دور الأسرة في تحقيق الأمن الفكري للأبناء
تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT
د. رضية الحبسية
استهل مقالتي هذه بأحد مضامين الخطاب السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أعزه الله وأبقاه- في افتتاح دورالانعقاد السّنوي الأول للدورة الثامنة لمجلس عُمان، والذي يمكننا الانطلاق منه في حديثنا عن الأمن الفكري ودور الأسرة في تحقيقه لدى الأبناء؛ حيث قال: "إننا إذْ نَرْصُدُ التحدياتِ التي يتعرضُ لها المجتمعُ ومدى تأثيراتِها غيرِ المقبولةِ في منظومتِهِ الأخلاقيةِ والثقافيةِ؛ لَنُؤكِّدُ على ضرورةِ التصديّ لها، ودِراسَتِها ومتابعتِها، لتعزيزِ قدرةِ المجتمعِ على مواجهتِها وترسيخِ الهُويّةِ الوطنيةِ، والقيمِ والمبادئِ الأصيلة، إلى جانبِ الاهتمامِ بالأسرةِ؛ لِكونِها الحِصنَ الواقيَ لأبنائِنا وبناتِنا من الاتجاهاتِ الفكريةِ السلبيةِ، التي تُخالفُ مبادئَ دينِنا الحنيفِ وقيمَنَا الأصيلةَ، وتَتَعارضُ مع السَمْتِ العُماني الذي يَنْهَلُ من تاريخِنا وثقافتِنا الوطنيةِ".
فمن خلال تحليل تلك الموجهات السامية، نلاحظ تأكيد جلالته على أهمية التحصين الفكري، ودور مؤسسات التنشئة الاجتماعية والتربوية في حماية الناشئة من الانحراف الفكري، نتيجة التأثيرات والتيارات الفكرية السلبية، التي تؤدي بلا شك إلى زعزعة المنظومة القيمية والأخلاقية والثقافية للمجتمع. كما أكدّ جلالته- حفظه الله- على دور الأسرة في تعزيز القيم الأصيلة والحفاظ على الموروثات العُمانية؛ لتحقيق الأمن الفكري للأبناء؛ كونها اللبنة الأولى في بناء المجتمع، ذلك أن غالبية المشكلات الاجتماعية والثقافية يمكن أن تكون ذات علاقة بعوامل مرتبطة بالمواقف الأسرية.
ويُقصد بالأمن الفكري للأبناء تحصين فكر الناشئة ومعتقداتهم من الاتجاهات السلبية، وحمايتهم من الانحرافات السلوكية، للتصدي لأية تحديات تؤثر على المنظومة الأخلاقية والثقافية للمجتمع، أو تهدد أمنه واستقراره. ويرتبط الأمن الفكري بالأمن المجتمعي، فلا يمكن للمجتمع أن ينمو ويزدهر في ظل غياب الأمن؛ إذ يُقاس تقدم المجتمع بعقول أفراده ومعتقداتهم، التي تظهر في سلوكهم وتصرفاتهم؛ لذا تحرص المجتمعات على معالجة وتصحيح أية انحرافات فكرية قد تطرأ على أبنائه، قد تؤدي إلى اضطرابات تؤثر على أمن واطمئنان الأفراد والمجتمع بأكمله.
وتعدّ الأسرة الركيزة الأساسية في قوة المجتمع وازدهاره، وذلك من خلال مهمتها في تأصيل القيم والمبادئ الأصيلة لدى الأبناء، ومساعدتهم على التكيّف مع المجتمع في ظل التغيّر الاجتماعي والزخم الثقافي الذي يعيشه العالم اليوم، فمهمة الأسرة لم تعد مقتصرة على توفير حاجات الأبناء الأساسية من مسكن ومأكل ومشرب، بل يتعدى دورها إلى تحقيق الاستقرار النفسي، وإرساء قواعد الأمن الفكري لدى الأبناء كأحد أبعاد التنشئة الاجتماعية. ويتمثل ذلك الدور في تنشئة الأبناء على الأفكار الصحيحة، وتحصينهم ضد التيارات الفكرية السلبية، وحمايتهم من أي انحرافات تمثل تهديدًا على الأمن الفكري والاستقرار الأسري والتقدم المجتمعي.
