعدها لم يعد سوى ارتدادات، ومن توطأ دفع الثمن، ومن بارك شرب من نفس الكأس، بينما لايزال القاتل حرا طليقا يعبث بالجميع".
الصحفي سمير النمري، كتب قائلا: "لم يكن علي عبد الله صالح رئيسًا لدولة بقدر ما كان شيخًا لقبيلة مترامية الأطراف اسمها اليمن. لم يحكم بقوة القانون، بل بسلطة العُرف؛ ذلك الميثاق غير المكتوب الذي يقدّس الهيبة الشخصية ويُعلي الولاء فوق كل اعتبار".
وتحدث عن طريقة إدارة صالح للبلاد، فقال إنها كانت تتم بـ "عقلية الشيخ المُحنّك. الشيخ في اليمن كريم، شهم، شجاع، لكنه عصبيّ يُستفز بسرعة، ويدير حياته باستراتيجية اللحظة لا بالضوابط والسلوكيات المنمقة. وهكذا، كان الشيخ صالح يمدّ يده بالكرم لشراء الولاءات، ويضرب بقبضته الحديدية لسحق الخصوم".
وأضاف: "كان يتقن عبارته الشهيرة التي يقولها في كل مناسبة "الرقص على رؤوس الثعابين"، وهي ليست مجرد استعارة سياسية، بل استراتيجيته الجوهرية للبقاء.
وأوضح أن صالح "حوّل المشهد السياسي إلى شبكة معقدة من التحالفات الهشة والمصالح المتقاطعة، حيث كان هو الخيط الوحيد الذي يربطها جميعًا. هذه الحكمة القبلية كانت هي نفسها التي قادت الدولة إلى حتفها".
وأشار إلى أنه وفي "ظل حكم “الشيخ الأكبر”، تآكل مفهوم الدولة الحديثة بشكل ممنهج. تم إفراغ المؤسسات من جوهرها وتحويلها إلى مجرد واجهات شكلية، بينما كانت القرارات المصيرية تُطبخ في مجالسه الخاصة وتُحسم وفقًا لموازين القوى القبلية ومزاجه الشخصي. لم يعد الولاء للوطن قيمة، صار الولاء للشيخ علي صالح هو معيار المواطنة الصالحة، ومفتاح الثروة والسلطة".
وأردف: "الصبر والدهاء اللذين مكّناه من الحكم لثلاثة وثلاثين عامًا، كانا هما نفسهما معاول الهدم التي حفرت قبر الدولة اليمنية. بنى نظامًا شديد المركزية حول شخصه، لدرجة أنه عندما سقط، انهار الهيكل بأكمله".
وعن نهايته المحتومة، قال النمري، إن صالح ظل "وفيًا لهويته كشيخ قبيلة. لم يتنازل أو يستسلم كما يفعل الساسة، بل اختار المواجهة حتى الموت. في قاموس العُرف القبلي، الشرف يقتضي أن يموت الشيخ مدافعًا عن مكانته، مهما كانت الكلفة".
ووصف نهاية صالح بأنها كانت لحظة "خلع فيها عن نفسه آخر أثواب “الرئيس”، ليموت كما عاش: شيخًا عنيدًا، في معركته الأخيرة مع قبيلته التي لم يفهمها ولم تفهمه إلا بلغة القوة".
وختم بالقول: "الخسارة الكبيرة أننا خسرنا اليمن كدولة.. وإعادة بناءها سيحتاج محو جيل كامل وربما أكثر".
تراشق أنصار صالح والإصلاح
الجدل الذي أثير عقب بث قناة العربية للفيلم، زاد حدته بين أنصار صالح ومنتسبي حزب الإصلاح، حيث هاجم أنصار صالح حزب الإصلاح بشراسة وحدة كبيرة خصوصا وأن بعض ناشطي الإصلاح حملوا صالح المسؤولية عن خراب البلاد وتسليم الجمهورية للحوثيين، نكاية بأعداء صالح خصوصا حزب الإصلاح الذي ناله النصيب الوافر من عملية الإنتقام التي كانت أحد أهداف صالح الرئيسية.
