خطيب الجامع الأزهر: أمة الإسلام لن تفرط قيد أنملة في حقوقها وأرضها
تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT
ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر، الدكتور عبدالفتاح العواري، العميد الأسبق لكلية أصول الدين بالقاهرة وعضو مجمع البحوث الإسلامية، والتى دار موضوعها حول "ميزان التفاضل فى الإسلام".
وقال د. عبد الفتاح العواري: إن شريعة الإسلام وضعت ميزانًا دقيقًا ومعيارًا محددًا لا يختل فى التفاضل بين بني البشر، ونظرت بنصوصها القاطعة نظرة إنصاف وإجلال واحترام، نظرة تقدير لهذا الإنسان الذى كرمه ربه، فلا تلتفت الشريعة بموازينها المُحكمة إلى أى أمر يبعد الإنسان عما أراده الله أن يراه عليه، وإذا كانت البشرية قد ورثت إرثًا من العنصرية والعنجهية والكِبر والغرور والتعالي وغير ذلك، فإن الإسلام بشريعته أبطل كل ذلك وجعل التفاضل بين الناس بما قرره رب الناس قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾.
وبيّن خطيب الجامع الأزهر، أن هناك فرقًا كبير ًا بين أن يجعل الله البشرية شعوبًا وقبائل للتعارف، وأن يجعلها للتعالي والترفع والتعصب، فما قَصد رب الناس بذلك إلا التعارف الذى يحقق التعايش السلمى بين أفراد المجتمع. من هنا برز ميزان التفاضل قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾، فالإنسان ولَدُ آدم، وآدم خلق من تراب، فأي عنصرية يريد أن ينتسب إليها مادام ابن آدم؟! إذا كان يريد ذلك، فليعلم أنه سائر فى طريق بعيد كل البعد عن منهج الله ورسوله ﷺ وليبحث له عن أسوة أو قدوة ولن يجدها إلا فى إبليس الذى قال: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾. تعالي إبليس بعنصر النار على عنصر الطين فكان جزاؤه الطرد واللعنة والإبعاد عن رحمة الله.
وأشار د. العواري، إلى أنه ينبغي على الإنسان أن يختار لنفسه ما يحلو لها، إما أن يكون حبيبًا لله، أو يكون تابعًا للشيطان، وقد طبق النبى ﷺ ذلك تطبيقًا عمليًا ولم يترك الأمة حائرة لتتعالى وتتعصب لمناصبها وعرقها، وجنسها ولونها، قال ﷺ (لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ)، وجاء في صحيح البخاري "أن رجلين من المهاجرين والأنصار تشاجرا فَقَالَ الأَنْصَارِىُّ يَالَلأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِىُّ يَالَلْمُهَاجِرِينَ فَسَمِعَ ذَاكَ رَسُولُ اللَّه ﷺ فَقَالَ: مَابَالُ دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ. قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ يَرُدُّوكُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ كَٰفِرِينَ*وَكَيۡفَ تَكۡفُرُونَ وَأَنتُمۡ تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمۡ رَسُولُهُۥۗ وَمَن يَعۡتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدۡ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ*يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ*وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا﴾، فهذا هو الإسلام الذى لم يلتفت إلى عرق أو لون أو جنس، إنما التفت إلى مرجع واحد ينطوي تحته الكل وهو (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) فانصهرت في بوتقته سائر الأعراق والأجناس صهيب الرومي، بلال الحبشي، سلمان الفارسي وعلى القرشي، كلهم أخوة فى الله يظلهم قول الله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
ولفت د. العواري، إلى أن الأمة الإسلامية فى حاجة ماسة إلى أن تطبق هذا وأن تعرف أن التفاضل عند الله بالتقوى وليس يغير ذلك. قال ﷺ (يا مَعْشَرَ قريشٍ اشْتَرُوا أنفسَكم من اللهِ، لا أُغْنِي عنكم من اللهِ شيئًا، يا بني عبدِ مَنَافٍ اشْتَرُوا أنفسَكم من اللهِ، لا أُغْنِي عنكم من اللهِ شيئًا، يا عباسُ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ لا أُغْنِي عنكَ من اللهِ شيئًا، يا صفيةُ عَمَّةَ رسولِ اللهِ لا أُغْنِي عنكِ من اللهِ شيئًا، يا فاطمةُ بنتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي من مالي ما شِئْتِ لا أُغْنِي عنكِ من اللهِ شيئًا). وأن تنتبه لقول المولى عزّ وجلَّ: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾. فلتنتبه قبل فوات الأوان، فما أحوج الأمة الإسلامية إلى أن تطبق مبدأ التفاضل كما أراده الله بميزان التقوى فهذا هو الشرف والتفاضل.
