غياب المطبخ المركزي العالمي يلحق ضررا بالأمن الغذائي في غزة
تاريخ النشر: 10th, April 2024 GMT
غزة- تسبب تعليق منظمة "المطبخ المركزي العالمي" عملها في قطاع غزة بضرر كبير في قدرة الكثير من الفلسطينيين على توفير الطعام لعائلاتهم، وذكر مسؤولون ومراقبون في أحاديث منفصلة للجزيرة نت أن غياب المنظمة الدولية أحدث فراغا لم تملأه جهات إغاثية أخرى حتى الآن.
وكانت المنظمة قد قررت في 2 أبريل/نيسان تعليق عملها بشكل مؤقت في القطاع، بعد مقتل 7 من أعضاء فريقها بغارة إسرائيلية، وطالب مؤسس المنظمة الطاهي خوسيه أندريس، في حسابه على منصة "إكس" الحكومة الإسرائيلية بـ"التوقف عن القتل العشوائي وعن تقييد المساعدات الإنسانية، وقتل المدنيين وعمال الإغاثة، والتوقف عن استخدام الغذاء سلاحاً".
وتعمل "المطبخ المركزي العالمي"، وهي منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة، على تقديم المساعدات الغذائية في المناطق المنكوبة بالعالم أو مناطق النزاعات والحروب، حيث أعلنت نهاية الشهر الماضي أنها وزعت 42 مليون وجبة في قطاع غزة خلال أيام الحرب، وكانت مساعدات المطبخ الغذائية توزع بشكل خاص على المستشفيات ومراكز الإيواء.
فراغ لم يُملأيقول المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح الدكتور خليل الدقران إن "المطبخ كان يقدم خلال شهر رمضان 3 آلاف و200 وجبة يومية، ما بين إفطار وسحور للمرضى والجرحى والعاملين في المستشفى، كما كان يقدم قبل شهر رمضان 1600وجبة يومية".
وذكر الدقران في حديث خاص للجزيرة نت أن "المطبخ قدّم قبل فترة 1300 طرد غذائي لنزلاء وموظفي المستشفى"، لكن ومنذ تعليق عمل المطبخ في بداية الشهر الجاري، توقفت كافة المساعدات الغذائية التي كان يحصل عليها المستشفى دون أن يتمكن من تعويضها من جهات أخرى.
وقال أحد موظفي فريق المطبخ في قطاع غزة، إن تعليق العمل أحدث فراغا كبيرا، ولم ينجح أحد في ملئه حتى الآن، وذكر الموظف الذي تحدث للجزيرة نت وطلب عدم الكشف عن هويته؛ لأنه غير مخوّل بالحديث لوسائل الإعلام، إن "المطبخ كان يموِّل قبيل قرار توقيف العمل، نحو 80 مطبخا في وسط وجنوب القطاع".
وأوضح المتحدث نفسه أن غالبية المطابخ، والتي تبلغ نحو 70 مطبخا، كانت في مدينة رفح، التي تضم أكثر من مليون شخص غالبيتهم من النازحين، وقال إن المنظمة الدولية كانت تُشرف وتمول المطابخ، وتمدها بالمواد اللازمة لتجهيز الطعام وتوزيعه على المحتاجين.
وأضاف "كنا نمد المطابخ بالمواد اللازمة، كالأوعية الكبيرة والبقوليات والبهارات واللحوم، وكل ما يلزم"، وحذر من أن استمرار تعليق عمل المطبخ، أو عدم ملء الفراغ من قبل مؤسسات أخرى، سيتسبب في جوع كثير من الناس.
وتابع "الناس تسألنا كل يوم: متى ستعودون للعمل؟ فهم يعتمدون على المطبخ بشكل أساسي، وبدونه ممكن أن يجوعوا فعلا"، وأعرب عن أسفه لعدم تمكن أي جهات إغاثية أخرى من سد الفراغ الذي أحدثه تعليق عمل المطبخ.
وحول طبيعة عمل المطبخ في غزة، قال الموظف إنه كان يندرج ضمن 3 مستويات، أولها تقديم الطعام لنزلاء المستشفيات والهيئات الطبية والعاملين فيها، أما الثاني فهو خاص بالنازحين في مراكز الإيواء.
وتمثل المستوى الـ3 باستقبال الفلسطينيين الذين تُجبرهم إسرائيل على النزوح من شمالي القطاع إلى جنوبيِّه، حيث أقامت "نقطة ترحيبية" بالقرب من وادي غزة لاستقبالهم، وتقديم الإغاثة لهم.
