الجزيرة:
2025-05-23@20:59:22 GMT

إعادة الاعتبار للدراما التلفزيونية كنص أدبي

تاريخ النشر: 3rd, July 2023 GMT

إعادة الاعتبار للدراما التلفزيونية كنص أدبي

يقتحم عدد كبير من رجال الشرطة بملابس مدنية وعسكرية غرف نوم رشيد أثناء نومه بجوار نجله في منزله في مدينة حلوان المصرية فيفزع الأب وابنه. تسحب القوات الأمنية رشيد بعنف وهو في حالة ذهول ويقيدون معصمه من الخلف قبل أن يقتادوه إلى مخفر الشرطة. لم يتمكن رشيد من حضور حفل زفافه الذي كان مقررا يوم القبض عليه، ويجد نفسه متهما في جريمة قتل رئيسه في العمل ويحكم عليه بالسجن 16 عاما، بينما يُوضع نجله من زواج سابق في ملجأ للأيتام في مسلسل "رشيد" للمخرجة المصرية مي ممدوح وإنتاج 2023.

قصة المسلسل مأخوذة من الرواية الشهيرة الكونت دي مونت كريستو Le Comte de Monte-Cristo للكاتب الفرنسي ألكسندر دوما الأب عام 1844، التي تدور حول شاب يتعرض للسجن بتهم ملفقة ويهرب من السجن ليعلم بخيانة أصدقائه ويعد خطة للانتقام. لم يفقد هذا العمل الأدبي بريقه منذ اختراع السينما والتلفزيون، ولا يزال مقتبسا في قصص الأفلام والمسلسلات منذ عصر السينما الصامتة عام 1912 في الولايات المتحدة وحتى يومنا هذا.

وهو نموذج من أعمال روائية عديدة عرفت طريقها نحو السينما والدراما التلفزيونية في طريق ذي اتجاه واحد من النص الروائي إلى النص الدرامي، بحيث يصبح هذا الأخير محاكاة أو ظلا للعمل الأصلي. ومهما بلغت حرفية القائمين على العمل الفني فإنهم لا يستطيعون أن يخرجوا منتجا يضاهي أو ينافس العمل الأدبي الأصلي، وحينئذ يدور النقاش حول قدرة الصورة على التعبير عن جماليات الأدب من عدمه، وليس هذا صلب النقاش في هذا المقال الذي يتعامل مع النص الدرامي كنص أدبي مستقل.

في حديث إذاعي بين الممثل المصري الراحل عبد الوارث عسر والكاتب الراحل نجيب محفوظ، يسأل عسر إن كان على الكاتب أن يدرس شيئا من السيناريو ليتولى بنفسه كتابة سيناريو أعماله الأدبية أو على الأقل يشرف عليها، لتعبر بصدق ووضوح عن نصه الأدبي. أجاب محفوظ بأن السيناريو موهبة مستقلة بذاتها تختلف عن موهبة القصة والرواية والمسرحية، وأنه من أنصار التخصص، لأن لكل منه ذوقه وثقافته وطرقه المختلفة في التعبير. وأضاف نقطة مهمة تتعلق بالتخصص، إذ أشار إلى أن كل فن من هذه الفنون يستوعب حياة كاملة من الدراسة والاستيعاب والعمل.

يجيب هذا الحديث عن الأزمة التي تؤرق كل العاملين في الحقل الفني في العالم العربي من المحيط إلى الخليج التي يعبرون عنها بمشكلة الورق، أي النص الدرامي أو السيناريو الجيد الصالح للتجسيد فنيا على الشاشة. وعند الرغبة في الحصول على نص درامي جيد فإن الأنظار تتجه مباشرة للرواية في محاولة لاستنساخ نجاح النص الأدبي في العمل الفني، وهي محاولات إن لم تفشل فشلا ذريعا فإنها لم تنجح النجاح المرجو لها.

