محمد بازوم، سياسي نيجيري ذو أصول عربية ليبية تعد من الأقليات في البلاد، وهو حليف مقرب لفرنسا، ولد في الأول من يناير/كانون الثاني 1960، وشغل العديد من المناصب العليا في حكومة الرئيس محمود يوسفو، فكان وزيرا للخارجية والداخلية والشؤون الدولية. تولى في عام 2021 رئاسة النيجر، وكان أول رئيس دون انقلاب عسكري أو تمديد ولاية، كما أنه أول عربي يرأس بلاده.
واحتجز جنود من الحرس الرئاسي بازوم يوم 26 يوليو/تموز 2023 داخل القصر الرئاسي في العاصمة النيجيرية نيامي، ومنعوا الوصول إلى مقرات الوزارات الواقعة بجانب القصر.
وتعد النيجر من أكثر دول العالم التي شهدت انقلابا في تاريخها المعاصر، إذ سجلت أربعة انقلابات منذ استقلالها عن فرنسا في العام 1960، فضلا عن العديد من محاولات الانقلاب الفاشلة، كانت إحداها قبل تنصيب بازوم بيومين.
وكان آخر انقلاب في الدولة الأفريقية قد حدث في فبراير/شباط 2010، وأطاح بالرئيس مامادو تانجا.
المولد والنشأةولد محمد بازوم ("أبو عزوم" كما يطلق عليه أصدقاؤه) في الأول من يناير/كانون الثاني 1960، في منطقة ديفا أقصى جنوب شرقي النيجر، قرب الحدود مع نيجيريا، وقد نالت البلاد استقلالها عن فرنسا بعد 8 أشهر من ميلاده.
ينحدر بازوم من قبيلة أولاد سليمان العربية التي يقطن فرع منها النيجر، بينما تتركز غالبيتها في جنوب ووسط ليبيا، وتنحدر أصولها إلى قبائل بني سليم العربية العدنانية القيسية وسط الجزيرة العربية.
وقد أشار بازوم إلى أن جده الأكبر وصل إلى النيجر في أربعينيات القرن الـ19، وحاول منافسوه استغلال هذا الانتماء القبلي ضده خلال الانتخابات الرئاسية، واتهموه بأنه من أصول أجنبية.
يتقن بازوم عدة لغات من بينها العربية والإنجليزية والفرنسية والهوسا والتوبو والكانوري. وهو متزوج من السيدة حيدزة بن مبروك.
الدراسة والتكوين العلميدرس بازوم مراحله الأساسية في النيجر، وحصل على شهادة الثانوية عام 1979، ثم توجّه إلى داكار عاصمة السنغال لدراسة الفلسفة الأخلاقية والسياسية في جامعة دكار (جامعة الشيخ أنتا ديوب)، التي كانت آنذاك أكبر جامعة في غرب أفريقيا، ومن ثم لقب بـ"الفيلسوف" لدراسته الفلسفة، وفي تلك الفترة لفت الأنظار بميوله اليسارية خلال نشاطه الطلابي، ثم عمل مدرسا لدى عودته إلى بلاده.
التجربة السياسيةدخل بازوم عالم السياسة مبكرا، فلم يكد يتجاوز الثلاثين من عمره حتى تولى منصب وزير الدولة للتعاون في الحكومة الانتقالية لرئيس الوزراء أمادو شيفو في الفترة من 1991 إلى 1993.
وفي انتخابات أبريل/نيسان 1993 انتخب لعضوية الجمعية الوطنية مرشحا للحزب الديمقراطي الاجتماعي، ثم شغل منصب وزير الشؤون الخارجية والتعاون والتكامل الأفريقي والنيجريين في الخارج بحكومة حمة أمادو في 21 يناير/كانون الثاني 1995.
كان لبازوم علاقة تاريخية طويلة بالرئيس المنتهية ولايته محمد يوسوفو، فقد شارك معه في تأسيس "الحزب الوطني الديمقراطي الاجتماعي" عام 1990، ثم صار نائبا للحزب عام 2004، ثم تولى رئاسته عام 2011 بعد تولي يوسوفو رئاسة الجمهورية، وفقا للشرط الذي يقضي بأن رئيس الدولة لا يشارك في السياسة الحزبية.
