أحد الصباحات الرمادية ، ذلك الذي أُعلن فيه رحيل أعمدة الشعر والأغنيات ، الأمير بدر بن عبد المحسن -رحمه الله- ما بين مصدوم ومكذب كنّا ننتظر صحة الخبر، لكنه كان كذلك.
أذكر حين رحل الشاعر مساعد الرشيدي -رحمه الله- قلت لصديقاتي :”حسيت أننا كبرنا من جد” واليوم برحيل البدر ، أنظر لملامح العمر وأتذكر كيف كانت الأغنيات في طرق السفر بصوت فنان العرب تكون لها فعل طي الأرض للوصول ونحن ندندن الكلمات، وشعر البدر دائما يجعل الصمت في وجه الظلام ضوءً في السماء والأرض.
حين يغيِّب الموت شاعرًا ، نبحث عن العزاء فيه بين قصائده، نختار ما يناسب مشاعرنا في تلك اللحظة وننشرها أو نرددها بيننا وبين أنفسنا، وحين رحل البدر بدأت بتصفُّح منصة X وقرأت كل الأبيات التي أتت من خلال خطي الزمني، يا للشعر كيف يتحدث عمّا بداخلنا بصورة فنية مبدعة!
أنصت لمشاعري وعرفت أن “عالي السكوت” جاءت في رأسي مناسبة لمزاجي وشعوري حينها ككل الذين كتبوا أو رددوا ما اختلج في صدورهم من شعر البدر، الذي مكن لشاعره أن تكون قصائده بريد رسائل تصل عبر الأبيات والأغنيات، لذلك لا يموت الشعراء حتى وإن سكن الهدوء أجسادهم، فإن قصائدهم تعيش بعدهم معاندة رحيلهم فتبعث أرواحهم من خلالها خالده يتناقلها الأجيال ويتغنوا بها كما فعل أباؤنا مع قصيدة “أغدًا ألقاك” التي كتبها الشاعر السوداني الهادي آدم وغنتها كوكبة الشرق أم كلثوم، و” قارئة الفنجان” لنزار قباني وتغنى بها عبد الحليم حافظ، بالإضافة لقصيدة ” المستبدة” لكريم العراقي والذي كان رحيله قريبًا وحزينًا لمن أحبه مثلي، بالإضافة لقصائد مساعد الرشيدي والأمير بدر بن عبد المحسن التي كبرنا ونحن نسمع لها بصوت محمد عبده وطلال مداح وعبادي الجوهر، وما زالت تُغنى حتى اليوم وغدًا سيتغنى بها من هم بعدنا من متذوقي الشعر والفن الأصيل.
لكن ورغم ذلك ،فإن رحيل كاتب أو شاعر له وقعه في الساحة الأدبية على محبيه ومعجبيه، فبالموت يتوقف التجدد في الشعر والكتابة، وما اعتدنا عليه من ذائقة فنية فيهما، نخاف ألا يكون هناك بدائل عنهما، فنبقى عالقين في تلك الدائرة الأدبية دون السماح لجزء بالمرور خلال ذائقتنا لأننا نخاف أن تفسد، وفي الحقيقة تلك بديهة المنخرط في الأدب، لا يعجبه شيء حين يعتاد على قمة الفن، فإما أن يبقى في قمته التي تفقده الكثير من متعه التعرف على أنواع الأدب المتجددة سواء في الشعر أو الكتابة، أو أن يُصدم حين لا يجد ما يصل لمستوى ذائقته وهذا ما عرفناه في شعر الأمير بدر بن عبدالمحسن وغيره من الشعراء العظماء بيننا، أننا كمتذوقين لن نرضى بأقل من ذلك.
رحم الله البدر الذي لن ينطفئ ولو غيَّبه الموت.
@i1_nuha
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
إشراقات شعرية في «بيت الشعر» بالشارقة
الشارقة (الاتحاد)
نظّم بيت الشعر في الشارقة أمسية شعرية شارك فيها كل من الشعراء: محمد المؤيد مجذوب، طارق العباس، ومفرّح الشقيقي، بحضور الشاعر محمد عبدالله البريكي مدير البيت، وعدد كبير من جمهور الشعر الذي تنوع بين نقاد وشعراء ومحبين للغة والجمال، والذي تفاعل مع الشعراء والنصوص بحماس.قدمت الأمسية الإعلامية ريم معروف، التي استهلّت مقدمتها بكلمة ترحيبية قائلةً: «نلتقي هذا المساء في إمارةِ الثقافةِ والشعرِ والأدبِ والحرفِ.. إمارةِ الشارقةِ.. وتحديداً في بيتٍ يحتضنُ عشّاقَه ويحفظُ ملامِحَهم.. فالشعرُ هنا ليس ترفاً لغوياً بل مرآةٌ للروحِ.. ووطنٌ نلجأ إليه حين تَضيقُ بنا الأوطان».
افتتحت القراءات مع الشاعر محمد المؤيد مجذوب، الذي قدم افتتاحية لقراءاته بأبيات تغنّت بالصوت الشعري وقوته وقدرته على إحداث تأثير في الحياة، كما قرأ قصيدة «اللحظة التي لم تذكرها»، والتي أهداها إلى الشاعر السوداني الراحل محمد إدريس الجماع، مقدما فيها مشاعر من الوفاء والاستذكار لما مر به في حياته من آلام.
تلاه الشاعر طارق العباس، الذي غاص في تجليات الروح وتساؤلاتها، بنصوص تستنطق رؤية العالم وتداعياته، مثلما جاء في قصيدته «الليل تهمته الظلام»، وألقى نصاً آخر بعنوان «ما يراه العمى» قدّم فيه صوراً شعرية سرد عبر لغتها فلسفات الشاعر وتأملاته، فيقول: لمحْتُ سناً في المدى مُبْهَماً يخبِّرُني ما يراهُ العمى.
واختتم القراءات الشاعر مفرّح الشقيقي، الذي طرّز نصوصه بكوامن المعاني الرقيقة، ففي أحد نصوصه طرح أهمية الشاعر وترفعه واعتزازه بموهبته.
أما في نصه المعنون «شغب المرايا»، فإن الشاعر يقدم سيرة للكتابة والتماهي مع العواطف الصادقة للحظة الإبداع، وفي الختام كرّم الشاعر محمد البريكي الشعراء المشاركين ومقدمة الأمسية.