الثقافة العُمانية.. هوية أصيلة
تاريخ النشر: 22nd, April 2024 GMT
محمد عبدالسميع (الشارقة)
حين نقول الثقافة العُمانية، فإنّ أول ما يتبادر إلينا هو هذا الثراء الكبير في المفردة التراثية الأصيلة، وهذا التنوع الرائع في كل المفردات المصاحبة والمعبرة عن هوية أصيلة، والانطلاقة الواثقة نحو العلم والمعرفة والتأسيس الثقافيّ للأجيال. ويحمل الشعب العُماني ثقافته إلى كلّ البلاد التي يسافر إليها للدراسة والعمل ومشاركات التبادل الثقافي مع البلدان الخليجية في مجلس التعاون الخليجي، والبلدان العربية الشقيقة، وكلّ دول العالم الصديق، حيث تعبّر المشاركات الثقافية والفلوكلورية العُمانية عن الذائقة الأصيلة، ليس فقط في التراث العريق وتطوّره بين الأمس واليوم، وإنما أيضاً في وعي الأجيال وحفاظهم على هذا الرابط ومراكمتهم عليه.
وترتبط الثقافتان العُمانية والإماراتية برابطٍ قوي ومتين، نظراً للقرب الجغرافيّ أولاً بين البلدين، وكلاهما من أعضاء مجلس التعاون الخليجيّ العربي، وأيضاً للقرب التاريخي والتراثي على أكثر من صعيد، وللعلاقة الوطيدة تاريخيّاً بين قيادتي البلدين، من حيث الرؤى العميقة لكلّ القضايا الثابتة والمستجدة في المنطقة والإقليم والعالم ككُل.
تبادل ثقافي
وعملت الدولتان على الإعلاء من شأن الثقافة بين الأمس واليوم، من خلال الاتفاقيات والتعاون والتبادل الثقافي على المستوى الوزاري، لوزارتي الثقافة الإماراتية والعمانية، وعلى مستوى المهرجانات ووسائل التعبير الثقافي والأسابيع الثقافية، والاحتفاليات والجامعات وأنشطة الطلبة المعبّرة عن الاعتزاز بالهوية والتراث، وهذا الرابط الأصيل والمتجدد بين البلدين.
وحيث التراث العُماني، في الأزياء والشعر الشعبي وطرق إلقائه، وحيث سباقات الهجن، والمواقع الأثرية العديدة، والصناعات الحرفية، وحضور الدولة على قائمة الدول العربية والعالمية ذات التراث العريق، ظلّت الثقافة الإماراتية تمزج ما بين الماضي والحاضر، فتعطي المساحة التراثية حقّها من الاحتفاء والإشهار على المستوى الخليجي والعربي، والعالمي في منظمة اليونسكو وسواها من المنظمات ذات الاهتمام، وفي الوقت ذاته تولي إبداعات الشباب والأجيال الأدبية والفكرية كلّ الاهتمام.
واعتمدت الثقافة العمانية الرؤية المشتركة ذاتها في احترام تراثها وتشجيع شبابها على العطاء الفكري والثقافي، فكان أنّ اللوحات التراثية في الفرق الشعبية تتجلى بين البلدين بشكل متكامل يحمل التنوع الجميل، لاسيما وأنّ الإمارات وعُمان تشتركان في اللهجة الخليجية المتقاربة ذاتها، وفي الأزياء التراثية، مع وجود خصوصيات معينة، وكذلك لأنّ ألوان الغناء الشعبي تتقارب بشكل كبير، كما في فنون «الرزحة» و«العازي» الشعبيينِ، كما أن مساحة الشعر الشعبي والنبطي تنساب بروعة لافتة، ومن فترات قديمة، وهذا ما أعطى الثقافتين الإماراتية والعُمانية رونقاً جميلاً وقرباً يحمله الشعبان في هذا الالتقاء الروحي العميق، والأخوّة الصادقة المبنية على علاقات الأصالة والتطلع إلى المستقبل المشرق بعين الثقة والاعتزاز.
