الجزيرة:
2025-05-17@17:41:35 GMT

إجابات محتملة بين رفح وبحر غزة

تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT

إجابات محتملة بين رفح وبحر غزة

لايزال الميناء البحري يطرح أسئلة كثيرة، ويتلقَّى بطبيعة الحال ردودًا ومحاولات إجابة متعددة، ليس بينها إنسانية الفاعل الدولي أو الإقليمي، الذي عرف نفسه وحدد موقعه من الحرب عبر شهور خمسة إلى جانب القتلة، أو – في أفضل الظنون – متفرجًا سلبيًا على المذبحة.

عوامل جوهرية

هذا المقال واحدٌ من تلك المحاولات التي تسعى لقراءة موضوعية لفكرة الميناء البحري.

وهو ميناء طالما حَلُم به الغزيّون، وطالبوا به منذ سنواتٍ وعقود، فمنّت عليهم به الدول. لا يمكن أن يحقق الفاعلون، ومنهم الاحتلال ذاته، مطلبًا كهذا كتعبير عن حسن نوايا تجاه المقتولين بأيديهم. ومن هنا كانت كل التفسيرات التي تحاول البحث عن عقل موضوعي في فكرة الميناء، تتجنب إنسانية الفاعلين، فغيابها ثابت بحكم التجربة الفعلية، وهي أعلى درجات الإثبات العلمي.

لا يمكن فصل الميناء البحري عن رفح: حربها المتوقعة، معبرها، حماس التي تملكها فعليًا. رفح وهذه العوامل الثلاث جوهرية في التفسير. فلو افترضنا علاقة الميناء بالحرب التي يتوعد بها الاحتلال ضد رفح، فإن الفاعلين يعملون على تخفيف العبء الإنساني للحرب المتوقعة التي يغطونها سياسيًا وميدانيًا، لكن يريدونها بشكل لا يضعهم في زاوية أخلاقية أكثر ضيقًا.

فمثل هذه الحرب التي لو استكملت مشوارها باتجاه رفح، فإن "نقط" المساعدات التي تقطر من معبر رفح ستتوقف كليًا، وسيتحول المشهد من عقاب السكان الجماعي جوعًا، إلى قتلهم نهائيًا. وهناك فرق بين الاثنَين.

فمعبر رفح لم يُفتح أصلًا كي نبحث عن بدائل له، لكنه كان كصنبور ماء مغلق تقطر منه قطرات تمنح الحياة والعطش معًا، وهو كافٍ لعقاب السكان جماعيًا بالجوع. أما إغلاقه كليًا، فإن المجاعة ستدخل في طور القاتل المتسلسل الذي لا يرحم ضحاياه، فقط يقتلهم بساديّة.

ضغط أخلاقي

لا يريد العالم التورط بمثل هذا المشهد في ظل الضغط الأخلاقي الذي يتعاظم بفعل الحركة الاجتماعية العالمية على القادة السياسيين المحرومين من اللقاءات العامة دون منغصات ما تخرج من بين جمهور المصفقين. بهذه الحالة، يمنح الفاعلون غطاءَهم لحرب رفح بقدرٍ أفضل من الإنسانية؛ إنسانية القاتل المتسلسل، الذي ربما يقتل ضحيته ويجلس للبكاء عليها قبل أن يكمل مشواره للضحية التالية.

في هذا الجانب أيضًا، يمكن التكهن بعمليات التهجير المتوقعة من رفح، والتي ستتجه نحو غرب جنوب غزة، حيث منطقة الميناء. هناك، يكون من السهل التعامل المباشر مع النازحين من قبل المنظمات الإنسانية المستقبلة لمساعدات الميناء، فيما يلعب الميناء كنقطة جذب بشري لتحفيز عملية التهجير.

في جانب آخر، هناك افتراض بأن معبر رفح، رغم إغلاقه المحكم، والوفاء العالي بالتزامات القائمين على البوابة، فقد انتهت جدواه للمرحلة الحالية على الأقل، التي يطلب فيها الإسرائيلي سيطرةً تامةً على القطاع. يمنح الميناء البحري الذي أقيم بموافقة وتنسيق إسرائيلي كامل، لكن بتمويل دولي (عربي في غالبه)، الفرصةَ للقتلة لتحقيق تلك السيطرة الأمنية الدائمة على غزة.

بهذا يكون الميناء جزءًا من محاولات الأجوبة المفقودة حتى الآن عن أسئلة اليوم التالي للحرب. وهو بهذا المعنى يقول للقائمين على البوابة، لا حاجة لخدماتكم اليوم.

لقد عبّرت مصادر مصرية عن انزعاجها من فكرة الميناء، رغم الضمانات التي جرى الحديث عنها سابقًا للتقليل من مخاوف القاهرة.

وقد يكون انتهاء جدوى معبر رفح متعلقًا بمشروع التهجير ذاته، الذي لايزال جدّيًا حتى بعد انتهاء الحرب، والرغبة بدفع جموع بشرية باتجاه المنطقة المصرية المحاذية في رفح المصرية، وبالتالي دفع المعبر عدة كيلومترات لعمق سيناء. يمنع هذا ترتيبات محور فيلاديلفيا المنصوص عليها في اتفاقية كامب ديفيد. لكن المشهد القريب يعلمنا أن لا شيءَ مقدسًا في جانبنا العربي، كل شيء قابل للنقاش والتعديل إلا نحن.

