هكذا أصبحت الأحزاب اليمنية خارج المشهد السياسي..!
تاريخ النشر: 8th, December 2023 GMT
تشكو الأحزاب اليمنية من تغييبها عن الاتفاق بين السعودية والحوثيين، والذي قالت إنها لا تعرف شيئاً عن مضمونه أو تفاصيله أو المرجعيات التي استند إليها، واصفة المناقشات حول الاتفاق بأنها تجري بتكتم شديد وبمعزل عن المجتمع اليمني وقواه السياسية.
تغييب الأحزاب السياسية اليمنية جاء استكمالاً لتغييب الحكومة الشرعية عن المشهد التفاوضي بين السعودية وجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، في ظل حديث عن ملامح عامة لاتفاق ينهي الحرب في اليمن، ويؤسس لمرحلة جديدة، من دون أن يكون للأحزاب السياسية يد في صناعة هذا الاتفاق الذي سيؤسس بحسب مراقبين لمرحلة جديدة تكون السلطة فيها للقوى العسكرية المتواجدة على الأرض.
الأحزاب اليمنية تشكو تغييبها
وقال نائب رئيس الدائرة الإعلامية في "التجمع اليمني للإصلاح"، عدنان العديني، لـ"العربي الجديد"، إن "العملية السياسية في البلاد معطلة منذ انقلاب الحوثي، والأحزاب غائبة نتيجة هذا الخلل الذي يجب إصلاحه، ويجب أن ننتبه ونحن نتطلع لمرحلة ما بعد الحرب بأنه من غير المفيد أن نذهب إلى هذه المرحلة بأدوات الحرب نفسها".
وأضاف العديني أن "تغييب الأحزاب في ظل الحرب ربما كان أمراً مفهوماً، لا أقول مقبولاً، أقول مفهوماً فقط، لأن الأحزاب أدوات مدنية لتشغيل السياسة؛ والحرب بطبيعتها كما نعلم طاردة لهذه المنظومة السلمية"، معتبراً أن "هذا التغييب لكل مظاهر المشاركة السلمية في الحياة العامة أمر يتحمّل مسؤوليته في المقام الأول الانقلاب الذي أرهق البلاد بكلها، ولم يرهق الأحزاب وحسب".
وفيما يخص ما يلوح في الأفق من تفاهمات وتوافقات، قال إن "ما يهمنا أولاً أن تحافظ على شرعية الدولة ومركزها القانوني، وأن تتقيد بالمرجعيات الثلاث المتفق عليها (مخرجات الحوار الوطني، والمبادرة الخليجية، والقرار الأممي 2216)، ثم كان من المفترض أن تساهم الأحزاب في بناء المسار الذي يفضي إلى الاتفاق المتوقع، لكن ذلك لم يتم، وقد كشف البيان الأخير للتحالف الوطني للأحزاب السياسية موقفه من هذا الأمر".
من جهته، اعتبر عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني عيبان السامعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تغييب الأحزاب السياسية كان ترجمة لرغبة سعودية إماراتية. وأضاف أن "الدولتين وجدتا في القوى التقليدية ذات الخلفيات القبلية والمناطقية والسلفية الحلفاء المناسبين، أي يمكن الاعتماد عليها، وتسهل عملية تطويعها وتوظيفها في إطار هندسة المشهد السياسي اليمني بما يلبي الأجندة الإقليمية، بخلاف الأحزاب السياسية التي تنطلق في ممارسة السياسة من أرضية وطنية مدنية وتاريخ نضالي عريق، وتمارس السياسة بأدوات ناعمة، وهو أمر لا يوافق - بطبيعة الحال - مزاج السعودية والإمارات".
ورأى السامعي أن "عقد أي اتفاق بعيداً عن الأحزاب لن ينهي الحرب ولن يؤسس لسلام عادل وشامل ومستدام، بل سيعيد إنتاج الصراع المسلح بكيفيات أخرى، وبالتالي سيعزز من مخاطر تفكيك البلاد إلى كانتونات طائفية وجهوية وقبائلية تتحكم بها قوى مليشياوية مرتهنة لأجندات خارجية". وأشار إلى أن "أي تسوية سياسية لا تكون فيها الأحزاب السياسية وجميع القوى الاجتماعية جزءاً أصيلاً وفاعلاً فيها، ستكون تسوية هشة ومشوهة، ولن تحظى بالشرعية الشعبية والدستورية ولا بالقبول الاجتماعي والسياسي".