وتشترك كلٌّ من الثقافتين العُمانية والإماراتية في كثير من طبيعة المناسبات التراثية والأزياء والعادات والتقاليد، وكذلك في كون البلدين بارزينِ على صعيد الاحتفاليات الثقافية العربية، كما في فوز الشارقة بلقب عاصمة الثقافة العربية، وكذلك في فوز العاصمة العُمانية مسقط عاصمةً للثقافة العربيّة، وفوزها أيضاً عاصمة للتراث والثقافة الإسلامية.
وهكذا، فإنّ الشعور العربي الراسخ تجاه عُمان ذات التاريخ العميق والموقع الاستراتيجي من الحضارات القديمة والدول والشعوب الأخرى، يقابله أيضاً شعور عربي راسخ بمكانة دولة الإمارات العربية المتحدة، وصلتها بهذا العالم، من واقع الآثار الدالة والحصون والمواقع القديمة، ولذلك تُعتبر الحصون والقلاع والآثار التي يتم اكتشافها في الدولتين، دليلاً كبيراً ونوعيّاً على حضورهما، وقراءة الحضور العُماني والإماراتي وتأثيرهما في المنطقة منذ القدم، كتراث إنساني جدير بالاهتمام والترويج والتعريف به لكلّ الأجيال.
في الإمارات، هناك شعر «العازي» و«الرزحة» و«الطارج» وفن «الشلّة»، و«التغرودة»، و«العيّالة»، وغيرها من الفنون والألوان التراثية، والتي جاء بعضها نتيجة احتكاك الشعوب وبفعل السفر وتبادل الثقافات، وبخاصة عبر البحر، إلى بلدان عديدة في كلٍّ من آسيا وأفريقيا.
وفي عُمان، تنتشر فنون شعريّة، مثل شعر «الميدان»، و«الرزحة»، وفن «العازي»، وفن «الطارق»، وفن «النهمة»، وفنّ «التغرودة»، وإذا بحث المهتمّ والمتخصص في هذه الألوان، فسيحظى بألق المفردة وجمال تعبيرها ورونقها بين التراث الشعبي العُماني والإماراتي، حيث تشترك هذه الألوان في الروح والمضمون والآلة الموسيقية وطريقة الأداء، وتتميز بخصائص لكلّ دولة، وهو ما جعل من هاتين الثقافتين مميزتين، لدرجة أنّ الانسجام سريعاً ما يتمّ في التعبير الشعبي في المهرجانات والاحتفاليات وكل المناسبات الحاملة لهذا التراث أو لهذا التعبير الأصيل.
موروث عريق
وفي جانب التراث أيضاً، فإنّ سباق «الهجن»، كموروث عريق يدل على أصالة الإمارات وعُمان، وهو مفردة رائجة وحاضرة، ولنا أن نقيس على ذلك العديد من الأفكار التراثية ذات الاهتمام المشترك في كل أوجه الحياة ومناسباتها في الأفراح والزواج والأعياد الدينية والوطنيّة، وفي عالم الحرف اليدوية، وغيرها من المجالات والمفردات.
وفي معارض الكتاب يُعدّ معرض مسقط الدولي للكتاب ذا حضور ومتابعة للمثقفين والأدباء العرب، وتحديداً المثقف والأديب الإماراتي الذي تحتضن بلاده معرضين كبيرينِ للكتاب، هما معرض أبوظبي الدولي للكتاب، ومعرض الشارقة الدولي للكتاب، ولذلك كانت ولا تزال الإبداعات المشتركة لدور النشر العُمانية والإماراتية حاضرةً وبشكل جميل على منصات وأنشطة وأجنحة هذه المعارض.
وفي مجال الكتابة والأدب تقوم الجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء بدور كبير في التشاركية العربية والخليجية في الاستضافات واللقاءات والبروتوكولات الثقافية، ونظراً للعلاقة المتميزة التي تربط الإمارات وعُمان، فإنّ اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وكلّ الجمعيات الأدبية والفنية ذات العلاقة، على تواصل وتبادل ثقافي وفني في المهرجانات والتباحث حول الأدب والإبداع في مجالات كثيرة، منها على سبيل المثال، فوز الكاتب العُماني زهران القاسمي بجائزة البوكر العربية للرواية، عن روايته «تغريبة القافر»، وسط احتفال كبير بالفوز في العاصمة الإماراتية أبوظبي.
