انتخابات موريتانيا الرئاسية.. قراءة في حظوظ المرشحين وخلفياتهم
تاريخ النشر: 7th, May 2024 GMT
تقدم العديد من السياسيين في موريتانيا لخوض النزال السياسي للفوز بمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات المقررة 29 يونيو/حزيران المقبل، التي تأتي في سياق إقليمي لا يطبعه التجانس بين الدول المجاورة لموريتانيا والمؤثرة بحكم المصالح المشتركة والتداخل المجتمعي.
ففي الجنوب استطاعت المعارضة السنغالية انتزاع السلطة عبر إرادة الناخبين وصناديق الاقتراع، أما في الشرق فما زالت مالي تكرّس مسيرة الانقلابات والأحكام العسكرية التي تميز الكثير من دول غرب أفريقيا.
وفي ظل هذه الظروف وعلى وقع أزمة انعدام الثقة بين الأحزاب السياسية واللجنة المستقلة للانتخابات التي وجهت لها تهم المشاركة في التزوير بالانتخابات التشريعية والبلدية عام 2023، أعلن 8 مرشحين حتى الحين عزمهم خوض الانتخابات المقررة في 29 يونيو/حزيران 2024.
ويشار إلى أن البلاد شهدت بين عامي 1978- 2008 سلسلة من الانقلابات العسكرية ولم تعرف تبادلا للسلطة بين رئيسين منتخبين إلا في سنة 2019.
في هذا التقرير، تقدم الجزيرة نت قائمة بأبرز المرشحين وخلفياتهم وتستعرض حظوظهم وأهم العقبات التي تواجه كل واحد منهم.
وينتمي المتسابقون في الانتخابات المرتقبة إلى فريقي الموالاة والمعارضة، فيما غابت الشخصيات التكنوقراطية والمستقلة عن المشهد السياسي.
1- رئيس يسعى لمأمورية ثانية
قدم محمد ولد الشيخ الغزواني ملفه لدى المجلس الدستوري كأول مترشح للمنصب، ورغم أن الحزب الحاكم كان يحضر لمهرجان حاشد ليعلن من خلاله الرئيس ترشحه وبرنامجه الذي يتقدم به للشعب فإن الرئيس اختار طريقا باهتا إذ أعلن ترشحه عن طريق رسالة مكتوبة بجميع اللغات الوطنية موجهة للشعب الموريتاني.
وولد الغزواني يبلغ من العمر 67 عاما وهو مرشح الأغلبية الحاكمة، تولى رئاسة البلاد سنة 2019 وما زال الدستور يسمح له بولاية ثانية.
وقد دخل السياسة قادما من المؤسسة العسكرية التي تقاعد منها برتبة جنرال، وكان قائدا للأركان العامة للجيش ومديرا عاما للأمن الوطني في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وله معرفة واسعة بالخريطة السياسية والاجتماعية.
ويعتبر الرئيس ولد الغزواني من أبرز القادة العسكريين الذين قادوا الانقلاب عام 2008 ضد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله أول رئيس مدني منتخب في تاريخ موريتانيا، كما شارك قبل ذلك في الانقلاب على العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع 2005.
ويحظى الجنرال غزواني بدعم المؤسسة العسكرية والطبقة السياسية التقليدية المتمثلة في رجال الأعمال وشيوخ القبائل والأحزاب القريبة من السلطة.
وينحدر من عائلة صوفية لها مريدون ومحبون في عموم موريتانيا ولديه روابط بمختلف الحركات الصوفية ذات التأثير والتوجيه.
وتشير دراسة أعدها مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية إلى أنه قد يتجاوز عتبة النجاح في الشوط الأول مقارنة بعام 2019، حيث فاز بنسبة 52% من أصوات الناخبين.
وتواجه ولد الغزواني صعوبات متعددة أهمها انتشار البطالة في صفوف الشباب وزيادة الأسعار وملف الهجرة الذي تم توقيعه مؤخرا مع الاتحاد الأوروبي، وتسبب في لغط كبير بين النخب السياسية والحقوقية في البلاد.
وقد زادت التوترات الأمنية مع دولة مالي من حدة الانتقادات الموجهة له، إذ تستضيف حكومته قرابة 200 ألف لاجئ من مالي، بينما تقوم قوات محسوبة على باماكو باختطاف رعايا موريتانيين من حين لآخر على الحدود المشتركة بين البلدين.
كما أن عودة رموز الأنظمة السابقة لمشهد السلطة والسياسة في عهده جعل الكثير من معارضيه يتهمونه بالهدنة مع المفسدين والعودة بالبلاد إلى مربع الفوضى وغياب الإرادة في البناء والتطوير.
