حزب المؤتمر: استراتيجية النهوض بالاقتصاد تؤكد وضع أكثر من سيناريو للتعامل مع التحديات العالمية
اقتصادية النواب: وثيقة التوجهات الاقتصادية يعزز ثقة المستثمرين في الاقتصاد الوطني


برلماني يثمن استهداف وثيقة التوجهات الاقتصادية رفع مقدرات الإنتاج المحلي

 

أعد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء،  مشروعا بحثيا تحت عنوان "وثيقة أبرز التوجهاتِ الاستراتيجيةِ للاقتصادِ المصري للفترةِ الرئاسيةِ الجديدة (2024-2030)"، والتي ترسمُ وتحدد أولويات التحرك على صعيد السياسات بالنسبة للاقتصادِ المصريِّ حتى عام 2030 سواءً فيما يتعلقُ بتوجهاتِ الاقتصاد الكلي، أو التوجهات على مستوى القطاعات الاقتصادية والاجتماعية الداعمة لنهضة الدولة المصرية.

وأكد خبراء على أهمية هذه الوثيقة ودورها في رسم خريطة الاقتصاد المصري خلال السنوات الست القادمة، موضحين أنها ارتكزن على عدد من المحاور أهمها رفع مقدرات الانتاج المحلي وتعزيز مشاركة الشباب الركيزة الأساسية للتقدم على عدد من الأصعدة.

وقال النائب عمرو القطامي امين سر اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب أن طرح الحكومة وثيقة التوجهات الاستراتيجية المقترحة للاقتصاد المصري خلال المرحلة المقبلة (2024-2030)، من شأنه تعزز ثقة المستثمرين في الاقتصاد الوطني خلال الفترة الرئاسية الجديدة للرئيس عبدالفتاح السيسي.

وتابع القطامي في تصريحاته لـ صدى البلد أن الوثيقة تتضمن 8 توجهات استراتيجية مقترحة وتستند إلى توافق آراء الخبراء في عدد من المجالات الرئيسة وإلى المستهدفات الوطنية الطموحة لأفق عام 2030، موضحا انها تتطابق مع رؤية مصر في الأمم المتحدة 2030.

ونوه إلى أن الوثيقة أكدت على أهمية تحقيق نمو اقتصادي قوي وشامل  يتراوح ما بين 6% إلى 8%، وسط تركيز أكبر على نوعية النمو الاقتصادي، مع تبني سياسات اقتصادية قابلة للتوقع وداعمة لاستقرار الاقتصاد الكلي.

ونوه إلى أن تعزيز مشاركة الشباب الركيزة الأساسية للتقدم على عدد من الأصعدة، ضمن محاور وثيقة التوجهات الاقتصادية، باعتبارهم العنصر الأساسي الذي يقوم عليه الافتصاد مؤكدا ان الشباب ركيزة أساسية في خطة الدولة واستراتيجيتها لبناء الإنسان المصري، ومصر تولي  أهمية قصوى بدورهم في مختلف المجالات التنموية الاقتصادية.

وقال النائب أحمد البلشي عضو مجلس الشيوح أن وثيق التوجهات التوجهات الاستراتيجية تحدثت عن خريطة الاقتصاد المصري خلال 6 سنوات.
 وتابع البلشي في تصريحاته إلى صدى البلد أن الوثيقة تضمنت 8 توجهات استراتيجية مقترحة وتستند إلى توافق آراء الخبراء في عدد من المجالات الرئيسة وإلى المستهدفات الوطنية الطموحة لأفق عام 2030.

وأكمل أن أن الوثيقة تستهدف ترسيخ دعائم نهضة اقتصادية قائمة على رفع مقدراتِ الإنتاح المحلي، موضحا أن لتركيز على زيادة الإنتاج المحلي بالوثيقة سيكون له دور في تحقيق نهضة مستدامة وشاملة.

ولفت عضو مجلس الشيوخ طرح الوثيقة للحوارات الوطنية خلال الشهرين المقبلين من قبل الخبراء في العديد من المجالات، وكذلك للمشاركة المجتمعية، يضمن الجدية في الاستفادة من هذه الوثيقة  للنهوض بالاقتصاد المصرى.