وكان التحالف الوطني للأحزاب السياسية، الذي يضم عدداً من الأحزاب أبرزها المؤتمر والإصلاح والاشتراكي والناصري، قد أكد أن تغييب القوى السياسية عن مفاوضات السلام في البلاد، يعد شرعنة لسيطرة الحوثيين على المناطق الخاضعة لسيطرتهم ولا يمكن أن يفضي إلى سلام حقيقي في اليمن الغارق بالحرب منذ تسع سنوات.
وقال التحالف في بيان في ذكرى الاستقلال في 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إن "تغييب المكونات الوطنية عن المشاركة في صنع التوافقات لا يمكن أن يفضي إلى تحقيق سلام حقيقي ومستدام بقدر ما هو سعي وراء سراب وتشجيع للمليشيات الحوثية للتنصل من السلام الحقيقي الذي يستعيد الدولة". وأشار إلى أن أي "جهود إقليمية أو دولية أو أممية لا ترتكز على مشاركة القوى الوطنية الحقيقية المعبّرة عن الكتلة الشعبية لن تنجح، وستهدر المزيد من الفرص التي يجب التنبيه بأن ضياعها سيجلب مزيداً من المآسي على شعبنا وعلى الإقليم وعلى الأمن العالمي".
وأوضح التحالف أن "أي مفاوضات لن يُكتب لها النجاح ما لم تكن مستندة إلى أهم مرتكزات الحل السلمي الذي يحفظ المركز القانوني للدولة، وأن أي سلام لن يكون شاملاً وعادلاً ومستداماً ما لم يكن وفق المرجعيات الثلاث، الوطنية المتمثلة في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، والإقليمية المتمثلة في المبادرة الخليجية، والدولية المتمثلة في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وفي مقدمتها القرار 2216، وذلك من أجل المصلحة الوطنية العليا والجامعة، من دون التفريط بالثوابت والمكتسبات الوطنية".
دور غير مؤثر للأحزاب اليمنية
رئيس مركز "يمن المستقبل" للدراسات، فارس البيل، قال لـ"العربي الجديد" إن "الأحزاب السياسية غيبّت نفسها وتبع ذلك أنها غُيّبت، ولا أعتقد أن أحداً يقف وراء التغييب بالمعنى المادي، إنما الأحزاب دورها مع الحرب كان هامشياً".
وأضاف: "دور الأحزاب السياسية في اليمن من خلال التجربة السابقة كان براغماتياً، لم يكن دوراً مؤثراً بالنسبة للقضية الوطنية، والوعي الوطني، وللمنهجية الوطنية، بقدر ما كان حضوراً من أجل أن تكون شريكة في السلطة، وهذا كان دور الأحزاب السياسية ككل، بغض النظر عن مسألة أن هناك أحزاباً أو أغلبها كانت تعمل في إطار انتمائها الخارجي لا الانتماء الوطني، وهذه الإشكالية هي التي تسببت في هذه الفجوة بين الأحزاب وبين الشعب".
وعن خطورة عقد اتفاق بعيداً عن الأحزاب السياسية، قال البيل إنها "ليست خطورة كاملة، لكن أعتقد أن الأحزاب السياسية لم تكن حاضرة على الأقل في صنع المستقبل وبالتالي وجد اللاعب الخارجي أن هذه الأحزاب ليست ذات أهمية".
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن الازمة اليمنية الاحزاب السياسية مفاوضات الحوثي الأحزاب السیاسیة
إقرأ أيضاً:
اليمن.. من أم الرشراش إلى حيفا.. قراءة في تحولات المشهد ودلالاته
“اليمن بركان نائم جنوب الجزيرة العربية، وإذا انفجر فسيجرف كل المنطقة”.
