أول أيام الوظيفة.. دروس وتحديات
تاريخ النشر: 8th, January 2024 GMT
تحقيق: عائشة خمبول الظهوري
الانخراط وسط بيئة عمل جديدة بعد الاعتياد على قاعات الدراسة تجربة مثيرة في حياة الموظفين الجدد ومليئة بالفرص مع خوض تحديات مستمرة مثل الانضمام إلى فريق جديد واكتشاف أجواء مختلفة، لاكتساب خبرة عملية تضيف إلى مهارات الحياة.
الموظف الجديد مطالب بتعلم مهارات التعامل مع الآخرين والاستفادة من خبراتهم والتكيف مع الوضع الجديد، بما فيه من تقسيم المسؤوليات والإلمام بثقافة المكان.
بين حفاوة الاستقبال، لاسيما في أول يوم تعيين، وأشكال التعامل مع الزملاء والرؤساء، هناك تجارب متعددة لبدايات الحياة الوظيفية نرصد بعضها في السطور التالية.
استقبال الموظف الجديد بعبارات ترحيبية يكسر الحاجز الجليدي بينه وبين المحيط الجديد في العمل، ويتيح له فرصة التعرف الى المكان وخلق جو مليء بالتفاهم والود في نظر علياء النعيمي.
وعن تجربتها في أول أيامها الوظيفية، تقول: «الاستقبال الجيد في الحياة الوظيفية يمنح الموظف شعور الانتماء وأهمية خاصة بالمكان». وأضافت «الجولات التعريفية للمكان تمنح الموظف الجديد فكرة عن بيئته الجديدة والقليل من الفضول للوصول إلى بعض المرافق المجهولة». وأشارت منى الحمودي إلى أساليب الاستقبال المتعددة قائلة: «كانت الأجواء الترحيبية في مقر عملي متواصلة لشهور عديدة، تلتها هدايا رمزية من أقلام ودفاتر لتكون دافعاً لتدوين العمل المثابر والجاد»، ومما ساعدها على الاندماج في المقر الجديد انضمامها إلى اجتماع التعارف المعد من قبل المسؤولين في المؤسسة وكان من أهدافعه استفتاء الآراء وتبادل الأفكار التطويرية للمشاريع. وتقول:«المشاركة بالأمر منحتني الثقة بالنفس وأهمية الرأي العام في المكان». ذكرت فاطمة النقبي تجربتها الجديدة قائلة: «كنت أعتقد أن أول يوم وظيفي جاد وتبدأ فيه التكليفات المستمرة دون النظر إلى تصنيف الموظفين بين قدامى وجدد، لكن الأمر اختلف عما كنت أعتقد؛ فهو يوم الاستقبال والتعرف الى المؤسسة وأقسامها دون تكليفي بعمل شاق».
ورغم ذلك، فإن التحديات الوظيفية تبدأ منذ دخول بيئة العمل كما قالت فاطمة النقبي، وأضافت «العمل الذي وكل لي كان عبارة عن استطلاع رأي في وحدة العمل الخاصة بي لا تتعدى العشرة أسئلة، بالرغم من سهولة التكليف إلا أنه كان بمثابة تحدٍ أولي لإثبات شخصيتي في المكان».
مهام
بعد الترحيب والاستقبال لا بد من توزيع المهام على الموظف الجديد ليكون على دراية بمسؤولياته وواجباته مما يخلق، وفق محمد الظنحاني، علاقة سوية بين الشركة وموظفيها.
وأشار محمد الظنحاني إلى ضرورة تقسيم المهام منذ أول يوم تعيين، قائلاً: « هيأت لي البيئة الجديدة قدرة على تحمل المسؤولية والاستعداد التام لتلقي المهام الموكلة لي مع وجود زملاء مستعدين للمساعدة عند أول طلب». وأضاف «كلفت بأمر صغير في أول يوم عمل، وبالرغم من بساطته إلا أن إنجازه كان ممتعاً ويمنح شعور المسؤولية فور إعداده». للمسؤولية الوظيفية عدة جوانب يجب الالتزام بها، كما قالت هند عبدالله، مشيرة إلى أن «تدوين المتطلبات بالترتيب التسلسلي من الأهم إلى المهم يصنع حيزاً في العقل لاستقبال التكليفات الجديدة، ومن المهم أخذ التعيين بشكل جاد منذ أول يوم للشعور بالمسؤولية».
وأضافت: «اكتشفت أن العمل الجيد لا يرتبط بالسرعة الزمنية، إنما بإتقانه على أكمل وجه»، مؤكدة أن التركيز يكون على المخرجات وجودتها. ورأت أن «زحمة الأعمال والتنافسية في أخذ المسؤوليات منذ أول يوم عمل لا يفيدان، إذ كلفت منذ أول يوم عمل بوضع خطة مشروع مفتوح ولايقتضي العمل به في المؤسسة وكان قصيراً وبالتالي أنجزته في المنزل لإخراجه في أجود صورة، وهنا تعلمت أن الاقتصاد بالجهد مبدأ العمل الجاد».