القيادي الإصلاحي عبده سالم كتب في سياق الدفاع عن الإصلاحيين من شتائم أنصار صالح، حيث خاطب الأخيرين بود كبير قائلا: "يا أحبابنا في المؤتمر الشعبي العام: الإصلاحيون لا أنتجوا فيلم "المعركة الأخيرة"، ولا كتبوا له السيناريو، ولا حددوا موعد عرضه! ... ليش مصرّين تلبّسوها لهم؟".
وأضاف: الفيلم من إنتاج قناة "العربية"، والمتحدّثين فيه هم نجل الزعيم، وأقاربه، وقادة حزبه، وحراسته الخاصة… يعني من بيتهم وفيهم! أما الإصلاح؟ والله ما لهم فيه لا صوت ولا صورة، ولا ريحا ولا نفسا! لكن الظاهر أنكم مش قادرين تتخلّصوا من عقدة الإصلاح، حتى وهم خارج المشهد. تخافوهم وهم ساكتين، وتتهموهم في بلاوي أنتم صنعتوها بأيديكم!".
وتابع: "لا أحد يرغب في الإساءة للزعيم، ويكفيه شرفاً أنه قُتل على يد أعداء الوطن، بصرف النظر عن الكيفية، هارباً كان أو مقاوماً… فقد أفضى إلى ربه، فدعوه في ذمّة الله، ولا تُحمّلوه حصائد ألسنتكم وأقلامكم".
وأردف: "ورغم أننا لا نعرف بالضبط ما هو الثقب الذي فتحه هذا الفيلم، ولا ما ستكون عليه تداعياته في قابل الأيام، إلا أن "الإصلاح" — كما يبدو — قد تحوّلوا عند البعض من خصم سياسي إلى فزّاعة نفسية، وهكذا المرعوب يشوف خصمه في كل ظل، والمذعور يحسب الهواء مؤامرة، - الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا. سُنّة الله في خلقه. الرحمة للزعيم ... والعافية "للإصلاح"!".
أما الناشط عبداللطيف ياسين فكتب قائلا: "الإصلاح ليس لقمة صائغة يا أيتام صالح الإصلاح في أوج قوته ولو كل كفيل يتخلى عن مكفوله وقالوا سدوا لحسمها الإصلاحيين لصالحهم هزة من سالم إلى المخا وهزة من لعكب إلى عدن وانتهى الأمر".
غاغة
الصحفي حمود هزاع، علق قائلا: "استعادة صنعاء لا تستوجب تمجيد صالح أو مهاجمته.. ووحدة الصف تتحقق بوحدة القضية، وليس بوحدة الرأي والموقف حول شخص سواء كان صالح او عبدربه او علي محسن او حميد الاحمر او طارق صالح او غيرهم..".
وأوضح أن "الإصطفاف الوطني لا يلغِ حق نقد حزب سياسي أو مكون او شخصيات.. الاصطفافات الوطنية ومعارك الخلاص تحتاج قادة كبار يهتمون بالهدف وهو مواجهة الحوثيين والقضاء عليهم ويعملون من اجل ذلك لا يلتفتون لما دون ذلك".
الناشط نبيل الفقيه أقسم أن ما يجري عبارة عن "غاغة"، حيث قال: "أكملت مشاهدة الفلم الوثائقي لقناة العربية حول اللحظات الأخيرة لصالح. ولا يوجد مبرر واحد أو نقطة تبرر ان تتحول الحلقة لمهاترات بينتا".
وأضاف: "الأصل كانت تعزز تقوية سهامنا ضد الحوثي. ودليل على أنه غدار وعدو للجميع. لكن معي عبارة دائما اختم بها مداخلتي لأي قناة. "استوا واعتدلوا رصوا الصفوف لا تجعلوا فرجة للحوثي".