والأمثلة على حضور المثقف العُماني على منصات الشعر كثيرة، كما في برنامج «شاعر المليون،» بأبوظبي، وكذلك في العديد من مهرجانات الشعر النبطي والشعر الفصيح في الشارقة. ومن أمثلة ذلك، فوز الشاعرة العُمانية عائشة السيفي التي تُوّجت قبل فترة أميرةً للشعراء في برنامج «أمير الشعراء» الإماراتي في موسمه العاشر، وسط حفاوة عُمانية وإماراتية وعربية لافتة. ومثلما يزدهر الأدب والشعر وفنون التشكيل والمسرح والموسيقى التراثية وأدواتها القديمة والحديثة في كلٍّ من عُمان والإمارات، فإن للثقافة وأساليب الحياة وأعمال الزراعة والمباني والعمارة، اشتراكاً واضحاً بين الدولتين، حيث تتنوع بينهما البيئات السكانية ما بين البادية والحضر والزراعة، بما يجلبه هذا التنوع من ازدهار لفنون القول والتعبير الشعري الذي كان في الماضي يتنافذ على بعضه بحكم الجوار الجغرافي والتاريخي بين الإمارات وعُمان.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: عمان سلطنة عمان الثقافة التراث الإماراتي الثقافة الع الع مانیة الع مانی ع مانیة
إقرأ أيضاً:
تتويج الفائزين بسباق «عيد الاتحاد» للقوارب التراثية
أبوظبي (الاتحاد)
نظمت هيئة أبوظبي للتراث، «سباق عيد الاتحاد لقوارب التجديف التراثية فئة 40 قدماً»، احتفاءً بعيد الاتحاد الـ54، بمشاركة 1156 بحاراً على متن 68 قارباً تنافست لمسافة 3 أميال بحرية في أربعة أشواط تحمل ألوان علم الإمارات، وسط أجواء وطنية وتراثية مفعمة بالحماسة والفخر.
وانطلق السباق الذي أقيم بالتزامن مع الإعلان الرسمي عن افتتاح متحف زايد الوطني في المنطقة الثقافية بجزيرة السعديات، من جزيرة الريم في أبوظبي، مروراً بمتحف زايد الوطني، ومتحف التاريخ الطبيعي، حتى خط النهاية، مقابل متحف اللوفر أبوظبي، في مشهد جسّد التلاحم بين أصالة التراث والتطور العمراني والحضاري الذي تشهده الدولة.
وتوج عبدالله مبارك المهيري، مدير عام هيئة أبوظبي للتراث بالإنابة، وخليفة راشد الرميثي، مدير فعاليات الرياضات التراثية في نادي أبوظبي للرياضات البحرية، الفائزين في أشواط السباق، حيث أحرز القارب «الناصي» لمالكه النادي البحري للفنون والسياحة بالشارقة المركز الأول، في الشوط الأول، بقيادة النوخذة جمعة إبراهيم السويدي، والسكوني عارف أحمد علي الياسي، وتبعه القارب «زلزال2» لمالكه صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي، بقيادة النوخذة والسكوني فهد أحمد محمد إبراهيم الشحي، والقارب «أبو الأبيض» لمالكه مكتوم عتيق ماجد المهيري، بقيادة النوخذة أحمد محمد أحمدوه الشحي، والسكوني حمد أحمد محمد أحمدوه الشحي.
وفي الشوط الثاني، حاز المركز الأول القارب «وادي سهم» لمالكه سمو الشيخ مكتوم بن حمد بن محمد الشرقي، بقيادة النوخذة سالم سعيد عبيد مطر الكندي، والسكوني حمد عبيد الكعبي، وتبعه القارب «الدفاع» لمالكه وزارة الدفاع، بقيادة النوخذة، والسكوني محمد راشد خليفة شاهين المرر، والقارب «الريم» لمالكه سمو الشيخ عمار بن حميد النعيمي، بقيادة النوخذة أحمد إبراهيم راشد الغملاسي، والسكوني علي عبدالله أحمد عبدالله آل علي.
