رأي اليوم:
2025-05-23@05:13:36 GMT

أسامة خليفة: سموتريتش وخطة الحسم

تاريخ النشر: 25th, July 2023 GMT

أسامة خليفة: سموتريتش وخطة الحسم

 

أسامة خليفة في أيلول/ سبتمبر 2017 نشر «سموتريتش» العضو الهامشي في الكنيست ما سماه «خطة الحسم»، وقدم دراسة حول السياسة الناجعة للحكومة الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين، حسب رأيه هذه الخطة وهذه السياسة ستؤديان في حال تطبيقهما إلى إنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وحسمه، وفق الرؤية الإسرائيلية التي تتنكر كلياً للحقوق الفلسطينية، وترفض بالمطلق قيام دولة فلسطينية، باعتباره أن فلسطين كاملة هي أرض إسرائيل، والمنطقة بين البحر والنهر مساحة جغرافية وطوبوغرافية واحدة، ولا يمكن تقسيمها، ويعتبرها حقيقة مطلقة غير قابلة للنقاش وغير قابلة للتفاوض.

في إنكاره لوجود شعب فلسطين ما جاء بجديد، يتابع ما قاله سابقوه من زعماء الحركة الصهيونية كذباً وتزويراً: أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وترى الادعاءات التوراتية التي أرض فلسطين ملك لليهود وحدهم، وأن فلسطين «أرض الميعاد»، لتأجيج الدافع الديني عند اليهود للهجرة إلى فلسطين، واستغلال الفكر الديني التوراتي لأغراض سياسية استعمارية استيطانية، وقلب الحقائق، على نفس المنوال نسج «سموتريتش» رواية تاريخية صهيونية توراتية تؤكد عدم وجود شعب فلسطيني، مدعياً أن الشعب الفلسطيني لم يكن موجوداً قبل ظهور المشروع الصهيوني، والسؤال هنا: هل المشروع الصهيوني هو الذي أوجد الشعب الفلسطيني؟. لقد تبلور وتطور الوعي بالهوية، ونما بشكل متصاعد نتيجة الهجمة الصهيونية الشرسة، وهذا أمر طبيعي عند كل الشعوب الحرة، ورداً على مساعي الحركة الصهيونية استلاب تراث فلسطين بكل جوانبه من الآثار التاريخية وأبرزها القدس القديمة والأقصى المبارك، إلى الثوب حتى طبق الطعام، برز تحدي الهوية على شكل عناية فائقة بالتراث والثقافة وبالسمات الشخصية والوطنية وبحث في التاريخ والماضي والحاضر والمستقبل، اهتمام أدى إلى إبراز الهوية الفلسطينية لكل العالم أنها قد بدأت تتشكل منذ 6 ألاف عام قبل الميلاد، بجذورها الكنعانية وحضارتها الأصيلة. انتهز سموتريتش انحياز المجتمع الإسرائيلي نحو العنصرية الدينية المتطرفة فتبنى المرجعية التوراتية للخطاب الصهيوني الذي يعتمد على التوراة كسند يعطي الحق لليهود بإقامة وطن قومي في فلسطين، ليصعد ويرتقي في سلم المراتب الحزبية والحكومية وزعامة المستوطنين، من عضو كنيست عادي هامشي إلى زعيم حزب متطرف ثم وزير مزدوج لوزارتين، أدرك أن الاستيطان يحتاج إلى الفكر الأسطوري التوراتي، فأعاد تسويق الفكر التوراتي الأسطوري من أجل مكاسب انتخابية من جهة، ومن أجل تسويغ السياسات المتطرفة، ولتحقيق طموحه بـ«الحسم الاستيطاني»، وزيادة عدد المستوطنين في منطقة الضفة الغربية ليشكلوا أغلبية سكانية، هدف لن يتحقق عبر التسهيلات المالية والحوافز الاقتصادية، والمساعدات لمن يرغب بالاستيطان، فهذه الحوافز لم تعد تغري الاسرائيليين المقيمين في «مناطق هادئة» على الاستيطان في البؤر الاستيطانية، إلا أصحاب العقلية الدينية التوراتية المتطرفة، من غلاة المستوطنين المشبعين بالحقد والكراهية، ومع بث الحوافز الدينية كدافع للاستيطان، قدم نفسه كمتدين وقدم خطته على الرؤى التوراتية والعقائد الدينية، يقول نفاقاً: «أنا شخص مؤمن