وحول إمكانية عودة المؤسسة للعمل في القطاع، علم الموظف أنها لن تتم قبل أن تتلقى المنظمة ضمانات حقيقية بعدم تكرار استهداف إسرائيل لطواقمها، وأعرب عن اعتقاده أن الاعتداء على طاقم المنظمة كان مقصودا، ويهدف إلى منعها من العمل في مناطق شمالي قطاع غزة التي تعاني من المجاعة.
وذكر المصدر ذاته أن المطبخ المركزي كان يخطط لـ"إغراق شمالي القطاع بالمساعدات الإغاثية"، وكان يعمل على إنشاء مطبخين كبيرين، الأول في مدينة غزة، والثاني في محافظة شمال القطاع، لتقديم عدد كبير من الوجبات الغذائية اليومية للسكان.
وأشار كذلك إلى أن المؤسسة ساهمت في تشغيل نحو 300 فلسطيني، ما بين طباخين وخبازين وإداريين وسائقين وغيرهم، وهم بدورهم يعيلون مئات الأسر.
تعميق المجاعةأكد مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة أن "تعليق عمل المطبخ المركزي عمله ترك ضررا كبيرا وآثارا سلبية، كان لها تأثير واسع على شريحة كبيرة من النازحين والمرضى والطواقم الطبية".
وأضاف الثوابتة للجزيرة نت "كان المطبخ المركزي العالمي يقدم وجبات الطعام اليومية للآلاف من هؤلاء، ولكن بعد توقف عمله حُرموا من الوجبة التي كانت توفر لهم مصدرا غذائيا مهما، في ظل استخدام الاحتلال لسياسة التجويع وتعميق المجاعة في محافظات قطاع غزة".
ورأى المتحدث ذاته أن توقف عمل المطبخ فاقم مشكلة الجوع بشكل أكبر مما كانت عليه، حيث كانت آلاف الأسر النازحة والجرحى والمرضى يعتمدون على المطبخ لتوفير وجبات الطعام اليومية.
كما ذكر أن "توقف عمل المطبخ تسبب في حرمان آلاف المستفيدين من التغذية السليمة، حيث كان يوفر وجبات متوازنة غنية بالعناصر الغذائية، مما يساهم في تحسين صحة النازحين والجرحى والمرضى، خاصة الأطفال وكبار السن".
وحسب إسماعيل الثوابتة فإن هذا التوقف يزيد من الضغط على الأسر النازحة وعلى الجرحى والمرضى، حيث يفاقم مشكلة الفقر ويضطر هؤلاء إلى توفير المال لشراء الطعام، مما يزيد من الضغط المالي عليهم، ويؤثر على قدرتهم على تلبية احتياجات أخرى ضرورية.
ودعا الثوابتة المطبخ المركزي العالمي إلى ضرورة العودة إلى العمل والاستمرار بتقديم الوجبات لسكان القطاع، لإنقاذهم من الواقع المعيشي الصعب الذي يعيشونه.
ويتفق الخبير الاقتصادي محمد أبو جيّاب مع الثوابتة في أن غياب المطبخ المركزي تسبب بضرر فادح للأمن الغذائي في غزة، وقال أبو جياب للجزيرة نت "المطبخ كان عاملا مهما في معالجة أزمة فقدان الأمن الغذائي، واستطاع خلال الشهور الماضية سد فراغ كبير في موضوع توفير الوجبات الغذائية للأفراد والعائلات، من خلال سلسلة طويلة من التكيات التي كانوا يمولونها سواء بإمدادها بالمواد أو إنشائها من الصفر".
واستدرك بالقول "لكن يبدو أن إسرائيل لا تريد لمن يعالج هذه الأزمة أن يمضي قدما في هذا المجال، وذلك أن هذه المؤسسة لها خطط كبيرة مع منظمات دولية ومحلية لمحاولة إدخال كميات كبيرة من المساعدات"، وطالب المؤسسات الإغاثية الدولية والمحلية بضرورة العمل العاجل على محاولة سد الفراغ الذي أحدثه غياب المطبخ المركزي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات المطبخ المرکزی العالمی للجزیرة نت قطاع غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
أمننا الغذائي.. تحديات وحلول
سالم البادي (أبو معن)
الأمن هو مفهوم واسع يشمل جوانب متعددة من الحياة، يُمكن أن يُشير إلى الأمن الشخصي مثل الحماية من الجريمة والعنف، يمكن أن يشمل الأمن القومي الذي يتعلق بحماية الدولة من التهديدات الخارجية، بالإضافة إلى أنه يمكن أن يشير إلى الأمن الاقتصادي الذي يتعلق بتوفير فرص عمل وظروف معيشية مستقرة.