وقال الدكتور السعيد غنيم، النائب الأول لرئيس حزب المؤتمر، إن ملف الاقتصاد أولوية خلال الفترة المقبلة، و أن "وثيقة أبرز التوجهاتِ الاستراتيجيةِ للاقتصادِ المصري للفترةِ الرئاسيةِ الجديدة (2024-2030)" التي أعلنتها الحكومة تؤكد حرص الدولة على النهوض بملف الاقتصاد ودعم وتشجيع الاستثمار الأجنبى والمحلى بشكل مباشر لدعم الخزانة العامة للدولة وجلب العملة الصعبة.

وأوضح النائب الأول لرئيس حزب المؤتمر، أن الاستراتيجية تستهدف تحقيقِ التنميةِ المتوازنةِ، وترسيخ الدورِ الفاعلِ للاقتصادِ على الصعيد الدولى، وتركز على دعم رأسِ المالِ البشريِّ، والمزيدِ من مشاركةِ المرأةِ والشبابِ والمصريين بالخارجِ في ترسيخ دعائمِ النهضةِ الاقتصاديةِ للفترةِ الرئاسيةِ المُقبلةِ، متابع:" فى حقيقة الأمر هذه الأهداف تعمل الدولة عليها منذ السنوات الأخيرة وهناك تقدم ملحوظ فى العديد من القطاعات".

وأشار غنيم، إلى أن الاستراتيجية تعمل على مواصلة الدولة المصرية لكافة المكتسبات المحققة على صعيد القطاعات الاجتماعية وعلى رأسها قطاعات التعليم والصحة وتحسين مستويات معيشة المواطنين لضمان حياة ترقى لطموحات المصريين، إضافة إلى دور مصر الرائد في الاقتصاد العالمي عبر تفعيل وتعظيم الدور الاقتصادي لقناة السويس، وتعزيز دور مصر في تجارة الترانزيت، ومواصلة إبرام شراكات استراتيجية دولية فاعلة.

وأكد الدكتور السعيد غنيم، أن مؤسسات الدولة تعمل فى النهوض بالاقتصاد المصرى، وهناك أكثر من سيناريو للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، وهذا توجه لم يكن موجود فى العصور السابقة، خاصة وان جميع التوقعات تشير إلى ان العالم يشهد تحدى حقيقى فى ملف الاقتصاد ومن ثم الدول جميعها تضع أكثر من سيناريو للتعامل مع الأمر والدولة المصرية اتخذت خطوات جادة بشأن وضع أكثر من سيناريو للتعامل مع التحديات الاقتصادية العالمية.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار مجلس الوزراء الاقتصاد الكلي المستثمرين الأمم المتحدة وثیقة التوجهات عدد من

إقرأ أيضاً:

مصر ضمن الـ10 الكبار اقتصاديا: رؤية إسلامية لنهضة اقتصادية شاملة (8)

8- الإطار التشريعي المحفز للنمو الاقتصادي

منذ فجر التاريخ الإسلامي كانت الأُطر التشريعية العادلة هي الأساس الذي قامت عليه أعظم النهضات الاقتصادية في الحضارة الإسلامية؛ من دستور المدينة الذي وضع أسس العدالة التجارية، إلى النظم المتطورة للأسواق في بغداد والقاهرة وقرطبة، التي جعلت العالم الإسلامي قلب التجارة العالمية لقرون طويلة.

واليوم تقف مصر أمام فرصة تاريخية لاستعادة هذا الدور الريادي، لكن بأدوات العصر ومتطلبات الاقتصاد الرقمي. فبينما تسعى الأمة للنهوض من جديد، تبرز الحاجة الملحة لإطار تشريعي يحرر الطاقات الكامنة في المجتمع، ويوجه الاستثمارات نحو التنمية الحقيقية، ويضع الأسس لاقتصاد إسلامي معاصر قادر على المنافسة عالميا.

إن التحدي ليس في مجرد تقليد النماذج الغربية أو الآسيوية، بل في استلهام الحكمة من تراثنا العريق وصياغة نموذج تشريعي أصيل يجعل من مبادئ الشريعة الإسلامية -العدل والشفافية والمسؤولية- أدوات تنافسية حقيقية في عالم اليوم.

