ثلاثون عامًا مرت.. كيف تداعى إنكار الإبادة في رواندا ؟
تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT
يكتسب يوم 12 أبريل من كل عام أهمية تاريخية قصوى في رواندا. في مثل هذا اليوم من عام 1994، بعد الاستيلاء على جبل نياروراما المعروف أيضًا باسم ريبيرو من قبل الجيش الوطني الرواندي (RPA)، غادرت حكومة الإبادة الجماعية بقيادة ثيودور سينديكوبوابو ورئيس الوزراء عاصمة البلاد وتوجهوا إلى بلدة جيتاراما.
منذ ذلك الحين، وبعد مرور 30 عامًا، لم تعد القيادات التي حرضت وارتكبت الإبادة الجماعية إلى رواندا، ولن تعود أبدًا.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، خصص القانوني البولندي رافائيل ليمكين وقتا طويلا، لدفع البشرية للتفكير بعمليات القتل الجماعي. عمل على إعطاء اسم محدد لجريمة ارتكبت في أوروبا. قام ليمكين بجهد واستطاع في النهاية دفع العالم إلى اعتماد اتفاقية عام 1948 لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. بعد مرور 75 عامًا، هل يستمع العالم إلى صوت ليمكين؟
كما هو الحال دائمًا، الإجابة ليست حاسمة. من الواضح أن من قتل اليهود في أوروبا، يعتبرون وصمة عار على الإنسانية برمتها، لكن لا يزال هناك من لم يدرك معاني الإبادة الجماعية، وكيف ترتكب.
هنا في رواندا، نرى أن أحد مقاييس الالتزام بعمل ليمكين القانوني في تعريف الإبادة، هي مدة الاستجابة للإبادة عند وقوعها وما هي المواقف تجاه الإبادة الجماعية ضد التوتسي.
بدأت الإبادة الجماعية ضد التوتسي في رواندا قبل عام 1994 بكثير، منذ عام 1959 بالتحديد واستمرت حتى عام 1994. حينها، أعلنت مجموعة سمت نفسها قوة الهوتو /Hutu-Power ما سمته " الحل النهائي"، لما كانت تعتبره "مشكلة التوتسي" في إشارة إلى الروانديين المنتمين لإثنية التوتسي.
وهذا يحيلنا لتساؤل محتمل، كيف يمكن ابتداع مصطلح يتحدث عن "حل نهائي" يقصد به مجموعة ديموغرافية من سكان بلد صغير جغرافيًا في قلب إفريقيا. والإجابة في هذه الحالة، أن "الحل النهائي" ارتكز على محددات اتسمت فيها جميع المجازر وجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبت على مر العصور بحق شعوب حول العالم، والتي تبدأ بنية ارتكاب الإبادة نفسها.
الجريمة المروعة التي شهدتها رواندا، ارتكبها الروانديون ضد الروانديين، وقاتلها وهزمها الروانديون أنفسهم. نحن كروانديين يجب أن نفخر بأنفسنا بأننا هزمنا” فكر الإبادة“. ويجب الاعتراف أيضًا بأن الأيديولوجيت، الخطيئة الأصلية، قد تم زرعها ورعايتها في أذهان بعض الروانديين، من قبل المستعمرين الأوروبيين.
لولا الاستعمار البلجيكي، ولولا المبشرين الكاثوليك في إفريقيا المعروفين باسم «الآباء البيض»، لما كانت هناك إبادة جماعية ضد التوتسي في رواندا، ولما أنتجت ما تسمى “وصايا الهوتو العشر"، التي صورت التوتسي على أنهم " شياطين وثعابين"، ثم لاحقا باتوا وفق تلك الإيديولوجيا” صراصير“.
ازدواجية المعاييرقد أكون أطلت الشرح إذن، كيف يمكن للعالم الرد على الإبادة الجماعية ضد التوتسي في رواندا؟
لأن رواندا بلد صغير ليس له تأثير يذكر على العالم، قد يكون من السهل تجاهله. كانت المحرقة ضد اليهود جريمة ارتكبت في الغرب، وهو الجزء الأكثر نفوذاً في عالمنا.