انتخب 4 مرات نائبا في الانتخابات البرلمانية التي جرت أعوام (1993، و2004، و2011، و2016) عن دائرة تيسكر بمنطقة زيندر جنوب شرق البلاد، ثم انتخب نائبا لرئيس مجلس الأمة ورئيسا للكتلة النيابية لحزبه.
انتقل بازوم إلى منصب وزير الدولة برئاسة الجمهورية في 25 فبراير/شباط 2015، ومنحته هذه الخطوة فرصة التركيز على قيادة الحزب تحسبا لمسعى يوسوفو لإعادة انتخابه عام 2016.
انتخب بازوم عضوا في المجلس التشريعي بالانتخابات النيابية في فبراير/شباط 2016، وبعد أن أدى يوسوفو اليمين الدستورية لولاية ثانية، عُين بازوم وزير دولة للداخلية والأمن العام واللامركزية والشؤون العرفية والدينية في 11 أبريل/نيسان 2016، وظل يشغل المنصب حتى صيف 2020، عندما استقال من منصبه للاستعداد للترشح للانتخابات الرئاسية.
يشهد له السياسيون الذين اقتربوا منه بأنه كان وزيرا فاعلا في الشؤون الخارجية، وصاحب قبضة مهيمنة خلال توليه منصب وزير الداخلية، حيث يحفظ ويعي جيدا طوبوغرافيا بلاده وقام بمسح كل زاوية وركن فيها.
بازوم رئيسا
وفي أبريل/نيسان 2021 أدى بازوم اليمين الدستورية ليعين رئيسا للبلاد في حدث سياسي نادر في تاريخ النيجر منذ استقلالها عن فرنسا، حيث نقلت السلطة سلميا من رئيس مدني منتخب ديمقراطيا (محمد يوسوفو) لآخر، بعد إنهائه فترتين رئاسيتين دون تعديله الدستور ليحظى بثالثة ودون انقلاب عسكري بعد 4 انقلابات منذ الاستقلال. وقد نُصِّب بازوم بعد يومين من إحباط محاولة انقلاب عسكري.
وشكّلت هذه الانتخابات التي انتهت جولتها الثانية في 21 فبراير/شباط سابقة غير مألوفة في البلاد سمحت بصعود رئيس من الأقلية العربية في بلد تحكمه العصبية القبلية. وأدى بازوم اليمين في "المركز الدولي للمؤتمرات" في العاصمة نيامي بحضور عدد من رؤساء الدول الأفريقية.
وحقق بازوم فوزا صعبا وحصل على 2.5 مليون صوت، مقابل 1.9 مليون صوت لصالح خصمه ماهمان عثمان، أي أكثر من 55% من الأصوات، وقال بازوم بعد أدائه اليمين الدستورية إن النيجر "تواجه وجود مجموعات إرهابية تجاوزت همجيتها كل الحدود" وتقوم "بارتكاب مجازر بحق المدنيين الأبرياء على نطاق واسع وترتكب أحيانا جرائم حرب حقيقية". وأن قادة المجموعات الإرهابية "يخضعون لسيطرة دول أخرى".
وكانت توجهات بازوم التي أعلنها يوم تنصيبه التركيز على ثروات بلاده المعدنية لما يمكن أن تساعد في تحقيق نمو اقتصادي سنوي بنسبة 8% تقريبا خلال خمس سنوات، ورغم ذلك أكد أن تحديات المناخ والأمن تعوق التنمية.
وأضاف أن مشكلة النيجر الأساسية منذ استقلالها ضعف نظامها التعليمي، وأكد قائلا إنه سيجعل إصلاح النظام التعليمي والأمن أولوية له.
ومن التحديات التي واجهت بازوم إبان تسلمه الرئاسة قضية الهجمات الجهادية المستمرة من تنظيمي "القاعدة" و"الدولة الإسلامية" غربي البلاد على الحدود مع مالي وبوركينا فاسو، وجماعة "بوكو حرام" النيجيرية في شرق البلاد، لكنه أعلن تخطيطه تعزيز الأمن في النيجر بالتعاون مع الدول المجاورة وفرنسا وأميركا.