وأوضح أنه حرى بأمة الإسلام أن تنتبه لما يحاك لها من قبل أعداء الإسلام من خلال التعصب باللون أو الجنس أو الطائفية، ليفرقوها ويمزقوا صفوفها، ويشتتوا شملها ووحدتها، وعندها تصبح لقمة سائغة سهلة القضم من قبل الأعداء. قال ﷺ (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل يا رسول الله: وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت). وأشار إلى أن إغفال المبدأ الإلهى الذى جعله الله ميزانًا للتفاضل حمل فئة من البشر على الحقد والكراهية، والضغينة والبغضاء، فاستحلت سفك الدماء وبررت اغتصاب الأرض، فقتلت النفس التى حرم الله قتلها إلا بالحق، هتكت الأعراض، دمرت البيوت، هدمت المساجد والكنائس، خربت المزارع والمصانع والبيوت على من فيها، قتلت الركع السجود، والشيوخ والنساء والأطفال، لأنها عنصرية آمنت بها فزعموا أنهم شعب الله المختار، وقالوا نحن أبناء الله، وقالوا لن تمسنا النار، وقالوا يد الله مغلولة، وقالوا إن الله فقير ونحن أغنياء، ورد الله عزّ وجلَّ عليهم فى كل ذلك. تلك العنصرية التى تأبى على أنفس هؤلاء أن يعيشوا فى سلام مع أمة فتحت ديارها لهم، لكنهم أرادوا أن يكونوا أسيادًا وغيرهم عبيدًا. فأمة الإسلام أمة كرمها الله وأحبها، ولن تفرط قيد أنملة فى حقوقها وأرضها، ونحن جميعًا فداء لها بأجسادنا وأرواحنا، ولن نسمح لأحفاد القردة والخنازير بتحقيق حلمهم نحو دولتهم المزعومة من النيل إلى الفرات.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: خطيب الجامع الأزهر أمة الإسلام فى حقوقها وأرضها لا أ غ ن ی من الله میزان ا إلى أن
إقرأ أيضاً:
حكم الأضحية عن الميت الذى اعتاد على التضحية.. الإفتاء تجيب
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: ما حكم الأضحية عن الميت؟ فقد توفي جدي السنة الماضية وكان قد تعوَّد على التضحية كلَّ سنة؛ فهل يجوز لنا أن نشتري من تركته عجلًا كما تعود ونضحي به عنه؟
وأجات دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة:
إن الأضحية عن الميت مشروعة، وتكون في مال القائم بها على سبيل الاستحباب والتبرع لا الوجوب.
وأضافت: لكن إذا أوصى الميت بالتضحية في حياته أو كان نذر وأوصى بالوفاء به بعد موته، فإنه يدخل حينئذٍ في ثلث الوصايا واجبة الأداء، ويلزم ورثته حينئذٍ الوفاء به في حدود هذا الثلث، وما زاد عليه لا ينفذ إلا في حقِّ من أجازه.
وتابعت: أما إذا لم يكن قد أوصى به، فإنه لا يلزمهم الوفاء به، لكن يستحب لهم أن يتبرعوا بذلك عنه؛ وفاءً للمورِّث.
حكم الانتفاع بلبن الأضحية وصوفها قبل ذبحها؟
تلقت دار الإفتاء المصرية، سؤالا مضمونه: “ما حكم الانتفاع بلبن الأضحية وصوفها قبل ذبحها؟ فقد اشتريتُ نعجةً لأضحِّيَ بها هذا العام إن شاء الله تعالى؛ فهل يجوز لي أن أحلبها لأنتفع بلبنها؟ وكذلك هل يجوز لي جز صوفها لأبيعه فأنتفع بثمنه؟”.
وأجابت دار الإفتاء، عبر موقعها الرسمي، عن السؤال قائلة إنه لا مانع شرعًا من الانتفاع بلبن الأضحية وصوفها، والأولى التصدق بهما أو بقيمتهما؛ خروجًا مِن خلاف مَن كَرِه ذلك.
حكم الأضحية
وأوضحت ان الأضحية اسمٌ لما يُذبح من النَّعَم تقرُّبًا إلى الله تعالى بشروط مخصوصة. ينظر: "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني، وهي سنَّةٌ مؤكدةٌ عند جمهور الفقهاء، يفوتُ المسلمَ خير كبيرٌ بتركها متى كان قادرًا عليها؛ لما روته أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ما عمل آدميٌّ من عملٍ يوم النحر أحبَّ إلى الله من إهراق الدم، إنَّه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وأنَّ الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبوا بها نفسًا، أخرجه الترمذي في جامعه.
حكم الانتفاع بلبن الأضحية وصوفها قبل ذبحها
لما كانت الأضحية تنطوي على معنى ضيافة الملك جلَّ جلاله لعباده، اعتُبِر فيها حال الكمال، وكان المكلَّف ممنوعًا من إدخال النقص فيها؛ ولذلك فقد اختلف الفقهاء في حكم جزِّ صوفها وحلب لبنها قبل الذبح:
فذهب الحنفية والمالكية إلى أنَّه يكره حلب لبن الأضحية وكذا جزُّ صوفها، فإن فعل تصدَّق به، فإن باعه تصدَّق بثمنه، وقيَّد بعض الحنفية الكراهة بالشاة المنذورة، أو المشتراة للأضحية من المعسر، أمَّا المشتراة من الموسر من غير نذرٍ فلا بأس بحلبها وجزِّ صوفها.
بينما ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنَّه يجوز حلب لبن الأضحية متى كان فائضًا عن حاجة ولدها، ولا يجوز جزُّ صوفها إن كان في بقائه مصلحة أو قرب وقت الذبح ولم يكن في بقائه ضرر فإن كان في بقائه ضررٌ جاز الجزُّ حينئذٍ ويتصدق به ندبًا.
وأكدت أنه بناءً على ذلك لا مانع شرعًا من الانتفاع بلبن الأضحية وصوفها، والأولى التصدق بهما أو بقيمتهما؛ خروجًا مِن خلاف مَن كَرِه ذلك.