الجزيرة:
2024-06-02@22:07:45 GMT

أردوغان في بغداد: مرحلة جديدة بين البلدين

تاريخ النشر: 26th, April 2024 GMT

أردوغان في بغداد: مرحلة جديدة بين البلدين

لأول مرة منذ ثلاثة عشر عامًا، حطّت طائرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في بغداد، ثم في أربيل على رأس وفد رفيع، ليوقّع الجانبان: التركي والعراقي، عددًا كبيرًا من الاتفاقيات. الزيارة التي وصفها البعض بالتاريخية تغلق مرحلة، وتفتح أخرى في العلاقات بين البلدين الجارين في عدة مجالات.

زيارة فارقة

شهدت السنوات القليلة الأخيرة عددًا من محطات التوتر بين تركيا والعراق في عدد من الملفات الخلافية، في مقدمتها ملف المياه والعمليات العسكرية التركية في شمال العراق ضد العمال الكردستاني، في إطار إستراتيجية الحرب الاستباقية، إضافة لمسار استفتاء كردستان العراق في 2017، ولذلك رأى البعض أنّ زيارة أردوغان الحالية للعراق تاريخية.

وإذا ما كانت دلالات زيارة أردوغان لبغداد لافتة ومهمّة، فزيارتُه لأربيل أوضح وأكثر دلالة وتأثيرًا. ذلك أنّ أنقرة كانت قد نسّقت موقفًا ثلاثيًا مشتركًا مع كل من طهران وبغداد ضد استفتاء الإقليم على الاستقلال، ولديها حساسيتها الشديدة من الأمر من باب التحوّط لارتداداته الداخلية.

سبق الزيارة إعداد مكثّف من الجانبَين، تمثّل في عدد من الزيارات رفيعة المستوى من تركيا للعراق وبالعكس، ومن كل من بغداد وأربيل. كما سبقها تصنيف العراق حزب العمال الكردستاني، منظمةً محظورةً، وهو أمر أساسي بخصوص نظرة الحكومة المركزية له، وبالتالي للعمليات التركية في إطار مكافحته ومنع عملياته ضد الأراضي التركية.

الزيارة بهذا المعنى تعبّر عن تلاقي الإرادة السياسية لدى الطرفين، بل الأطراف الثلاثة (بضمِّ الإقليم)، نحو التهدئة وترك التوتر والتصعيد، ثم البناء على ذلك في مسارات من الحوار والتفاهم والتّنسيق بل والتعاون في بعض الملفات. ومن هذه الزاوية، فلا يمكن فصل هذه الزيارة عن مسار تطوير تركيا، علاقاتِها مع عدد من الأطراف الإقليمية في السنوات الثلاثة الأخيرة، مثل: مصر، والسعودية، والإمارات، كما لا يمكن فصلها بالكامل عن بعض التطوّرات الإقليمية والعالمية، وفي مقدمتها تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي والاقتصادات المحلية، والحرب الروسية – الأوكرانية، والعدوان على غزة، واحتمالات التصعيد في المنطقة، ولا سيما بين إيران و"إسرائيل".

وقّع الجانبان خلال الزيارة 26 اتفاقية ومذكرة تفاهم، أهمها "مذكرة تفاهم بشأن الإطار الإستراتيجي" للتعاون المشترك، و"اتفاق إطاري للتعاون في مجال المياه" بين البلدين، ومذكرة تفاهم "مشروع طريق التنمية". كما وقعت الوزارات والهيئات المختلفة في البلدين أكثر من عشرين اتفاقًا ومذكرة تفاهم أخرى في مجالات: التجارة والسياحة والتعليم والصحة والأمن والعلوم والتكنولوجيا والاستثمار والرياضة، وغيرها من المجالات.

في المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، قال الرئيس التركي: إن المذكرات الموقعة تمثل "نقطة تحول في علاقاتنا مع العراق"، مؤكدًا توفيرَ الدعم والتنسيق الضروريَين لتنفيذ الاتفاقيات الموقعة بالكامل. كما أشاد أردوغان بشكل خاص باتفاقية "الإطار الإستراتيجي للتعاون المشترك" والتي رأى أنها تشكل خريطة طريق قوية للبلدين في المجالات الاقتصادية والتجارية على وجه التحديد.

كما تركّزت الأنظار على اتفاقية "طريق التنمية" التي جمعت إلى جانب تركيا والعراق، كلًا من قطر والإمارات، وتشمل إنشاء طرق برية وسكة حديدية تمتد من العراق إلى تركيا، منها 1200 كلم داخل العراق، وتربط بين دول الخليج العربي وأوروبا، وتبلغ ميزانيتها الاستثمارية زهاء 17 مليار دولار أميركي، وينتظر أن تنتهي مرحلتها الأولى في 2028، والثالثة والأخيرة في 2050، ويمكن أن تؤمن مليون فرصة عمل حال اكتمالها.

آفاق مستقبلية

تنوّعت مجالات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي وقّعها الجانبان، إلا أن الأهم من بينها هو ما يتعلق بملفات مكافحة الإرهاب والماء والطاقة، ذات الأولوية القصوى للبلدين.