اتهاماتتقدمت شخصيات معارضة بطلب إلى المحكمة الدستورية (أعلى قضائية في النيجر) متهمة محمد بازوم بتزوير جنسيته النيجرية، وقالت إنها لن تعترف بفوزه بالرئاسة وستستمر في الاعتراض على نتائج الانتخابات.
وقد أثارت هذه القضية غضب بازوم خلال الحملة الانتخابية، لكن معاونيه اعتبروا الأمر "تافها ولا يستحق"، وأشاروا إلى أن والد منافسه من تشاد. وقد رفضت المحكمة طلب شطب ترشيحه.
ومن الاتهامات الأخرى التي طالته كانت قبل إعلان نتائج الجولة الأولى من الانتخابات بفترة وجيزة، حيث زعمت حملة منافسه ماهمان عثمان (أول رئيس منتخب في البلاد) وقوع عمليات تزوير واسعة النطاق، بما في ذلك سرقة صناديق الاقتراع وحشوها وتهديد الناخبين. وقال مساعدو بازوم إن الحملة لم تقدم أي دليل يدعم هذه المزاعم.
وقد كان عثمان يأمل في الفوز بالرئاسة للمرة الثانية، مدعوما بقبيلة الهوسا القوية التي ينتمي إليها ويقدر تعداد أفرادها بنحو 50% من إجمالي السكان البالغين 24 مليون نسمة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: محمد بازوم منصب وزیر
إقرأ أيضاً:
نكبة فلسطينية أم انقلاب عربي؟
قد يبدو غريبا ـ ربما شاذا ـ أن نتحدث عن أمل في عتمة اليأس، أو أن نمتدح تدفق شلالات النور في قلب الظلام الدامس، وقبل أكثر من عشرين سنة، كانت الأحوال على ما قد نتذكر، كان الجنرال آرييل شارون قد أكمل لتوه اجتياح الضفة الغربية، مدنا وقرى ومخيمات، وكانت السكين تقترب من رأس الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وكان الوضع العربي عموما على ما نعرف من العجز وبؤس المشهد، وفي غمرة الانفعال باللحظة المؤسية، كتبت وقتها تعليقا على ما جرى في الأمة المنكوبة حكاما وشعوبا، نصا «هذه أمة لا يغفر الله لعصاتها، ولا يستجيب لدعاء تقاتها»، ومن شرفة التاريخ اليوم، يبدو ما كتبت وقتها ظلما لما كان، ولا يقاس سلبا إلى ما يقع اليوم، أو لا يقع، فلم تعد لأوصاف من نوع الانهيار والقعود والخيبة والخيانة إن شئت، من معنى يعقل، بل تعدت الأمة حكومات وشعوبا حواجز التردي كلها، وتعدت القاع إلى قاع القاع، ولم يعد للأمة المهزومة المخذولة من معنى مرئي، وانتهت إلى جثة، صارت في طور «التحلل الرمى» بمجازات التشريح الطبي.
وأيا ما كان تعريفك للأمة عربية كانت أو إسلامية، فحالة «التحلل الرمى» أقرب وصف للأمة إياها، وعلى الجبهة الفلسطينية الأمامية، تجرى أهوال يوم القيامة، والعذاب الأسطوري للشعب الفلسطيني، الذى يذبحونه بالجملة، وتقطع أشلاؤه كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة، وحمم النار تحرق كل شيء بشرا وحجرا وشجرا.
وتتلاحق صور المحرقة المهلكة بالصوت والصورة، تستصرخ الضمائر الحية في عواصم بعيدة، بينما لا حس ولا خبر ولا آهة ألم في ما نسميه مجازا بعوالم العرب والمسلمين.
وعلى النحو الغالب الأعم، لا في الشوارع ولا في قصور الحكم، والكل ـ تقريبا ـ يدير ظهره ويشيح بصره حتى لا يرى حقول الدم، إلا من عصم ربك وهم قليل، وفي ساحات بعينها لعل أظهرها في اليمن الأشد فقرا وعاصمته العزيزة صنعاء، التي تخلو من البهارج والقصور وليالي «الهنك والرنك» وموائد الطعام الممدودة، فهم يحصلون على ما يسد الرمق بالكاد، وينافسون بجوعهم ما يجري من مجاعة مفروضة على أهل فلسطين، لكنهم يرسلون صواريخ النجدة يوميا إلى فلسطين المحتلة، التي وإن جرى اعتراضها وإسقاط أغلبها قبل تدمير أهدافها داخل كيان الاحتلال، فإنها تقتل الروح المعنوية لمستوطني الكيان، وتصيب ملايينهم بالفزع والرعب، والفرار إلى الملاجئ، وتهزمهم بالخوف قبل شظايا الصواريخ.