2- ولد الوافي.. شاب صديق للنظام
ومن ضمن المرشحين المحسوبين على دائرة النظام الحاكم محمد الأمين المرتجى الوافي، وهو إطار من السلك المالي، سبق وأن ترشح في انتخابات 2019 ولم يحصل على درجة 1%.
وقد أودع ملفه لدى المجلس الدستوري في الـ3 من مايو/أيار الجاري، ليكون الثاني بعد الرئيس ولد الغزواني.
وقد حصل على التزكيات اللازمة من طرف العديد من المستشارين التابعين للحزب الحاكم في موريتانيا.
وفي تصريحات له، قال ولد الوافي إنه مصمم على النجاح منذ انتخابات 2019.
ويرى مراقبون أن السلطة الحاكمة هي من تقف وراء ترشيحه من أجل زيادة عدد المتنافسين في السباق الرئاسي.
المرشحون من المعارضة3- ولد سيدي المختار.. زعيم المعارضة ومرشح الإسلاميين
بعد فترة من التحفظ على تقديم مرشح خاص والاكتفاء بدعم أحد المعارضين قرر حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (إسلامي ذو توجه إخواني) ترشيح رئيسه امّادي ولد سيدي المختار الذي يتولّى رئاسة مؤسسة المعارضة الديمقراطية بحكم نتائج الانتخابات البلدية والتشريعية 2023ـ حيث جعلت حزبه الأكثر تمثيلا في قائمة الأحزاب المعارضة، إذ يمتلك 11 مقعدا من أصل 176.
وقبل أن يكون سياسيا يعتبر ولد سيدي المختار فقيها وواعظا ومرشدا، وهو من أبناء الحركة الإسلامية ذات التوجه الإخواني المهتمة بالمشاركة السياسية.
وهو من مواليد عام 1975 في ولاية لعصابة (600 كيلومتر شرق العاصمة نواكشوط)، وهي ذات الولاية التي ينتمي لها رئيس الدولة الحالي ولد الغزواني، وقد نشأ ولد سيدي المختار في أسرة علمية محافظة تشتهر بالمعرفة ويقصدها الناس في طلب العلم.
وقد تلقى معظم تعليمه في المحاظر (الكتاتيب) حتى أصبح من رموز الفقه والدعوة في منطقته، وبعد ذلك انتسب للتعليم النظامي وتخصص في الشريعة الإسلامية.
ومن مجالس الإرشاد والوعظ والتربية، صعد ولد سيدي المختار إلى منابر السياسية وانتخب نائبا برلمانيا لمرتين متتاليتين عن دائرة مقاطعة كيفه في الشرق الموريتاني.
وإثر أزمة انسحابات مر بها حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) منذ سنة 2019 اختير ولد سيدي المختار لرئاسته عام 2022 وفاز بنسبة 86% من أصوات المؤتمرين.
ويتميز ولد سيدي المختار بخطابه المعتدل وله قبول شعبي لعبت فيه مكانته الفقهية دورا كبيرا.
ويواجه زعيم المعارضة تحديات جمة تتمثل في تفكك قيادات حزبه، إذ انضم عدد منهم للنظام الحاكم، بينما أسس رئيسه السابق محمد جميل منصور حزبا جديدا وأعلن أيضا عن دعمه للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
4- بيرام الداه اعبيد
من مواليد عام 1965 ويحمل شهادة الدراسات المعمقة في التاريخ، وعمل في أروقة المحاكم ككاتب ضبط منذ عام 1988.
وقد برز نجمه السياسي عام 2007 حيث كان ناطقا إعلاميا في حملة المرشح الرئاسي حينها الزين ولد زيدان.
وبعد ذلك عارض الرؤساء وصادقهم ثم عارضهم ورفع شعار محاربة الفساد واختلاس الأموال العمومية بالإضافة لقضيته الجوهرية المتمثلة في مناهضة العبودية ومحاربة آثار الاسترقاق.
وفي سبيل قضيته، تعرفت عليه السجون أكثر من مرة، وانتخب نائبا في البرلمان مرتين متتاليتين.
وفي 24 أبريل/نيسان الماضي أعلن برام في مهرجان حاشد ترشحه لرئاسيات 29 يونيو/حزيران المقبل، ووصف نفسه بمرشح القطيعة مع أكلة المال العام.
وسبق لولد اعبيد أن ترشح في انتخابات 2014، وكذا انتخابات 2019 التي حصد فيها المركز الثاني بنسبة 18.58%.