هذا ما قاله المفكر السياسي الكبير محمد حسنين هيكل قبل عشر سنوات، وتحديداً في العام 2015 مع بداية العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، في محاولة لتلخيص الأهمية الكبيرة التي يحتلها اليمن، والتغيرات التي يمكن أن يحدثها هذا المارد اليمني إذا خرج من محبسه، فهل كان هيكل “حوثياً”؟! أم أنه كان يرى بمنظوره الاستشرافي تحولات اللحظة الراهنة التي يصنعها اليمن؟.
تغير موازين القوى الإقليمية
الحقيقة أن المتأمل للتحولات التي صنعها اليمن منفرداً منذ التحاقه بمعركة طوفان الأقصى في أكتوبر2023 وحتى اللحظة، سيجد أنها جرفت ما صنعته الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة من توازنات قوى، وردع أمريكي، ومعادلات صراع، خصوصاً مع العدو الإسرائيلي، وكذا معادلة التفوق الإسرائيلي كقوة إقليمية في مواجهة كل الدول العربية، أو قل بمعنى أصدق عطلت مفاعيل تلك المعادلات والتوازنات، فاليمن المدمر والمحاصر لسنوات طوال، نهض من تحت ركام العدوان، ونزيف جراحاته الغائرة، ليساند المظلومية الفلسطينية، ويسطر تلك المواقف والأدوار التي أذهلت العالم، وعجزت عنها منظومة الدول العربية مجتمعة.
هذه الانبعاثة اليمنية القوية بإيمانها العميق بالله، المعتزة بقيادتها الاستثنائية وإرثها الحضاري والتاريخي قبل ترسانتها العسكرية، الراسخة بقيمها والتزامها الصادق بقضايا الأمة المركزية وعلى رأسها فلسطين، هي من صنعت تلك التحولات، وأعاقت التحالف الصهيو- أمريكي عن تحقيق أهدافه، وعن إرساء مرتكزات الشرق الأوسط الجديد على أرضية صلبة.
التصعيد اليمني وتناقضات المشهد
ففي الوقت الذي تزاحمت فيه بطريقة مذلة المنظومة الخليجية لاستقبال الرئيس الأمريكي ترامب، وتنافست على حشد كل ما لديها من ثروة لاسترضاء جلاوزة البيت الأبيض، الشريك الرئيس لمجرم الحرب نتنياهو في مذابح التطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني، كان اليمن يُصعّد من هجماته الصاروخية لاستهداف عمق الكيان، متوّجاً هذا الإسناد الصلب بقرار حظر الملاحة في ميناء حيفا، وأمام هذه المفارقة الرهيبة برز الإسناد اليمني تعبيراً حياً عن تطلعات الشعوب العربية المقهورة، وحاجتها في لحظة انكسار حادة، إلى من يعيد لها الإعتبار، وفي تقديري أنّ هذا الأمر سيكون له أثره العميق في إعادة تشكيل الوعي العربي من جديد، وفي ترسيخ حقيقة أن الأمة العربية التي اختارها الله لحمل راية الإسلام كرسالة سماوية خاتمة، لابد أن تظلّ ولّادة مهما بلغ مستوى الخنوع، ففي اللحظة الفارقة يبرز من أصلها منْ ينهض بعبء المسؤولية كما فعل اليمن، ويُزيل عنها عار الخنوع، وشنار هذا الذل المستطير.