وأيا ما كان رأيك ورأيي في «الحوثيين»، وما فعلوا مع غيرهم باليمن الممزق المتألم، فقد تحولوا إلى ظاهرة كاشفة لمعدن الأمة الغائب، ولقدرتها المحجوزة في أكفانها، وهذا هو الوجه الآخر المغيب لظاهر الموات و»التحلل الرمى» العربي المعمم، تماما كما أن صمود الفلسطينيين الإجباري، وخبزهم لتراب وطنهم بأنهار الدماء، ومحنتهم التي جعلتهم «شعب الله المختار» في زماننا بامتياز، وتخلق تاريخا جديدا طالعا من رماد، لا تخبو فيه أمارات المقاومة الإعجازية من عشرات آلاف الشباب، يسكنون كما شعبهم في العراء وبين الأنقاض، وفي أنفاق تحت الأرض وفوقها، ويصنعون خبزهم ـ كفافهم وقنابلهم وعبواتهم ورصاصهم الذي لا ينفد.
ولا تزال السيرة باقية إلى الأجل غير المعلوم، وتلهم القادمين على ضفاف فلسطين في لبنان الذي يشتعل جمره تحت الرماد، وتظهر نداء الشهيد «محمد الضيف» «حتى في سوريا، التي يلحقونها بأمن «إسرائيل»، ويقتطعون من لحمها لتأكل «بهائم إسرائيل»، وتعبير «البهائم» ليس من عندي، بل هو لكاتبة «إسرائيلية» غاضبة من قطيع المعتاشين على الدم الفلسطيني، وصفت به في صحيفة «هآرتس» مسيرات أعلام المستوطنين، وهم يجتاحون المسجد الأقصى في ذكرى النكبة الكبرى، ويدنسونه بصلواتهم ورقصاتهم «التلمودية»، ويعدون لهدم «الأقصى» وإقامة هيكلهم المزعوم على أنقاضه.
ما أردت قوله إن كل عدوان يزكي نقيضه، وكل موات تبعثه فيه حياة جديدة، مهما عصف الألم وسالت الدماء واستبد الطغيان الوحشي، وإن ظلامنا الدامس لا يخفي شرر النور في رماده، وإن لحظات المآسي تعقبها ـ ربما ترافقها ـ المغازي الكفاحية النبيلة، فوقت أن كتبت قبل أزيد من عشرين سنة ما كتبت، وكدت أنعى الأمة التي نساها الله فأنساها نفسها.
كانت عيني كغيري على ظاهر التدهور والانحدار، مع أن أمة الحقيقة على الجانب الآخر، كانت تصنع بدماء المقاومين القلة تاريخا آخر، كان عبر وقتها من تحرير جنوب لبنان بالدم الذي كسر السيف، وانتقل إلى فلسطين المحتلة مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ونجح في دفع العدو المحتل إلى الجلاء من طرف واحد عن غزة، التي تحولت بعدها رغم القهر والحصار إلى فلسطين مصغرة مكثفة، خاضت حروبا ضارية وحدها، هي أطول حروب عرفها تاريخ الصراع مع العدو «الإسرائيلي» الأمريكي.
ووصلت إلى ذروتها بعد زلزال السابع من أكتوبر 2023 الذي أعلن فيه محمد الضيف بيانه الأول من وراء الظلال، وعلى مدى عشرين شهرا إلى اليوم، كانت حرب الإبادة كفيلة بمحو أمة الملياري نسمة، لكنها عجزت عن كتم أنفاس «غزة» ذات المليونين، التي ظلت وتظل تصرخ وتنزف وتجوع وتعرى وتقاوم، وصهرتها النيران والمحارق والمجازر.