لكن ما يهمنا في مقالنا هذا هو الأمن الغذائي الذي يضمن توفر الغذاء السليم والكافي والآمن والمغذي للسكان.
وبلا شك أنَّ الأمن الغذائي هو مسألة بالغة الأهمية، فهو يمثل حجر الزاوية للاستقرار والازدهار في أي دولة بالعالم وهو مُقلق لجميع الدول، وبدونه تصبح حياة البشر مُهددة، وتتعرض المجتمعات لخطر الاضطرابات والمشاكل الصحية.
ما الفرق بين الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي من الغذاء؟
الأمن الغذائي يعني أن جميع الناس في جميع الأوقات لديهم إمكانية الوصول إلى الغذاء الكافي والآمن.
أما الاكتفاء الذاتي من الغذاء فهو قدرة الدولة على إنتاج ما يكفي من الغذاء لتلبية احتياجات سكانها دون الحاجة إلى الاستيراد.
الاكتفاء الذاتي يمكن أن يساهم في الأمن الغذائي، ولكنه ليس بالضرورة مرادفًا له. والدولة قد تكون مكتفية ذاتيًا من بعض أنواع الغذاء، لكنها تعتمد على الاستيراد في أنواع أخرى أو قد تكون لديها القدرة على الإنتاج، لكنها لا تضمن وصول الغذاء إلى جميع السكان.
بيد أنَّ الأمن الغذائي يتطلب توفر الغذاء من مصادر متنوعة؛ سواء من الإنتاج المحلي أو الاستيراد، بالإضافة إلى ضمان القدرة على الحصول على الغذاء.
وتشير الإحصائيات إلى أن سلطنة عُمان تستورد ما يصل إلى 70 بالمائة من المنتجات الغذائية.
والاقتصاد العُماني يعتمد بشكل كبير على استيراد اللحوم من الجمال والأبقار والماعز والأغنام والدجاج من دول مختلفة لتلبية احتياجات السوق العُماني.
وتُظهر أرقام صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، أن معدل استهلاك السلطنة للحوم الحمراء يزيد عن 43 كيلوجرامًا للفرد سنويًا.
وتشير الأرقام إلى أن السلطنة جاءت في المرتبة الخامسة عربيًا في نسب استهلاك اللحوم خلف فلسطين والكويت والإمارات والسعودية.
وتستورد سلطنة عُمان المواد الغذائية من عدد كبير من الدول، من أبرزها الإمارات العربية المتحدة، والسعودية، والهند، والصين، وقطر، وعدد من الدول الأخرى.
بالرغم من الإمكانيات المادية والموارد في سلطنة عُمان إلا هناك عدة تحديات تُعيق تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء ومنها:
أولًا: تُعد الظروف المناخية القاسية، مثل ارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه، تحديًا كبيرًا للزراعة التقليدية.
ثانيًا: المياه العذبة مورد نادر في السلطنة، والزراعة تتطلب كميات كبيرة من المياه، والاعتماد على تحلية المياه مكلف ويؤثر على التكلفة الإجمالية للإنتاج الزراعي.
ثالثًا: قطاع الزراعة يعتمد بشكل كبير على العمالة الأجنبية، مما يجعل الإنتاج عرضة لتقلبات سياسية واقتصادية، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف العمالة.
رابعًا: قد لا تكون السياسات الزراعية مواتية لتشجيع الإنتاج المحلي، وقد تكون هناك قيود على الاستثمار في الزراعة أو عدم وجود دعم كافٍ للمزارعين.
خامسًا: التوسع الحضري والصناعي والتجاري والسياحي على حساب الأراضي الزراعية يقلل من المساحات المتاحة للزراعة، مما يحد من القدرة على الإنتاج المحلي.
سادسًا: تواجه عمليات النقل والتخزين تحديات بسبب المناخ الحار والرطوبة، مما يؤثر على جودة المنتجات ويزيد من الفاقد.
سابعًا: المنتجات الزراعية المستوردة غالبًا ما تكون أرخص بسبب الدعم الحكومي في بلدان المنشأ، مما يجعل المنتجات المحلية غير قادرة على المنافسة.
ثامنًا: التغيرات المناخية تؤثر على أنماط هطول الأمطار ودرجات الحرارة، مما يزيد من صعوبة التخطيط للإنتاج الزراعي ويؤثر على الإنتاجية.
