الحليب البقري في مواجهة الحليب النباتي.. أيهما أقوى؟
تاريخ النشر: 13th, April 2024 GMT
رغم أن حليب الأبقار ما يزال الأوسع انتشارا في جميع أنحاء العالم، فإن السنوات الأخيرة شهدت اعتماد المزيد من الناس على حليب النباتات، وخصوصا المصنوع من اللوز والشوفان وجوز الهند وفول الصويا.
حيث تُظهر الأبحاث أن سوق الحليب النباتي العالمي الذي بلغت قيمته 35 مليار دولار في عام 2021، من المتوقع أن يصل إلى حوالي 123 مليار دولار بحلول عام 2030.
وهو ما يُعتبر "انفجارا في هذا السوق"، كما يقول كريستوفر غاردنر، خبير التغذية والأستاذ في مركز ستانفورد لأبحاث الوقاية بكاليفورنيا؛ الذي أشار في أحد كتبه، إلى أن مصادر الحليب النباتي أصبحت تشمل:
جميع أنواع المكسرات تقريبا (اللوز وجوز الهند والبندق والفستق والجوز والمكاديميا والكاجو). البقوليات (فول الصويا، والبازلاء، والفول السوداني، والترمس، واللوبيا). البذور (السمسم والكتان والقنب وعباد الشمس). الحبوب (الشوفان والأرز والذرة والقمح والكينوا). ثم حليب البطاطس؛ وحليب الموز، "الذي يُعد الأحدث".لهذا، وضع الخبراء حليب الأبقار في مواجهة حليب النباتات، للمقارنة بينهما من حيث:
الفيتامينات والمعادنيحتوي حليب الأبقار على جميع العناصر الغذائية اللازمة لتعزيز النمو، بما فيها فيتامين"بي 12″ (B12) والكالسيوم والبوتاسيوم والفوسفور؛ كما أن معظمه مدعم بفيتامينات إضافية كفيتامين"دي" (D)، الذي يضاف إلى حليب الأبقار منذ ثلاثينيات القرن الـ20، لحماية الأطفال من الكُساح.
أما بالنسبة للحليب النباتي، ففي دراسة أجريت عام 2023 على 233 نوعا منه؛ وجد الباحثون أن "70% من حليب النباتات يكون مدعما بالكالسيوم وفيتامين (دي)".
الأليافلا توجد أية ألياف في حليب الأبقار، لكنها موجودة بكميات متواضعة في العديد من حليب النباتات، حيث تحتوي بعض ماركات حليب الشوفان على 2-3 غرامات من الألياف لكل وجبة، بينما يحتوي حليب الصويا واللوز وبعض الأنواع الأخرى على كميات أقل.
ومع أنها كميات -رغم قلتها- قد تساعد في الوصول إلى الاحتياجات اليومية من الألياف، لكن اختصاصية التغذية المعتمدة، أبيجيل جونسون، توضح أننا "يجب أن نتناول 3 أكواب من الحليب النباتي على مدار اليوم، لكي نصل إلى نصف احتياجاتنا من الألياف، والأفضل أن نحصل عليها من البقوليات والحبوب الكاملة والفواكه والخضروات، مباشرة".
البروتينحليب الأبقار هو أحد رموز البروتين، حيث يحتوي الكوب الواحد من الحليب كامل الدسم أو قليل الدسم على 8 غرامات بروتين، وهو ما يجعله مصدرا غنيا لبناء العضلات؛ وترتفع هذه الكمية إلى 13 غراما لكل كوب من الحليب "فائق التصفية"، (يتم تصنيعه عن طريق تصفية بعض الماء واللاكتوز من الحليب العادي، وهذا ما يخلق تركيزا أعلى من البروتين).
في المقابل، وجد الباحثون أن الحليب النباتي يحتوي على نسبة بروتين أقل من حليب الأبقار؛ فهي أعلى ما تكون في حليب البازلاء، (7.5 غرامات من البروتين لكل كوب)، يليه حليب الصويا (6.1 غرامات من البروتين لكل كوب في المتوسط)، بينما يحتوي حليب اللوز على غرام واحد.