وفي الشوط الثالث، نال القارب «جلفار» المركز الأول لمالكه صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي، بقيادة النوخذة بدر ناصر أحمد ناصر الشحي، والسكوني علي محمد رباع الشحي، وتبعه القارب «عناد 3» لمالكه خلفان حمدان حسن الزعابي، بقيادة النوخذة راشد بدر راشد الزعابي، والسكوني عمر خليفة حسن الزعابي، والقارب «وادي السيجي» لمالكه سمو الشيخ محمد بن حمد بن محمد الشرقي، بقيادة النوخذة سالم عبيد أحمد الزحمي، والسكوني إبراهيم علي محمد عبدالله الياسي.
وفي الشوط الرابع، حصل على المركز الأول، القارب «KHK» لمالكه سمو الشيخ خالد بن حمد آل خليفة، بقيادة النوخذة أحمد ناصر البوسميط، والسكوني بدر عتيق، وتبعه القارب «عمان» لمالكه اللجنة العُمانية للرياضات البحرية، بقيادة النوخذة حمد بن سالم البحري، والسكوني حميد بن سالم البحري، والقارب «ثوبان» لمالكه سمو الشيخ حمد بن محمد بن حمد الشرقي، بقيادة النوخذة سالم عبيد أحمد الزحمي، والسكوني محمد عبدالرحمن علي الياسي.
وبلغت جوائز السباق أكثر من 2.4 مليون درهم، حيث حصل الفائز الأول في كل شوط على 80 ألفاً، بالإضافة إلى نموذج قارب ذهبي، ونال صاحب المركز الثاني 70 ألف درهم، ونموذج قارب فضي، والثالث 60 ألف درهم ونموذج قارب برونزي، وتوزعت الجوائز النقدية على بقية المراكز تباعاً.
وأكد زايد ساري المزروعي، مدير إدارة المهرجانات التراثية والبحرية بالإنابة في هيئة أبوظبي للتراث، أن سباق عيد الاتحاد لقوارب التجديف التراثية الذي يأتي في إطار الاحتفالات بالعيد الـ54 لدولة الإمارات، هو أكثر من مجرد منافسة بحرية رياضية، حيث يمثل حدثاً تراثياً ومجتمعياً يعكس ارتباط المجتمع الإماراتي بتاريخه وتراثه البحري العريق.
وأشار المزروعي إلى أن السباق يعكس اتصال الماضي بالحاضر، ويجسد روح الاتحاد ومعانيه من خلال التضامن والتآزر بين البحارة في سبيل الهدف المشترك، حيث يرسخ قيم العمل الجماعي والانضباط والتحمل والقيادة، وهي قيم راسخة أسهمت في بناء المجتمع وتعزيز تماسكه، معرباً عن اعتزاز هيئة أبوظبي للتراث بتنظيم مثل هذه الفعاليات التي تحافظ على موروث البحر، وتعزز الانتماء والهوية الوطنية خاصة بين فئة الشباب، باعتبار التراث البحري جزءاً أصيلاً من مكونات الهوية الإماراتية.
وجاء تنظيم السباق في إطار حرص الهيئة الدائم على إحياء التراث البحري الإماراتي، والتعريف بموروثه العريق وحفظه، حيث يجمع السباق بين قدامى البحارة والشباب، ما يسهم في تواصل الأجيال ونقل الخبرات والمعارف، كما يسلّط الضوء على الدور المحوري للبحر في حياة وتاريخ المجتمع الإماراتي.
وتمثل السباقات البحرية التراثية، لاسيما في المناسبات الوطنية، فرصة لتعزيز قيم التعاون والروح الجماعية والإصرار المتأصلة في نسيج المجتمع، وتجمع مختلف فئاته في إطار احتفالي واحد، يقوّي الروابط الاجتماعية ويوحّد الجميع في الأحداث الوطنية المشتركة.