وليس من قبيل المبالغة أن نقول إن هذا الصراع المستمر منذ خمسة أسابيع، بعيدًا عن الحدود بين إسرائيل وغزة، أودى بأول ضحيته السياسية.

تم إقالة سويلا برافرمان، وزيرة الداخلية البريطانية التي حاولت، لكنها فشلت في وقف المظاهرات العامة الداعمة لوقف إطلاق النار في غزة – مستخدمة يوم الهدنة ويوم الذكرى كذريعة...

ادعى برافرمان أن المظاهرات كانت "مسيرات كراهية"، وأنها يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة لإفساد الذكرى السنوية لأولئك الذين سقطوا أثناء القتال من أجل الحرية في الحرب العالمية الأولى والصراعات اللاحقة.

جاء التعديل الوزاري المفاجئ الذي أعلنه ريشي سوناك يوم الاثنين الماضي، في أعقاب انتقادات متزايدة لخطاب برافرمان التحريضي من مشرعي المعارضة وحتى أعضاء حزب المحافظين الذي تنتمي إليه...وقد مكّن هذا سوناك من عزلها والوزراء الآخرين الذين شعر أنهم لا يؤدون دورهم في جلب حلفاء يمكنهم خدمة رؤيته بشكل أفضل.

ويبدو أن يده قد تم إجبارها عندما تحداه برافرمان، المثير للجدل الأسبوع الماضي في نشر مقال صحفي غير مصرح به يتهم الشرطة بـ “المعايير المزدوجة” في الاحتجاجات، مما يشير إلى أنهم كانوا صارمين مع المتظاهرين اليمينيين ولكنهم متساهلين مع المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين.

ولكي نكون منصفين، كان كل من رئيس الوزراء ووزير داخليته يعتقدان أنه يجب الاحتفال بيوم الهدنة ويوم الذكرى دون أي تدخل من المسيرات.

واعتقد كلاهما أن الاحتجاجات يمكن أن تفسد فعاليات الذكرى إذا اندلعت أعمال عنف، لكن الشرطة لم ترى ضرورة لمنعهما من المضي قدمًا.

وذهب حزب العمال المعارض إلى أبعد من ذلك وأشار إلى أن تعليقات برافرمان أثارت التوترات بين مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين واحتجاج مضاد لليمين المتطرف في لندن يوم السبت، في حين كان ينبغي في الواقع اعتبار كلا الحدثين مناسبتين لرفض الحروب والصراع.

وقد استخدم سوناك، هذا التحول في الأحداث كذريعة للتخلص من بعض مثيري الشغب في حكومته وإعادة تأكيد قبضته على الحزب، على الرغم من أنه اضطر إلى اللجوء إلى الأيدي القديمة مثل رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، الذي أصبح وزيرا للخارجية البريطانية.

واعتبر البعض تصرف سوناك، بمثابة محاولة لإعادة بعض أشعة الشمس إلى الحياة العامة، وتهميش اليمين المتطرف في حزب المحافظين وتعزيز قيادته للوفاء بوعوده للبلاد بشكل أفضل، على النحو المنصوص عليه قبل عام.

*لكن التعديل الوزاري وُصف بأنه لحظة "العودة إلى المستقبل" التي تعكس مدى اليأس الذي وصل إليه حزب المحافظين بعد 13 عامًا في السلطة التي ابتليت بالتقشف، وسوء التقدير لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقبل كل شيء، سوء السمعة في البرلمان....  من خلال الاقتتال الداخلي والأكاذيب وحالات الفساد.*

*وإذا كان التعديل الوزاري قد كشف أي شيء، فهو أن البلاد في حاجة ماسة إلى انتخابات عامة وتفويض جديد لإعادة بعض اللياقة إلى الحياة العامة... ويتعين على الناس أن يؤمنوا مرة أخرى بأن مستقبلهم في أيد أمينة وأن البلاد قادرة على فتح صفحة جديدة بعد سنوات عديدة من الاستنزاف الداخلي وعلى مستوى البلاد لحزب المحافظين.*

من المؤكد أن الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة كانت العامل المحفز الذي سمح بهذا التعديل الحكومي الأخير، ولكن يظل من المشكوك فيه أن يكون هذا كافيًا لتحسين الوضع....من المتوقع أن تتراجع فرص سوناك وحزبه في الانتخابات العامة المقبلة، حيث تتوقع استطلاعات الرأي حدوث ضربة قد تعيد المحافظين إلى الضياع.