صحة العظامحددت منظمة الصحة العالمية الاحتياجات اليومية من الكالسيوم بـ500 ملليغرام، ويحتوي كوب من حليب جوز الهند على حوالي 460 ملليغراما من الكالسيوم، يليه حليب اللوز بحوالي 450 ملليغراما، ثم يأت حليب الأبقار الثالث في الترتيب بحوالي 310 ملليغرامات.
ورغم أن شركات صناعة الألبان -ومعها وزارة الزراعة الأميركية- قد أكدت لعقود، على أن حليب الأبقار ضروري لبناء عظام الأطفال؛ فإن الدراسات نبهت إلى أن "الإفراط في تناول كميات إضافية من ألبان الأبقار والكالسيوم، لا يُضاعف من قوة عظام الأطفال".
وأوصى والتر ويليت، أستاذ التغذية في جامعة "هارفارد تي. إتش"، بالحصول على الكالسيوم "من خلال اتباع نظام غذائي صحي ومتنوع، لا يعتمد على حليب الأبقار فقط، ولكن يتضمن الحليب النباتي والخضروات والحبوب الكاملة والأسماك والمكسرات والبذور".
الدهون والكوليسترولباستثناء حليب جوز الهند، الذي يحتوي على نسبة عالية من الدهون المشبعة (الدهون التي ترفع نسبة الكوليسترول الضار المرتبط بأمراض القلب)؛ فإن معظم أنواع الحليب النباتي "تحتوي على القليل من الدهون المشبعة، أو لا تحتوي على أية دهون".
فحليب الصويا -على سبيل المثال- يحتوي على كمية من الأحماض الدهنية، ذات التأثير الإيجابي على مستويات الكوليسترول في الدم، وهو ما يجعله مفضلا لخفض خطر الإصابة بأمراض القلب"؛ بحسب والتر ويليت.
في المقابل نجد معظم الدهون الموجودة في حليب الأبقار، هي دهون مشبعة؛ حيث تبلغ نسبة الدهون في كوب من حليب الأبقار الخالي من الدسم حوالي 0.2 غراما (1.4 غرام منها دهون مشبعة)؛ وتصل إلى 8 غرامات (4.5 غرامات منها دهون مشبعة) في كوب الحليب كامل الدسم.
ومع ذلك، لم يجد العلماء ارتباطا "بين استهلاك الألبان كاملة الدسم أو قليلة الدسم، وأمراض القلب"؛ ووجدوا أن منتجات اللبن الرائب والزبادي "قد تقي من أمراض القلب والأوعية الدموية".
الحليب النباتي ليس بديلاوفي معظم الحالات، "لا ينبغي اعتبار حليب النباتات بديلا لمنتجات الألبان الحيوانية"، وفقا لما قالته ميليسا ماجومدار، المتحدثة باسم أكاديمية التغذية، لصحيفة "نيويورك تايمز".
موضحة أن الاستفادة من حليب النباتات، تعتمد على النوع الذي تشربه، ومحتواه من العناصر الغذائية والفيتامينات، والسكريات المضافة؛ "حيث يمكن أن تحتوي بعض الأنواع على سكر مضاف أكثر من حلوى الدونات". وهو ما تؤكده أبيجيل جونسون قائلة: "إن أكثر من ثلث منتجات الألبان النباتية تحتوي على سكر بكميات تشبه الحليب ذا النكهات، كالحليب بالفراولة أو بالشوكولاتة".
ورغم محاولات تطوير الألبان النباتية لتتناسب مع العناصر الغذائية الموجودة في حليب الأبقار، توضح جاكي هافن، من مركز سياسات التغذية بوزارة الزراعة الأميركية؛ أن "العديد منها لا يوفر عناصر أساسية تجعله يحل محل حليب الأبقار، الغني بشكل طبيعي بالبروتين والزنك والكالسيوم والبوتاسيوم وفيتامينات "بي".
الحساسيةمع أن بعض منتجات الحليب النباتي يمكن أن تشكل "بدائل مهمة" لمن لديهم حساسية من تناول الحليب الطبيعي، تشير الدراسات إلى أن 68% من سكان العالم قد يكونون حساسين تجاه الحليب، بسبب عدم تحمل اللاكتوز الذي يؤدي إلى انتفاخ البطن والتشنج والتقلصات.