ها هو اليمن الكبير يحاصر منفرداً الكيان الصهيوني بحراً وجواً، مسجّلاً انتصارات متتابعة، فمن إغلاق ميناء أم الرشراش “إيلات” جنوباً بفعل الحصار الخانق على الملاحة الإسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي، مروراً بخوض معركة بحرية مباشرة مع البحرية الأمريكية انتهت بإجبار حاملات الطائرات الأمريكية على مغادرة البحر الأحمر، ثم تركيز الاستهداف على الوسط وتوجيه سلسلة من الضربات الصاروخية على مطار اللد “بن غيريون” بهدف حظر الملاحة الجوية التي تضررت بشكل كبير، وصولا إلى 19 أيار 2025 الذي أعلنت فيه القوات المسلحة اليمنية إدراج ميناء حيفا شمالاً ضمن بنك الأهداف، وحظر الملاحة إلى هذا الميناء الذي يتمتع بأهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة، باعتباره من أبرز مراكز الشحن في شرق البحر الأبيض المتوسط، والبوابة الرئيسية التي تربط الكيان بأوروبا، وأمريكا، وشرق آسيا، ويمر عبره بحسب بعض التقديرات حوالى 50 % من إجمالي واردات وصادرات الكيان الإسرائيلي، وتقدر حجم مناولة البضائع سنوياً بأكثر من 25 مليون طن.
إنّ حيفا ليست ميناءً استراتيجياً فحسب، بل هي بقعة جغرافية غنية بالعديد من الأهداف العسكرية الحساسة والمنشآت الصناعية الحيوية والمرافق الاقتصادية الضخمة، في مقدمتها ميناء حيفا الأكبر على مستوى الكيان، وقاعدة حيفا العسكرية، ومنشآت البتروكيماويات، وخزانات النفط، ومحطة حيفا الكهربائية، ومطار حيفا، ولأنها كذلك فإن التصعيد اليمني قد يتسع ليشمل كل هذه الأهداف الحساسة، فجولات الرصد التي قام بها حزب الله لم تُبْقِ منشأة حيوية في حيفا إلا وشملتها بالرصد الدقيق، وأتوقع أن هذا الحصاد الكبير بات في متناول القوات المسلحة اليمنية، الأمر الذي يضاعف من خطر التصعيد اليمني، ومن قدرته على توجيه ضربات قاصمة للعدو الإسرائيلي، ولا أظنه يُقْدم على كل هذه المجازفة مقابل الاستمرار في مغامرة فاشلة بقطاع غزة لن تحقق له ما عجز عن تحقيقه منذ بداية طوفان الأقصى.
يعترف بن يشاي المحلل في صحيفة يديعوت أحرونوت بمأزق الكيان قائلاً: “إن الضغط العسكري الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي في القطاع حالياً، فقد كثيراً من فاعليته، فالعائد النسبي من كل جهد عملياتي من طرفنا يتناقص باستمرار”، وفي تقديري، إنّ هذا المأزق، مضافاً إليه مأزق الجبهة اليمنية وخطورة التصعيد الأخير باتجاه حيفا الغنية بالأهداف العسكرية والاقتصادية الحسّاسة، يجيبان عن التساؤل المحوري عن سرّ امتناع الكيان عن الرد على التصعيد اليمني واستعراض العضلات كما حصل في المرات السابقة؟!
بموازاة هذين المأزقين، هناك مأزق ثالث يتمثل في تصاعد الانتقادات الحادة لقادة الكيان من داخل المنظومة الغربية الحليف الاستراتيجي الوحيد لجناح الصقور بقيادة مجرم الحرب نتنياهو الذي يفقد السيطرة شيئاً فشيئاً على هؤلاء الحلفاء الكبار، وهناك منْ يرى أنّ تأثيرات هذه المآزق الثلاثة مجتمعة هي ما سيجبر الكيان الصهيوني على رفع الراية البيضاء والنزول من على الشجرة عبر تسوية سياسية تنتشل الكيان الصهيوني الغارق في مستنقع غزة منذ أكتوبر2023 م، وهو الذي تمكّن في حرب 1967 م من احتلال قطاع غزة وصحراء سيناء والضفة الغربية ومرتفعات الجولان في غضون أسبوع واحد.
الرسائل والدلالات
لن أتوقف طويلاً عند المشككين الصهاينة بقدرة اليمن على استهداف ميناء حيفا، فالشواهد كثيرة والضربات الافتتاحية على حيفا والبحر الأبيض المتوسط بدأت منذ يونيو 2024 م، لتقدم تجربة كافية لقرار الحظر الجديد، كما أن المتتبع لجبهة الإسناد اليمنية، يجد أن اليمن يعتمد في تنفيذ قراراته على استراتيجية النفس الطويل، كما فعل في عملية حظر الملاحة في البحرين الأحمر والعربي التي بدأت بطيئة ثم تدرجت إلى أن وصلت إلى إغراق سفن بأكملها.