لا بد أن العديد من المشرعين قد تنفسوا الصعداء بعد رؤية برافرمان ترحل، إذ كانوا يخشون أنها عازمة على إعادة تشكيل حزب المحافظين باعتباره "حزبًا ترامبيًا" شعبويًا "بغيضًا" ذا وجهة نظر متشددة بشأن الهجرة والمشردين والشرطة. 

كما يعتقد الكثيرون أن لديها خطة لتركيز اهتمامها على التحضير لمحاولة محتملة لقيادة الحزب إذا خسر المحافظون الانتخابات المتوقعة العام المقبل، خاصة وأن حزب العمال المعارض يسجل تقدما مستمرا بفارق 20 نقطة، في صناديق الاقتراع.

*كان افتقار سوناك للخبرة في التعامل مع الأزمات الدولية بحجم الحرب الأوكرانية أو الصراع بين إسرائيل وغزة واضحا، حيث فشل في طرح أي خطاب بناء على الطاولة في وقت يدعو إلى التوازن في عالم شديد التقلب وفي منطقة مثل الشرق الأوسط.*

وعلى الصعيد المحلي، حاول إعادة إطلاق نفسه قبل شهر واحد فقط كوجه للتغيير في مؤتمره السنوي لحزبه، لكنه تراجع عن قراره وألغى أجزاء من مشروع البنية التحتية الكبير الوحيد للسكك الحديدية الذي وعدت بريطانيا به منذ عقود، لتوفير نقل سريع للسكك الحديدية....قطار يربط بين جنوب وشمال إنجلترا.

يتعاطف الكثيرون في المملكة المتحدة مع سوناك وجهوده لتحقيق الاستقرار في سفينة الحكومة، على الرغم من الطبيعة المتضاربة في قمة حزب المحافظين، حيث تم التشكيك بوضوح في سلطته عندما هاجمت وزيرة داخليته الشرطة في مقالتها الصحفية غير المصرح بها.... لكن التعديل الوزاري لا يمكن قراءته إلا على أنه عمل يائس.

العرض الحقيقي الوحيد للتغيير الذي يمكنه تقديمه هو الدعوة لإجراء انتخابات عامة قريبًا، لأن ذلك قد يوفر فرصة حقيقية لوضع الأمة على مسار التعافي طويل المدى بعد السنوات الضائعة من حكومة المحافظين، حتى لو تم التوصل إلى مثل هذا الاستنتاج.... ويتم التوصل إليه على خلفية أزمة أخرى في الشرق الأوسط.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: احمد ياسر غزة فلسطين اخبار فلسطين الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الاحتلال الاسرائيلي نتنياهو حماس طوفان الاقصي واشنطن الأمم المتحدة بريطانيا التعدیل الوزاری حزب المحافظین

إقرأ أيضاً:

لماذا أطاح ترامب بنصير إسرائيل داخل مجلس الأمن القومي؟

واشنطن- قبل نصف ساعة من انتهاء عصر يوم الجمعة الماضي، آخر أيام العمل قبل عطلة نهاية الأسبوع التي امتدت 3 أيام بسبب عطلة عيد الذكرى، تلقى عشرات المسؤولين في مجلس الأمن القومي الأميركي رسالة إلكترونية تطالبهم بجمع أغراضهم الخاصة والشخصية، لأنهم تمت إقالتهم.

وكان إيريك تريجر، المدير الأول لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا داخل المجلس، من بين أهم وأرفع الذين تلقوا رسالة الإقالة، ويعرف بتشدده، وبقربه الكبير من كل مواقف الحكومة الإسرائيلية اليمينية حول كل ملفات سياسة واشنطن تجاه الشرق الأوسط، وإضافة لتريجر، أقيلت ميراف سيرين، مديرة لشؤون إسرائيل وإيران في المجلس.