لكن الحساسية لا تقتصر على حليب الأبقار فقط، فقد وجد العلماء أن بعض أنواع الحليب النباتية، مثل حليب اللوز وحليب الصويا وحليب جوز الهند؛ "قد تثير ردود فعل تحسسية لدى بعض الناس أيضا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الحلیب النباتی حلیب الأبقار من الحلیب یحتوی على غرامات من من حلیب فی حلیب الذی ی وهو ما
إقرأ أيضاً:
في اليوم الذي يسمونه يوم القدس
في اليوم الذي يسمونه "يوم القدس"، لا يتم الاحتفاء بالقدس وإنما تتعرض البلدة القديمة للتدنيس، حيث تتحول مسيرة العلم الإسرائيلي، التي تنظم سنوياً تحت راية الفخر القومي إلى مشهد من مشاهد الكراهية التي لا حدود لها.
وهذا العام انحطت إلى قعر الخسة والفجور.
أوردت صحيفة هآريتز أن الفتيان الإسرائيليين انطلقوا في مسيرة عبر الحي الإسلامي وهم يهتفون "الموت للعرب"، "امسحوا غزة"، "لا توجد في غزة مدرسة، لم يبق فيها أطفال". كانت صواري الأعلام تدق في الأبواب العتيقة، بينما ينهال المشاركون في المسيرة بالسباب والشتائم على النبي محمد ويسخرون من ذكرى فلسطين.
لم يُلق القبض على أحد بتهمة التحريض.
في يوم القدس يتم فعلياً تجميد قانون التحريض، وتصبح الكراهية سلوكاً تحض عليه الدولة. ما تنطلق به الحناجر من شعارات ليس هتافاً موجهاً ضد حماس، وإنما إعلان حرب على العرب والمسلمين – وعلى روح المدينة نفسها.
وعلى النقيض من المزاعم بأن هذا من فعل مجموعة هامشية، تبدو الحقيقة أكثر بشاعة. فكما يلاحظ صحفي هآريتز نير حسون، الهاشميون ليسوا العنصريين، وإنما أولئك الذين يرفضون الانضمام إليهم.
وحتى المنظمات المتحالفة مع التيار اليميني السائد، مثل إم ترتوز المنتسب إلى الليكود، انطلقت عناصرها وهي ترفع لوحات كتب عليها "لا نصر بلا نكبة". تلقى مسرح الكراهية هذا تمويله بشكل مباشر من بلدية القدس، التي خصصت 700 ألف شيكل (ما يعادل 200 ألف دولار) – بدون مناقصة عامة – لدعم منظمي المسيرة.
الغزو والتطهير
هذه ليست فورة عاطفية، وإنما عقيدة قيد التطبيق، واستعراض للاهوت يقوم على الاعتقاد بالتفوق العنصري على الآخر، تتواجد في القلب منه رؤية تنبؤية ليس من أجل إقامة السلام أو التعددية وإنما من أجل الغزو والتطهير.
من أبرز مهندسي هذه الرؤية الحاخام إسحق غينزبيرغ، الأب الروحي لما يسمي "شباب رؤوس التلال"، وهي مليشيا مكونة من المستوطنين، تمارس العنف قتلاً وإفساداً في مختلف أرجاء الضفة الغربية. يشيد غينزبيرغ علانية بباروخ غولدستين الذي ارتكب مذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل في عام 1994 وأزهق أرواح 29 فلسطينياً بينما هم ركوع في صلاة الفجر بالحرم الإبراهيمي. بل نشر غينزبيرغ كتابات يحض فيها على قتل نساء وأطفال غير اليهود.
وكان غينزبيرغ قبل عقدين اثنين من الزمن قد ألقى خطبته الشهيرة بعنوان "حان الوقت لكسر الجوزة"، حيث شبه إسرائيل بثمرة محاطة بأربعة أغلفة – تتكون من الدولةل العلمانية ومؤسساتها – كانت لها من قبل غاية ومبررات، ولكنها باتت الآن عقبة تعيق الخلاص.