ولتحقيق الأمن الفكري لدى الأبناء، لا بُد من وعي وإدراك الأسرة بدورهم التربوي أولا، بدءًا من النموذج الحسن والرفقة الصالحة التي تكون بمثابة البوصلة التي توجه سلوك الأبناء، وتقيهم من أي خلل فكري أو خُلقي قد يؤدي بهم إلى مشكلات وأمراض فكرية ونفسية، كالانطواء والعزلة والاكتئاب، أو مشكلات سلوكية، كالعنف والتنمر، أوالوقوع في براثن الإدمان والمخدرات، أو يكونوا ضحايا شبكات الإرهاب، أو التورط في جرائم الأحداث، وغيرها، لينتهي بشعور كل فرد من أفراد الأسرة بالمسؤولية المشتركة في الحفاظ على أمن واستقرار الأسرة. ومن ذلك نؤكد على أن دور الأسرة في تحقيق الأمن الفكري لدى الأبناء هو دورًا استباقيا ووقائيا، وذلك ببناء سياج فكري آمن لهم، يمكنهم من التصدي للمشكلات التي تواجه المجتمع، وتهيئتهم للعيش السّلمي والاندماج الإيجابي مع المجتمع.
وتعدّ الأسرة أساسَ الهرم التربوي، كون مسؤويتها مباشرة في غرس القيم الأخلاقية والاتجاهات السليمة في نفوس أبنائها، باتباع أساليب تربوية تتواءم ومعطيات العصر، فلكل عصر أدواته ومقاييسه في تربية الأبناء، فلم تعد القسوة والشدة والمنع هي الأدوات الناجعة في ظل الانفتاح العالمي وتعدد وسائل الاتصال والتواصل. كما أن الأسرة هي الحضن الذي ينشأ فيه الأبناء، والوعاء الذي تتشكل فيه شخصياتهم، لذا فهي المسؤول الأول في التنشئة المتزنة والمتكاملة للفرد: عقليا ونفسيا وجسديا واجتماعيا، وذلك بتوفير بيئة أسرية آمنة مترابطة، يسودها علاقات إيجابية قائمة على قيم الاحترام والتقدير والمودة والرحمة؛ ليصبحوا أفردًا منتجين مبدعين، قادرين على المساهمة في تحقيق تقدم المجتمع ونموه.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن حكومة سلطنة عُمان استندت في تحديد الأولويات الوطنية لرؤيتها المستقبلية "عُمان 2040" على عدد من الموجهات، كان الانطلاق من ثوابت المواطنة والهوية العُمانية الأصيلة أحدها. ويعدّ ذلك مُسوغًا لتحقيق الأمن الفكري للأبناء، نظرًا لدعم القيادة العليا في البلاد، وهي في سعيها للوصل بعُمان إلى مصاف الدول المتقدمة مع الحفاظ على الثوابت الراسخة للمجتمع العُماني المتمثلة في الثقافة العُمانية والموروثات الحضارية، فقد تضمنت كلمة جلالة السلطان في مقدمة التعريف بالرؤية، أنها تؤسس- أي الرؤية- لمجتمع معرفي ممكّن، إنسانه مبدع، معتز بهويته وثقافته، ملتزم بمواطتنه وقيمه.
وفي ضوء ما تقدم، فإنه يمكن تفعيل دور الأسرة في تعزيز قيم الأمن الفكري لدى الأبناء، كالسلام، والتسامح، واحترام حقوق الآخرين، والاعتدال، والوسطية، والمواطنة الصالحة، واحترام الرأي الآخر، وذلك بانتهاج عدد من الاستراتيجيات والأساليب التربوية، منها ما يلي:
أولًا: الدعم العاطفي للأبناء، وإحساسهم بالحب والأمان والاحتواء، وتجنب الكيل بمكيالين في تربيتهم، إذ لا بد من تحقيق مبدأ العدالة والمساواة في التعامل معهم، وسدّ منابع الشعور بالحقد والكراهية؛ بسبب أساليب التربية القائمة على التفرقة بين الأبناء والظلم من قبل الأبوين، وضرورة دعم الأبناء على مواجهة التحديات الفكرية والعاطفية، وتحصينهم ضد أي استغلال قد يتعرضون له.