الأدب المقروء والأدب المنظور

نجاح الدراما التلفزيونية يعتمد على التعامل مع النص الدرامي كنص أدبي مستقل بذاته، وهو وإن كان جزءا من عملية إنتاجية أوسع يشارك فيها المخرج والممثل ومدير التصوير بنصيب كبير، إلا أنه يحافظ على مكانته بين هذه العناصر. فالدور القيادي الفني للمخرج مثلا لا ينفي أهمية وإبداع مدير التصوير ومدير الإضاءة، وكلاهما يمكن أن يؤدي إلى نجاح العمل الفني أو فشله.

إن مركزية دور المؤلف في العمل الروائي ومركزية دور المخرج في العمل الدرامي والسينمائي حجبت الرؤية عن تقييم جوهر الأعمال نفسها وتقييم بقية الأدوار الإبداعية للفريق. فنظرية المؤلف في السينما التي ظهرت في أربعينيات القرن الماضي كانت تريد أن يقوم المخرج بدور المؤلف الروائي وليس أن يقتبس منه، ولهذا عبر الناقد الفرنسي ألكسندر أستروك عن هذه الوظيفة بقوله "الكاميرا قلم". وقد نجحت السينما إلى حد بعيد في أن تستخدم الكاميرا كقلم فعلا بينما دار المخرج الدرامي التلفزيوني في العالم العربي في فلك الاقتباسات الأدبية مع استثناءات قليلة.

يحسب للتجربة الدرامية العربية أنها قدمت محاولات عديدة في هذه المجال للتغلب على أزمة السيناريو، منها مثلا مسلسل ذاكرة الجسد المقتبس من رواية تحمل الاسم ذاته للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي للمخرج السوري نجدت أنزور وإنتاج عام 2010. وعلى خلاف معظم المسلسلات المقتبسة، حافظ المسلسل على اللغة العربية الفصحى في الحوار، بل وحافظ على رواية البطل كما هي. والمسلسل قدم محاولة جادة لكنها غير ناجحة، لأنه لم يستطع أن يطوع اللغة الفصحى لتخدم التعبير الصادق عن مشاعر الأبطال بشكل يقنع المشاهد بالأحداث، كما مر إيقاع المسلسل بطيئا جدا من دون توظيف جيد للحبكات الدرامية.

هناك محاولة أخرى نادرة لتحويل قصيدة شعرية لمسلسل درامي، وهي قصيدة أنشودة المطر للشاعر العراقي الراحل بدر شاكر السياب التي تحولت إلى مسلسل يحمل الاسم ذاته للمخرج الفلسطيني السوري باسل الخطيب من إنتاج عام 2003.

ولأن القصيدة رغم دراميتها وشاعريتها لم تحمل أحداثا أو شخصيات واضحة، فقد استلهم النص الدرامي أجواء القصيدة المناخية من غيوم وأمطار ليطبع به المشاهد العامة للمسلسل، بالإضافة لطابع التراجيديا والحزن الذي يخيم على القصيدة وأحداث المسلسل. وبالتالي يمكن القول إن الاقتباس في هذه الحالة كان محدودا جدا لكنه محمود، والمسلسل أيضا لم يبلغ الشهرة التي حظيت بها القصيدة وبقي محاولة جادة تنهل من بعض نجاح العمل الشعري.

يقدم قاموس جامعة أوكسفورد البريطانية تعريفا واسعا للأدب يشمل التراكيب الشفوية والدرامية والمذاعة، ليفسح المجال لأجناس أدبية أخرى تنضوي تحت تعريف الأدب. وبذلك يمكن أن يدخل من ضمنها النصوص الدرامية التلفزيونية، وهي مواكبة جيدة لمتغيرات العصر، لأن فن الرواية نفسه من الفنون الأدبية المستحدثة التي انتقلت للغة العربية، وكان بعض الكتاب الكبار مثل عباس محمود العقاد يرونها في مرتبة أدنى من الشعر ومن البيان المنثور.