فمكافحة الإرهاب – وتحديدًا العمال الكردستاني – تقع على رأس أولويات أنقرة، وهو ما أكّده أردوغان في المؤتمر الصحفي، حيث تنتهج تركيا في السنوات الأخيرة مبدأ "تجفيف منابع الإرهاب في مصدره" بمنطق الحرب الاستباقية، وعبر عمليات عسكرية متتالية في شمال العراق. وقد شكلت هذه العمليات في السابق مصدر توترِ متكررِ بين أنقرة وبغداد، وتحديدًا مع بعض المكونات الداخلية في العراق، وطالما قوبل تأكيد أنقرة، عدمَ طمعها في الأراضي العراقية، باتّهام بعض الأطراف لها بأنها قوة احتلال ومطالبتها بمغادرة العراق.

كما أن دعوات أنقرة كلًا من بغداد وأربيل للتحرك أو التعاون معها ضد المنظمة الانفصالية في كل من جبال قنديل وسنجار لم تلقَ آذانًا مُصغية، أو لم تتحوّل لمشروع عملي لأسباب يصعب التفصيل فيها هنا. اليوم، بعد اتفاقيات التعاون الأمني والتدريب العسكري، وعرض أردوغان مساعدة تركيا في هذا المجال، فضلًا عن تصنيف الكردستاني في العراق منظمة محظورة، تلوح في الأفق إرهاصات عملية واسعة ضد الأخير، إما بجهود تركية منفردة وتفهم عراقي، أو بتعاون الأطراف الثلاثة. كما تحدثت بعض المصادر أن أنقرة تريد التعاون مع كل من بغداد وأربيل لإنشاء منطقة آمنة من الحدود مع تركيا وداخل الأراضي العراقية على غرار سوريا.

في المقابل، يراهن العراق على الاتفاقيات المتعلقة بالمياه، أن تحل المشاكل القائمة في هذا الملف، بحيث يكون هناك "تقاسم عادل ومتساوٍ" للمياه كما تنص الاتفاقيات، وأن يتم تصدير النفط العراقي للعالم عبر الموانئ التركية.

تعزز هذه الاتفاقيات، ولا سيما الاقتصادية والتجارية منها، الاعتماد المتبادل بين البلدين الجارين، وتهيّئ الأرضية لمسار مختلف بينهما يعتمد على التنسيق والتعاون كبديل عن التوتر والتصعيد. كما أن "طريق التنمية" يمثل مشروعًا واعدًا سيربط بين البلدين أكثر فأكثر من حيث البنية التحتية، وكذلك العوائد الاقتصادية المنتظرة. على أنه ما زال من المبكر الحكم على مدى قدرته على منافسة مشاريع أخرى لربط الخليج العربي بأوروبا، وفي مقدمتها المشروع الأميركي الذي يمرّ عبر "إسرائيل".

فيما بين سطور تصريحات كل من أردوغان والسوداني، يتّضح أن الماء هو ملف الأولوية بالنسبة للعراق، بينما الأمن ومكافحة الإرهاب هما أولوية تركيا. ومن المهم الإشارة إلى أن الإرادة السياسية التي أفضت للزيارة، ثم الاتفاقيات الموقعة تفتحان الباب على تقديم كل طرف للآخر مساهمة ومساعدة في الملف الأهم له.

زيارة أربيل

من جهة ثانية، لا تقل زيارة أردوغان لأربيل أهمية عن زيارته لبغداد بالنظر لسقف العلاقة بينهما قبل فترة قريبة، كما لا يمكن تصور تنفيذ معظم الاتفاقيات الموقعة دون دور واضح للإقليم، ولا سيما فيما يتعلق بأمن الحدود ومكافحة الإرهاب وتصدير النفط.

كما تساهم الزيارة وما تخللها من تصريحات ومواقف واتفاقيات بشكل مباشر وأشكال غير مباشرة في حلحلة الإشكالات العالقة بين أنقرة وأربيل من جهة وأربيل وبغداد من جهة ثانية، ولا شك أن ذلك كان جزءًا من محادثات الرئيس التركي مع الحكومة المركزية وحكومة الإقليم.

كما أن لقاء أردوغان بالقيادات السياسية الممثلة للسنة والتركمان في العراق، يوحي بمحاولة بلاده استعادة دور ما في المشهد السياسي الداخلي العراقي، كما كانت في السنوات الأولى لحكم العدالة والتنمية من خلال الانفتاح على مختلف الشرائح، وبما يشير إلى سعي أنقرة لموازنة أدوار أطراف خارجية أخرى في العراق، وهو ما يبدو أنه محط ترحيب من أطراف داخلية هناك.