فكيف يمكن لمصر أن تحوّل منظومتها التشريعية من مجرد قوانين تحكم المعاملات، إلى محرك نهضوي يستلهم من عظمة الحضارة الإسلامية ويتطلع نحو مستقبل اقتصادي مشرق؟ وكيف تصبح القوانين المصرية نموذجا يُحتذى به في العالم الإسلامي، ومغناطيسا يجذب الاستثمارات العالمية الساعية للعدالة والاستدامة؟

لكن الطموح وحده لا يكفي، والأحلام بحاجة إلى خارطة طريق واضحة. إن تحويل هذه الرؤية النهضوية إلى واقع ملموس يتطلب أولا فهما عميقا للوضع الحالي، ثم وضع استراتيجية مُحكمة للإصلاح التشريعي.

فأين تقف مصر اليوم في مشهد التنافسية التشريعية العالمية؟ وما هي المعوقات القانونية التي تحول دون انطلاق الاقتصاد المصري نحو آفاقه الحقيقية؟ وكيف يمكن الاستفادة من التجارب الناجحة في العالم مع الحفاظ على الهوية الإسلامية الأصيلة؟

هذه الأسئلة الجوهرية تقودنا إلى ضرورة البدء برحلة استكشافية شاملة عبر واقع المنظومة التشريعية المصرية، لنضع أيدينا على مكامن القوة التي يجب تعزيزها، ونقاط الضعف التي تحتاج لعلاج جذري، ومن ثم نبني عليها خطة إصلاح تشريعي طموحة تليق بعظمة المشروع النهضوي الذي تتطلع إليه مصر.

تشخيص الوضع الحالي

تمتلك مصر مجموعة من نقاط القوة التشريعية التي تشكل أساسا صلبا للبناء عليه، أبرزها وجود قانون موحد للاستثمار يوفر ضمانات للمستثمرين، وقوانين حماية الملكية الفكرية المتوافقة مع المعايير الدولية. كما تتميز بوجود محاكم اقتصادية متخصصة ونظام تحكيم تجاري متطور، إلى جانب شبكة واسعة من الاتفاقيات التجارية الدولية التي تفتح الأسواق أمام المنتجات المصرية.

لكن هذه المقومات تصطدم بتحديات حقيقية تعيق الاستفادة منها بالكامل. فالمنظومة التشريعية تعاني من تضارب في بعض القوانين وتداخل الاختصاصات بين الجهات المختلفة، مما يخلق التباسا لدى المستثمرين. كما أن بطء إجراءات التقاضي وطول فترات البت في القضايا التجارية يشكل عائقا حقيقيا أمام بيئة الأعمال، بينما تفتقر بعض القوانين للمرونة اللازمة لمواكبة التطورات السريعة في الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا المالية.

والأخطر من ذلك هي الفجوة التشريعية الواضحة في مجال التمويل الإسلامي، حيث تفتقر مصر لإطار قانوني شامل ينظم هذا القطاع الواعد. فرغم وجود بعض البنوك الإسلامية، إلا أن البنك المركزي المصري لا يضم إدارة متخصصة للرقابة على البنوك الإسلامية، ولا توجد قوانين واضحة تنظم إصدار الصكوك الإسلامية غير السيادية أو تحدد ضوابط منتجات التمويل الإسلامي المختلفة. هذا النقص يحرم مصر من الاستفادة من سوق التمويل الإسلامي العالمي الذي تبلغ قيمته تريليونات الدولارات.

ويواجه المستثمرون تحديات بيروقراطية ملموسة؛ تبدأ من تعدد الجهات المطلوب الحصول على موافقاتها لبدء أي مشروع، وتعقد إجراءات تسجيل الشركات التي تتطلب وقتا أطول من المعدلات العالمية. كما تشكل صعوبة الحصول على التراخيص البيئية والصناعية، وتعقد إجراءات استخراج تصاريح البناء، عقبات إضافية. أما على صعيد التمويل، فتبقى صعوبة الحصول على الائتمان وضعف آليات حماية حقوق الدائنين من أبرز التحديات، خاصة للمستثمرين الساعين لحلول تمويلية متوافقة مع الشريعة.