واليوم، وبعد أن تبوأت الرواية المكانة التي نراها في الأدب العربي، آن للنص الدرامي أن يحجز مكانه في عالم الأدب وأن يتم تحديث معايير تعليم وتقييم النصوص الدرامية التلفزيونية في هذا الإطار.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

تفسير معنى البر.. رئيس جامعة الأزهر يكشف جوانبا من ثراء النص القرآني

كتب- حسن مرسي:

أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن القرآن الكريم يمثل أفقًا واسعًا ومجالًا رحبًا للباحثين والدارسين في ميداني التفسير والتدبر، مشيرًا إلى أن تعدد تفاسير آية البر في القرآن الكريم يفتح آفاقًا علمية جديدة يجب أن تستثمرها العقول الباحثة.

وأوضح داود خلال حلقة برنامج "بلاغة القرآن والسنة"، المذاع على "قناة الناس" اليوم الجمعة، عن قوله تعالى: "ولكن البر من اتقى..." أن القرآن قد فسر "البر" في مواضع متعددة: تارة بمن آمن بالله، وتارة بمن اتقى، وتارة كما فسّره النبي ﷺ بأبعاد أخرى، وكل تفسير جاء مناسبًا لسياقه، مما يعكس ثراء النص القرآني وسعته، ويدعو إلى مزيد من البحث في النظائر القرآنية والسنة النبوية.

وأشار داود إلى أن ختام الآية بقوله تعالى: "واتقوا الله لعلكم تفلحون" يعكس عمق المعنى الذي تحمله كلمة "الفلاح"، مبيّنًا أن الفلاح في القرآن مشتق من مهنة الفلاحة، بما تحمله من دلالات على الجهد والحرث والسقي والرعاية.

وقال داود: "كما أن الفلاح يزرع أرضه ويعتني بها لتؤتي الثمار، فإن المؤمن الصادق يبذل جهده في إيمانه وعمله الصالح، ويقدّم الخير للبشرية، فيكون جزاؤه الفلاح الحقيقي في الدنيا والآخرة".

وشدّد رئيس جامعة الأزهر على أن هذه الرؤية تحفّز الإنسان المسلم على العمل، والعطاء، والمساهمة الفاعلة في عمارة الأرض وخدمة المجتمع، متيقنًا من وعد الله بالثمر والنتيجة.



اقرأ أيضاً:

القاهرة 36 درجة.. الأرصاد تحذر من موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد غدًا

غرامة تصل لـ100 ألف ريال.. تحذير عاجل من السعودية قبل موسم حج 2025

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

سلامة داود جامعة الأزهر معنى البر

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان

أخبار

تفسير معنى البر.. رئيس جامعة الأزهر يكشف جوانبا من ثراء النص القرآني

روابط سريعة

أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلاميات

عن مصراوي

اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصية

مواقعنا الأخرى

©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا

27

القاهرة - مصر

27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • تفسير معنى البر.. رئيس جامعة الأزهر يكشف جوانبا من ثراء النص القرآني
  • الداربي العاصمي.. مولودية الجزائر تبحث عن تعميق الفارق والاتحاد لرد الاعتبار
  • وزارة الداخلية السورية تطلق عملية إعادة هيكلة شاملة للمنظومة الأمنية والإدارية
  • محافظ الإسماعيلية يناقش دعم التدريب الفني وتأهيل الشباب بشراكة استراتيجية
  • المصلحة الوطنية لنهر الليطاني: المرسوم 360 يعيد الاعتبار لحماية الثروة المائية
  • الشربيني يؤكد أهمية توطين الصناعة فيما يخص كافة المهمات التي تحتاجها محطات التحلية
  • وكيل تعليم الإسكندرية يبحث وضع آليات لتوظيف خريجي التعليم الفني
  • وزيرا العدل والداخلية أعلنا إعادة العمل بمحكمة سجن رومية... ونصار يتحدّث عن نتيجتين إيجابيتين
  • حسان يطَّلع على سير العمل في مشروع إعادة تأهيل شاطئ عمان السياحي
  • ننشر النص الكامل لتوزيع الدوائر الانتخابية في جميع محافظات الجمهورية