في إطار الصراع الدائر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يتجلى دور الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها لاعبًا رئيسيًا في الساحة الدولية ومحاولاتها للتأثير على مسار العملية السياسية في المنطقة، ومع تعقيدات القضية وتاريخ طويل من الصراع والتوتر، يظهر الموقف الأمريكي حول إقامة دولة فلسطينية كموقف متارجح بين الموقف المعلن والموقف السري.

علنًا، تعبر الولايات المتحدة عن دعمها لفكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، وتؤكد على ضرورة حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال المفهوم المعترف به دوليًا لحل الدولتين، ويقدم المسؤولون الأمريكيون تصريحات علنية تؤكد التزامهم بدعم عملية السلام والتوصل إلى اتفاق يحقق العدالة والاستقرار في المنطقة، وتحث على إجراء مفاوضات مباشرة بين الأطراف المعنية.

ومع ذلك، يتردد صدى مواقف سرية أمريكية تكشف عن تباين في الرؤية والموقف تجاه إقامة دولة فلسطينية. تتضمن هذه التسريبات مراجعة للسياسات الأمريكية السابقة وقد تظهر تراجعًا أو تباطؤًا في الدعم المطلق لإقامة دولة فلسطينية، وذلك نتيجة للعديد من العوامل بما في ذلك الضغوط الداخلية والعلاقات الثنائية مع إسرائيل وتقييم المصالح الاستراتيجية.

هذا التباين بين الموقف المعلن والموقف السري يثير تساؤلات حول مدى توافق السياسة الأمريكية الفعلية مع المبادئ العامة المعلنة، فعلى الرغم من الدعم العلني للحل السلمي وإقامة دولة فلسطينية، يري العديد من الخبراء والمحللين الدولين أن هناك تأثيرات سرية تعرقل تقدم العملية السياسية وتعيق تحقيق السلام الدائم في المنطقة

جاءت سياسة الولايات المتحدة على مدار عقود من الزمن معارضة الاعتراف بفلسطين كدولة، سواء على المستوى الثنائي أو في مؤسسات الأمم المتحدة، والتأكيد على أن الدولة الفلسطينية لا ينبغي أن تتحقق إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وذلك وفقا لموقع أكسيوس الإخباري الأمريكي.

ونقل التقرير عن مسؤولين أمريكيين أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، طلب من وزارة الخارجية إجراء مراجعة وتقديم خيارات سياسية، بشأن الاعتراف الأمريكي والدولي المحتمل بدولة فلسطينية بعد الحرب في غزة.

ويوجز التقرير خيارات واشنطن للتحرك بشأن هذه القضية في ثلاث نقاط: اعتراف واشنطن، بدولة فلسطين، عدم استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، من الاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، تشجيع الدول الأخرى على الاعتراف بفلسطين.

وهذا عكس ما تم في اجتماع مجلس الأمن الخميس الماضي والذي استخدمت فيه الولايات المتحدة حق الفيتو لرفض طلب فلسطين بالعضوية الكاملة للدولة الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي، مما قد يتسبب في توتر العلاقات الأمريكية العربية وتهديد للمصالح الأمريكية بالشرق الأوسط

الموقف الأمريكي تاريخيا

شهد الموقف الأمريكي من إقامة الدولة الفلسطينية تطورًا على مر السنوات، حيث دأبت الولايات المتحدة على رفض الاعتراف بدولة فلسطينية، ولكن هذا التوجه تغير بعض الشيء على مر العقود، وهذا ملخص للموقف الأمريكي من إقامة الدولة الفلسطينية:

في عقود ما قبل الحرب العالمية الثانية، لم تكن قضية فلسطين على رأس أجندة السياسة الخارجية الأمريكية. ومع ذلك، فقد شهدت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية تزايد الاهتمام الدولي بقضية فلسطين وتصاعد الدعم الدولي لإنشاء دولة فلسطينية.

في عام 1947، صوتت الولايات المتحدة لصالح قرار الأمم المتحدة رقم 181 الذي يدعم تقسيم فلسطين إلى دولتين، إحداهما للعرب والأخرى لليهود. وقد أعرب الرئيس الأمريكي هاري ترومان عن دعمه لإقامة دولة فلسطينية.