ويمتلك بيرام خطابا مؤثرا إذ يركز على الفساد والرشوة والنفوذ القبلي، لكنه يواجه صعوبات تتمثل في حرقه للكتب الفقهية ووصفه لعدد من العلماء برموز السوء.
5- العيد ولد امبارك
العيد ولد محمدن امبارك محامي وسياسي صاعد ومن مواليد عام 1979 وانتسب للهيئة الوطنية للمحامين في عام 2006.
انتخب نائبا في البرلمان عام 2018، وتم اختياره عضوا ونائبا لرئيس محكمة العدل السامية، وأعيد انتخابه في البرلمان سنة 2023.
ويحظى ولد محمدن بعلاقات جيدة في الوسط الأكاديمي والحقوقي ويتميز بخطابه المعتدل في القضايا الوطنية.
ورغم انتمائه للمعارضة، فإن الأوساط السياسية الموريتانية تعتبره غير بعيد من الدائرة المقربة من النظام الحاكم.
ويواجه العيد تحديات متعددة تتمثل في انعدام التجربة داخل السلطة، إذ لم يسبق له أن تقلد منصبا حكوميا، كما أن تعدد المرشحين من صفوف المعارضة قد يقلص من عدد الأصوات الداعمة له.
6- ولد عبد العزيز.. الرئيس السجين
ومن أبرز المترشحين للانتخابات المرتقبة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الذي يقبع في السجن منذ عامين.
وبعد خروجه من الحكم، اتهمته لجنة تحقيق برلمانية بإساءة استخدام السلطة واختلاس الأموال العمومية، وحكمت عليه محكمة ابتدائية بالسجن 5 سنوات ومصادرة الممتلكات المتحصل عليها بطرق غير شرعية، وهو الأمر الذي نفاه أنصاره واعتبروا أنه ضحية لتوجهاته السياسية.
ورغم أن ولد عبد العزيز حصل من القضاء على شهادة السلامة من السوابق العدلية التي تعتبر شرطا في قبول ملف الترشح، فإنه قد يصطدم بالدستور الذي ينص على أن الرئيس ينتخب لولايتين فقط.
لكن فريقه القانوني يرى أن النص الدستوري يمنع أكثر من ولايتين متتاليتين فقط، وليس لديه مانع من الترشح لولاية ثالثة منفصلة.
شخصيات أخرىوفي السباق الرئاسي شخصيات سياسية أخرى جديدة على المشهد السياسي، ولم يسبق لها أن انتخبت في البرلمان أو البلديات.
ومن أبرز تلك الأسماء التي أعلنت رسميا عن ترشحها الأستاذ الجامعي الدكتور نور الدين ولد محمدو، والدكتور محمد ولد الشيخ، والسياسي والقانوني هارون ولد الشيخ سيديا.
ورغم أن الشخصيات المذكورة ما زالت تبحث عن توقيع المنتخبين المحليين لإكمال شروط الترشح فإن أصواتها ستكون مرجحة لمن تسانده إذا لم تحسم النتائج في الجولة الأولى.
مآلات المشهدوتأتي الانتخابات الحالية في ظل تحولات جديدة على المشهد السياسي الموريتاني، إذ أعلن رأس المعارضة التقليدية ورئيس تكتل القوى الديمقراطية أحمد ولد داداه دعمه للرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني وانخراطه في صفوف الموالاة، فيما أعلن رئيس حزب اتحاد قوى التقدم والمرشح السابق للرئاسيات الدكتور محمد ولد مولود دعمه للمحامي العيد ولد امبارك.
وضمن هذه التحولات التي تربك قراءة المشهد السياسي ونتائجه، يأتي انسحاب عدد من رموز الإسلاميين المحسوبين على الإخوان من صف المعارضة والتنسيق مع المرشح والرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني.
وقد طالب عدد من المتسابقين للقصر بضرورة نزاهة الانتخابات وحذروا من التزوير والتلاعب بإرادة الناخبين.
ويرى المحلل السياسي الدكتور محمد ولد عبد الله أن زيادة الوعي السياسي واهتمام الشباب بالمشاركة في الانتخابات يجعل التخمين بشأن نتائج الانتخابات أمرا بالغ الصعوبة.
وفي حديث للجزيرة نت، قال ولد عبد الله إنه رغم الوعي الشبابي واهتمام المواطن بالقضايا السياسية فإن مرشح النظام سيكون الأوفر حظا بفعل سيطرة الدولة على أدوات التأثير التقليدية المتمثلة في شيوخ القبائل ورجال الأعمال.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات محمد ولد الشیخ الغزوانی المشهد السیاسی ولد عبد العزیز ولد الغزوانی محمد ولد عبد فی البرلمان السابق محمد عدد من
إقرأ أيضاً:
انتخابات القضاة بالمكسيك.. بدعة ديمقراطية أم خدعة سياسية؟
في تجربة نادرة، توجّه المكسيكيون أول أمس الأحد إلى مراكز الاقتراع في 19 ولاية من إجمالي 32، لاختيار 2681 قاضيا على المستوى الفدرالي والمحلي، بمن فيهم قضاة المحكمة العليا والهيئة الانتخابية، كخطوة أولى تتبعها انتخابات ثانية في الولايات المتبقية في 2027.