وبينما يتعين على منكري الهولوكوست أن يهمسوا في زوايا مظلمة، فإن منكري الإبادة الجماعية ضد التوتسي الروانديين، يفعلون ذلك في وضح النهار، ويحاولون إعادة كتابة التاريخ أمام أعيننا. يتحدثون في الجامعات، وغالبًا ما ينالون الثناء حتى من قبل منظمات حقوق الإنسان المفترضة، مثل. قرأت مقالًا في صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 6 أبريل 2023 كان مليئًا بنغمات الإبادة الجماعية الأيديولوجية. وهكذا هو الحال مع BBC وVOA وThe Mail وGuardian… إلخ. هذا، دون ذكر اليوتيوب والمدونات وتويتر وما يتم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
في 6 أبريل 2023، عقد الاتحاد الأفريقي ومجلس السلام والأمن (AU-PSC) جلسة مفتوحة حول منع أيديولوجية الكراهية والإبادة الجماعية وجرائم الكراهية في إفريقيا. فيما يتعلق بالإنكار في ملاحظاتها الافتتاحية لهذا الحدث المهم، قالت السيدة ويريمو نديريتو، مستشارة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالإبادة الجماعية:
" إن إنكار أو تشويه حقائق المحرقة، والإبادة الجماعية ضد التوتسي في رواندا وفي سريبرينيتشا، والبوسنة والهرسك هو شكل متطرف من أشكال خطاب الكراهية الذي يمكن أن يشكل في حد ذاته استعدادًا لارتكاب إبادة جماعية أخرى. دعونا لا ننسى أن من ينكر هذه الفظائع غالبًا ما يرمي إلى صرف النظر عن مسؤوليتهم كم هذه الجرائم بمن في ذلك أولئك الذين حرضوا عليها وخططوا لها وأمروا بارتكابها وارتكبوها بحق ".
سيكون موقف بعض الأكاديميين والصحفيين، أنه "ربما كانت هناك إبادة جماعية"، لكنها كانت” أكثر تعقيدًا“. هذا بالطبع هو منطق” قوة الهوتو“، الذي يتسرب من خلال صحفيين سذج. من السهل القول إن” الأمور أكثر تعقيدا“، هل لأنها رواندا فقط. ألهذا لا يهتم أحد بما جرى فيها؟
خلاصةالتعتيم، هو ما قصده مخططو ومرتكبو الإبادة الجماعية، قبل أن يقتلوا ضحيتهم الأولى. لن يعترف أي من المتحمسين لمنظمة "قوة الهوتو" بوقوع إبادة جماعية ضد التوتسي. وكل هذه الأعمال، من إنكار للإبادة" تتم تحت غطاء” المعارضة“، ونشطاء حقوق الإنسان، والعاملين في المجال الإنساني، إلخ…
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات إبادة جماعیة
إقرأ أيضاً:
خبير في شؤون المجاعة يكشف مبررات إسرائيل في إنكار تجويعها لغزة
تستخدم حكومة الاحتلال الإسرائيلي نفس أسلوب مرتكبي المجاعات الحديثة للتغطية على سياسة التجويع التي تمارسها ضد قطاع غزة،وسط تواصل حرب الإبادة منذ أكثر من 21 شهرا.
ونشرت صحيفة "أوبزيرفر" مقالا لأليكس دي وال، وهو خبير في شؤون المجاعة ومدير مركز "ورلد بيس فاندويشن" بجامعة تافتس الأمريكي، والذي جاء بعنوان "دليل استخدام الذنب للتغطية على مجاعة غزة".
وأكد دي وال أن "المجاعة في قطاع غزة هي من صنع الإنسان، ومن تسببوا بها يبذلون قصارى جهدهم لإخفاء جريمتهم، وتتبع الحكومة الإسرائيلية نفس نهج العديد من مهندسي الكوارث خلال القرن الماضي.. والخطوة الأولى للتعمية على المجاعة هي منع الصحافيين".