وأخيرا نذّكر بأن الترسانة اليمنية من الطائرات المسيرة والصواريخ المجنحة والفرط صوتية كفيلة بإنجاز المهمة، وهي التي تحدث عنها نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس خلال خطاب ألقاه في حفل تخرج الأكاديمية البحرية الأمريكية في 23 مايو 2025، واصفاً معركة البحر الأحمر بالصراع الكبير مع الحوثيين، مضيفاً “يجب على المشرّعين وكبار القادة العسكريين أن يتكيفوا مع عالم تلحق فيه الطائرات من دون طيار والصواريخ المجنحة أضراراً بالغةً بأصولنا العسكرية” والحقيقة أن هذه الأصول الأمريكية لم تتضرّر إلا في البحر الأحمر، فهل وصلت الرسالة، واستوعب قادة الكيان الدروس التي خرج بها الأمريكي من الحرب مع اليمن؟
الأهم – من وجهة نظري – هو الرسائل والدلالات التي يحملها هذا التصعيد اليمني الاستراتيجي، وسأقتصر هنا على ثلاث دلالات من العيار الثقيل:
1 – نجح اليمن في الحظر الكامل للملاحة الإسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي وإغلاق ميناء أم الرشراش “إيلات”، وصولاً إلى توسعة هذا الحظر ليشمل ميناء حيفا شمالاً، بعد تثبيت حظر جوي ناجح على مطار اللّد، وإجبار البحرية الأمريكية على الانسحاب من البحر الأحمر، والمثير للدهشة أنّ هذا الحصاد الكبير صنعه اليمن منفرداً، وعجزت عن بعضه الدول العربية مجتمعة وهي في ذروة الإجماع العربي خلال عقود الصراع مع الكيان الإسرائيلي، الأمر الذي يجعل اليمن منفرداً بمنزلة منظومة عربية فاعلة لا تحتاج معها القضية الفلسطينية إلى تلك المنظومة العربية العاجزة عن حماية سيادتها أمام العربدة الصهيونية، فكيف بالدفاع عن القضية الفلسطينية.
2 – إن مشروع تصفية القضية الفلسطينية بزعامة قوى الاستكبار العالمي مآله إلى الفشل المحتوم، ما دام في الأمة العربية من يجرؤ على المواجهة المباشرة مع القوتين الأوليَين على مستوى العالم وفي المنطقة “أمريكا والكيان الإسرائيلي”، فالذي صنع هذه التحولات، هو منْ يملك القدرة على إفشال هذه المشاريع، ومعالجة المعضلة الصهيونية المزمنة من الجذور.
3 – إن الصراع الحقيقي مع العدو الإسرائيلي هو ما رأيناه في طوفان الأقصى، هذه المعركة الوجودية التي تدفع وبقوة إلى إعادة كتابة تاريخ مرحلة الصراع العربي الإسرائيلي، بتنظيراتها السياسية وشعاراتها الرنّانة التي دغدغت مشاعر الأمة العربية عقوداً من الزمن، لكنها لم تصنع نصراً واحداً مشرفاً، بل سلسلة من النكبات والنكسات التي انتهت بتداعي الجبهات العربية الواحدة تلو الأخرى في مستنقع الاستسلام والتطبيع، باستثناء القلعة السورية التي ظلت صامدة إلى الأمس القريب، ولذلك تآمروا لإسقاطها وتسليمها لداعش صنيعة الاستخبارات الأمريكية.
يبدو أن عمليات الجرف بفعل انفجار البركان اليمني كما تنبّأ بها هيكل، لن تتوقف حتى ينتهي اليمن الكبير من جرف كل ما هو مصطنع وطارئ على الجغرافيا العربية، ولا يشبه حضاراتها الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، فالمستقبل حافل بالكثير من التحولات التي ستعيد رسم خريطة المنطقة لتبدو بملامحها العربية الأصيلة.