 من  1948 الي  1967

مع تأسيس إسرائيل في عام 1948 واندلاع النزاع العربي الإسرائيلي، بدأت الولايات المتحدة تتبنى موقفًا أكثر توازنًا بين الجانبين. حيث لعبت الولايات المتحدة دورًا رئيسيًا في دعم عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وتباينت المواقف الأمريكية بين الإدارات المتعاقبة، حيث تحاول إحداث توازن بين الدعم لإسرائيل ودعم إقامة دولة فلسطينية. حيث دعمت قرار تقسيم فلسطين عام 1947، لكنها امتنعت عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد حرب 1948.

من 1967 وحتى عام 1988

 بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، تبنت الولايات المتحدة سياسة "الأرض مقابل السلام"، والتي ركزت على استعادة الأراضي العربية المحتلة في مقابل اعتراف الدول العربية بإسرائيل، في حين لم تذكر إقامة دولة فلسطينية بشكل صريح في هذه السياسة.

من 1988 الي عام 2000

 شهدت هذه الفترة تحولا في الموقف الأمريكي، ففي عام 1988، أعلن الرئيس الأمريكي رونالد ريغان تأييده "لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم"، وفي عام 1993، شاركت الولايات المتحدة في رعاية اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، والتي نصت على إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

من 2000 الي عام 2009:

ولكن انعكس الموقف الأمريكي ، حيث شهدت هذه الفترة تراجعا في دعم الولايات المتحدة لحل الدولتين. فشل مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، ووقعت انتفاضة الأقصى عام 2000، وسيطرة حركة حماس على قطاع غزة عام 2007، ولذلك تراجع الدعم الأمريكي لحل الدولتين.

من 2009 الي عام 2017:

وفي هذه الفترة عادت الولايات المتحدة إلى دعم حل الدولتين في عهد الرئيس باراك أوباما، لكن لم يتم تحقيق تقدم ملموس في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

من 2017 وحتى 2021:

 شهدت هذه الفترة تراجعا كبيرا في دعم الولايات المتحدة لحل الدولتين، أعلن الرئيس دونالد ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، وقطع المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية، وأعلن عن خطة سلام جديدة لم تحظ بدعم الفلسطينيين، كما قامت الادارة الامريكية بتخفيض التمويل الأمريكي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وقف تمويل منظمة التحرير الفلسطينية. هذه الخطوات أثارت جدلاً كبيرًا وتسببت في توتر العلاقات الفلسطينية الأمريكية.

عهد بايدن منذ 2021

وتشهد هذه الفترة تناقض بين الموقف المعلن الرسمي، والتحركات السرية والمواقف الغير معلنة للإعلام ، حيث تظهر إدارة بايدن في العلن بأنها تسعي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة مع ضمانات أمنية لإسرائيل، وتردد إدارة الرئيس جو بايدن أن هذه أفضل وسيلة لضمان السلام والأمن لإسرائيل والفلسطينيين والمنطقة ككل.

قال مات ميلر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، مات ميلر، في يناير الماضي، إن الولايات المتحدة تواصل دعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة و"لم يكن هناك أي تغيير في السياسة" من قبل إدارة الرئيس جو بايدن فيما يتعلق بهذا الهدف:

ولكن المواقف السرية تظهر عكس ذلك، حيث كشف تقرير لموقع «إنترسبت» أنه حصل على نسخ من برقيات سرية صادرة من وزارة الخارجية الأمريكية، تنطوي على الجهود الأمريكية لرفض الطلب الفلسطيني بالضغط على الدول الأعضاء بمجلس الأمن الدولي، التابع للأمم المتحدة، لرفض عضوية فلسطين، وذلك قبل تحرك المجلس للتفكير فى طلب السلطة الفلسطينية، ما يتنافى مع تعهد إدارة الرئيس الأمريكي جو بادين، بالدعم الكامل لحل الدولتين.

وينعكس هذا الموقف الأمريكي المتضارب على المصالح الأمريكية في المستقبل، حيث تواجه الولايات المتحدة تحديا كبيرا ينعكس بالسلب على مصالحها بالشرق الأوسط بما في ذلك التجارة والاستثمار، بالإضافة الي تراجع النفوذ الأمريكي، بسبب عدم التزام الولايات المتحدة بحل الدولتين يضعف مصداقيتها ويؤدي إلى تراجع نفوذها في المنطقة.