واعتبر الرئيس السابق أندريس مانويل لوبيز أوبرادور (أملو) والرئيسة الحالية كلوديا شينباوم هذه الانتخابات سابقة ديمقراطية تعكس مستوى الشفافية والموضوعية التي يقدّسها حزبهما الحاكم "مورينا"، في المقابل ترى قوى اليمين أنها خدعة شعبوية لتعزيز الفساد والتسييس ودعت لمقاطعتها.
وسواء صدقت نوايا الرئيسة الحالية وحزبها، أو قراءة المعارضة، فإن الإلمام بأهم تفاصيل هذه الخطوة التاريخية يعتبر أداة ضرورية للتمكن من إطلاق حكم موضوعي بشأنها.
تأتي هذه الانتخابات في إطار برنامج إصلاح قضائي اقترحه الرئيس السابق أوبرادور خلال فترته الانتخابية وصادق عليه البرلمان في سبتمبر/أيلول الماضي، على أساس إدماج السلطة القضائية في دائرة الاختيار المباشر من قِبل الناخبين تماما كالسلطة التنفيذية والتشريعية، وتحقيق "ثورة ديمقراطية شاملة"، حسب قوله.
وتهدف هذه المبادرة إلى وضع حدّ لنفوذ الأقلية الأوليغارشية المتغلغلة في مفاصل الدولة ومكافحة ظاهرة الفساد والمحسوبية، في بلد ترتع فيه أخطر عصابات المخدرات والجريمة المنظمة وتملك آليات قوية لتطويع القضاء.
ورغم أن برنامج الإصلاح القضائي المصادق عليه يتضمن جملة من النقاط المهمة، فإن الآلة الإعلامية في المكسيك نجحت في شيطنة الحدث وتصدير تلك الصورة "السلبية" إلى العالم عبر أغلب وسائل الإعلام، والحال أن هناك نقاطا أخرى إيجابية عديدة تستحق الذكر.
إعلانفالمكسيك ستعتمد منذ يوم الاقتراع على قاعدة تجديد رئاسة المحكمة العليا كل سنتين، وستُخفّض فترة بقاء القضاة المنتخبين في المحكمة من 15 إلى 12 سنة، بالإضافة إلى تقليص رواتبهم، لا سيما راتب رئيس المحكمة الذي كان يفوق راتب رئيس الدولة. أما جلسات المحكمة العليا التي كانت في أغلبها مُغلقة، فسيكون بثّها مباشرا، كعُرف جديد لشكل عملها، كي يضمن للناخبين متابعة أداء القضاة الذين اختاروهم.
وبعكس ما أشيع من نوايا للحزب الحاكم (مورينا) في تركيع السلطة القضائية، فإن معايير الاختيار تكاد تضمن بقاء القضاة في مناصبهم وفق مستوى رضا ناخبيهم فقط، وبغضّ النظر عن توجهاتهم السياسية.
بل إن الهدف الحقيقي وراء هذا، وفقا لبعض خبراء القانون، هو التصدي لممارسات الحروب القضائية الشائعة مؤخرا، والتي تستخدمها التيارات السياسية المتربعة على السلطة للتنكيل بخصومها والانتقام منهم باسم "القانون" لإقصائهم أو رميهم في السجون ودفن طموحاتهم في المنافسة في المستقبل، وهو ما حدث حرفيا في البرازيل ضد رئيسها الحالي لولا دا سيلفا، وما يحدث حاليا ضد رئيس الإكوادور الأسبق رافاييل كوريا ورموز تياره.
وبناء عليه، فإن هذه المبادرة ربما تُفهم على أنها سعي من الحزب الحاكم في المكسيك، الحاصل على مستوى رضا شعبي يشارف على 70% لتحصين رموزه من الحرب القضائية في المستقبل، في حال عودة اليمين إلى السلطة، وهو أمر طبيعي.
تُجمع الانتقادات لفكرة انتخابات القضاة على نقاط عديدة تتمثل أبرزها في صعوبة العملية من الناحية الفنية القانونية، حيث تتطلب عملية الاختيار معرفة جيدة بالمرشحين على المستوى المحلي والفدرالي، ومجهودا فكريا لمتابعة مسيراتهم والتحقق من سلامتها، وهو ما تتفاداه العامة من الناخبين.