يؤمن بالقدوس تبارك في حبه لشعب إسرائيل وفي رعايته لهم، يؤمن بالتوراة التي حذرت من النفي ووعدت بالفداء، أنا أؤمن بكلمات الأنبياء الذين توقّعوا الدمار، وليس أقلها البناء المتجدد الذي سنراه يجري بناؤه أمام أعيننا. أعتقد أن دولة إسرائيل هي بداية نمو خلاصنا وتحقيق نبوءات التوراة ورؤى الأنبياء». كان نتنياهو يحتاجه، و«سموتريتش» يحتاج نتنياهو، والحاجة الاستعمارية الاستيطانية استدعت بن غفير، وغيره من المتطرفين، لتحقيق التطهير العرقي للشعب الفلسطيني، اكتملت عصابة حكومة الاستيطان، ودعاة الحسم، فجعلوا سموتريتش صاحب الكلمة العليا في مسألة الاستيطان، فأطلق يد المستوطنين وجمعياتهم لنشر المزيد من البؤر الاستيطانية العشوائية في كل مكان لا سيما على الجبال والتلال، داعياً لتوطين مليوني مستوطن يهودي في الضفة، وربطها بعمق مناطق الـ48 خلف الخط الأخضر من أجل محوه، بتصعيد وتيرة العمل الاستيطاني وإنشاء المستوطنات والمدن، وإقامة البنية التحتية على جانبي الخط الأخضر، لتصل الضفة بالداخل الفلسطيني تمهيداً للدولة الواحدة. ارتبط التحول في خطته من الإطار النظري إلى الجانب العملي، بارتقائه في سلم المراتب الحكومية إلى قلب مركز اتخاذ القرار والقدرة على تنفيذه، لتصبح مشروعاً في إطار التنفيذ، يضع الفلسطينيين أمام ثلاثة خيارات: تغيير الوعي، أو القتل، أو التهجير، وأمام ثلاثة أنواع من الحسم: -الحسم بالاستيطان المكثف، وتوفير العنصر البشري، الإغراء المالي للمستوطنين، مقابل العقاب الجماعي بحق الفلسطينيين وهدم البيوت. -الحسم بالتهجير والترحيل طوعاً أو كراهية. -الحسم بالعنف واستخدام القوة العسكرية واستخدام عصابات المستوطنين.  يحدد سموتريتش المرحلة الأولى والرئيسية من خطته لحسم الصراع بـ«الحسم الاستيطاني»، الذي يتطلب توفير الغطاء السياسي والقانوني، من خلال تطبيق السيادة على جميع أراضي الضفة الغربية، أو ما يسميها «يهودا والسامرة»، ويرى سموترتيش أن الهدف وراء أولوية الحسم الاستيطاني يكمن في إنشاء واقع استيطاني واضح لا رجوع فيه في هذا المجال في غضون بضع سنوات، وأنه لا يوجد شيء يعمل بشكل أفضل من واقع الاستيطان في أذهان عرب «يهودا والسامرة»، ويساعدهم على التخلص من وهم الدولة الفلسطينية، ويوضح لهم أنه لا توجد فرصة لإقامة دولة عربية أخرى غرب الأردن. والسؤال المطروح هنا، حول مقولة «سموتريتش»: «الحقائق على الأرض، تغير الوعي أو تقرر الوعي» ما الذي سيثبته تعاظم الاستيطان ومصادرة الأرض؟. مزيداً من تمسك الفلسطينيين بالأرض والهوية الوطنية الفلسطينية، اعتقاده أو مقولته أن فرض الأمر الواقع يغير الوعي الفلسطيني أو يسهل من إمكان تغييره، مقولة ستلحق بأقوال من سبقه من زعماء الحركة الصهيونية الذين بنوا أحلامهم التوراتية على زرع اليأس في نفوس الفلسطينيين. قالوا: «الكبار يموتون والصغار ينسون»، فماذا كانت النتيجة؟. الذاكرة الفلسطينية والقضية الفلسطينية حملتها الأجيال الفلسطينية ما بعد النكبة باقتدار وصمود وصلابة تدل على حيوية الشعب الفلسطيني وقوة إرادته، ما جرى لهذا لشعب المكافح، وكل ما تعرض له من مآس ونكبات ونكسات وتشرد ومعاناة ووعلى مدى أكثر من مئة عام من الصراع، رفع من وعيه الوطني، ومن يصنع ويصلب الوعي الوطني هو مؤسسات وطنية، مستمرة عبر الزمن قتل وتدمير بناه التحتية في ممارسة دورها على أكمل وجه، وإذا أراد «سموتريتش» ابتلاع فلسطين والقدس