في المجمل؛ زيارة الرئيس التركي للعراق – بغداد وأربيل – محمّلة بالرسائل السياسية والإمكانات الاقتصادية والتجارية وتعبد الطريق لآفاق إستراتيجية، وقد صيغت الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة على قاعدة الربح للجميع. يشير ذلك إلى توفر الإرادة السياسية لدى الجانبين لأسباب داخلية وخارجية عديدة، إلا أن المحك الحقيقي سيكون مدى القدرة على التنفيذ من خلال الدعم والتنسيق ومواجهة التحديات القائمة والتدخلات الخارجية واستكمال المراحل العديدة، بما يمكن أن يقلب مناخ التوتر الذي ساد في السنوات الماضية إلى جوّ من التفاهم والتنسيق والتعاون، بما يفيد الدولتين والشعبين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات الرئیس الترکی بغداد وأربیل بین البلدین فی السنوات فی العراق

إقرأ أيضاً:

فوق السلطة ــ الرصاصة الإسرائيلية تتحول إلى غليون بأيدي النازحين

يقول المهندس رامي باسم من النصيرات وسط قطاع غزة إنه يستغل الرصاص الذي يقتل الفلسطينيين ويعمل منه شيئا يشغل هواة التدخين.

ويضيف أنه وجد "فشكة" أو رصاصة عند باب بيته وأخرى في مكان آخر، فقام بتفكيكها وصنع منها سيجارة، وقال إن سيجارة "الكاريلا" يقدر سعرها اليوم بـ130 شيكلا.

وقال أيضا، إنه سيظل صامدا رغم العدوان الإسرائيلي، وسيقوم بتصنيع واستغلال الرصاص الذي يطلقه الاحتلال الإسرائيلي ليقتل به الفلسطينيين في قطاع غزة.

ورغم مهارة التصنيع لدى المهندس رامي، فإن للتدخين أضراره المعروفة، وهو ما جعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ينصح مواطنا تركيا بالإقلاع عن التدخين إكراما لزوجته التي كانت تقف إلى جانبه.

وقال أردوغان للمواطن -كما ظهر في فيديو أورده برنامج "فوق السلطة"- إن رئيس الجمهورية قدم لك نصيحة وعليك أن تقول "أقلعت عن السجائر"، لكن المواطن ظل مترددا وأخبر أردوغان بأنه بحاجة لأن ينهي الأمر في عقله أولا.

كما تناولت حلقة (2024/5/31) من برنامج "فوق السلطة" المواضيع التالية:

_ مستشار بن غفير حاخام يدعو إلى الإبادة بإيمان وخشوع

_ جنرال إسرائيلي متقاعد: القضاء على حماس مستحيل

_ قريبا أمينتوم الأميركية على كتف فاغنر الروسية في ليبيا

_ الفاشيون الجدد يُقلقون بتحية موسوليني اليسار في إيطاليا

_ في مصر يرفض سائق التاكسي أخذ الأجرة من الغزيين

_ من يضبط علميا وصفات علاج السرطان على تيك توك؟

31/5/2024المزيد من نفس البرنامجفوق السلطة- ما علاقة الإمام محمد الشعراوي بالفنان عادل إمام؟play-arrowمدة الفيديو 28 minutes 09 seconds 28:09فوق السلطة- نائب تركي: إنها حرب صليبية ضد المسلمينplay-arrowمدة الفيديو 32 minutes 02 seconds 32:02جدل وسخط بين الأوساط الدينية في مصر ضد انطلاق "مركز تكوين الفكر العربي"play-arrowمدة الفيديو 11 minutes 38 seconds 11:38فوق السلطة ــ شاهد أوجه التشابه بين أفيخاي أدرعي ومحلل مناهض للمقاومةplay-arrowمدة الفيديو 26 minutes 59 seconds 26:59فرقة صوفية سورية تستنجد بعلي جمعة لدخول الجنةplay-arrowمدة الفيديو 01 minutes 14 seconds 01:14فوق السلطة – حاخام أميركي: لا يحتاج اليهود إلى وطن يهوديplay-arrowمدة الفيديو 25 minutes 28 seconds 25:28فوق السلطة- رئيس مجلس النواب الأميركي: دعم إسرائيل واجب إنجيليplay-arrowمدة الفيديو 24 minutes 01 seconds 24:01من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebook-f-darktwitteryoutube-whiteinstagram-whiterss-whitewhatsapptelegram-whitetiktok-whiteجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  •  أردوغان: نتنياهو همجي متعطش للدماء يجب إيقافه
  • العراق يدعو سريلانكا لإعادة فتح سفارتها في بغداد
  • تعيين سفيراً تركيا جديداً في العراق
  • أردوغان يكشف عن الدولة الوحيدة في العالم التي اتخذت إجراءات ضد إسرائيل بسبب حرب غزة
  • وزير الدفاع التركي: أنقرة ستسحب قواتها من سوريا إذا أصبحت الحدود آمنة
  • أردوغان يلتقي الدبيبة في أنقرة
  • فوق السلطة ــ الرصاصة الإسرائيلية تتحول إلى غليون بأيدي النازحين
  • إرهاصات لهجوم تركي جديد داخل سورية
  • ماذا وراء دعوة حليف أردوغان النظام السوري لعملية ضد العمال الكردستاني؟
  • ما وراء دعوة بهتشلي حليف أردوغان النظام السوري إلى عملية ضد العمال الكردستاني؟