أثير – مكتب أثير في تونس
إعداد: محمد الهادي الجزيري

البارحة في أوّل المساء، باغتني خبر قاتل ومفاجئ على صفحات الفيسبوك مفاده بأنّ الشاعر الرهيف المبدع ابن القيروان محمد الغزي لبّى دعوة خالقه، وجاء الإعلان عن وفاته بعد ساعات قليلة من إعلانه في صفحته الرسمية عن قرب صدور ديوانه الجديد الذي يحمل عنوان “الجبال أجدادي.

. الأنهار إخوتي”.

وظلّ الصمت مسبل عليّ وها إنّي أحاول أن أعطيه حقّه وأن أردّ القليل القليل من حسناته تجاه المشهد التونسي والعربي، قضّى حياته للشعر وبالشعر وأخلص له كما لم يخلص إنسان، ولكن الموت خاتمة كلّ حي، جاءه فجأة، لكنه لم يباغته بالمرّة، إذ أنّه القائل:
“إذنْ ما الذي سوف يغْنَمُهُ موتُنا
بعد حفْلِ الحياةِ الجميلْ..
فها هي أرواحُنا أكلتْ كلَّ أجسادنا
ولم تُبْقِ للموت ان جاءَنا
غيرَ هذا القليلْ..؟”

ولد محمد الغزي بالقيروان وزاول بها تعليمه الابتدائي والثانوي، تحصل على الإجازة في الأدب العربي سنة 1973، ودكتوراه المرحلة الثالثة سنة 1989.
درّس بكلية الآداب بالقيروان ثم بجامعة نزوى في عُمان
وعاد إلى موطنه ليكرّس ما تبقى من حياته لشعره، خاصة بعد وفاة حرمه، فقد رثاها في عدّة قصائد وأصدرها في مجموعة، وممّا قاله فيها بشعرية استثنائية:

“سَوْفَ أوصِي بها العشْبَ والليْلَ والنجْمةَ الرّاجفهْ 

سَوْفَ أوصِي بها الغيْمَ والماءَ

سوْفَ أقولُ لهنَّ: أحِطنَ بِهَا

فهْيَ لمْ تعْرفِ الموْتَ منْ قبْلُ ،

فاعْذرْنَها إنْ هيَ استوْحَشتْ

واعْترَتْها ، إذا دَخلتْ ، رجفةُ الخوْفِ..

سرْنَ إذنْ معَها فِي الظلامِ

وأسْندْنها عندمَا تتَعَثّرُ ،

وامْسَحْنَ دمْعتَها حينَ تبْكِي ،

فأرْهَفُ من قطرة الماءِ سيّدتِي

وأشفُّ من الضّوْءِ”.

وقد كتب عنه النقاد والشعراء والصحفيون، أجد الكثير والكثير من المدح الذي يستحقه والثناء الذي اجتهد حتّى يصل إليه، إنّه الشاعر الفذّ، أخلص لمن أحبّ، والشعر يجازي أحبابه، ولكنني أفضّل أن أستشهد بشعره فلا شيء يقولنا مثل الكلمات التي نكتبها:

“إن يجئ قبل صياح الديك موتي
ويفتح باب بيتي
سأناديه تمهل سيدي
فعلى الأرض خمور لم أذق أطيبها
وذنوب جمة لم أقترف أجملها
فاذهب اليوم وذرني لغد”

ومحمد الغزي شاعر وناقد تونسي تنزع كتاباته الشعرية نحو الصوفية ويشتغل كثيراً على الصورة الشعرية الشفافة والعميقة في آن، كما كتب أيضاً عدد من القصص الموجهة للأطفال. وقد درّس لسنوات طويلة في الجامعات التونسية، فضلاً عن تدريسه لسنوات في جامعة نزوى في سلطنة عُمان.
ومن أهم إصداراته «كتاب الماء، كتاب الجمر» و«ما أكثر ما أعطى، ما أقل ما أخذت» و«كثير هذا القليل الذي أخذت» و«سليل الماء» (مختارات شعريّة) و«كالليل أستضيء بنجومي» و«ثمّة ضوء آخر» …إلخ …