يترتب عليه ليس فقط تغيير وعي الفلسطينيين بل تغيير وعي كل الشعوب العربية والإسلامية، ولو أنه قرأ التاريخ واستوعبه لعلم أن محرري فلسطين والقدس قدموا من محيطها، فصلاح الدين انتقل من سوريا إلى مصر ومن هناك إلى القدس ليحررها، والظاهر بيبرس قدم من بغداد إلى الشام إلى مصر ثم إلى فلسطين… وهذه المرة نأمل أن تتحرر فلسطين على يد أحرارها، أو أنهم رأس الحربة في صنع النصر على الصهيونية. خطة الحسم تريد أن تكرر في فلسطين مأساة السكان الأصليين لأمريكا، بحرب إبادة وترحيل يدعو لها «سموتريتش»، ومن وراءه حكومة نتنياهو العنصرية المتطرفة، إنكار سموتريتش وجود شعب فلسطين لا يغير حقائق التاريخ، شعب فلسطين حقيقة تاريخية مؤكدة بنضاله ودوام إقامته على أرضه دون انقطاع عبر آلاف السنين، يقول «سموتريتش»: ـ«الشعب الفلسطيني أساساً ما هو إلا حركة مضادة للحركة الصهيونية»، لقد قامت الحركة الوطنية الفلسطينية لحل التناقض الرئيسي مع الحركة الصهيونية، طبعاً ليس بتناقض مع اليهودية كدين، لذا نؤكد ما يقوله «سموتريتش» في هذه الجزئية: «لا مكان في أرض فلسطين -وليس أرض إسرائيل- لحركتين “وطنيتين” متناقضتين»، يعتبر سموتريتش الصهيونية «حركة تحرر وطني» ونعتبرها «حركة استيطانية استعمارية»، إذاً لا مجال لوجود الحركة الوطنية الفلسطينية مع الحركة الصهيونية، القدس خط أحمر بالنسبة لنا، وأورشليم خط أحمر بالنسبة للحركة الصهيونية، إنه تناقض تناحري باللون الأحمر القاني، وألوان علمنا ستخفق عالياً بسماء الحرية والاستقلال وتهزم الاستعمار، فالحتمية التاريخية تؤكد أن مصيره الهزيمة أمام إرادة الشعوب. يقول«سموتريتش»: «الحركة الوطنية الفلسطينية هي حركة معادية للصهيونية، وعلى هذا النحو، لا يمكنها صنع السلام معها. هذا هو السبب في أن الفلسطينيين يرفضون الحد الأدنى من طلب إسرائيل بحقها في الوجود كدولة يهودية»، إن الشاذ في عصر الحريات والديمقراطية ورفض التمييز العنصري أن تُطرح الدولة اليهودية أو يهودية الدولة، لتضع اليهود في مرتبة فوق الآخرين، في نظام أبارتهايد. ومن وجهة نظره ومن أجل حلّ الصراع اليهودي الفلسطيني، فلا بد أن يكون هناك تعريف قومي واحد فقط غرب نهر الأردن، وهو التعريف اليهودي. لا توجد قومية فلسطينية. ومن ثم؛ لن يسمح «سموتريتش» بإقامة أي دولة عربية في قلب «أرض إسرائيل» تتمكن من تحقيق التطلعات القومية العربية هناك. ليس فقط أحزاب التيار الديني القومي من يرفض إقامة كيانية فلسطينية وطنية تقود إلى دولة مستقلة، العلمانيون، والمتدينون بكل أطيافهم، يؤيدون ما يصرح به سموتريتش: بأن الفلسطينيين الذين يقبلون التخلي عن طموحاتهم الوطنية، سيُسمح لم بالبقاء، لكن لن يتمتعوا بـ«حقوق المواطنة» في «دولة إسرائيل»، ويسمح لهم بإقامة إدارة ذاتية لشؤونهم الحياتية، من خلال إدارات بلدية إقليمية، خالية من الخصائص الوطنية. باختلاف التسميات «حكم ذاتي» أم «دولة ناقصة» أي دولة منزوعة السيادة، ليس لها جيش، ولا يحق لها الإشراف على الحدود البرية والجوية، يتفق سموتريتش مع نتنياهو في الجوهر على طبيعة الكيان الفلسطيني المقترح في الضفة الغربية، لكن خطة سموتريتش تقترح تفتيت هذا الكيان، على الطريقة الاستعمارية «فرق تسد» عقيدة سايكس بيكو، يقسّم «سموتريتش» الحكم الذاتي لفلسطينيي الضفة الغربية إلى ستّ حكومات بلدية إقليمية يتم انتخابها “ديمقراطياً”!!! وهي بلديات الخليل، وبيت