ثانيًا: المحاكاة العقلية، وتنمية مهارة التفكير النقدي لدى الأبناء، وتدريبهم على تمحيص ما يُعرض عليهم من محتوى، وممارسة التقييم في ما يُبث عبر وسائل الإعلام المختلفة، والتمييز بين المقبول وغير المقبول أخلاقيا، كذلك حسن اتخاذ القرار بشأنها. كذلك حماية الأبناء من الرسائل المباشرة والمبطنة التي تدعو إلى الأفكار المتطرفة والسلوكيات المنحرفة، مما يهدد أمن واطمئنان الأبناء، أو شعورهم بالضياع وفقد الهوية في ظل تعارض القيم التي يدعو إليها الآباء، وما يتعرض له الطفل عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع غير الآمنة عبر الانترنت.
ثالثًا: التواصل الجيد، باتباع أسلوب الحوار الفعّال والتفاهم البنّاء كمنهج للتعامل مع الأبناء، لما له من أهمية في تقوية العلاقات الأسرية بين أفرادها، كما يؤسس الحوار لمهارة التفاعل الاجتماعي مع الآخرين، كما يساعد تقريب وجاهات النظر، وتصحيح المفاهيم الخاطئة لدى الأبناء؛ التي تؤدي إلى اختلال في الفهم، واضطراب في السلوك، كذلك تعزيز مبدأ الاحترام المتبادل، ووتنمية الثقة بالنفس للدفاع عن أفكارهم الإيجابية التي نشأوا عليها، وعدم الخوف من الحديث عن مشكلاتهم أمام والديهم، وما يتعرضون له مخاطر إلكترونية أو تهديدات أمنية.
رابعًا: المراقبة الواعية، وتطبيق أسلوب التربية بالملاحظة، إذ إن تفقد أحوال الأبناء وملاحظة سلوكياتهم، ونوعية ملابسهم، والمصطلحات التي يتداولونها، بسبب التقليد الأعمى، وتأثير الأقران، سيساعد الوالدين على فهم التغيّر في شخصية الأبناء، والتصرف المبكّر حيال ذلك التغيّر، وسيقي الأبناء من الانضمام إلى رفقاء السوء، التي قد تكون سببًا لانخراطهم في أنشطة فكرية منبوذة، أو التورط في مشكلات أمنية أو سياسية، فيسلكون مسالكًا لا عودة منها، ونتائج لا تحمد عقباها، في غفلة من الرقابة الوالدية.
خامسًا: التثقيف والتوعية، وتبصير الأبناء بمخاطر الاستخدام غير الآمن للإنترنت، وتعزيز قيم الأمن المعلوماتي والقانوني في إطار مفاهيم المواطنة الرقمية، وتعزيز الوعي بالتعددية الثقافية، وترسيخ قيم الهوية الوطنية، والحفاظ على أمن الوطن وموروثاته الحضارية، وتقويتهم للتصدي لأية مكائد تهدف إلى اجترارهم إلى جماعات إفتراضية منحرفة، أو تأثير التيارات الفكرية الفاقدة للهوية.
وفي الختام.. نقترح اعتماد استراتيجية وطنية، تعنى بتحصين الناشئة فكريًا وحمايتهم من الانحراف الخُلقي والفكري، استنادًا إلى الموروثات الحضارية والقيم العُمانية الأصيلة، مع الأخذ بالمتغيرات الاجتماعية المعاصرة، وإعداد دراسات علمية لرصد واقع التحديات الأخلاقية والقيمية التي يتعرض لها المجتمع، والتوصل إلى مقترحات عملية لوقاية الأبناء من الاتجهات الفكرية السلبية، وإعداد برامج توعوية تثقيفية للشباب حول أساليب التصدي للتأثيرات الناجمة عن التحديات الأخلاقيات المعاصرة.
كما نؤكد على ضرورة التركيز على الممكنات والعوامل التي من شأنها دعم دور الأسرة في تحقيق الأمن الفكري لدى الأبناء، فعلى سبيل المثال: تمكين الأسرة من أساليب التنشئة الوالدية؛ لوقاية الأبناء من أية إعاقات فكرية نتيجة الحرية المطلقة الممنوحة للأبناء، أو التقليل من قدراتهم، فينشأ جيل يفتقر للمهارات الاجتماعية أو للقدرات العقلية، غير قادر على تحمل المسؤولية، أو الاسلوب التربوي الاستبدادي في التعامل مع الأبناء، أو تقزيم شخصياتهم، فينشأ جيل مضطرب غير قادر على اتخاذ قراراته.