ولم تعط الإدارة الأميركية تبريرا رسميا للإقالة، واعتبر مراقبون أن هذه الخطوة تأتي في إطار تطهير البيت الأبيض من رموز الدولة العميقة في عملية صنع قرارات السياسة الخارجية.

في حين رأى آخرون أن هذه الخطوة وتوقيتها يعكسان تذمُّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب من عرقلة فريق السياسة الخارجية لأجندته الطموحة في الشرق الأوسط، التي تتضمن التوصل لاتفاق جديد مع إيران حول برنامجها النووي، ووقف الحرب على قطاع غزة، وتطبيع العلاقات مع النظام السوري الجديد، وما سبق ذلك من وقف الهجمات الأميركية على اليمن.

إعلان مركزية القرار

لكن الإقالات جاءت وسط تقارير تتكهن بخلافات مستمرة ومتصاعدة بين ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أساس تبني واشنطن مواقف مناقضة للرغبات الإسرائيلية فيما يتعلق بإيران واليمن وسوريا.

وجاءت الإقالات في الوقت الذي يسعى فيه ترامب ووزير الخارجية ماركو روبيو، الذي يشغل أيضا منصب القائم بأعمال مستشار الأمن القومي، إلى إعادة هيكلة وتقليص الهيئة الرئيسية لصنع السياسة الخارجية.

ومنذ وصوله الثاني للبيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي، يقلِّص ترامب دور الكونغرس، ومجلس الأمن القومي، ووزارة الخارجية، وأجهزة الاستخبارات المختلفة، في عملية صنع قرارات السياسة الخارجية الأميركية.

واستعان ترامب بصديقه المقرب، ستيفن ويتكوف، كي يشرف على ملفات الحرب الأوكرانية والعدوان على غزة، وملف التفاوض النووي مع إيران.

يذكر أنه بعد انتهاء الجولة الخامسة من مفاوضات الملف النووي في روما، قال ترامب، الأحد الماضي، إن المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران أحرزت "تقدما حقيقيا" ولديه "أخبار جيدة" حول هذا الموضوع في وقت لاحق من هذا الأسبوع.

وجاء تفاؤل ترامب بعد أيام من وضع مسؤولين أميركيين وإيرانيين خطوطا حمراء متناقضة بشأن مستقبل تخصيب اليورانيوم داخل إيران، وتشير تصريحاته إلى حلحلة في مواقف الدولتين تجاه هذه النقطة الشائكة.

وفي الوقت ذاته، دفع ترامب علنا، دون أن يضغط بما تملكه بلاده من أدوات على إسرائيل، لإنهاء الحرب على غزة، وقال ترامب من على ظهر الطائرة الرئاسية، الأحد الماضي، "لقد تحدثنا مع إسرائيل، ونريد أن نرى ما إذا كان بإمكاننا وقف هذا الوضع برمته في أسرع وقت"، في إشارة إلى الحرب في غزة.

خسارة الدور

مع إشراف ويتكوف على ملفات المنطقة الهامة، لم يتصادم منصب ومهام تريجر بمبعوث ترامب للشرق الأوسط، حيث لا يمتلك الأخير، رجل العقارات في نيويورك وصديق ترامب، أي خبرات سياسية بالمنطقة، ويعتمد على أسلوب الصفقات.

إعلان

وعمل تريجر بالقرب من ويتكوف، وضمن ذلك عدم تأثر تريجر بطرد مديره السابق مايكل والتز مستشار الأمن القومي السابق، بعد فضيحة سيغنال التي تضمنت دردشة بين فريق الأمن القومي حول الهجمات الأميركية على اليمن والتي انضم إليها صحفي من مجلة أتلانتيك عن طريق الخطأ.