لحم، ورام الله، وأريحا، ونابلس، وجنين، وليس بينها القدس، الهدف من التقسيم حسب سموتريتش، «تفتيت الجماعة الوطنية الفلسطينية والتطلعات إلى تحقيقها». مثل هذا الطرح يشبه ما طرحه حزب الليكود في العام 1978، فشكّل ـ«روابط القرى»، تحت عنوان التنمية وتقديم الخدمات والنُهوض بحياة المواطنين الفلسطينيين، وفشلت التجربة لرفض الشعب الفلسطيني هذه الروابط العميلة كقيادة بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية في المناطق المحتلة. إذا كان المقترح دولة واحدة على أرض فلسطين الانتدابية، كيف يحل سموتريتش المسألة الديمغرافية؟. أو ما يسمى «القنبلة الديمغرافية»؟. والتخوف من وجود أغلبية ديموغرافية فلسطينية على أرض فلسطين التاريخية، بتشجيع الهجرة «الطوعية» عبر تقديم المساعدة المالية واللوجستية للراغبين بالهجرة من الفلسطينيين، إلى البلدان العربية أو إلى أي مكان آخر، لاسيما الفلسطينيين الذين سيجدون صعوبة في التخلي عن تحقيق تطلعاتهم القومية، فهم حسب قوله: «مدعوون للذهاب وتحقيقها في واحدة من العديد من الدول العربية المحيطة، أو البحث عن أنفسهم، مثل الكثير من العرب من حولنا، عن مستقبل أفضل في أوروبا وأمريكا الجنوبية أو دول أخرى، حتى لا يضطروا للعيش في الدولة اليهودية»، أما أصحاب التطلعات القومية الذين يرفضون الهجرة الطوعية، سيتم التعامل معهم بـ«الحسم الأمني والعسكري» باستخدام العنف المفرط، والضربات الأمنية المركزة. في سياق البحث عن حلّ للصراع مع الفلسطينيين تبدو خطة سموتيرتيش بديلاً لـ«حلّ الدولتين» التي وصلت إلى طريق مسدود، وتوقفت عملية «السلام» القائمة على اتفاق أوسلو، والتي تجاوزتها إسرائيل ولم تلتزم بالاتفاقية وتملصت من بنودها وحلها النهائي، حيث يسعى «سموتريتش» من خلال خطته إلى استغلال ما حققته اتفاقية أوسلو، من إنجازات لصالح الاستيطان والبناء عليها، والقضاء على تطلعات شعب فلسطين بإقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس. لقد كافح الشعب الفلسطيني وقدم التضحيات، حتى نال الاعتراف العالمي بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، ويريد سموتريتش أن يعيد الزمن إلى الوراء، ليس فقط إلى ما قبل أوسلو فقد تنصلت إسرائيل من استحقاقاتها وأجهضت مشروع الحل النهائي، فهل يستطيع إعادة العالم إلى ما قبل 1974 ليزعن لإنكاره وجود شعب فلسطيني؟. والتنكر لأبسط حقوقه في تقرير المصير على أرضه والتي ضمنتها الشرائع الدولية ؟. وهل يقبل العالم اليوم تنفيذ التهجير القسري؟. بعد أن ثبت فشل التهجير الطوعي للفلسطينيين، والذي سعت له الحكومات الإسرائيلية السابقة ولم تتغير على أرض الواقع الحالة الديمغرافية؟. وإذ نتحدث عن ردود الفعل العالمية على خطة «سموتريتش» للحسم، فالأولى أن تقوم السلطة الفلسطينية بدورها في التصدي لهذه الخطة بالتحلل من اتفاقات أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي، وتنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي بخصوص وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، والعمل على إنجاح اجتماع الأمناء العامين في 30 تموز/يوليو القادم وإنهاء الانقسام السياسي، والتوافق على مشروع وطني لتفعيل المقاومة بكل أشكالها والتصدي لعصابات المستوطنين واجتياحات الجيش الإسرائيلي وسياسة الاغتيال والاعتقال. باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