أعلن في خطبته أنه ينبغي تدمير هذه الأغلفة، ألا وهي الإعلام، والقضاء، والحكومة، والميثاق الأخلاقي للجيش. فقط من خلال القضاء عليها يمكن أن يبرز اللب الخالص للتفوق اليهودي ويمكن للعهد المهدوي أن ينطلق.
هذه ليست حالة من الفوضى وإنما عملية منظمة قيد تنفيذ.
إن الهتافات التي تردد صداها في طرقات القدس هذا العام لم تكن تشوهات، بل أعراضاً لمنظومة تخلصت من رداء الديمقراطية العلمانية. وما تبقى منها غير قومية عرقية ومهدوية معراة، رؤيتها مستمدة من سفر الرؤيا، وتوجهاتها تشي بارتكاب الإبادة الجماعية.
من الوزراء اليمينيين المتطرفين إيتامار بن غفير وبيزاليل سموتريتش، لم تعد النزوة مقصورة على الهمس، بل باتت تذاع على الملأ. في هذه الأثناء، انطلق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عبر نفق "طريق الحاج" تحت المسجد الأقصى، معلناً أمام طلاب المعاهد الدينية اليهودية: "سوف تنطلقون من هناك وتخرجون [إلى الهيكل]."
إلا أن سموتريتش، كعادته، كان أكثر صراحة، فقد أعلن في نفس ذلك اليوم، متحدثاً أمام جمهور من الأتباع المتحمسين: "بعون من الرب، سوف نوسع حدود إسرائيل، ونحقق الخلاص التام، ونعيد بناء الهيكل ههنا."
إن الدعوة إلى بناء الهيكل الثالث مكان المسجد الأقصى ليست مجرد انتهاك للوضع القائم، وإنما هي إعلان شامل للحرب الدينية، الأمر الذي يتبدد معه وهم التعايش، وذلك أن المشروع الصهيوني ليس إعلان حرب على المسلمين فقط، وإنما هو حرب معلنة على المسيحيين كذلك. ها هو الوجود المسيحي في القدس – بكل عراقته وأصالته وقدسيته – يتعرض للاستئصال بشكل منتظم.
حقبة جديدة
في وقت مبكر من عام 2023، أي قبل شهور من السابع من أكتوبر، حذر زعماء الكنائس من الهجمات المتصاعدة، ومن الاستيلاء على الأراضي، ومن الحصانة من المساءلة والمحاسبة التي تمنح لمن يرتكبون ذلك.
أعلن الأب دون بيندر، من كنيسة القديس جورج، قائلاً: "إن العناصر اليمينية المتطرفة عازمة على تهويد البلدة القديمة." أما الكاردينال بيتزابالا فقال إن عام 2024 كان "أسوأ فترة عشتها على الإطلاق." وبحلول عام 2025، مُنع المسيحيون من حضور الصلوات في عيد الفصح، وارتفع منسوب المضايقات التي يواجهونها والاعتداءات التي تتعرض لها ممتلكاتهم وأعمال التخريب. وغدا البصق على المسحيين روتينا، بحث عليه بن غفير ويصفه بأنه "تقليد يهودي".
هذه ليست أعمالا معزولة، بل جزءا من حملة منظمة. فالصهيونية لا تسعى فقط إلى الهيمنة على المدينة، وإنما إلى مسح خصائصها العربية والإسلامية والمسيحية كذلك.
ما نشهده ليس مجرد عنصرية، بل تهويد، مشروع الغاية منه إعادة تشكيل المدينة لتجسد عقيدة التفوق العرقي اليهودي.
ومع ذلك ثمة نموذج آخر ينبع لا من القهر بل على التعايش. في القرن السابع، كانت القدس المدينة الوحيدة التي شد إليها الخليفة عمر بن الخطاب الرحال لتسلم مفاتيحها، نزولا عند طلب زعيمها الديني المسيحي البطريرك صوفرونيوس. رفض عمر الصلاة داخل كنيسة القيامة خشية أن يراه المسلمين فيستحوذوا عليها لاحقا، وأدى الصلاة بدلاً من ذلك بتواضع على الدرجات في الخارج، ثم ألصدر مرسوماً بتحريم مصادرتها.