واستمر تريجر كأكبر مسؤول في مجلس الأمن القومي فيما يتعلق بملفات الشرق الأوسط، وعلى رأسها حاليا الحرب على غزة، ومفاوضات الملف النووي الإيراني، ومستقبل العلاقات مع سوريا، والاستثمارات الخليجية في أميركا.

وكان تريجر بالقرب من ترامب في رحلته الخليجية، وقبل ذلك كان لافتا جلوسه خلفه في عدة مناسبات، آخرها الاجتماع الذي عقده ترامب، هذا الشهر، بالرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض، في ظل وجود ولى العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

ومع عدم تخصص وزير الخارجية روبيو، أو كبير مستشاري ترامب ويتكوف، في قضايا الشرق الأوسط المعقدة والمتداخلة، تضخم دور تريجر في دائرة ترامب الضيقة في عملية صنع قرار السياسة الأميركية تجاه المنطقة.

وظهر دور تريجر واضحا خلال زيارتي نتنياهو للببت الأبيض، حيث تبنَّى ترامب موقفا مؤيدا بصورة غير اعتيادية للموقف الإسرائيلي دفعته لطرح بديل تهجير سكان قطاع غزة للخارج.

وجلس تريجر في الصف الثاني خلف جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي خلال المؤتمر الصحفي الشهير لترامب مع نتنياهو في الغرفة الشرقية بالبيت الأبيض، كما ظهر واقفا في أقصى يمين المكتب البيضاوي على يسار ترامب عند اجتماعه بملك الأردن عبد الله الثاني في فبراير/شباط الماضي.

إريك تريجر يعد أحدث خريجي معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى (مواقع التواصل) خبير الشرق الأوسط

وفي كلتا المناسبتين حمل تريجر ملفا ورقيا يُعتقد أنه يتضمن ملفات هامة وبيانات وملخصات ومواقف وأرقاما قد يحتاجها ترامب عند لقائه ضيوفه القادمين من الشرق الأوسط، حيث يعد أهم وأعلى مستشاري ترامب في قضايا الشرق الأوسط، ولا يقتصر دوره على تقديم النصح له، بل هو أحد أهم صانعي القرار الأميركي تجاه المنطقة.

إعلان

وكان تريجر أحدث خريجي معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى (دبليو آي إن إي بي) (WINEP)، ممن يشغلون مناصب قيادية في عرين السياسة الأميركية، وبعد تركه عام 2017، انتقل إلى مجلس الشيوخ موظفا في لجنة العلاقات الخارجية المعنية بقضايا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ثم أصبح كبير موظفي لجنة القوات المسلحة بالمجلس تحت رئاسة السيناتور الجمهوري جيمس أنهوف.

يُذكر أن معهد واشنطن تأسس عام 1985، وخرج من عباءة لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية "أيباك"، أكبر منظمات اللوبي الإسرائيلي، ولا يُعرف عن المعهد انتماء محدد سواء للحزبين الديمقراطي أو الجمهوري، وعادة ما تضم كل إدارة أميركية عددا من كبار باحثيه، سواء في البيت الأبيض، أو وزارة الخارجية، أو مجلس الأمن القومي، أو وزارة الدفاع "البنتاغون" أو الكونغرس.

مقالات مشابهة

  • لماذا أطاح ترامب بنصير إسرائيل داخل مجلس الأمن القومي؟
  • 20.6 مليار دولار نمو سوق الإعلام في الشرق الأوسط 2028
  • إطلاق كتاب «فنّانو الشرق الأوسط.. من عام 1900 إلى اليوم»
  • فاليريا جولينو من مهرجان كان: أتمنى عرض فيلمي Fuori في الشرق الأوسط| حوار
  • هل هناك مخطط سري لتفكيك سوريا؟
  • من مركزية إعلان البندقية 1982 إلى هوامش حرب غزة 2023
  • صفقات الغضب بين ترامب و نتنياهو
  • "غلوبانت" تفتتح مقرها الإقليمي في الشرق الأوسط بالرياض
  • وزير الخارجية: أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط مترابط مع الأمن الأوروبى
  • أحمد ياسر يكتب: دعوة عادلة من النهر للبحر