حلم الثري اليهودي فريدمان الذي يسعى سموتريتش لتحقيقه

في 19 مارس/ آذار 2024، ألقى وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش خطابًا في العاصمة الفرنسية باريس، ظهر فيه على منصة دعائية خُصصت لفعالية تحمل خريطة مثيرة للجدل، تضم فلسطين، والأردن تحت مسمى واحد: "إسرائيل".

الخريطة التي كانت تحمل شعار إحدى المنظمات الصهيونية، تعكس تصورًا أيديولوجيًا توسعيًا يقوم على أن "إسرائيل الكبرى" تمتد لتشمل كامل الأراضي بين البحر والنهر، بل وتمتد أيضًا لتشمل الضفة الشرقية لنهر الأردن.

وجاء هذا المشهد متقاطعًا مع خطاب آخر للرئيس الأميركي دونالد ترامب في 15 أغسطس/ آب 2024، أعرب فيه عن دهشته من ضآلة مساحة "إسرائيل"، مقارنة باتساع المنطقة المحيطة، متسائلًا: "هل من طريقة يمكن أن تحصل بها إسرائيل على مزيد من الأراضي؟".

هذه التساؤلات وإن جاءت مغلّفة بلغة سياسية معاصرة، إلا أنها تعكس امتدادًا لخطاب استيطاني إحلالي قديم، لطالما استهدف شرق الأردن كجزء من الطموحات التوسعية الصهيونية.

البدايات الاستعمارية للفكرة: من لينش إلى أوليفانت

منذ منتصف القرن التاسع عشر، استهدفت المشاريع الاستعمارية الغربية -وفي مقدمتها المشروع الصهيوني- الأراضي الأردنية باعتبارها امتدادًا طبيعيًا لفلسطين التوراتية.

فقد أرسلت الحكومة الأميركية عام 1848 بعثة بحرية بقيادة الضابط وليم فرانسيس لينش إلى نهر الأردن والبحر الميت، في أول مهمة رسمية ذات أهداف تتجاوز الجانب العلمي، وصولًا إلى البحث في إمكانية إنشاء وطن قومي لليهود في شرق الأردن، بما يشمل "ترحيل السكان المحليين إلى محميات بشرية"، على حد تعبير الوثائق المعاصرة.

إعلان

لينش، في تقاريره، لم يُخفِ انحيازه الأيديولوجي. فقد شبّه السكان المحليين بـ"الهنود الحمر" في أميركا، وعقد مقارنة مثيرة بينهم وبين السكان الأصليين في أميركا "الهنود الحمر"، الذين رأى أنهم كانوا متوحشين وتحولوا إلى متمدّنين بفضل الاستيطان الأوروبي.

وبهذا المنطق الاستعماري، استنتج لينش أن سكان شرق الأردن "عكسوا" تلك المسيرة، وأن استبدالهم ضروري لتحقيق التقدم. في تقريره، تنبأ لينش بأن "تفكك الإمبراطورية العثمانية"، سيُمهد لعودة اليهود إلى فلسطين، وصرح عقب رفع العلم الأميركي في المنطقة بأن ذلك "قد يبشّر بإحياء الشعب اليهودي".

لم تكن أفكار لينش استثناءً. في ستينيات وسبعينيات القرن التاسع عشر، ظهرت دعوات مماثلة. فقد دعا يهوشع يلين، أحد مؤسسي مستوطنة "نحلات شيفع" في القدس، إلى توسيع الاستيطان نحو شرق الأردن.

وفي عام 1871، أسس شركة بالتعاون مع رجال أعمال يهود، وادعى أنهم توصلوا إلى اتفاق مع بعض شيوخ عشيرة "عرب النمر" لفلاحة أراضي غور النِّمرين شمال شرقي البحر الميت.

