مركز دراسات الوقف.. تعزيز ثقافة الوقف بطرائق علمية
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
المشروعات الناجحة في الغالب تسبقها دراسات متنوعة مناسبة لطبيعة ذلك المشروع، ومستهدفاته، وأدواته مثل: دراسات الجدوى، وتقييم المخاطر، وتقييم المشروعات، وغيرها، تكون هذه الدراسات بمثابة موجهات لسير العمل وخريطة طريق تؤمن حاضر المشروع، وتستشرف مستقبله. والوقف في جوانبه المتعددة، وما يواجه هذه الجوانب من إشكالات، وما يعترضها من مستجدات يحتاج بلا شك لدراسات علمية، وبحوث موجهة تهيئ عوامل النجاح لمشروعاته المتنوعة، وتوجد حلولا عملية للتحديات التي تواجهه.
إن العمل في القطاع الوقفي -كما سلف ذكره- متعدد الجوانب، منها: الجوانب المادية المتمثلة في الأصول والاستثمارات والموجودات، والجوانب الشرعية والقانونية المتمثلة في المنظومة التشريعية الفقهية والأطر القانونية المنظمة للعمل، والجوانب الإدارية المتمثلة في القائمين على إدارة الأوقاف والأطر الإدارية المنظمة لذلك وإدارة إيصال حقوق المنتفعين، وهذه الجوانب تعد في جوهرها حقول معرفية تحتاج إلى تعميق الجانب المعرفي فيها، وتوظيف ذلك في مسيرة العمل في هذا القطاع، وهنا تبرز الحاجة إلى مركز دراسات الوقف الذي بدوره يوجه الجهد العلمي نحو الاحتياجات الحقيقة في قطاع الوقف.
يبدأ العمل الوقفي الناجح من تعزيز الثقافة الوقفية في المجتمع، فهو البنية الأساسية وقاعدة النجاح الأهم التي يقوم عليه هذا القطاع، فقد اعتمد الوقف منذ نشأته في المدينة المنورة قبل ألف وأربعمائة عام إلى يومنا هذا، على دعم أبناء المجتمع، أو ما يعرف في الأدبيات الوقفية اليوم بـ(الشراكة المجتمعية)، فهو نابع من فكر أبناء المجتمع، وجهدهم الإداري، وبذلهم المادي، كما أنه عائد إليهم أو إلى فئات منهم في صورة خدمات، أو عطاء مادي ملموس، وعلى ذلك؛ فإن قياس وعي المجتمع بأهمية الوقف في تنمية المجتمع، وما يترتب على ذلك من تعزيز نقاط القوة لديه، ومعالجة نقاط الضعف أمر في غاية الأهمية لتوسيع قواعد الدعم للقطاع.
كما أن دراسة توجه ميول أبناء المجتمع للإنفاق الخيري وطبيعة هذا الإنفاق وتفاصيله من حيث: إجمالي الإنفاق السنوي، ومصدره، ونسبة إسهام كل من الأفراد الذكور والإناث، كذلك نسبة إسهام المؤسسات الخاصة من الإنفاق الإجمالي، وطريقة توجيه ذلك الإنفاق، من حيث نسبة الإنفاق الموجه نحو الجهات الخيرية المسجلة، ونسبته الموجهة من المنفق إلى المستفيدين مباشرة، ومعرفة الدوافع الباعثة للإنفاق وهل هي دائمة، أم مرتبطة بالمواسم الدينية المحفزة للإنفاق مثل شهر رمضان، والأيام العشرة الأولى من ذي الحجة، وغيرها، وتوظيف ذلك كله في بناء قاعدة بيانات تحوي هذه التفاصيل، لتُمَكِّن صانع القرار في القطاع الوقفي من توجيه البرامج التوعوية، والتعريفية بالمشروعات الوقفية إلى الأماكن المناسبة، وفي التوقيت الأمثل، وبالطرائق المناسبة، بشكل يسهل من استقطاب الدعم المالي اللازم لهذه المشروعات، وما سيترتب على ذلك من القضاء على العشوائية في مجال الإنفاق الخيري وهو أمر في غاية الأهمية.