وحولت أهلها إلى صورة هي الأصفى والأنقى لجوهر الأمة الذاهلة الغائبة في موات طويل ذليل، لكن «غزة» الدامية ذاتها، سوف توقظ الأمة ولو بعد حين، من رقدة أهل الكهف، فقد نتلفت إلى ما يجري هنا أو هناك، ولا نجد ظاهرا غير قبض الريح والهوان بلا آخر، وهدايا تريليونات الدولارات إلى دونالد ترامب قرن الشيطان وقائد حرب الإبادة الجماعية والاجتثاث العرقي، مع خزي الأنظمة وحكامها، ومباريات الممالك، وتسابقها للفوز بمحبة الكاوبوي ترامب ورضا بنيامين نتنياهو، ومسارعة البعض من غير المرضي عنهم إلى «إعادات تموضع»، وإلى استدارات تكتيكية في المكان نفسه، لكن أحدا في ختام الأمر لن ينجو من مضاعفات وأهوال يوم القيامة في «غزة».
فما جرى ويجري ليس نهاية قصة ولا نكبة فلسطينية جديدة، كما يحلم المتخاذلون وغربان الشؤم، بل نحن ـ في ما نظن ـ على أعتاب انقلاب عربي جديد، لن تستقر معه صورة الشرق الأوسط الجديد المستهدف، ولن تدوم فيه سيادة «إسرائيل» على ما عداها، ولا الترتيبات التي أعدوا لها، ويشرعون فيها، لا إلى الشرق والشمال من جغرافيا كيان الاحتلال، ولا في الغرب والجنوب بالذات، ربما نكون بصدد حركات مقاومة جديدة طالعة من غرس الدم، وبصدد تغييرات سياسية واستراتيجية فيها طابع الإجبار لا الاختيار،.
وكما تزحف المخاطر داهمة بإفناء الفلسطينيين ودفعهم إلى التهجير، فإن دماء «غزة» ودمارها، تعلم المحبين والكارهين، أن الخضوع للكيان «الإسرائيلي» ليس فرضا ولا سنة، ولا شرطا لحياة ولا لبقاء، ولا الركوع لسيد البيت الأبيض من لزوم ما يلزم في الصلوات الخمس، خصوصا أنهم جربوا الوصفة المسمومة على مدى نصف قرن ويزيد، فلا هي صانت أوطانا ولا حمت عروشا ولا كفلت عيشا كريما، والعودة إليها غباء مطلق، وبالذات مع ما يجري عاصفا متلاحقا من تغيرات في خرائط القمة الدولية، التي لا تشير أبدا إلى اتصال طغيان أمريكا وانفرادها بمصائر العالم، وهي التي مشت على بطنها مضطرة لعقد اتفاق وقف نار مع جماعة بمقاس «الحوثي»، بعد أن طاشت غارات ترامب وحاملات طائراته وقوته المسلحة «العظمى» مع الريح، فما بالك إذا استيقظت قطاعات أكبر من الأمة المغيبة في مواتها، ووعت درس التحدي الذى يصنع المعجزات.
والخلاصة فيما يجري اليوم وغدا، أن من يريد أن يشتري يأسا، فبضاعته في السوق كثيرة مغرية، لكنه اليأس الذى ينجب أملا يبدو لناظره مستحيلا، ونحن لا ننظر بل ننتظر بعد كل هذا القتل والدمار والنيران، وقد زالت وتزول معه كل ممالك الأوهام، وثبت أن طلب السلام مع كيان العدوان الهمجي ليس له من معنى، إلا أن يكون خضوعا واستسلاما، لن يحفظ حتى رقاب المستسلمين والخانعين، فطوفان النيران يزحف، ولن يحفظ أمنا لأحد، حتى لو طبعت كل الدول العربية مع «إسرائيل» كما قال رئيس أكبر دولة عربية، فلم تعد «إسرائيل» تطلب مزيدا من «تطبيع»، بل تريد «التتبيع» الكامل، والاستيلاء المباشر على الأرض ودهس العرض، والحكام الذين يطلبون وظائف الخدم في البيت «الإسرائيلي»، لا يخدعون أحدا بأقنعة شرق أوسط جديد ولا قديم.
القدس العربي