إعلانوذلك فضلا عن أن التمويل ممنوع في هذه الانتخابات، ومن ثم فإن الحملات الانتخابية عاجزة عن الوصول إلى الناخب بالشكل السهل الذي اعتاده في الانتخابات الرئاسية أو التشريعية مثلا، إلى جانب أن عملية الاقتراع في حدّ ذاتها قد تستغرق أكثر من 5 دقائق أحيانا للتمييز بين قوائم وأسماء المرشحين.
النقطة الثانية التي نالت زخما إعلاميا بارزا، واتخذتها المعارضة حجة دامغة على فشل فكرة الانتخابات، هي ترشح ما يقارب 20 شخصية مثيرة للجدل وفقا لتقرير لمنظمة "ديفينسور إكس إس"، وعلى رأسهم المحامية سيلفيا ديلغادو التي ترافعت في 2016 عن رئيس عصابة المخدرات الشهير إل تشابو غوسمان. كذلك فرناندو إسكاميّا محامي رئيس عصابة آخر مشهور، وهو ميغال تريفينيو. والمحامي ليوبولدو تشافيز الذي قضى 6 سنوات مسجونا في الولايات المتحدة بتهمة الاتجار بمواد مخدرة.
وهذا ما أدى إلى عزوف 87% من الناخبين عن المشاركة واعتبارها مضيعة للوقت، وفق تقديرهم، غير أن الرئيسة شينباوم اعتبرتها ناجحة جدا، مُذكرة بأن نسبة المشاركة تفوق نصيب المعارضة في انتخابات 2024.
على صعيد آخر، يتصدّر مشهد المعارضة لهذه الانتخابات شخصيات سياسية ومالية وقانونية بارزة، من أشهرهم ريكاردو ساليناس بلييغو، إمبراطور المال والإعلام الشهير في المكسيك، الذي سخّر آلته الإعلامية وأذرعه في المجال القانوني للدعوة لمقاطعة هذه المبادرة، فهو يرى فيها "خدعة" شعبوية من الحزب الحاكم للسيطرة في النهاية على السلطة القضائية.
غير أن الأقلية التي لم تستجب لدعوة المقاطعة ذكّرت بلييغو بأنه يتصدر قائمة المُدانين لدى الجهاز الضريبي في المكسيك، وأن تهرّبه من تسديد هذه الديون يعود إلى نفوذه على المنظومة القضائية الحالية، ومن ثم فإن "شيطنة" هذه المبادرة تؤكد أن الرجل سيكون أكبر متضرر من نظام انتخابات القضاة الجديد، على غرار معارضين آخرين كثر.
إعلانمقابل هذا، يرى داعمو المبادرة أن الرئيس السابق (أملو) عانى كثيرا من التعطيلات القضائية لمقترحات رئاسية "نبيلة"، بسبب هيمنة الطبقة الأوليغارشية على السلطة القضائية لعقود متتالية. ويرى هؤلاء أن اعتماد الانتخابات في اختيار القضاة سوف يقضي على هذه الهيمنة، ويغيّر معايير التعيين من المحسوبية والقرابة إلى الكفاءة ونظافة اليد.
وفي هذا السياق، كشفت منظمة "مكسيكيون ضد الفساد" أن هناك 500 قاض في المحاكم الفدرالية حاليا تمكنوا من تشغيل نحو 7 آلاف من أقاربهم في الدوائر القضائية، ومن بينهم قاض في مدينة "دورانغو" تمكن من توفير مناصب لـ17 من عائلته، وآخر في "نويفو ليون" منح 14 منصبا قضائيا لأقاربه. وهو ما لا تنكره العامة في المكسيك لكنها تعتبره "قدَرًا محسوما لمصلحة اليمين".
للولايات المتحدة تجربة مماثلة لكنها تبقى أضيق من تجربة المكسيك، إذ يختار ناخبو 43 ولاية -من إجمالي 50- القضاة المحليين فيها (مع وجود اختلافات من ولاية إلى أخرى). وفي القارة الأميركية نفسها، نجد بوليفيا التي بدأ البوليفيون في عهد الرئيس الأسبق إيفو موراليس فيها بالتصويت لاختيار القضاة في 4 هيئات دستورية عليا.
أما المثال الثالث، والمختلف نوعا ما، فهو اليابان التي يُجرى فيها استفتاء شعبي كل 10 سنوات لتقييم أداء قضاة المحكمة العليا، والتصويت لاستمرارهم من عدمه.