بشكل عام، إن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء في السلطنة يتطلب استثمارات كبيرة في التكنولوجيا الزراعية، وتحسين إدارة الموارد المائية، وتنويع مصادر الغذاء، وتغيير السياسات الزراعية لتشجيع الإنتاج المحلي.
وإليكم بعض الحلول المُقترحة المُبتكرة:
زيادة الإنتاج الزراعي من خلال تحسين التكنولوجيا الزراعية، وتوسيع الأراضي المزروعة، وتعزيز الممارسات الزراعية المستدامة. تحسين الوصول إلى الغذاء من خلال الحد من الفقر، وتوفير شبكات الأمان الاجتماعي، وتحسين البنية التحتية. يمكن أن تلعب التجارة دورًا مهمًا في تعزيز الأمن الغذائي من خلال توفير الغذاء من المناطق التي تنتجه بوفرة إلى المناطق التي تعاني من نقص فيه. يجب اتخاذ إجراءات للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتكيف مع آثار تغير المناخ. التعاون الدولي بين الدول لمواجهة التحديات التي تواجه الأمن الغذائي. دعم الاستثمار في التقنيات الزراعية والسمكية والحيوانية المبتكرة توفير الدعم المالي والفني واللوجستي للمزارعين والصيادين ومربي الحيوان، وتعزيز سلاسل التوريد المحلية، وتوفير الوصول إلى الأسواق. تشجيع التنوع في إنتاج الغذاء، وتقليل الاعتماد على عدد قليل من المحاصيل، وتعزيز الأمن الغذائي في مواجهة تغير المناخ والأزمات الأخرى. دعم تطوير محاصيل مقاومة للأمراض والآفات، والتي تتكيف مع الظروف المناخية المتغيرة. الاستثمار في تقنيات الزراعة الدقيقة، مثل استخدام الاستشعار عن بعد والذكاء الاصطناعي لتحسين إدارة الموارد الزراعية. دعم البحث في مجال التغذية، لتطوير استراتيجيات لتعزيز التغذية الصحية وتقليل سوء التغذية. توفير التدريب والإرشاد للمزارعين والصيادين ومربي الحيوان حول أفضل الممارسات المستدامة. الاستثمار في تحسين إدارة الموارد المائية، لضمان توفر المياه اللازمة لإنتاج الغذاء. تطوير سياسات للحد من هدر المياه والطعام من خلال تحسين التخزين والنقل والتوزيع. المشاركة في الجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ، الذي يؤثر على الأمن الغذائي العالمي. تبادل الخبرات والمعرفة في مجال الزراعة المستدامة والثروة السمكية والحيوانية مع الدول الأخرى. الاستثمار في الابتكار التكنولوجي في مجال الزراعة، مثل تطوير صناعة المبيدات واستخدام تقنيات الري الحديثة، وتطوير تقنيات الزراعة الذكية. الاستثمار في الخارج، من خلال شراء أراض زراعية في الخارج في دول مثل السودان ومصر وأوكرانيا ودول شرق آسيا، لزراعة المحاصيل الغذائية ولضمان الحصول على الغذاء وتوفيره. بناء مشاريع زراعية في الخارج، مثل مزارع الأرز والقمح ومصانع الأغذية. توفير برامج الإرشاد الحيواني لتوعية مربي الحيوانات بأهمية استخدام التقنيات الحديثة. تطوير البنية الأساسية لتسهم مشاريع الموانئ البحرية ومخازن الحبوب في دعم الإنتاج والتوزيع. التركيز على المحاصيل الاستراتيجية مثل التمور لزيادة نسب الاكتفاء الذاتي. تشجيع ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للاستثمار في مشاريع الأمن الغذائي. التكاملية بين جميع القطاعات الحكومية والأكاديمية والبحثية والعلمية والمجتمعية في منظومة الأمن الغذائي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية في سلطنة عُمان.ومن خلال هذه الإجراءات والمقترحات، يمكن للدولة أن تؤدي دورًا فعالًا في تعزيز الأمن الغذائي والمساهمة في تحقيق الاكتفاء الذاتي.
الخلاصة.. إن الأمن الغذائي هو قضية معقدة تتطلب حلولًا متعددة الأوجه. من خلال زيادة الإنتاج الزراعي والسمكي والحيواني، وتحسين الوصول إلى الغذاء، وتعزيز التجارة، والتصدي لتغير المناخ، والتعاون الدولي، يمكننا المضي قدمًا نحو عالم يتمتع فيه الجميع بالأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي.
رابط مختصر