الشّحاذ
بِلاَ جَلبهْ
يَجِيئُكَ في آزْرِقاقِ اللّيلِ هَذَا القَلْبُ مُبْتَهجًا
وَلَكِنْ حِينَ يُبْصِرُ بَابَكَ الفِضِّيّ مُنْغَلِقًا
يُلَمْلِمُ ثَوبَهُ البَالِي
وَيُرْقُدُ مِثْلَ شَحَّاذٍ عَلَى العَتَبَهْ

صدرت له عدة كتب شعرية، بعضها مجموعات وبعضها مختارات: “كتاب الماء، كتاب الجمر” (1982)، و”ما أكثر ما أعطى، ما أقل ما أخذت” (1991)، و”كثير هذا القليل الذي أخذت” (1999)، و”سليل الماء” (2004)، و”كالليل أستضيء بنجومي” (2006)، و”ثمّة ضوء آخر” (2007)، و”استجب إن دعتك الجبال” 2015.

– يضع محمد الغزّي كثيراً من شعريته في القصص التي يكتبها للأطفال، حيث صدرت له كتب عديدة في هذا المجال، من بينها: “صوتُ القصَبةِ الحزين”، و”كان الربيع فتىً وسيماً”، و”علّمني الغناء أيّها الصّرّار”، و”الأرض وقوس قزح”، و”ليلة بعد ألف ليلة وليلة”، و”النّخلة تمضي جنوبا”، و”حكاية بحر”، و”القنفذ والوردة”، و”رسالة إلى الشتاء”، والأخير فاز بجائزة “أفضل كتاب تونسي للطفل” من “معرض صفاقس لكتاب الطفل” عام 2013

الطّائر
عندَمَا سقْسَقَ الطّيْرُ مبْتَهِجًا فوْقَ أسْلاكِنا
رَجَمتْهُ أصَابعُنا النّزقَهْ
فهَوَى الطيْرُ في بيْتِنا ميِّتا
وبَقَتْ فوْقَ أسْلاكِنا السّقْسقَهْ.
لي سؤال لروحك العطرة ..مأخوذ من قصيدة لك بعنوان” قبل أن تبلغ القيروان ” هو هل بلغت القيروان؟

أجل لقد بلغتها وأعطيتها أكثر ممّا أعطت، منحتها اسم شاعر يزيدها مكانة ووجاهة وشعرية، يرحمك الله يا صديقي الكبير، فقد تربّيت على شعرك، أيام كان الشعر سلطانا، أيام كنت ورفقة من الشعراء على منبر دار الثقافة ابن خلدون، تتداولون على الشعر وكنتُ طفلا أتهجّى العالم وقد كنت من أجمل ما شاهدت وما تشبعت به، الله أكبر ولا دائم إلا هو:
قبل أن تَبْلُغَ القَيْرَوانْ
سوف تسْألُ سَابِلَةَ اللّيل عن بابها،
وستذرفُ أعوامَك الباقياتِ على دربها
وستعلمُ من بعد أن تَهْرَمَ الرُّوحُ
أنّك لن تَسْتَدِلّ إليها السَّبيلْ

جدير بالذكر أن الدكتور محمد الغزي فاز بجائزة السلطان قابوس للثقافة والعلوم والفنون والآداب في دورتها الرابعة (٢٠١٥) في مجال الآداب عن مجمل أعماله السردية الموجهة للطفل العربي

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: مكتب تونس محمد الغزی

إقرأ أيضاً:

رحيل الفنان السوداني الشاب محمد فيصل الجزار

رحيل الفنان محمد فيصل الجزار سيترك فراغًا كبيرًا في الساحة الفنية السودانية، حيث كان يُنتظر منه الكثير وكان يسعى لإثراء التراث الموسيقي بتجربته المميزة.

القضارف: التغيير

فجع الوسط الفني برحيل الفنان محمد فيصل الجزار، أحد أبرز الأصوات الفنية الشابة في السودان، تاركًا خلفه تجربة فنية غنية ومتميزة، وجرى دفنه بمقابر حي سلامة البيه في مدينة القضارف شرقي البلاد.