وتعكس المؤشرات الدولية هذا الواقع بوضوح، حيث تحتل مصر مراكز متأخرة في العديد من مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال مقارنة بدول المنطقة والعالم. فبينما تتقدم دول مثل الإمارات التي تحتل المرتبة السادسة عشرة عالميا، تجد مصر نفسها في مراكز تتطلب جهودا مضاعفة للتحسن. هذا الوضع ينعكس سلبا على قدرة مصر على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تفضل البيئات التشريعية الأكثر مرونة وشفافية.

لكن ما يجعل هذا التحدي فرصة ذهبية هو إمكانية تحويل الفجوة التشريعية الإسلامية إلى ميزة تنافسية حقيقية. فبدلا من مجرد اللحاق بالدول الأخرى، يمكن لمصر أن تقود العالم في تطوير نموذج تشريعي إسلامي متطور يجذب الاستثمارات العالمية الساعية للعدالة والاستدامة، فالإصلاح التشريعي المطلوب ليس مجرد ترقيعات، بل عمل متقن يستلهم من مبادئ الإحسان والعدل الإسلامي لبناء منظومة قانونية رائدة عالميا. فالشريعة الإسلامية جاءت لتيسّر على الناس وتحقق العدالة، وهذا بالضبط ما تحتاجه المنظومة التشريعية المصرية لتصبح منارة للعالم الإسلامي.

المجالات ذات الأولوية للإصلاح

في مواجهة هذا الواقع التشريعي المعقد، تبرز خمسة مجالات حيوية تتطلب إصلاحا جذريا وعاجلا لتحقيق النقلة المطلوبة. يأتي في المقدمة تطوير قانون الاستثمار ليصبح أكثر جاذبية وفعالية، من خلال تبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتقليل عدد التراخيص المطلوبة وتوفير ضمانات حقيقية للمستثمرين ضد المخاطر غير التجارية. فالمطلوب ليس مجرد قانون يحمي الاستثمار، بل إطار تشريعي متكامل يشجع على الاستثمار ويسهل ممارسة الأعمال بروح المبدأ الإسلامي "يسّروا ولا تعسّروا".

ويرتبط بذلك تطوير تشريعات الشركات والأعمال التجارية لتواكب متطلبات العصر، خاصة في مجال الشركات الناشئة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل العمود الفقري لأي اقتصاد حديث. فالحاجة ملحّة لقوانين مرنة تسمح بأشكال جديدة من الشركات وتبسط إجراءات التأسيس والتشغيل، مع ضمان الحماية للشركاء والدائنين. هذا التطوير يجب أن يراعي خصوصية البيئة المصرية ويستفيد من مبادئ الشراكة الإسلامية العادلة.

لكن الأولوية الأكبر تكمن في وضع إطار تشريعي شامل للتمويل الإسلامي والصكوك، وهو المجال الذي يمكن أن يحول مصر إلى مركز إقليمي وعالمي للتمويل الإسلامي. هذا يتطلب إنشاء إدارة متخصصة في البنك المركزي للرقابة على البنوك الإسلامية، ووضع قوانين واضحة لتنظيم إصدار الصكوك بأنواعها المختلفة، وتطوير منتجات تمويلية مبتكرة تتوافق مع أحكام الشريعة. هذا الإطار لن يجذب فقط الاستثمارات الإسلامية، بل سيضع مصر في موقع فريد لخدمة أكثر من مليار ونصف المليار مسلم حول العالم يبحثون عن حلول تمويلية متوافقة مع عقيدتهم.

وفي عصر التحول الرقمي، تصبح تشريعات التجارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمي ضرورة حتمية لا يمكن تأجيلها. فالحاجة ماسة لقوانين تنظم التوقيع الإلكتروني والعقود الرقمية وحماية البيانات الشخصية وأمن المعاملات الإلكترونية، إضافة إلى تنظيم منصات التجارة الإلكترونية والدفع الرقمي. هذه التشريعات يجب أن تواكب التطورات العالمية السريعة في مجال التكنولوجيا المالية، مع ضمان التوافق مع الضوابط الشرعية للمعاملات الرقمية.