وأضاف أنه "قبل أسبوعين، احتفلت أوروبا وأمريكا بالذكرى الأربعين لحفل لايف إيد، وقد حفز الفنان بوب غيلدوف على التحرك، بعما صوّر مراسلا تلفزيون بي بي سي، مايكل بورك ومحمد أمين، مجاعةً مدمرة كانت خفيةً حتى ذلك الحين، مع منع النظام العسكري الإثيوبي الصحفيين من الدخول لتجنب فضح الكارثة، وأنهم كانوا يستخدمون الطعام كسلاح حرب".
وأكد أنه "لم يُسمح لأي صحفي أجنبي بدخول غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، باستثناء المنضمين إلى وحدات الجيش الإسرائيلي، ويُغطي الصحفيون الفلسطينيون بانتظام، ويواجهون خطرًا كبيرًا ومشقة، قُتل أكثر من 170 صحفيًا، وتدرس وكالة فرانس برس الآن سحب صحفييها لأنها لا تريد لهم أن يموتوا جوعًا".
وذكر أنه "في مواجهة مجاعة اجتاحت البنغال عام 1943، منعت حكومة ونستون تشرشل الحربية الصحف من استخدام كلمتي "مجاعة" أو "الموت جوعًا" - حتى تحايل محرر صحيفة "ستيتسمان" على الحظر بنشر صور صادمة لا تحتاج إلى شرح، وكان الأوان قد فات بالنسبة لما يُقدر بثلاثة ملايين شخص ماتوا في مجاعة كان من الممكن تجنّبها".
وأوضح أن "إسرائيل والمدافعين عنها في واشنطن اعترضوا على كلمة "مجاعة" أيضا، في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، أصدرت شبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة الأمريكية (FEWS NET) تقريرًا يُظهر ظروف المجاعة في شمال غزة. ولأول مرة في تاريخ المنظمة الممتد لأربعين عامًا، اضطرت إلى سحب التقرير، وكما هو الحال مع البنغال، كسرت الصور الآن حاجز الإنكار".
وأكد "تستخدم شبكة FEWS، ونظيرتها في الأمم المتحدة، آلية التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، ثلاثة مقاييس لاختبار شدة الأزمات الغذائية - كمية الغذاء التي يحصل عليها الناس، ومعدلات سوء التغذية لدى الأطفال، ومعدلات الوفيات، وتتراوح مستوياتها بين المستوى العادي و"المُجهد"، مرورًا بـ"الأزمة" و"الطوارئ"، وصولًا إلى المرحلة الخامسة: الكارثة أو المجاعة. ويتطلب تحديد "المجاعة" أن تتجاوز المؤشرات الثلاثة عتبات معينة. هذا يعني أنه إذا أرادت حكومة ما منع الأمم المتحدة من إعلان "المجاعة"، فكل ما عليها فعله هو منع جمع البيانات".
وأشار إلى "رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، فعل هذا في ذروة الحرب ضد منطقة تيغراي عام 2021، كان يفرض حصارًا تجويعيًا مشددًا، ونشرت لجنة مراجعة المجاعة التابعة لآلية التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) تقريرًا يتنبأ بحدوث مجاعة في غضون ثلاثة أشهر إذا استمرت الحرب والحصار. استمرّت الحرب والحصار، لكن إثيوبيا طردت آلية التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)".
وقالت إثيوبيا إنه لا توجد بيانات عن المجاعة، وبالتالي لا وجود للمجاعة. وصعّبت "إسرائيل" بشكل متزايد جمع البيانات اللازمة لإظهار عمق الجوع الحقيقي، وكان وجود الأمم المتحدة على الأرض محدودًا. اعتمد آخر تقرير للتصنيف المرحلي المتكامل على مسح هاتفي، لكن أفقر الفلسطينيين غالبًا ما يفتقرون إلى الهواتف.