أيضًا الارتقاء بالمستوى الثقافي للوالديْن؛ بما يساعدهما على الإلمام بما يحتاجه الأبناء في مراحلهم نموهم المختلفة، أيضا العمل على تحسين المسستوى المعيشي والاقتصادي للأسر، من أجل توفير متطلبات الأبناء الأساسية، وحمايتهم من أن يكونوا عرضة للاستغلال الفكري والخُلقي بسبب ضعف المستوى الاقتصادي للأسرة.
بتلك العوامل والممكنات يمكن القول إنَّ الأسرة ستمتلك الأدوات الأساسية للمساهمة في تحقيق الأمن الفكري لدى الأبناء، وستُحقق النجاح- بمشيئة الله- في تنشئة أبنائها التنشئة المُتزنة والسويّة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الجامع الأزهر يناقش «حقوق الأبناء» في ملتقاه الفقهي: تكريم الإنسان يبدأ من الطفولة
الجامع الأزهر أمس، الاثنين، لقاءه الأسبوعي للملتقى الفقهي “رؤية معاصرة” تحت عنوان "حقوق الأبناء.. رؤية فقهية"، مستضيفًا كلًا من الدكتور رمضان الصاوي، نائب رئيس جامعة الأزهر، والدكتور علي مهدي، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر وعضو لجنة الفتوى بالجامع الأزهر، وأدار الملتقى الدكتور مصطفى شيشي، مدير إدارة شئون الأروقة بالجامع الأزهر.
استهل فضيلة الدكتور رمضان الصاوي الملتقى بالتأكيد على أن تكريم الإنسانية يبدأ بتكريم الأبناء، من خلال ما يقوم به الآباء من غرس قيم الإنسانية النبيلة في وجدان الأبناء، لهذا اهتم الإسلام بحقوق الأبناء على الآباء اهتماما بالغا، وكأن أول هذه الحقوق هي اختيار النسب، لهذا قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه" لانعكاس هذا المعيار في اختيار شريك الحياة على الأبناء في كل شيء في حياتهم، لأنهم تربوا في كنف أبوين يجمعان بين الدين وحسن الخلق، ويؤكد هذا المعنى النبيل حديث آخر لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس"، في إشارة إلى تجنب مواطن الشر البشري التي قد تنعكس على الأطفال نتيجة قربهم من هذه المواطن، وهي عناية غاية في الدقة جاءت بها الشريعة الإسلامية، كضمانة لبيئة سليمة للأبناء.
وذكر فضيلة الدكتور رمضان الصاوي، أن “سلفنا الصالح، كان يراعي ضوابط اختيار البيئة المثالية للأبناء، وهو ما يظهر من قصة رجل جاء إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يشكو إليه عقوق ابنه فأحضر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنه وأنَّبَه على عقوقه لأبيه، فقال الابن: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: أن ينتقي أمه، ويُحسن اسمه، ويُعلمه الكتاب (القرآن). فقال الابن: يا أمير المؤمنين إنه لم يفعل شيئاً من ذلك: أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلاً (جعراناً)، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً، فالتفت أمير المؤمنين إلى الرجل، وقال له: أجئت إليّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك، وفي هذه القصة دليل عملي على أن الولد يُحافَظ علبه ويُعتَنى به حتى قبل أن يأتي إلى الدنيا، من خلال حسن اختيار أمه ، واختيار البيئة المناسبة لتربيته”.
وفصل فضيلة الدكتور رمضان الصاوي، بعد ذلك حقوق الأبناء على الآباء، بداية من الفرح والسرور به عند ولادته، ثم بعد ذلك أن يلحقه بنسبه لتكون له هوية وأصول معلومة في المجتمع، حتى لا يعير بنسبه بين بقية أفراد المجتمع، ونجد في هذا التشريع حماية وصيانة للمجتمع من الظاهرة التي باتت تعرف اليوم "بأبناء الشوارع"، والتي حدثت نتيجة عدم التزام فئه من نسبة أبنائهم إليهم، لأنهم أتوا نتيجة علاقات محرمة، فأورثوا أبنائهم الازدراء المجتمعي كنتيجة لنسبهم المجهول، مشيرا إلى أن من حقوق الأبناء على الآباء الحضانة والرعاية في كنف والديه ما دامت الحياة الزوجية قائمة، فإذا لم تكن قائمة فالأم هي الأولى بالحضانة لأنها بأبنائها أرفق، كما ورد أن امرأة قالت : يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثديي له سقاء وزعم أبوه أنه ينزعه مني ، فقال عليه الصلاة والسلام : أنت أحق به ما لم تتزوجي ، لأن الأم أشفق وأقدر على الحضانة فكان الدفع إليها أفضل، وإليه أشار أبو بكر الصديق بقوله : ريقها خير له من شهد وعسل عندك يا عمر، عندما حصلت فرقة بين سيدنا عمر بن الخطاب وزوجته، ومن الحقوق الواجبة للأبناء هي الرضاعة، وما يليها من رعاية في مرحلة الطفولة والتي تتطلب عناية خاصة، وقد أعطانا سيدنا رسول الله صلى الله درسا عمليا في هذا : فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم "قبل الحسن بن علي رضي الله عنهما وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه من لا يرحم لا يرحم".