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات الوظائف الموظف الجدید منذ أول یوم
إقرأ أيضاً:
من بغداد إلى القاهرة.. دروس الروح الأدبية في منافسات الشعراء
كان بين شاعري العراق الكبيرين جميل صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي خلاف كبير وخصومة شديدة، ويردّ بعض الرواة هذا الخلاف إلى اعتداد الزهاوي بشعره وتعاليه على شعراء العراق الآخرين، وليس أدلّ على ذلك من قول الزهاوي في حضور الرصافي:
وللشعر في بغداد روحٌ جديدةٌ
وللشعر أعباءٌ أقومُ بها وحدي
وفي منتصف العشرينيات من القرن الماضي، يحدث أن يأتي لزيارة بغداد، وللإقامة فيها فترة من الوقت، المجاهد العربي التونسي عبد العزيز الثعالبي، وما إن يحطّ في الفندق الملكي حتى يتوافد للترحيب به معظم أدباء العراق.
أخذ أدباء العراق يعدّون العدّة لإقامة حفل تكريم للشيخ الثعالبي، وكان لا بد من مشاركة شعراء العراق الكبار في ذلك الحفل.
ويروي الأستاذ عبد الرزاق الهلالي قصة طريفة مرتبطة بحفل التكريم، وبطلاها الشاعران الكبيران الرصافي والزهاوي.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الأكاديمي العراقي عبد الصاحب مهدي: ترجمة الشعر إبداع يهزم الآلةlist 2 of 2قصص "جبل الجليد" تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخساراتend of listومختصر القصة أن اللجنة التي قامت على وضع برنامج الحفل ذهبت إلى الرصافي وطلبت منه أن يُسهم في تكريم الزائر المجاهد بقصيدة من عنده، فوافق، ولكنه سأل أعضاء اللجنة: هل فاتحتم الزهاوي بهذا الموضوع؟ فقالوا: لا، ولكننا سوف نفاتحه.
وهنا يقول الرصافي بروحٍ أدبية عالية:
سيسألكم الزهاوي إن كنتم فاتحتموني في الأمر أم لا، وإذا عرف أنكم قد فاتحتموني بالموضوع، فإنه سوف يردّ طلبكم ويعتذر عن المشاركة في تكريم الثعالبي… ولهذا أقول لكم: قولوا إنكم لم تفاتحوني… بل اكتفوا به وحده… وعند ذلك سيفرح وسيلبّي طلبكم.
وهنا يقول أحد الأعضاء القائمين على الحفل مستغربا: ولكن ماذا سنكتب في برنامج الحفل؟ هل نشطب اسمك يا أستاذ؟
فيُجيب الرصافي بروحٍ أدبية عالية، وبتواضع جمّ يحتوي على إنكار الذات من أجل المصلحة العامة: ليكن برنامج الحفل خاليا من اسمي.
وبعد أن يُلقي الزهاوي قصيدته، يُعلن عريف الحفل عن مشاركتي بهذه المناسبة.
إعلانويؤكّد الأستاذ عبد الرزاق الهلالي حدوث ذلك يوم الاحتفال، حيث ظل اسم الرصافي غير وارد في البرنامج، وما إن ألقى الزهاوي قصيدته قائلا:
وقفتُ وحيدًا بالعزيز أرحِّبُ
فأنشدُ للتكريم شعرًا فأطرِبُ
حتى وقف عريف الحفل قائلًا بلهجة كان قد اتُّفِق عليها:
والآن يتقدّم الشاعر معروف الرصافي الذي أبى إلا أن يشارك في تكريم الثعالبي، فيُلقي قصيدة بهذه المناسبة.
وهنا وقف معروف الرصافي منشدا:
أتونسُ إنّ في بغداد قومًا
ترفُّ قلوبهم لك بالودادِ
وما إن بدأ الرصافي بإلقاء قصيدته حتى نهض الزهاوي عن كرسيه منزعجا، وخرج غاضبا غضبا شديدا!
نبل الأدب الشعريوقفتُ طويلا عند هذه القصة الطريفة التي تدل بوضوح على تسامح الرصافي وإيثاره وتواضعه، فيوافق على شطب اسمه من برنامج الحفل، بل على عدم كتابة اسمه أصلا، وذلك لغايتين نبيلتين في نفسه: أولاهما إنجاح حفل التكريم للمجاهد الكبير الذي يحلّ ضيفا على بغداد، وثانيتهما حرصه على مشاركة زميله الزهاوي رغم ما بينهما من جفوة وخصومة، حتى لو أدى هذا الحرص إلى عدم ذكر اسم الرصافي في منهج الاحتفال.
