علي جمعة: الخطأ من شيم النفس البشرية
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
أوضح الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق، أن النفس البشرية ليست معصومة من الزلل بل أن الخطأ من يأتي من شيمها، ويستوي في ذلك الآدميون.
وتابع الدكتور علي جمعة: إلا من اصطفاهم الله لرسالته فطهر قلوبهم من المعاصي، وفي إدراك ذلك المعنى طمأنة للنفس وتسامح معها، وحسن ظن بخالقها إن رجعت إليه وطلبت منه الصفح والغفران.
وأضاف: السيرة النبوية تحكي العديد من القصص التي تؤكد هذا المعنى. ومثال على ذلك ما يحكيه أبو هريرة رضي الله عنه فيما أخرجه البخاري ومسلم أنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي ﷺ إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت قال «مالك؟» قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال رسول الله ﷺ: «هل تجد رقبة تعتقها؟» قال: لا، قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال: لا، فقال: «هل تجد إطعام ستين مسكينا؟» قال: لا. قال: «فمكث النبي ﷺ فبينا نحن على ذلك أتى النبي ﷺ بعرق فيها تمر والعرق المكئل- قال: «أين السائل؟» فقال: أنا.. قال: «خذ هذا فتصدق به» فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها يريد الحرتين أهل بيت أفقر من أهل بيتي. فضحك النبي ﷺ حتى بدت أنيابه ثم قال: «أطعمه أهلك». فهذا الصحابي جاء للنبي ﷺ يرتجف ويشعر بمصيبة مهلكة وقع فيها لا خلاص له منها، فأخذ النبي ﷺ يساعده على تهدئة نفسه وإيجاد المخرج والخلاص لها، فعدد عليه النبي ﷺ مسالك التكفير عن هذا الذنب واحدة تلو الأخرى، فلم يستطع إتيان أحدها حتى وصل به الحال أن أخذ كفارة ذنبه ليطعمها هو وعياله الفقراء، مما يوضح بجلاء أن العقوبة أو الكفارة مقصورة لتصفية نفس المذنب ومساعدته على العفو عن نفسه، وكذلك شرعت لأجل الندم والرجوع عن الخطيئة، وقد تحقق هذان الأمران في نفس الصحابي فضحك النبي ﷺ وأعطاه العرق وصرفه.
ويلاحظ أن مسالك التكفير عن الذنب تظهر في شكل أعمال تكافلية يعود نفعها على المجتمع كله، وأن النبي ﷺ ببساطته وسماحته سهل على المؤمن سبيل السكينة والعفو عن ذاته، كي يقبل على عمله وإعماره الحياة بقلب منشرح غير قلق ولا متوتر.
وعن ابن مسعود قال رسول الله ﷺ: « لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلاً، وَبِهِ مَهْلَكَةٌ، وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً، فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ، حَتَّى اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِى. فَرَجَعَ فَنَامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ » رواه البخاري.
وفي هذا الحديث تربية على التسامح مع الآخرين والفرح بعودتهم نادمين على خطئهم، فالله رب العالمين يفرح بعودة عبده عندما يشعر بضآلته وعظيم جرمه في حق خالقه الذي لا يضره ذنب ولا تنفعه طاعة، وإنما فرحه وشكره ورضاه راجع للعبد فضلا وإحسانا. وقد استخدم النبي ﷺ ضرب المثل البليغ وسيلة تربوية وضمنه معنى التسامح مع النفس ومع الآخرين وحض فيه المسلم على التوبة والرجوع عن الخطيئة.
اقرأ أيضاًعلي جمعة: من يتاجر بالعملة الصعبة ملعون
علي جمعة: يجوز أكل لحم الخنزير في هذه الحالة
علي جمعة: يجوز استغلال الثغرات القانونية بشرط
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الدكتور على جمعة الدكتور علي جمعة السيرة النبوية الشيخ على جمعة النفس البشرية برنامج نور الدين علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق رسول الله علی جمعة النبی ﷺ
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: التقوى مفتاحُ للخير ومغلاق للشر والرضا بالقليل من شُعَبها
نشر الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف عبر صفحته الرسمية على فيس بوك منشورا جديدا قال فيه إن التقوى مفتاحُ كلِّ خير، ومغلاقُ كلِّ شرّ.
ونوه ان سيّدُنا عليٌّ رضي الله عنه كان يقول: "التقوى هي الخوفُ من الجليل، والعملُ بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعدادُ ليومِ الرحيل".
وأشار إلى اننا إذا تأمَّلْنا هذا القولَ وجدْنا أنّ التقوى تَستلزم الإيمانَ بالله، ثم الخوفَ منه، والحياءَ منه، ثم اجتنابَ المعصية، كما تَستلزم الرضا بأمر الله.
الرضا بالقليل
ولذلك، فإذا ضُيِّق عليك في الدنيا رزقك، أو صحتك، أو في الولد – كأن لم تُرزق ولدًا – فإنّك تُسلِّم بأمر الله؛ فـ"الرضا بالقليل" من شُعَب التقوى.
وفي التقوى إيمانٌ باليوم الآخر، وبالحساب، وبالعقاب والثواب؛ فـ"الاستعداد ليوم الرحيل" هو ثمرة لهذا الإيمان.
وفي التقوى التزامٌ بالتكليف، فـ"العمل بالتنزيل" هو الاستجابة لذلك التكليف.
وهكذا نجد في التقوى الإيمانَ بالله، والعملَ في الدنيا بأمره، والاستعدادَ للقاء الآخرة.
فهي تَجمع بين الماضي، والحاضر، والمستقبل:
• فالماضي: فإنّ الذي خلقنا ورزقنا هو الله، وهو سؤال حيّر البشرية: من أين نحن؟
وقد أجاب عنه الناس بإجابات شتّى؛ فمنهم من أنكر الإله وألحد، ومنهم من عرف الحقيقة فآمن.
• والحاضر : ماذا نفعل هنا؟ هل تركنا الله سبحانه وتعالى هملاً؟!
بعضهم قال: نعم، الله خلقنا ولا شأن له بنا.
وآخرون قالوا: بل أرسل الرسل، وأنزل الكتب، فآمنوا، والتزموا بما كلَّفهم الله به؛ فكانوا مع أمره حيث أمر، ومع نهيه حيث نهى.
• والمستقبل: فماذا يكون غدًا؟
نحن نقول: هناك يومُ قيامة،
أمّا غيرُنا فقد قال: لا قيامةَ، بل تناسُخُ أرواحٍ! تخرج الروحُ من جسد وتَنتقل إلى جسدٍ آخر بعد مئة عام! وهذا في الإسلام باطل؛ فإنّ مَن يقول بتناسُخ الأرواح يُنكر القيامة.
وقالت طائفةٌ من الناس: "قامت قيامتك"، أي: متَّ وانتهى الأمر، والدنيا باقية أبدًا!
وقالوا: الجنة والنار هنا على الأرض، ولا يوجد يومُ قيامة!
وكلُّ هذه عقائد فاسدة.
إذًا؛ التقوى هي: الإيمانُ بالله، والإيمانُ بالتكليف الذي أنزله – أي: بالرسالة، والكتاب، والشريعة – والإيمانُ بيوم الحساب.
فالتقوى هي إيمانٌ مع عمل، كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}.
وهي مجموعةٌ في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ}.