من جانبه، أكد فضيلة الدكتور علي مهدي، عضو لجنة الفتوى بالجامع الأزهر، أهمية الطفولة في حياة الإنسان، لهذا وضعت الشريعة ضوابط في التعامل مع الأطفال، خاصة أن الدين الإسلامي جاء على مجتمع كان يتسم بالغلظة والقسوة في التعامل مع الأطفال، لدرجة أن هذا المجتمع يرى أن في تقبيل الأطفال ضعف، فكان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الأطفال برحمة ورقة، لينزع هذه الغلظة من هذا المجتمع ويوضح لهم كيف يتعاملون مع أبنائهم، لأن تربية الأطفال عمادها الحقيقي هو الحنان والرحمة، ولا يغني الأبناء عنها أي شيء آخر في الدنيا وهو ما أكد عليه القرآن الكريم "وقل رب أرحمهما كما ربياني صغيرا"، في إشارة إلى الرحمة والعطف الذي ناله الطفل من أبويه في الصغر.
وبين فضيلة الدكتور علي مهدي، أن من أكبر المشكلات التربوية التي تواجه مجتمعنا المعاصر، هو عدم إدراك بعض الآباء طبيعة مرحلة الطفولة، ويتعامل معها بأساليب لا تناسبها، لهذا يشعرون أنهم فشلوا في تربية أبنائهم أو أن أبنائهم متمردون، والحقيقة عدم إدراكهم لمتطلبات مرحلة الطفولة هو السبب وراء ذلك، مشيرا إلى أن النقد الدائم للأبناء والتوبيخ لا يمكن أن يخرج جيلا سويا، كما أن النظرة الضيقة لبعض الآباء أن ينتظر من أبنائه ألا يخطئوا هي نتيجة سوء فهم لطبيعة مرحلتهم العمرية، وعدم إدراك لدوره في تقويم سلوكهم، وتعليمهم كيف يتعاملون مع المواقف المختلفة.
ودعا فضيلة الدكتور علي مهدي، الآباء والأمهات، إلى قراءة السنة النبوية قراءة جيدة، ليتعلموا منها كيف كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، يعامل الأبناء على قدر عقولهم وبقدر كل موقف ووفقا لطبيعة المرحلة التي يمرون بها، ولم يكن هذا من سبيل الكلام التنظيري، وإنما لأهمية هذه النعمة العظيمة جاءت مواقفه صلى الله عليه وسلم كلها عملية لتكون منهجا لأمته في التعامل مع أبنائها، من أجل بناء الثقة في نفوسهم، وتنشئتهم على تحمل المسؤولية واحترام حقوق الآخرين.
وفي ختام الملتقى، قال الدكتور مصطفى شيشي إن نعمة الذرية، هي إحدى الأمنيات التي يتمناها العبد في الدنيا، لأنها زينة للحياة، لهذا جاءت الشريعة الإسلامية مبينة حقوق الأبناء على الآباء من أجل صلاح الأسرة وصلاح المجتمع، من خلال تخريج جيل جديد متسلح بالقيم الإنسانية النبيلة التي فيها صلاح المجتمع بأكمله، لهذا بدأت هذه الحقوق مبكرا قبل أن يأتي الأبناء إلى الدنيا مرورا بكل مرحلة من مراحل حياتهم، وما قدمته الشريعة الإسلامية في جانب بر الآباء بالأبناء يعد دستورا تربويا شاملا.
يُذكر أن الملتقى "الفقهي يُعقد الاثنين من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، ويهدف الملتقى الفقهي إلى مناقشة المسائل الفقهية المعاصرة التي تواجه المجتمعات الإسلامية، والعمل على إيجاد حلول لها وفقا للشريعة.