وأخيرا تحتاج قوانين حماية الملكية الفكرية والابتكار إلى تطوير جذري لتصبح محفزا حقيقيا للإبداع والابتكار. فالمطلوب ليس فقط حماية حقوق المبدعين والمخترعين، بل خلق بيئة تشريعية تشجع على البحث والتطوير وتسهل تحويل الأفكار إلى منتجات وخدمات. هذا يشمل تبسيط إجراءات تسجيل براءات الاختراع وحماية العلامات التجارية، وتطوير آليات فعالة لمكافحة القرصنة والتقليد.

إن النجاح في إصلاح هذه المجالات الخمسة لن يحول فقط المشهد الاقتصادي المصري، بل سيضع الأسس لنموذج تنموي إسلامي رائد يجمع بين الأصالة والمعاصرة.

الرؤية الإسلامية للتشريع الاقتصادي

لا يمكن الحديث عن إصلاح تشريعي حقيقي في مصر دون الإشارة إلى الثروة الكامنة في التراث الإسلامي العريق، الذي لا يمثل مجرد نصوص تاريخية، بل هو منهج متكامل للحياة الاقتصادية العادلة. فمقاصد الشريعة الإسلامية في التنمية الاقتصادية تقوم على أسس راسخة تهدف لحفظ المال وتنميته وضمان عدالة توزيعه، من خلال تحقيق التوازن بين مصالح الفرد والمجتمع. هذه المقاصد لا تتعارض مع متطلبات الاقتصاد الحديث، بل تقدم إطارا أخلاقيا وعمليا يمكن أن يصبح ميزة تنافسية حقيقية في عالم يبحث عن البدائل للنظم الاقتصادية التقليدية.

وتتجلى عبقرية الشريعة الإسلامية في وضعها لضوابط مرنة للمعاملات المالية المعاصرة، تحقق العدالة دون تعطيل التطور. فمبدأ تحريم الربا لا يعني رفض التمويل، بل يدفع نحو ابتكار أدوات تمويلية أكثر عدالة تقوم على المشاركة في المخاطر والأرباح، وتحريم الغرر لا يلغي إدارة المخاطر، بل يؤسس لشفافية أكبر في المعاملات. أما تحريم الميسر فيحمي الاقتصاد من المضاربات المدمرة التي تهدد استقراره. هذه الضوابط تقدم للمشرع المصري دليلا عمليا لصياغة قوانين تحقق الاستقرار والعدالة معا.

والأهم من ذلك أن الشريعة الإسلامية تضع مبادئ العدالة والشفافية في قلب أي منظومة تشريعية، ليس كشعارات نظرية بل كآليات عملية قابلة للتطبيق. فمبدأ "لا ضرر ولا ضرار" يمكن أن يصبح أساسا لقوانين حماية المستهلك والبيئة، ومبدأ "الخراج بالضمان" يؤسس لعدالة توزيع المخاطر والعوائد في الاستثمار. أما مبدأ "الوفاء بالعقود" فيضمن احترام الالتزامات التعاقدية مع ضمان عدم الإضرار بأي من الطرفين. هذه المبادئ لا تحتاج لتأويلات معقدة، بل لترجمة عملية في نصوص قانونية واضحة.

وتقدم التجربة العملية نماذج ملهمة للتوافق بين الشريعة والقانون الوضعي، من خلال تطوير أدوات مالية مبتكرة مثل الصكوك الإسلامية التي تمول مشاريع البنية التحتية بطريقة متوافقة مع الشريعة، أو عقود المشاركة المتناقصة في تمويل الإسكان، أو صيغ التمويل التجاري القائمة على المرابحة والسلم والاستصناع. هذه النماذج أثبتت فعاليتها في دول مثل ماليزيا وإندونيسيا، حيث تعايشت بنجاح مع الأنظمة المصرفية التقليدية وحققت نموا مستداما.

لكن الأمر لا يتوقف عند النقل الحرفي لهذه التجارب، بل يتطلب تطويرا إبداعيا يناسب البيئة المصرية ويستفيد من مكانة مصر التاريخية في الفقه الإسلامي. فالأزهر الشريف وعلماؤه قادرون على تقديم فتاوى معاصرة تحل الإشكاليات الفقهية للمعاملات الحديثة، بينما الخبرة المصرية في القانون والاقتصاد قادرة على صياغة هذه الحلول في شكل قوانين عملية قابلة للتطبيق. هذا التزاوج بين الأصالة والمعاصرة يمكن أن يضع مصر في موقع فريد كمرجعية عالمية للتشريع الاقتصادي الإسلامي.