دور استثنائي

في الجانب الثالث، فإن هناك أمرًا ما متعلقًا بحماس التي لاتزال أدواتها فاعلة في معظم أنحاء القطاع بدرجة ما، رغم الضربات الرهيبة التي تعرضت لها على مدار أكثر من 160 يومًا من القصف العظيم. ستكون حماس أكثر تماسكًا في رفح، التي يجري الحديث عن كتائبها الأربع، وأجهزتها الإدارية هناك. فدخول أية مساعدات من معبر رفح، سيجعلها بالضرورة تحت رقابة حماس في رفح، وبالتالي إمكانية التموين لعناصرها وأجهزتها. فيكون الميناء بهذا الشكل محاولة لتجنب العقدة المتماسكة للحركة في الزاوية الصح من القطاع.

لا يمكن تجاهل هذا الشق تحديدًا، فكل صندوق مساعدات أو كيس طحين دخل القطاع كان يخضع لمعايير شديدة، كلها أو جلّها يخضع لاعتبار موقع حماس من هذا الصندوق أو ذاك الكيس.

في نهاية المطاف، وتجنبًا للمبالغات التي باتت طبيعة السلوك الوحشي للمحتل وأغطيته الدولية، فإن معبر رفح لم يفقد دوره نهائيًا حتى الآن. وسيبقى لاعبًا استثنائيًا في حياة أهل غزة، وجزءًا من وعيهم الأبدي بالساكنين على طرفيه، وناقوسًا لذاكرتنا الإنسانية.

وفي ثنايا التطور المتعلق بالميناء البحري، فإن أهل غزة على موعد مع بناء اجتماعي جديد يدخل حياتهم ويشكل بدرجة ما تصوراتهم عن أنفسهم عبر رصيف بحري، وسفن ترسو وتغادر، في سياق الحفاظ على المأساة بدرجة العقاب لا الإعدام. كذلك كان ولا يزال معبر رفح، جزءًا من وعي الغزّيّ الذي سافر وشهد ماذا يعني العبور من هناك.

سيبقى أن نذكر أن الفرق بين ميناء رفح البري وميناء غزة البحري، أن الأول نظريًا باتجاهين، فيما الثاني باتجاه واحد. وبالنظر لكون معبر رفح مخصصًا للأفراد، فإن فكرة تخصيص ميناء للبضائع عبر البحر، قد يعفي الاحتلال من ضغط قاعدته الموغلة بالكراهية، والتي تحاصر معابر البضائع؛ لمنع دخول مساعدات لأهل غزة، فيبدو الميناء كجهدٍ دولي، فيما يسترضي نتنياهو قطعانَ الوحوش لديه.

رغم كل ما سبق، فإن قيمة ميناء غزة البحري هذا تتحدد بقدر ما سيتيحه من عيشٍ وطنيٍ كريم لمن تبقى من أهل القطاع، لا عبر تحليلات قد تصيب وقد تخطئ، وعاجزة حتى اللحظة عن بناء نوايا حسنة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات المیناء البحری معبر رفح

إقرأ أيضاً:

مقبرة جماعية محتملة بأبوسليم.. والهيئة توصي بتبليغ النيابة العامة

أفادت الهيئة العامة للتعرف على المفقودين باحتمال وجود مقابر جماعية داخل نطاق حديقة الحيوان ببلدية أبوسليم، وفق عديد البلاغات التي تلقتها من أسر المفقودين.

ودعت الهيئة في بيان عبر صفحتها بفيسبوك أهالي المفقودين إلى تقديم بلاغاتهم إلى النيابات المختصة، وإحالتها إلى الهيئة لمباشرة أعمالها بعد تكليفها من قبل النيابة بدءاً من الأسبوع المقبل، للقيام بأعمال البحث والكشف الميداني في الموقع، باستخدام الفرق المتخصصة وأجهزة المسح اللازمة.

وأشارت الهيئة إلى أن البلاغات الأولية من أهالي الضحايا تستدعي التعامل مع الأمر بأقصى درجات الحذر والمسؤولية القانونية والإنسانية.

كما دعت الهيئة كافة أهالي المفقودين الذين لم يتواصلوا معها بعد، إلى تقديم بياناتهم وبلاغاتهم عبر القنوات الرسمية، دعماً لجهود البحث والتحقيق، وتمكيناً للهيئة من توسيع دائرة العمل والوصول إلى أكبر عدد ممكن من الحالات.

وأكدت الهيئة التزامها الكامل بحق الضحايا وذويهم في معرفة مصير أبنائهم، مشيرة إلى أنها ستطلع الرأي العام بنتائج الأعمال فور استكمال الإجراءات القانونية والفنية.

المصدر: هيئة البحث والتعرف على المفقودين

أبوسليمالهيئة العامة للبحث عن المفقودين Total 0 Shares Share 0 Tweet 0 Pin it 0

مقالات مشابهة

  • ماذا يعني اختيار جيش الاحتلال معبر كيسوفيم للتوسع البري؟
  • السودان: الأمم المتحدة ترحب باستمرار فتح معبر “أدري” وتحذر من مخاطر في دارفور
  • الأرصاد: طقس معتدل وأمطار محتملة على مناطق متفرقة في ليبيا خلال يومين
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: تفاهمات محتملة بين الرياض وواشنطن حول حرب السودان
  • 7 شركات محلية وعالمية تشتري مستندات مناقصة الميناء البري والمحجر البيطري بالمنطقة الاقتصادية بالظاهرة
  • مقبرة جماعية محتملة بأبوسليم.. والهيئة توصي بتبليغ النيابة العامة
  • رئيس دفاع النواب يكشف تفاصيل زيارة اللجنة لشمال سيناء.. وتطورات الأوضاع في معبر رفح البري
  • 5 وجهات محتملة لرونالدو إذا غادر النصر
  • السودان يمدد فتح معبر أدري الحدودي مع تشاد
  • الأرصاد تحذر سكان القاهرة والوجه البحري من ظاهرة جوية.. وتكشف حقيقة العاصفة شيماء