كان الجزار فنانًا سودانيًا مبتكرًا يُعرف بأسلوبه الفريد في الموسيقى، حيث تميز بتجربة فنية غنية ومتنوعة جمعت بين الأصالة والمعاصرة.

أحدثت أعماله تأثيرًا ملحوظًا في الساحة الفنية السودانية، وجعلته محط أنظار الكثيرين من عشاق الموسيقى.

إرث فني خالد

سيظل إرث الجزار الفني حاضرًا، حيث كان يسعى لإثراء التراث الموسيقي السوداني بتجربته المميزة.

ترك الراحل بصمة واضحة في المشهد الفني، وستبقى أعماله مصدر إلهام للكثير من الفنانين الشباب.

رحيل الجزار سيترك فراغًا كبيرًا في الساحة الفنية السودانية، حيث كان يُنتظر منه الكثير في المستقبل، وسيظل الجمهور لا سيما الشباب، يتذكر أعماله الفنية الرائعة، وستبقى ذكراه خالدة في قلوب محبيه.

وبوفاة محمد فيصل الجزار، يفقد المشهد الفني السوداني أحد أبرز أبنائه الموهوبين المجددين.

خطوات

وبعد أن خطا الجزار خطوات التجديد في مسيرته الفنية وتجاوز بعض الحدود المألوفة، نعاه منسوبو الوسط الفني متحسرين على فنه.

ويتبقى الأثر الذي تركه، أملا لرصفائه في كيفية الحفاظ على الإرث الفني والسماح لتجارب الشباب بالانتشار إلى آفاق جديدة خارج حدود الوطن.

حاول الراحل إيصال الأغنية السودانية إلى العالمية، غير أن أسلوبه الغنائي واجه الكثير من الجدل، وتنوعت ردود الفعل تجاهه، لكن الأهم أنه نجح في إثارة الكثير من النقاشات حول موسيقاه وطريقة تأليفه واستخدامه الماهر للعناصر الموسيقية المختلفة.

أتقن الجزار توظيف الموسيقى بمهارة وبراعة، مما جعله فنانًا متميزًا.

كانت تجربة محمد فيصل الجزار الفنية في طور النمو، وبدأت ملامحها تتضح كتجربة فنية شاملة ذات قيمة كبيرة.

اختط الفنان الشاب لنفسه مسارًا موسيقيًا فريدًا جمع بين التجديد والصرامة، مما يجعل الحكم على تجربته سابقًا لأوانه. ومع ذلك، فإن الملامح الأولى لتجربته الفنية تشير إلى أنه كان فنانًا مبتكرًا يحتاجه المشهد الفني السوداني ليعيد إحياء التراث الموسيقي الغني الذي يحتاج إلى إعادة اكتشاف.

لسوء الحظ، رحل الجزار عن عالمنا، تاركًا وراءه إرثًا فنيًا سيبقى محفورًا في ذاكرة الموسيقى السودانية.

الوسومالسودان الفن السوداني القضارف محمد فيصل الجزار

مقالات مشابهة

  • الجزار .. رحيل الفنان و صمود التجربة
  • ما الذي قاله السفير الأمريكي في “إسرائيل” بعد خروجه من الملجأ
  • رحيل شاعر “الوجع العراقي” موفق محمد
  • الدكتور يحيى الدعجة يحصد جائزة “أفضل باحث سنوي” من جامعة الأمير محمد بن فهد
  • رحيل مفاجئ للفنان محمد الجزار يُفجع الوسط الغنائي السوداني
  • رحيل “فهد” السينما السورية الفنان أديب قدورة
  • رحيل روبرت بينتون.. السينمائي الذي أعاد تعريف الطلاق ومعاناة المهمشين
  • رحيل الفنان السوداني الشاب محمد فيصل الجزار
  • ” الإبداع السعودي” يختتم مشاركته في ” كتاب بوينس آيرس”
  • في تجسير العلاقة بين إيران والعرب