وفي السياق نفسه، قدّم الضابط البريطاني في سلاح الهندسة السير تشارلز وارن، وهو أحد الباحثين المرتبطين بـ"صندوق استكشاف فلسطين"، مقترحًا صريحًا لتوسيع الاستيطان اليهودي شرقي نهر الأردن.

دعا وارن إلى تأسيس شركة استيطان تستأجر الأراضي من الدولة العثمانية مقابل سداد جزء من ديونها الخارجية، وذلك ضمن إطار رؤية استعمارية تجمع بين الطموح الصهيوني، والمصالح الإمبريالية البريطانية.

ومن أبرز الشخصيات الأوروبية التي قدمت دعمًا نظريًا وميدانيًا للمشروع الاستيطاني الصهيوني في شرق الأردن كان لورانس أوليفانت. ففي عام 1889، نشر الطبعة الأولى من كتابه النادر: "أرض جلعاد"، والذي دوّن فيه مشاهداته وآراءه عقب رحلته إلى لبنان، وسوريا، وفلسطين، وشرق الأردن في عام 1880.

إعلان

رأى أوليفانت في أراضي شرق الأردن "مساحات خصبة صالحة لأقصى درجات التطوير الزراعي"، مؤكدًا أن توفر الموارد الطبيعية والظروف المناخية، يجعل من هذه المنطقة هدفًا استثماريًا جذابًا للمهاجرين اليهود.

في تحليله للسكان المحليين، أشار أوليفانت إلى أن العشائر الأردنية المتجولة "لا تملك سندًا قانونيًا للأرض"، مما يجردهم -من وجهة نظره- من أي شرعية في الوجود.

بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين وصفهم بأنهم نشروا "الخراب والفوضى"، وأن تهجيرهم إلى الصحراء التي جاؤُوا منها هو "الحل المنطقي"، على حد تعبيره.

أما المنطقة التي اقترحها للاستيطان اليهودي، فشملت كامل إقليم البلقاء من وادي الموجب جنوبًا إلى نهر الزرقاء شمالًا، وتمتد شرقًا إلى درب الحاج، وحتى أجزاء من عجلون شمال نهر يبوق (الزرقاء)، بمساحة تقارب مليونًا ونصف المليون هكتار، بحدود غربية تصل إلى نهر الأردن وساحل البحر الميت.

مشروع أرض مدين

لم تكن المحاولات الصهيونية للتمدد شرق نهر الأردن حكرًا على لورانس أوليفانت، بل مثّلت جزءًا من توجّه استعماريّ أوسع تجاوز الشخصيات الفردية وتحول إلى مشاريع متكاملة تقودها شخصيات، وجمعيات، ومؤسسات.

في مطلع تسعينيات القرن التاسع عشر، حاول الثري اليهودي الألماني الأصل، بول فريدمان، تنفيذ مشروع استيطاني استعماري مشابه، ولكن هذه المرّة في منطقة مدين جنوب شرق الأردن، بدلًا من "جلعاد" التي كان أوليفانت يركز عليها.

نشر فريدمان في عام 1891 كُتيبًا من 18 صفحة بعنوان: "أرض مدين" في برلين، عارضًا فيه تصورات جغرافية واقتصادية وسكانية عن المنطقة، مدعومة بإحصاءات تفيد بأن عدد سكانها الأصليين حينها بلغ نحو 23 ألف نسمة.

وقد وُجّه هذا الكتيب إلى شخصيات يهودية نافذة في بريطانيا، والنمسا، وألمانيا بهدف كسب الدعم السياسي والمالي للمشروع. حاول فريدمان إقناع المهاجرين اليهود بأن السكان المحليين سيرحبون بهم، زاعمًا أن سكان العقبة ينحدرون من عشيرة يهودية تُدعى "بني سبت" احتفظت ببعض التقاليد الدينية اليهودية، واستنتج أن مدين كانت في الماضي جزءًا من الكيان اليهودي القديم.

إعلان

قام فريدمان بتجنيد خمسين متطوعًا من علماء ومهندسين وجغرافيين، إضافة إلى ثلاثين عائلة يهودية مهاجرة. تلقى هؤلاء تدريبات عسكرية في معسكرات خاصة بهنغاريا، والنمسا، بإشراف ضابط ألماني يُدعى لوثر فون سيباخ، بمشاركة ضباط يهود من النمسا.