إن الرؤية الإسلامية للتشريع الاقتصادي ليست دعوة للعودة إلى الماضي، بل انطلاقة نحو المستقبل بأدوات أصيلة وفعالة لتحقق رسالة النبي الأكرم "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". والرحمة في التشريع الاقتصادي تعني العدالة والتيسير والشفافية، وهي بالضبط ما يحتاجه الاقتصاد العالمي اليوم ويمكن لمصر أن تقدمه للعالم.

المخاطر والتحديات

رغم الآمال العريضة المعقودة على الإصلاح التشريعي، إلا أن الطريق نحو تحقيق هذه الرؤية الطموحة محفوف بتحديات جوهرية تتطلب استعدادا جيدا ومواجهة حكيمة. يأتي في المقدمة تحدي مقاومة التغيير من بعض الجهات المستفيدة من الوضع الراهن، سواء كانت بيروقراطية حكومية تخشى على نفوذها ومصالحها، أو مؤسسات تقليدية تفضل الاستمرار في العمل بالطرق المعتادة تجنبا لتكاليف التطوير والتدريب. هذه المقاومة قد تتخذ أشكالا مختلفة، من التباطؤ في التنفيذ إلى إثارة الشكوك حول جدوى الإصلاح، أو حتى استخدام النفوذ لتعطيل أو تشويه المبادرات الإصلاحية.

ولا تقل التحديات الفنية في صياغة القوانين خطورة عن التحديات السياسية، فالمطلوب ليس مجرد ترجمة الأفكار إلى نصوص قانونية، بل صياغة تشريعات دقيقة تحقق الأهداف المرجوة دون خلق ثغرات أو تضارب مع القوانين الأخرى. هذا التحدي يزداد تعقيدا عند محاولة دمج المبادئ الإسلامية مع المتطلبات الفنية للقانون المعاصر، حيث يتطلب خبرة عميقة في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي معا. كما أن سرعة التطورات في المجالات التكنولوجية والمالية تجعل من الصعب وضع قوانين تواكب هذه التطورات دون أن تصبح عائقا أمامها.

ويظهر تحدٍ آخر في ضرورة التوازن الدقيق بين السرعة والدقة في عملية الإصلاح. فمن جهة تتطلب الظروف الاقتصادية العالمية والمنافسة الشرسة إجراء إصلاحات سريعة لتجنب تفويت الفرص، ومن جهة أخرى، تحتاج صياغة القوانين الجيدة إلى وقت كافٍ للدراسة والمراجعة والتشاور مع الخبراء وأصحاب المصلحة. التسرع قد يؤدي إلى قوانين ناقصة أو متضاربة تحتاج لتعديل مستمر، بينما البطء المفرط قد يفوّت على مصر فرصا تنموية ثمينة أو يدفع المستثمرين للبحث عن بدائل أخرى.

أما التحدي الأكبر فيكمن في التنسيق بين الجهات الحكومية المختلفة التي تشارك في عملية الإصلاح التشريعي. فالأمر لا يقتصر على وزارة واحدة أو جهة بعينها، بل يتطلب تعاونا وثيقا بين البرلمان ومجلس الوزراء والوزارات المختصة والبنك المركزي والجهات الرقابية والقضائية، وحتى الأزهر الشريف في المسائل الشرعية. هذا التعدد في الجهات المعنية قد يؤدي إلى تضارب في الرؤى أو تداخل في الاختصاصات أو بطء في اتخاذ القرارات، خاصة في ظل اختلاف الثقافات المؤسسية وآليات العمل بين هذه الجهات.

ولعل من أخطر التحديات أيضا مقاومة بعض التيارات الفكرية لفكرة الإصلاح التشريعي الإسلامي، سواء من أنصار العلمانية الصرفة الذين يرون في أي مرجعية دينية تراجعا عن الحداثة، أو من المحافظين المتشددين الذين يرفضون أي تطوير أو تجديد في التطبيق الفقهي. هذا الاستقطاب الفكري قد يحول النقاش حول الإصلاح التشريعي من حوار موضوعي حول المصلحة الوطنية إلى جدل أيديولوجي عقيم يضر بالهدف الأساسي.