صالح توقع مصيره على يد الحوثيين
وفي ذات السياق، قال وزير الخارجية اليمني السابق أبو بكر القربي إن الرئيس السابق علي عبدالله صالح، لذي قتل على يد جماعة الحوثي قبل ثماني سنوات، كان يتوقع مصيره على أيدي الجماعة.
وأضاف القربي في مقابلة مطولة مع صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية أن "المواقف التي بدأت بعد أن أعلن الشراكة مع الحوثيين وشعوره بأن الحوثيين رغم شراكة حزب "المؤتمر الشعبي العام" في الحكومة. إلا أن وزراء المؤتمر في الحكومة لم تكن لديهم جميع الصلاحيات، وكان المشرفون من الحوثيين هم الذين يديرون الوزارات، فبدا التوتر واضحاً بإقصاء الحزب من دوره السياسي في اليمن، وبدأت الخلافات أيضاً عندما بدأ المؤتمر يكثف من نشاطه السياسي والاحتفاء بذكرى تأسيسه في 2017.
وتأتي تصريحات القربي غداة يوم من بث قناة العربية فيلم وثائقي المعركة الأخير لصالح في العاصمة صنعاء، بشهادات نجله مدين وأقرب المقربين منه حراسته الشخصية الذي كانوا معه لحظة مقتله على يد الحوثيين في الراربع من ديمسبر 2017م.
ونفى القربي نية صالح ومساعيه لتوريث الحكم لنجله أحمد، وقال إن "هذا الحلم أعتقد لم يكن مطروحاً جدياً، وأعتقد أن المعارضة ضخّمت الموضوع، وللأسف أيضاً أن بعض قيادات الحزب كانت تدلي بتصريحات توحي بهذا الأمر".
وأضاف "لكن صالح قال مباشرة إن ولده من حقه أن يرشح نفسه إذا هو أراد لأن هناك انتخابات والشعب يقرر مَن سيختار لكن في الوقت نفسه قال: أنا لن أترشح للانتخابات المقبلة ولن يترشح ولدي".
وتحدث القربي عن مشكلة الحوثيين منذ 2004 وعن ثورات الربيع العربي وثورة 11 فبراير عام 2011، وكيف تبدّل تحالف صالح ونائبه عبد ربه منصور هادي، ولماذا تحوّل الحوثيون إلى إيران.
كما نفى تحالف صالح مع الحوثيين وقال "لا نستطيع القول إنه تحالف مع الجماعة، ربما في بداية الأمر عندما بدأ الحوثيون بالتقدم نحو صنعاء، ربما كان يعتقد أنه ستأتي مرحلة تقوم فيها الحكومة بقيادة هادي في ذلك الوقت، بوقف تقدمهم. لأن الرئيس هادي كان رئيس الجمهورية في ذلك الوقت وهو المسيطر على الجيش والقوات المسلحة".
وأردف "كان صالح ربما يرى أن ما يجري في المناطق القبلية من قبل الحوثيين هو تصفية حسابات بينهم، وربما يرى فيها من جانبه أنها أضرت بخصومهم من مشايخ القبائل في المنطقة".
وزاد "لكن عندما تقدموا إلى عمران كان واضحاً أن الخطر قادم، لذلك طلب من الرئيس هادي، وذهبت مجموعات من حزب «المؤتمر الشعبي» وطلبت من الرئيس هادي التدخل لوقف تقدمهم لأنهم إذا وصلوا إلى عمران فسيصلون إلى صنعاء.
وحسب القربي فإن صالح كان لديه شعور أن هادي غدر به، وتعزز هذا الشعور خاصة عندما بدأ التعامل مع "المؤتمر الشعبي" في أثناء مؤتمر الحوار الوطني الشامل في تمثيل المؤتمر والشخصيات التي تشارك في المؤتمر،
وأضاف "شعر بأن الرئيس هادي يحاول أن يزيحه من الدور الذي له الحق فيه كرئيس للمؤتمر. اتخذ هادي القرارات، وشعر صالح كأنه يريد أن يستبعده من رئاسة المؤتمر، فبدأت الحساسيات.