استوقفني هذا الموقف الرائع من الرصافي لأقول في نفسي:
ليت أدباءنا وشعراءنا على طول العالم العربي وعرضه يأخذون درسا من معروف الرصافي، فيتخلّون عن حساسيتهم المفرطة، وتدابرهم العجيب، ومنازعاتهم الشللية، والأيديولوجية الضيقة الأفق.
ليتهم يأخذون درسًا ليجربوا التحلّي بالإيمان، بالتواضع وإنكار الذات في سبيل إثراء الحركة الأدبية والإعلاء من شأنها، فيتنافسون بروح أدبية عالية على رفدها بشتى الأصوات والتجارب والإبداعات، وبخاصة على صعيد الشعر، إذ لا داعي إلى التزاحم على إمارة شعر وهمية، لا وجود لها الآن إلا في خيال شاعر مُصاب بالاستعلاء النرجسي، بعد أن انقطعت بين طموحه وغروره تلك الشعرة الدقيقة المُسمّاة بشعرة معاوية!
ما أحوجنا إلى أن نأخذ الدرس من موقف شاعرنا الرصافي، تاركين الزهاوي يخرج من صدور بعض الشعراء المعاصرين منزعجا وغاضبا.
أما الذين يُصرّون -وهم مُغرمون بالنجومية- على الاعتداد المتزايد، والادعاء الذاتي بحمل أعباء الشعر العربي، متمثّلين بقول الزهاوي:
وللشعر أعباءٌ أقومُ بها وحدي
فهؤلاء نقول لهم: لا تُبالغوا في تلميع أسمائكم تلميعا دعائيا.. فالذهب لا يُلغي دور المعادن الأخرى وأهميتها، ثم لا تنسوا المثل القائل: "ليس كل ما يلمع ذهبا".
نخلص من هذه الواقعة الثقافية إلى ضرورة تواضع الشعراء، وضرورة احترام الشاعر لمكان زميله ومكانته، فلا أحد منهما يُلغي تجربة الآخر، فلكلّ شاعر تجربته وشهرته وجمهوره.
قد تتولّد الغيرة لدى شاعر من شاعر آخر لما يلقى من حفاوة واهتمام، ولكن هذه الغيرة لا تصل إلى المعاداة أو مقاطعة الواحد منهما للآخر.
وهذا يُذكّرنا بموقف شاعر النيل حافظ إبراهيم من مبايعة الشعراء لزميله أحمد شوقي على إمارة الشعر العربي، لينال لقب "أمير الشعراء"، حيث في البداية تخلّف حافظ إبراهيم عن الحضور، معتقدًا أنه أحقّ باللقب من شوقي، فهو شاعر الشعب، وشوقي -في نظره- شاعر القصر.
إعلانولكن حافظ إبراهيم، حين شعر بإجماع الشعراء المجتمعين في القاهرة على مبايعة شوقي، راجع نفسه، وتذكّر المودة التي تجمعه بزميله أحمد شوقي، فسارع إلى الذهاب ليشارك في المبايعة، ويلقي قصيدة صادقة ورائعة، يُعلن قبلها عن المبايعة، قال فيها مخاطبا شوقي:
أميرَ القوافي قد أتيتُ مبايعًا
وهي وفودُ الشوقِ قد بايعتْ معي
رغم التنافس الخفي أو الظاهر بين الشاعرين شوقي وحافظ على صعيد الوصول إلى القصيدة الأقوى والأجمل، لم يكن هذا التنافس يؤدي إلى استعلاء أحدهما على الآخر كما حدث بين الرصافي والزهاوي، بل إن الود بينهما كان يقود إلى الممازحات الشعرية التي تأتي ثقيلة في بعض الأحيان، من دون أن تؤدي إلى خصومة، كما كان يحدث بين جرير والفرزدق في معارضاتهما الهجائية في العصر الأموي.
فهذا حافظ إبراهيم يهجو أحمد شوقي ممازحا:
يقولونَ إن الشوقَ نارٌ ولوعةٌ
فما بالُ شوقي أصبحَ اليومَ باردًا
فيردّ عليه أحمد شوقي هاجيا ومداعبا:
وحمَّلتُ إنسانًا وكلبًا أمانةً
فضيَّعها الإنسانُ والكلبُ حافظُ
ومع هذا، فإن أحمد شوقي لا يتردّد في رثاء زميله حافظ إبراهيم عند رحيله، بقصيدة مطلعها:
قد كنتُ أُؤثِرُ أن تقولَ رثائي
يا مُنصفَ الموتى من الأحياءِ