لكن هذه التحديات رغم جديتها ليست مستحيلة التجاوز إذا ما تم التعامل معها بحكمة وصبر وإصرار، والصبر هنا يعني المثابرة على الطريق الصحيح رغم العقبات، إن النجاح في مواجهة هذه التحديات يتطلب قيادة حكيمة وإرادة سياسية قوية وخطة محكمة ومشاركة مجتمعية واسعة، وهي جميعا متوفرة في مصر إذا ما أحسن توظيفها.

النتائج المتوقعة والمؤشرات

إن نجاح مصر في تحقيق هذا الإصلاح التشريعي الطموح سيفتح أمامها آفاقا واعدة تتجاوز مجرد التحسن في المؤشرات الاقتصادية إلى تحقيق نقلة حضارية شاملة. فعلى صعيد مناخ الاستثمار، ستشهد مصر تحسنا جذريا في تصنيفها الدولي في مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال، حيث يمكن توقع انتقالها من مراكزها الحالية المتأخرة إلى مراتب متقدمة تضعها في المقدمة إقليميا وتنافس عالميا. هذا التحسن لن يكون مجرد رقم في التقارير الدولية، بل انعكاسا حقيقيا لتبسيط الإجراءات وزيادة الشفافية وتقليل التكاليف والأوقات اللازمة لبدء الأعمال وتشغيلها.

وستترجم هذه التحسينات التشريعية إلى زيادة ملموسة في تدفق الاستثمارات المحلية والأجنبية، خاصة مع وضع الإطار القانوني الشامل للتمويل الإسلامي الذي سيجذب رؤوس الأموال من العالم الإسلامي التي تبحث عن فرص استثمارية متوافقة مع الشريعة. هذا التدفق لن يقتصر على الاستثمارات التقليدية، بل سيشمل استثمارات نوعية في مجالات التكنولوجيا المالية والاقتصاد الرقمي والصناعات الإبداعية، مما يخلق فرص عمل متطورة ويرفع من مستوى الاقتصاد المصري ككل. كما أن وضوح القوانين وعدالتها سيشجع المصريين في الخارج على العودة بأموالهم وخبراتهم للاستثمار في وطنهم.

ولعل من أهم النتائج المتوقعة نمو القطاع الخاص وازدهار ريادة الأعمال، حيث ستتيح القوانين المرنة والواضحة للشباب المصري إطلاق طاقاته الإبداعية وتحويل أفكاره إلى مشاريع ناجحة. فتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وحماية الملكية الفكرية والوصول للتمويل سيخلق بيئة خصبة للمشاريع الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة. هذا النمو في ريادة الأعمال سيكون له أثر مضاعف على الاقتصاد، من خلال خلق فرص عمل جديدة وتطوير منتجات وخدمات مبتكرة وزيادة الصادرات، مما يساهم في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام الذي تنشده مصر.

وعلى مستوى أعمق، ستؤدي هذه الإصلاحات إلى تعزيز الثقة في النظام القانوني المصري محليا وإقليميا وعالميا. فعندما يشعر المستثمرون والمتعاملون الاقتصاديون بأن القوانين عادلة وواضحة وقابلة للتطبيق، ستزداد ثقتهم في النظام ككل، مما يقلل من تكاليف المعاملات ويرفع من كفاءة الأسواق. هذه الثقة ستمتد لتشمل الأسواق المالية، حيث ستشهد البورصة المصرية نشاطا متزايدا وجذبا لاستثمارات جديدة، كما ستتحسن تصنيفات مصر الائتمانية مما يقلل من تكلفة الاقتراض ويفتح المجال لتمويل مشاريع التنمية بشروط أفضل.

