طُوفان الأقصى بداية لعالم تسوده الحرية
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
د. قاسم بن محمد الصالحي
في السابع من أكتوبر 2023م، عاد بنا الزمن إلى تحرير الأوطان من الاستعمار حيث تمنينا يومًا أن يندمج ظل البلدان العربية بخيال الأخرى إلى درجة الامِّحاء، وأن تكون أجساد الشعوب الملتهبة هي التي دمجت وبقيت مُدمجة إلى الأبد، فقد أتت الانتكاسات التي تعرضت لها الأمة في مرحلة النضوج، بفكر يُمكن التعبير عنه بأطروحة من مواجهة الأعداء في ساحة النضال بالدماء والأرواح، وصولًا إلى الانعتاق من المحتل سيد النظام الدولي وأسيره.
الآن نشهد معركة طوفان الأقصى التي تمثل حرية الأمة في غزة، في موعد مع تحرير الأرض، الذي تتذكره الأمة في عبور أشلاء أطفال ونساء وشيوخ فلسطين رافضة العيش مع المحتل، قبل أن يضيق المكان فيها بالحزن المتأبط للآلام مع وجود الصهاينة المغتصبين، وهكذا دواليك عناوين النضال العربي إذا أفردت ودمجت بتسلسل غير محدد للأحداث التي تعاني منها الأمة، يمكن أن نؤلف مجلدات من الكتب والمقالات.
لكن الكتابة في حدث زماننا ذات عناوين تحمل شيئًا مقدسًا، فلأكُن أنا، وأنا الكاتب لما يحدث في غزة، بنكهة إيمانية خاصة لأنه عقدي تأملي فكري، يصلح لأن يكون مدخلًا إلى كل فلسفة دينية اجتماعية ثقافية أدبية واندماجية مع الإيمان بحرية الإنسان لنيل حقوقه، فيه أولوية للفعل التحرري، أولوية إنسانية وأفضلية الدخول إلى مآسي فلسطين بواسطة الضمير الذي يسكن قلوب الأحرار.
مقال فيه دعاء وأمل رغم انفلاش ثقافة الفيسبوك، مقال يدعو إلى الخروج من قضبان المرارة إلى صوت ينادي بالشهادات الروحية مع رحلة الإنسانية لنتلاقى مع الألق الذي يزرع الغفران في أوطاننا، النصح بالغوص في حال أمتنا العربية نابع من ضمير مانح جنان المعاني بعد ضياعه وتكسر أدواته، كي لا تهرب النخوة العروبية من قفصها وفكرها من مراتعه، لتسمو ساحاتها المتيقظة فوق تلال نضالها لحين افتراشها بساط الحرية.
نحن في شتاء غزة الساخن بأرواح الشهداء، وقد فاجأ المخاض ذوي القربى والأعداء، وكانت القضية يومها مركونة في أدراج التجاذبات السياسية وكادت القوى الاستعمارية أن تطوي صفحتها وتلبسها ثوب النسيان، لكن ولادة كي الوعي تعسرت عند المحتل، وأبى المقاومون إلا أن يقفزوا بملف القضية إلى مقدمة الأحداث وأشرفوا على ولادة الحرية، ولشدة امتنانهم، قرروا أن يطلقوا على الحرية اسمًا مركبًا: طوفان الأقصى، وتعرفون تتمة القصة، عظم الطوفان وعظمت أهواله، وحاز للعرب الأهمية والمكان الذي يجب أن يكونوا فيه على الساحة الإقليمية والدولية.
عدت بذاكرة الأحداث إلى الوراء، بينها حدث ظننته مغنمًا ربحه العرب من العدو المغتصب لفلسطين، ثم قمت بترتيب غنيمتي فإذا بالحدث أقصى ما يمكن القول عنه إنه لم يحرر الأرض من المغتصب، وكان حالة ولادة متعسرة، وقصة نضال لا تنافسها سردية أخرى في زمانها، لكنها لا تقل عن تجارب النضال التي خاضتها شعوب الأمة لنيل استقلالها وحريتها.
كيف لا تتفتح أشرعة الخيال أمامي وقد شاء لي القدر أن أشهد معجزة ولادة حرية أوجاعها تنقلب زغاريد، وأقرأ آلاف المرات عن تاريخ أكثر من نصف قرن، إن من يطالع التاريخ يتأكد من أنه لو سقط من سلّة الحرية يتلقفه النضال، فمنذ عام 1948م، امتد النضال إلى زماننا هذا، فلم تترك الشعوب العربية حقها وحريتها، من يوم النكبة حتى معركة طوفان الأقصى المطالبة بالحرية لفلسطين، فإذا لم يجده راح يفك أبواب استرجاعها بالوسائل كافة، فقد كان الشعب العربي الفلسطيني، ولازال، سائرًا في طريق استرجاع حقه المسلوب.
رغم التضحيات والعثرات، نجحت المقاومة في مواصلة المسيرة التي يسطر رجالها البطولات تلو البطولات في كل أرض فلسطين، فأنتبه العالم الحر إلى حقوق الشعب المظلوم، وتبنى مظلوميته، ولما تكشفت الحقيقة، نادى بالحرية لغزة، وإعادة الحق للفلسطينيين، وبعالم جديد تسوده العدالة والحرية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
“المسيرة الإيمانية وبناء الأمة ونجاة الفرد في ضوء الالتزام الجماعي والهجرة الإيمانية” المقاصد والدلالات التي وردت في الدرس الرابع للسيد القائد
يمانيون / تحليل خاص
تناول السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في الدرس الرابع ضمن سلسلة دروس القصص القرآني، مفاهيم عميقة وأساسية حول المسيرة الإيمانية، مفهوم الهجرة وأبعادها، وأهمية بناء أمة إيمانية متماسكة. وفيما يلي قراءة في أبرز المقاصد والدلالات التي وردت في هذا الدرس كرؤى استراتيجية لبناء أمة إيمانية قوية تقوم على أسس من التعاون والتآخي في سبيل تحقيق أهداف إيمانية من خلال الحديث عن المسيرة الجماعية، الواقع الإيماني، والهجرة كالتزام إيماني، والحث على أهمية التوحد في المواقف الدينية وتبني الحلول الجماعية والفردية التي تضمن الالتزام بتعاليم الله في ظل البيئة المتغيرة.