يستطيع العاملون الإنسانيون في التصنيف المرحلي المتكامل أن يروا المجاعة، لكن بياناتهم لا تثبت ذلك، لذا يستخدمون كل كلمة أخرى لوصف مدى فظاعة الوضع، بينما ترد "إسرائيل" بأنه لا توجد مجاعة.
وقال دي وال إن "أكثر حصيلة وفيات يُستشهد بها في غزة هي حصيلة وزارة الصحة التي بلغت 61,800، وتصف إسرائيل وغيرها هذه الوزارة بشكل روتيني بأنها وزارة صحة حماس، مما يعني أنه لا يمكن الوثوق بها".
وأضاف "توقعوا نفس القصة بالنسبة لأعداد وفيات الجوع. ستتهم إسرائيل الأمم المتحدة بالتحيز ومعاداة السامية. لكن عندما نحصي أعداد القتلى، سنجد على الأرجح أن أرقامها أقل من الواقع".
وبيّن أنه "مقابل كل طفل تُسجل وفاته على أنها "سوء تغذية"، عادةً ما يكون هناك العديد من الآخرين الذين لقوا حتفهم بسبب أمراض مثل التهابات الجهاز التنفسي أو الإسهال".
وأكد أنه "في كل مجاعة حديثة، يموت أفقر الناس وأكثرهم ضعفًا. يستخدم التصنيف المرحلي المتكامل 20 بالمئة من الأسر التي لا تحصل على الغذاء كعتبة للمرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل، أي الكارثة أو المجاعة. قد يكون لدى العديد من الآخرين ما يكفي من الطعام".
ولهذا السبب كانت الأمم المتحدة تُقدم 1.3 مليون وجبة ساخنة يوميًا للفئات الأكثر ضعفًا، وتُقدم تغذية علاجية متخصصة، إلى أن فرضت "إسرائيل" حصارًا شاملًا في آذار/ مارس الماضي.
وقال "ستُصرّ "إسرائيل" على أن مؤسسة غزة الإنسانية (GHF) تُقدم حصصًا غذائية تكفي لـ 2.1 مليون وجبة يوميًا - وجبة واحدة لكل شخص في غزة، لكن السؤال كم منها يصل إلى أفقر 20 بالمئة؟ كم منها يُؤكل من قِبل أعضاء العصابات المسلحة - أو حتى من قِبل حماس؟ إن مؤسسة غزة الإنسانية ليست استجابة حقيقية أو فعالة للحاجة - إنها ذريعة للحرمان المستمر".
وأضاف أن "معظم المجاعات الأخيرة في أفريقيا والشرق الأوسط سببها الحروب. لكن الحكومات تُفضل إلقاء اللوم على الطقس - وكثيرًا ما انساقت وكالات الإغاثة وراء هذه الرواية. من الأسهل جمع الأموال عندما يُمكن إلقاء اللوم على القضاء والقدر في مسألة الجوع. لا تستطيع إسرائيل إلقاء اللوم على الطقس، لكن بإمكانها إلقاء اللوم على حماس، رغم قلة الأدلة على أنها تسرق المساعدات وتُسبب المجاعة".
وأكد أنه "لو كانت إسرائيل جادة في منع حماس من سرقة المساعدات، لما كانت تُدير نظام صندوق الغذاء العالمي - المُعرّض لهذا الانتهاك تحديدًا - بينما تمنع الأمم المتحدة من إدارة مطابخها التي تُقدّم الطعام الساخن للأطفال مباشرةً".
وأشار إلى أن العديد من داعمي إسرائيل لا ينكرون وجود مجاعة، بل يقولون إنها غير مُهمة، والحجة هي أن حماس والفلسطينيين يُريدون تدمير إسرائيل، وهذا يُبرر المجاعة الجماعية، كما أن الحكومة الإسرائيلية تُدرك ما تفعله. قد يكون الشعب الإسرائيلي في حالة إنكار، لكن قادتها اتخذوا خيارًا أخلاقيًا. يتعين علينا أن نكشف مكائدهم الإخفاءية ونواجههم".