لكن الأثر الأعمق والأبعد مدى سيكون في تحويل مصر إلى نموذج رائد للتشريع الاقتصادي الإسلامي المعاصر، مما يضعها في موقع القيادة الفكرية والعملية للعالم الإسلامي في هذا المجال. هذه القيادة ستجذب إليها الطلاب والباحثين والخبراء من كل أنحاء العالم الإسلامي، مما يعزز مكانة مصر كمركز للعلم والمعرفة ويفتح أمامها فرصا جديدة في مجال تصدير الخبرات والاستشارات القانونية والمالية. كما ستصبح مصر المرجع الأول للدول الإسلامية التي تسعى لتطوير أنظمتها التشريعية بما يتوافق مع الشريعة ومتطلبات العصر.

إن هذه النتائج المتوقعة ليست مجرد تمنيات أو أحلام، بل إمكانيات حقيقية قابلة للتحقيق إذا ما توفرت الإرادة والعزيمة والحكمة في التنفيذ. فكما قال تعالى: "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يُرى"، والسعي هنا يعني العمل الجاد والمخطط والمستمر لتحقيق هذه الرؤية النهضوية التي تليق بمكانة مصر وتاريخها وإمكاناتها.

وفي الختام

إن الإصلاح التشريعي ليس مجرد تعديل في القوانين، بل مشروع نهضوي شامل يتطلب إرادة سياسية حاسمة ومشاركة مجتمعية واسعة. فالقوانين الجيدة تحتاج إلى قيادة تؤمن بها وشعب يتفاعل معها ومؤسسات تطبقها بإخلاص وعدالة. والخطوة الأولى تبدأ بتشكيل لجنة عليا للإصلاح التشريعي تضم خبراء في القانون والاقتصاد والفقه الإسلامي، تتولى وضع خطة زمنية محددة لإنجاز الإصلاحات المطلوبة خلال فترة لا تتجاوز ثلاث سنوات من بدء مشروع النهضة.

إن مصر تقف أمام فرصة تاريخية لتكون رائدة عالميا في مجال التشريع الاقتصادي الإسلامي، فرصة لتحويل تراثها العريق إلى ميزة تنافسية حقيقية، ولتصبح منارة يهتدي بها العالم الإسلامي في رحلته نحو النهضة الاقتصادية الشاملة. والرؤية المستقبلية تتطلع إلى منظومة تشريعية مصرية تجمع بين أصالة القيم الإسلامية وحداثة الأدوات، منظومة تجذب الاستثمارات وتحفز الإبداع وتحقق العدالة.

فكما قال تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، والتغيير المطلوب اليوم يبدأ بتغيير النظرة للقانون من مجرد أداة تنظيمية إلى محرك حقيقي للنهضة والتقدم. إن مصر قادرة على أن تكون ضمن أقوى عشرة اقتصادات في العالم، والإصلاح التشريعي هو المفتاح الذهبي لهذا الحلم الذي يمكن أن يكون في متناول اليد.

مقالات مشابهة

  • أشجار القرض.. قيمة اقتصادية تعزز جودة الغطاء النباتي في نجران
  • أخبار بني سويف| المحافظ يكرم أوائل الثانوية العامة والأزهرية.. ومحاور الاستراتيجية الوطنية للسكان لتنفيذ رؤية مصر 2030
  • محافظ بني سويف يستعرض محاور الاستراتيجية الوطنية للسكان لتنفيذ رؤية مصر 2030
  • محافظة الداخلية تُدشّن مشروع إعداد الخطة الاستراتيجية التنموية "2026 - 2030"
  • مصر ضمن الـ10 الكبار اقتصاديا: رؤية إسلامية لنهضة اقتصادية شاملة (8)
  • قسام لـ سانا: نأمل أن يُسهم هذا التعاون في رفع جودة الخدمات، وتحقيق عوائد اقتصادية مجدية، وفتح آفاق جديدة للشراكة مع القطاع الخاص محلياً ودولياً، في إطار رؤية الهيئة حتى عام 2030
  • وزير الخارجية يثمن الشراكة الاستراتيجية الوثيقة بين مصر وأمريكا
  • «ملكية مكة» تحفز العقول الوطنية تماشياً مع رؤية 2030
  • باحث: كلمة الرئيس السيسي وضعت النقاط فوق الحروف بشأن غزة ومصر رفضت إغراءات اقتصادية كبرى
  • مجلس الشؤون الاقتصادية: تقدم إيجابي بنتائج سياسات التنويع الاقتصادي ضمن رؤية 2030