اشارت تقارير أمريكية ان إدارة بايدن، وكذلك المملكة العربية السعودية، تربطان بين تطبيع سعودي محتمل للعلاقات مع إسرائيل وإنشاء مسار لإقامة دولة فلسطينية.

و استمرار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وعدم إقامة دولة فلسطينية يهدد استقرار المنطقة، ويؤدي إلى تزايد التطرف والإرهاب، بالإضافة الي زيادة التكاليف المالية ، حيث تدفع الولايات المتحدة أموالا طائلة من خلال مساندة اسرائيل عسكريا وعمليات حفظ السلام.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الولايات المتحدة الأمريكية الصراع الإسرائيلى الفلسطينى إقامة دولة فلسطينية مستقلة لإقامة دولة فلسطینیة إقامة دولة فلسطینیة الدولة الفلسطینیة الخارجیة الأمریکی الولایات المتحدة الموقف الأمریکی الأمم المتحدة لحل الدولتین فلسطینیة فی هذه الفترة فی المنطقة فی عام

إقرأ أيضاً:

الصين تدين بشدة مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى تايوان

بكين-سانا

أدانت الصين اليوم بشدة مبيعات الأسلحة الأمريكية لتايوان مطالبة الولايات المتحدة بإلغاء صفقات الأسلحة التي تمت الموافقة عليها مع تايبيه.

ونقلت وكالة شينخوا عن المتحدث باسم الخارجية الصينية لين جيان قوله في مؤتمر صحفي: إن “الولايات المتحدة تتجاهل معارضة الصين المستمرة وتصريحاتها الرسمية بموافقتها مجدداً على بيع أسلحة أمريكية للانفصاليين في منطقة تايوان الصينية”.

وأوضح لين أن ذلك ينتهك بشكل خطير مبدأ الصين الواحدة والبيانات المشتركة بين الصين والولايات المتحدة، ما يقوض العلاقات الصينية الأمريكية بشكل خطير، وكذلك السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان، ويرسل إشارة خطيرة وخاطئة إلى القوى الانفصالية التي تسعى إلى “استقلال تايوان”.

وأشار لين إلى أن الولايات المتحدة باعت أسلحة لتايوان مراراً وتكراراً ودعمت وشجعت سلطات الحزب الديمقراطي التقدمي التايواني على التمسك العنيد بالموقف الانفصالي، مشدداً على أن “هذا يثبت مجدداً أن الأنشطة الانفصالية لقوى ما يسمى بـ “استقلال تايوان” والدعم المتواطئ من القوى الخارجية بقيادة الولايات المتحدة هي أكبر تهديدات للسلام والاستقرار في المنطقة”.

وكانت وزارة الخارجية الأمريكية وافقت على البيع المحتمل لطائرات دون طيار وصواريخ لتايوان مقابل ما يقدر بنحو 360 مليون دولار أمريكي وفقاً لوكالة التعاون الأمني الدفاعي التابعة للبنتاغون الأمريكي.

مقالات مشابهة

  • الصين تدين بشدة مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى تايوان
  • حاكم ولاية أميركية يفرض عرض الوصايا العشر في المدارس
  • هل يجر نتنياهو الولايات المتحدة إلى حرب في الشرق الأوسط؟
  • الكويت تجدد دعوتها لإيقاف الحرب العدوانية على غزة
  • ترامب: بايدن أهان الولايات المتحدة في قمة السبع
  • "العمل الوطني" تدعو لمقاطعة حفل المكتب الأمريكي للشؤون الفلسطينية بالقدس
  • إسرائيل تبلغ الولايات المتحدة بقرب إنهاء العمليات العسكرية في رفح الفلسطينية
  • واشنطن تندد بتحركات بكين "التصعيدية وغير المسؤولة" في بحر الصين الجنوبي
  • لم يتأكد مقتله.. الجيش الأمريكي يستهدف الزعيم العالمي لتنظيم الدولة
  • كيف تغير الموقف الغربي من الدعم المطلق إلى الوقوف ضد جرائم الاحتلال الإسرائيلي؟