وخصص فريدمان يختًا تجاريًا أطلق عليه اسم "إسرائيل"، حمّله بالمتطوعين، وكميات كبيرة من الذخائر والأسلحة وفّرها له الجيش النمساوي، ثم أبحر من ميناء ساوثهامبتون البريطاني في نوفمبر/ تشرين الثاني 1891، تحت العلم النمساوي. انضمّ إلى الحملة خلال توقفها في الإسكندرية عدد من اليهود المصريين الناطقين بالعربية، وتوجهت السفينة إلى منطقة "الطور" قرب مدين، حيث نُصبت الخيام وأُنشئ معسكر في وادٍ قريب.

نجح فريدمان في شراء قطعة أرض قرب قلعة المويلح، وشرع بمحاولات إضافية لشراء مزيد من الأراضي في المنطقة. ومع أن المشروع انهار في نهاية المطاف، بعد أن كلّفه ما يعادل 170 ألف مارك ألماني، إلا أن فريدمان أصر على "إنقاذ الشرف اليهودي"، وفقًا لتعبيره، ورفع دعوى ضد الحكومة المصرية مطالبًا بتعويض قدره 25 ألف جنيه إسترليني، كما حاول إعادة تمويل المشروع لاحقًا.

مشاريع استيطانية

في ذات العام (1891)، أعلن إلياهو شيد، المسؤول عن مستوطنات البارون روتشيلد، نية البارون شراء أراضٍ شرقَ الأردن لتوطين ألف مستوطن، يليهم لاحقًا آلاف آخرون. أُثيرت تساؤلات حول البنية التحتية، فأكد شيد أن خططًا قائمة لتعبيد الطرق، بل وتُدرس مشاريع مثل مدّ خط سكة حديد أو قناة مائية تربط البحر الأبيض المتوسط ببحيرة طبريا.

وفي السياق ذاته، قام الحاخام شموئيل موهيلبر، أحد مؤسسي حركة "أحباء صهيون" في روسيا، بجولة ميدانية شرق الأردن، وأعد تقريرًا خلص فيه إلى أن الاستيطان هناك أفضل من الجليل، من حيث جودة الأرض وتكلفة شرائها، شرط وجود "مائة عائلة قادرة على مواجهة أخطار البدو".

إعلان

ومن روسيا أيضًا، كتب يهوشع سيركن، أحد زعماء الجماعات اليهودية في مينسك، تقريرًا يؤكد فيه خصوبة الأراضي ورخصها شرق الأردن، معتبرًا أن مخاوف الاعتداءات البدوية لا أساس لها من الصحة، وداعيًا إلى توطين عشرات الآلاف من الصهاينة فيها.

وقد أبدت جماعة يهودية من مدينة فيلنه السوفياتية اهتمامًا مباشرًا بالاستيطان، إذ قررت إرسال ممثل لدراسة شروط الإقامة في شرق الأردن. وفي مايو/ أيار 1891، قدمت عشرون عائلة يهودية ميسورة من باكو طلبًا إلى أ. زافشتاين، تستفسر فيه عن إمكانية شراء أراضٍ للاستيطان في المنطقة.

تكررت هذه المحاولات لاحقًا. ففي عام 1893، حاول هنري دي أفيغدور شراء أراضٍ في منطقة حوران لتأسيس قاعدة استيطانية، إلا أن المشروع فشل نتيجة رفض الدولة العثمانية، وغياب الدعم اليهودي الكافي.

وفي العام نفسه، قدم أفيغدور، بالتعاون مع صموئيل مونتاغو وباسم جمعية "أحباء صهيون"، التماسًا إلى السلطان عبدالحميد الثاني للسماح بالاستيطان شرق الأردن، بعد أن فُرضت قيود على شراء الأراضي داخل فلسطين.

كما طرح الدكتور بوهلندورف خطة لجمع عدد كبير من اليهود في شرق الأردن، وتنظيم عمليات مقاومة مسلحة ضد السكان البدو، بهدف تهجيرهم وتأسيس قاعدة لما وصفه بـ"الدولة اليهودية".