بل سمح العهد الإسلامي الجديد في القدس لليهود بالعيش في المدينة بعد أن كان ذلك محظوراً عليهم لعقود تحت الحكم البيزنطي. في كتابه بعنوان "التاريخ المقتضب لإسرائيل"، يلاحظ المؤلف بيرنارد ريتش أنه "منذ بداية الحكم الإسلامي، استؤنف التواجد اليهودي في القدس، ومُنح المجتمع اليهودي الإذن بالعيش تحت "الحماية"، وهو الوضع المتعارف عليه لغير المسلمين في ظل الحكم الإسلامي، والذي يصون حياتهم وممتلكاتهم وحريتهم في العبادة، مقابل دفع جزية خاصة وضرائب على الممتلكات."
بعد ذلك بقرون، وفي ظل تنازع الطوائف المسيحية على أحقية الإشراف على الكنيسة، عهد السلطان صلاح الدين بمفاتيح نفس تلك الكنيسة إلى عائلتين مسلمتين، آل جودة وآل نسيبة، ظلتا على مدى 850 عاماً هما من يفتح ويغلق أبوابها بكل إخلاص ونزاهة.
"القلق الصليبي"
هذه هي القدس كما ينبغي لها أن تكون، مدينة الأمانة لا الهيمنة، والتوقير لا التطهير.
إلا أن المعركة على روح القدس لم تنته، بل إنه الصراع الأكثر رمزية على الإطلاق، بين الغزاة وأهل البلاد، بين دعاة الإقصاء ودعاة الاستيعاب، بين عقيدة استيطانية استعمارية تعبد النقاء الخالص عبر العنف، ومدينة كانت عظمتها ذات يوم ثمرة تعدديتها المقدسة.
ثمة تشابه مع الحروب الصليبية. ففي عام 1099، اجتاحت جيوش الصليبيين القدس وذبحت الآلاف من المسلمين واليهود. واليوم، ها هم الصهاينة يرددون نفس منطق الصليبيين، ويستعيدون صورهم، وينهجون سبيلهم. من إيماءات نتنياهو حول الهيكل إلى عقيدة الإبادة التي يحملها غينزبيرغ، ها هي الصليبية تنبعث من جديد.
إلا أن ممالك الصليبيين تهاوت. فقد حرر صلاح الدين القدس من الصليبيين بعد ثمانية عقود من الاحتلال، وانهارت المغامرة الصليبية بأسرها خلال قرنين، تاركة خلفها ندوباً عميقة، وفي نفس الوقت عزماً قوياً وثابتاً على مقاومة الغزاة.
يشعر الجنود الإسرائيليون أنفسهم بهذه المقارنة. كتب المؤرخ ديفيد أوهانا يقول إن "القلق الصليبي" يطارد النفسية الإسرائيلية – إنها الخشية الدفينة من أن الصهيونية، كما كان حال سلفها في القرون الوسطى، قد تنتهي ذات يوم وكأنها لم تكن من قبل. وهذا حق، لأن القدس لا تجوز لمن ينتهكون حرمتها.
قد تحترق غزة، وقد تنزف الضفة الغربية، ولكن تبقى القدس هي درة التاج. مهما بلغ توحش الصهيونية، فإنها لن تتمكن من طمس ما تشكل بفعل التاريخ والجغرافيا والعقيدة. تعيش فلسطين في قلوب الملايين، والقدس ليست على الهامش من ذلك، بل إنها تتربع في القلب من العالمين العربي والإسلامي.
مهما حفر الصهاينة من أنفاق، ومهما رفعوا من أعلام، ومهما بثوا من أحقاد، سوف يستمر الفلسطينيون في الإنشاد، كما غردت ذات يوم المغنية اللبنانية المسيحية فيروز "يا قدس، يا مدينة الصلاة. عيوننا إليك ترحل كل يوم. تدور في أروقة المعابد، تعانق الكنائس القديمة، وتمسح الحزن عن المساجد .... وبأيدينا سنعيد بهاء القدس، بأيدينا للقدس سلام."
قد تكون مسيرة الكراهية صاخبة اليوم، ولكنها سوف تصمت يوماً لا محالة. وفي ذلك اليوم سوف تتحرر القدس من الاحتلال ومن الغلو ومن العنصرية، وسوف تعود إلى أهلها، لم تنكسر روحها، ولم تُنتقص قدسيتها.