المسيرة الإيمانية كمسيرة جماعية
التعاون على البر والتقوى: أول ما يلفت النظر هو التأكيد على أن المسيرة الإيمانية لا تقوم على أساس الأفراد بل هي مسيرة جماعية. وهذا التعاون في سبيل الله يتجسد في التآخي في الإيمان والعمل معاً من أجل أمر بالمعروف ونهي عن المنكر. إنها دعوة لبناء أمة متماسكة تعمل من أجل الله وتنشد العدالة والحق في كل مناحي الحياة.
النهضة بالمسؤوليات الجماعية: يتحمل الجميع المسؤولية، سواء كانت دينية أو اجتماعية. هنا، يتضح أن الواجبات الجماعية أكبر من تلك التي تتحملها الأفراد في العزلة.
الهجرة كحل إيماني
الهجرة بوصفها التزامًا إيمانيًا: الهجرة ليست مجرد انتقال مادي من مكان إلى آخر، بل هي قرار إيماني. عندما يواجه المؤمن بيئة لا توفر له الفرص للعيش باستقامة دينية أو يجد نفسه محاربًا ومضطهدًا، يصبح الحل هو الهجرة.
الهجرة كتحرُّك في سبيل الله: كما ورد عن نبي الله إبراهيم عليه السلام، فالهجرة ليست مجرد انتقال جسدي ولكنها تتعلق بالانتماء الإيماني والتفاني في خدمة دين الله. ولذلك، كانت الهجرة بالنسبة لنبي الله إبراهيم عليه السلام قرارًا إيمانيًا عميقًا بعد أن أكمل مهمته أمام قومه.
التوكل على الله: الهجرة تتطلب التوكل على الله سبحانه وتعالى، حيث أن الشخص الذي يهاجر يبحث عن بيئة أفضل له ليعيش فيها ويؤدي واجباته الإيمانية بشكل صحيح.
الهجرة وارتباطها بالعزة الإيمانية
العزة والتزام المؤمن: في الآية {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} يوضح السيد القائد يحفظه الله أن العزة هي جزء أساسي من الإيمان، ولهذا فإن البقاء في بيئة مغلقة ومجتمعات محاربة للدين يعتبر غير مقبول إيمانيًا. الهجرة تهدف إلى التحرر من الذل وتوفير بيئة قادرة على توفير الأمان للإيمان والعمل بما يرضي الله.
الواقع الإيماني وبناء الأمة
تكوين الأمة المؤمنة: الجهد الإيماني لا يقتصر على مستوى الفرد، بل يجب أن يكون التحرك الجماعي هدفًا أساسيًا، لتكوين أمة مؤمنة تسعى للتعاون على البر والتقوى.
التعاون في الإيمان: كما قال الله في القرآن الكريم {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، هذا التعاون من شأنه أن يخلق قوة جماعية قادرة على التغيير، وتقديم نماذج إيمانية تصلح مجتمعات بأكملها.
الاستمرارية والإنتصار من خلال الهجرة
الهجرة كخطوة في نشر الإسلام: كما في هجرة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة، كانت الهجرة من مفاتيح انتشار الإسلام وبداية لإنشاء الأمة الإسلامية. الهجرة تفتح آفاق جديدة لتحقيق الأهداف العليا للإيمان والدين، وتعتبر تحوّلاً مهماً في حياة الأمة.
البركة والسعة في الهجرة
البركة الإلهية : الآية {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِد فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} تبرز البركة التي ترافق المهاجر في حياته. فالهجرة، رغم ما يترتب عليها من مشاق، تؤدي في النهاية إلى بركة ورزق لم يكن يتوقعه المهاجر.
المستقبل المعيشي: يُؤكد السيد القائد حفظه الله أن الهم المعيشي لن يكون عائقًا أمام المؤمن إذا كان هدفه الهجرة في سبيل الله، فإن الله سيفتح له آفاقًا جديدة.
الصلاح كغاية نهائية
الصلاح كمفهوم جامع: الصلاح هنا يُعتبر الغاية النهائية في حياة المؤمن، حيث يُجمِع بين جميع الصفات الإيجابية المطلوبة من الفرد في سعيه لله، سواء كانت إيمانية أو أخلاقية. وبالتالي، فإن الإنسان الصالح يسعى لتحقيق الصلاح في نفسه وفي ذريته.
طلب الصلاح: ما يمكن استخلاصه من هذه الدروس هو أن الصلاح هو المنهج الذي يجب أن يسعى المؤمن لتحقيقه، سواء في نفسه أو في ذريته. عندما يكون الإنسان صالحًا في حياته، فإنه يسعى لتحقيق الاستقامة والعدل في محيطه.
خاتمة
الدرس يوجه الدعوة لبناء أمة متماسكة تُعنى بالدين والإيمان، تؤمن بالعمل الجماعي والتعاون على البر والتقوى. كما يُظهر أهمية الهجرة كحل إيماني عندما تكون الظروف غير ملائمة، مع التأكيد على أن العزة الإيمانية وتحقيق الصلاح هما من الركائز الأساسية التي يجب أن يسعى المؤمن لتحقيقها في حياته.