في خضم هذه التحركات، برزت قضية الأراضي السلطانية (الجفالك) التي نُقلت ملكيتها من السلطان عبدالحميد إلى الخزينة العامة عقب عزله عام 1909. وقد طلب نجيب إبراهيم الأصفر – إحدى الشخصيات اللبنانية النافذة- امتيازًا لاستئجار هذه الأراضي مقابل قرض بمائة مليون فرنك، شريطة استصلاحها وبيعها لاحقًا للزراع. لاحقًا، تبيّن أن شركة بلجيكية ذات صبغة صهيونية كانت المستأجر الفعلي، في محاولة للالتفاف على التشريعات العثمانية.

كشفت صحف سورية وفلسطينية، على رأسها جريدة الكرمل، هذه الصفقة، محذّرة من خطورة المشروع على الوجود العربي في جنوب سوريا، وفلسطين، وشرق الأردن، ومسلّطة الضوء على دور جمعية "فلسطين اليهودية" خلف الكواليس.

إعلان خطة روتنبرغ (1936): الترحيل الممنهج

في عام 1936، قدّم بنحاس روتنبرغ، أحد أبرز رموز المشروع الصهيوني الاقتصادي، خطة استيطانية طموحة تستهدف جانبي وادي نهر الزرقاء في شرق الأردن. قامت الخطة على تقسيم استيطاني دقيق، حيث تُخصّص الضفة الجنوبية للفلاحين العرب، فيما تُخصّص الضفة الشمالية للمستوطنين اليهود.

جاء هذا المشروع ضمن سياق أوسع يسعى لخلق تواصل جغرافي بين المستوطنات اليهودية في غور بيسان والباقورة، من جهة، والمناطق المستهدفة شرقي نهر الأردن، من جهة أخرى، بما يعزز السيطرة الصهيونية على مفاصل زراعية ومائية حيوية.

واقترحت الخطة إنشاء شركة خاصة برأس مال يصل إلى مليوني جنيه فلسطيني، يُخصص نصف هذا المبلغ لتمويل عملية إعادة توطين الفلاحين الفلسطينيين المُرحّلين من أراضيهم داخل فلسطين إلى أراضٍ جديدة في شرق الأردن، بينما يُخصص النصف الآخر لتوطين المستوطنين الصهاينة في المنطقة نفسها.

تُظهر خطة روتنبرغ هذا المزج الدقيق بين الطابع الاستيطاني الإحلالي والآليات الاقتصادية الحديثة، التي تسعى لإضفاء مشروعية إدارية واستثمارية على مشروع جغرافي- سياسي قائم على الترحيل الطوعي للعرب والتوطين المنظم لليهود.

كما تعكس الخطة انخراطًا صهيونيًا متقدمًا في معادلة شرق الأردن، في وقت كان يُفترض فيه أن هذا الإقليم خارج حدود "وعد بلفور" المعلن رسميًا عام 1922.

أخيرًا، رغم فشل تلك المخططات المتعددة والمتتالية، فإن الأطماع الصهيونية في شرق الأردن لم تنتهِ، بل ظلت كامنة وتظهر كلما توفرت الفرصة، كما في التصريحات العلنية الأخيرة لرموز سياسية إسرائيلية، والتي تؤكد أن الأردن، بموقعه وحدوده، لا يزال في "عين العاصفة" ضمن التصور التوسعي للمشروع الصهيوني.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • الرئيس الفلسطيني يؤكد ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي وإدخال المساعدات لقطاع غزة
  • كشف موعد بدء المحادثات البريطانية الرسمية للاعتراف بـ «دولة فلسطين»
  • الدوري الإيطالي يدخل مرحلة الحسم في الجولة الأخيرة
  • حلم الثري اليهودي فريدمان الذي يسعى سموتريتش لتحقيقه
  • الجفاف يهدد الأمن الغذائي في سوريا وخطة حكومية طارئة لمواجهة الأزمة
  • مرحلة الحسم.. مواعيد مبارايات الجولة المقبلة بالدوري المصري
  • بعد دعوتها لـجمعة الحسم..ما قدرة الأحزاب الليبية على الحشد ضد الدبيبة؟
  • فصائل المقاومة الفلسطينية توجه التحية للجيش اليمني وأنصار الله على الوقفة الصادقة لإسناد الشعب الفلسطيني
  • الرئاسة الفلسطينية ترحب ببيان بريطانيا وفرنسا وكندا بشأن حرب غزة
  • سموتريتش: تم احتلال 75% من قطاع غزة