كما أن التقييم الخارجي لأداء مؤسسات العمل الوقفي، خصوصا، والتطوعي عموما، من حيث أسس النجاح، ومسببات الفشل، وبيان خطوط سيرها، سيسهم بلا شك في توسيع مدى الرؤية في أداء القطاع ويسهل أمر مراجعة أدائه، وما يترتب على ذلك من معالجات لنقاط الضعف وتعزيز لنقاط القوة، وسد الثغرات إن وجدت.
إضافة إلى ذلك نجد أن المستجدات في عالم الوقف، وجهاته الخيرية التي نراها تتجدد بشكل سريع، وموائمة الإدارة المالية لمتغيرات قطاع الاستثمارات، وبروز الابتكارات المتجددة في قطاع الصيرفة الإسلامية، وانعكاس ذلك على القطاع الوقفي، نجدها تحتاج إلى مواكبة فقهية تشريعية تُبيِّن الممارسات الصحيحة من الناحية الفقهية، على ذلك فإن إعداد باحثين مختصين في فقه الوقف خصوصا، والمعاملات عموما يحتاج إلى وجود كرسي دراسات وقفية يشرف على إعداد الطلاب، ومقررات التدريس، والرسائل الأكاديمية العلمية، ويقدم الاستشارات الفقهية والحلول الشرعية اللازمة سواء أكان ذلك للمؤسسات الوقفية العاملة، أو التي قيد التأسيس، والمتعثرة في أدائها، وكذلك استشارات للأفراد في مجال الوقف، والوصية بالوقف.
إن ما سبق ذكره ليست إلا أمثلة توضيحية تُبرز أهمية إنشاء مركز لدراسات الوقف في سلطنة عمان، يكون بمثابة حاضنة علمية للكفاءات العلمية المتخصصة في مجالات الوقف المتعددة، ومركز استشاري يعمل على قياس ثقافة المجتمع الوقفية، ودراسة واقع الحال في القطاع الوقفي، وتقديم مقترحات الحلول المناسبة، ويسهم في رفد المؤسسات الرسمية المشرفة على القطاع الخيري عموما بالرؤى التي تستشرف المستقبل، لا سيما أن «رؤية عُمان 2040» تحوي بين مستهدفاتها «إيجاد مجتمع مدني ممكّن ومشارك بفاعلية في التنمية المستدامة وإطار تنظيمي فاعل ومحفِّز لعمل مؤسساته»، وعلى ذلك كله، فهذه دعوة للمؤسسات الأكاديمية العامة والخاصة، للمبادرة وإحراز قصب السبق في وضع النواة الأولى لإنشاء «مركز دراسات الوقف».
د. خالد بن محمد الرحبي: باحث في التاريخ الحضاري العُماني عمومًا، والوقف على وجه الخصوص.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القطاع الوقفی على ذلک
إقرأ أيضاً:
بحث تعزيز الرقابة وتدقيق العقود في اجتماع بطرابلس
الوطن | متابعات
عُقد صباح اليوم الثلاثاء، اجتماع بمقر مجلس الدولة في طرابلس، ضم رئيس هيئة الرقابة الإدارية، “عبد الله قادربوه”، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، الدكتور “محمد تكالة”، لمناقشة عدد من الملفات الحيوية المرتبطة بتعزيز العمل الرقابي المؤسسي.
وركز الاجتماع على آليات تدقيق ومراجعة العقود المبرمة من قبل الدولة، وسبل تفعيل الرقابة الوقائية في ملفات التنمية المستدامة، بالإضافة إلى مناقشة قضايا الإصلاح الاقتصادي، وتقييم الأداء في القطاعات العامة، مع التطرق إلى ملفات التوظيف، والإيفاد، وحسابات الدولة الختامية المتوقفة منذ سنوات.
كما استعرض رئيس الهيئة الخطط الاستراتيجية التي وضعتها الهيئة للفترة 2025-2030، والتي تهدف إلى مكافحة الفساد والارتقاء بمستوى الشفافية والمساءلة، وتحسين بيئة العمل الرقابي من خلال تبادل البيانات وتعزيز الرقابة على الجهات الخاضعة لاختصاص الهيئة.
من جانبه، أكد الدكتور “تكالة” على أهمية المرحلة المقبلة، وما تتطلبه من تكامل بين الدورين الرقابي والتشريعي، وضرورة إحكام الرقابة على المال العام، وتصحيح المسار الاقتصادي بما يضمن ترسيخ مبادئ الشفافية ودولة القانون.
الوسومالمال العام ليبيا مكافحة الفساد