حذّرت مجلة فورين أفيرز الأميركية من أن الخطوة المفصلية التي اتخذتها تايوان بإغلاق آخر مفاعل نووي لديها في مايو/أيار الماضي، خطوة حساسة جدا، في ظل تصاعد التهديدات الصينية.

وأضافت المجلة، في تقرير مطول بقلم كل من جيم إليس وستيفن شو، أن القرار التايواني الذي أنهى 4 عقود من الاعتماد على الطاقة النووية، جاء تتويجا لمسار طويل بدأ بعد انتهاء الحكم العسكري عام 1987.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كاتب أميركي: على ترامب إدراك ألا أحد يفوز في حرب تجاريةlist 2 of 2إعلام إسرائيلي: العالم يتكتل ضدنا بعد أن اتحد لدعمنا في 7 أكتوبرend of list

وزادت أن الطاقة النووية ارتبطت في أذهان النشطاء الديمقراطيين التايوانيين بالإرث الاستبدادي، وتعززت هذه القناعة مع كارثة فوكوشيما اليابانية عام 2011، ما قوّى الضغط الشعبي الذي نجح في دفع الحكومة لإغلاق 6 مفاعلات نووية، وإيقاف العمل على إنشاء مفاعلين آخرين.

المجلة قالت إن نشاط مناهضي الطاقة النووية بتايوان لا يزال قويا (رويترز)

لكن هذا التحول -تتابع المجلة- ورغم دوافعه البيئية والحقوقية، ترك الجزيرة مكشوفة، وذكرت أن تايوان اليوم تستورد نحو 98% من احتياجاتها الطاقية من الخارج -على شكل نفط وغاز وفحم- مما يجعلها عرضة للابتزاز أو الحصار.

وأوضح التقرير أن خطورة الأمر لا تكمن في الطاقة وحدها، بل في ما تمثّله تايوان من أهمية حيوية لسلاسل الإمداد العالمية، فشركات التكنولوجيا الأميركية تعتمد بشكل شبه كامل على الشرائح الإلكترونية التي تنتجها تايوان، لاسيما في مجال الذكاء الاصطناعي.

وذكرت أنه برغم وجود محاولات لبناء مصانع بديلة في الولايات المتحدة، فإن الثقل الصناعي والمعرفي التايواني لا يمكن تعويضه سريعا.

وقالت إن مصانع الرقائق في تايوان تستهلك كميات ضخمة من الكهرباء، وضربت على ذلك مثلا بشركة "تي إس إم سي" التي تستهلك وحدها 8% من إجمالي الطاقة في البلاد، وهو رقم يعادل تقريبا نصف استهلاك المنازل التايوانية مجتمعة.

وأبرزت أن تايوان تواجه تحديات متعددة في بنيتها التحتية الكهربائية، فالطاقة تُنقل من الجنوب إلى الشمال عبر 3 خطوط جبلية فقط، في ظل احتياطيات كهربائية تقل أحيانا عن 10%، وهو مستوى مقلق حتى بمعايير الدول الصناعية. وقد شهدت البلاد انقطاعات متكررة في الكهرباء، أثّرت بشكل مباشر على مناطق صناعية حساسة مثل حدائق التكنولوجيا.

إعلان

كما أن قدرات التخزين الطاقي -تتابع مجلة أفيرز- ضعيفة، ففي حين تخزن دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية الغاز الطبيعي لفترات تمتد من شهر إلى أكثر، لا تملك تايوان مخزونا يتجاوز 10 أيام فقط، ما يجعلها عرضة لأي اضطراب.

وتوضح فورين أفيرز أنه برغم طموحات الحكومة لبلوغ الحياد الكربوني بحلول 2050، لم تشكل الطاقة المتجددة سوى 12% من إجمالي الكهرباء في 2024، وهو أقل بكثير من الهدف المحدد بـ20% لعام 2025.

ويرجع ذلك إلى قيود تنظيمية، وارتفاع التكاليف، ورفض المجتمعات المحلية إنشاء مشاريع الطاقة في مناطقها. وبحسب المجلة، يرى مراقبون أن تايوان تسير على خطى ألمانيا، التي أغلقت مفاعلاتها النووية واعتمدت على الغاز الروسي، قبل أن تجد نفسها في مأزق بعد غزو أوكرانيا، غير أن تايوان لا تزال تملك فرصة لتصحيح المسار، يوضح التقرير.

وقالت إن استطلاع رأي أجرته "كومنويلث ماغازين" التايوانية في أغسطس/آب 2024 أظهر أن 70% من التايوانيين يؤيدون الحفاظ على الطاقة النووية، وهو تحول لافت للرأي العام، إلا أن المعارضة النووية، وإن كانت أقلية، لا تزال منظمة ومؤثرة في النظام الديمقراطي.

أمن الطاقة في تايوان لم يعد شأنا بيئيا فحسب، بل أصبح مسألة سيادية، إذ في ظل تصاعد التوترات مع الصين، قد يكون بقاء النظام الديمقراطي في تايوان مرهونا بقدرتها على توليد الطاقة وتخزينها

الانخراط الأميركي

ونبّه الكاتبان إلى أن الولايات المتحدة إذا أرادت ضمان الوصول إلى رقائق الذكاء الاصطناعي التايوانية، وتجنب أزمة جيوسياسية مع الصين، فعليها أن تساعد تايوان في تعزيز أمنها الطاقي، سواء عبر تحسين التخزين أو دعم العودة للطاقة النووية.

وأوضح التقرير أن الخبراء يدعون إلى دور فعّال لواشنطن في مساعدة تايبيه على تقييم خياراتها الطاقية من جديد، وذكروا أنه منذ 9 سنوات لم تُحدّث إدارة معلومات الطاقة الأميركية بياناتها عن تايوان.

كما أنهم يطالبون بتعاون فني لإعادة تشغيل مفاعلات مغلقة، وبحث إمكانية استخدام مفاعلات صغيرة من الجيل الجديد أكثر أمانا وكفاءة، وذلك إلى جانب تأسيس مجموعة عمل مشتركة بين الولايات المتحدة وتايوان لتسريع تطوير قدرات التخزين والتصدير في قطاع الغاز.

وتؤكد المجلة أن أمن الطاقة في تايوان لم يعد شأنا بيئيا فحسب، بل أصبح مسألة سيادية، إذ في ظل تصاعد التوترات في مضيق تايوان، قد يكون بقاء النظام الديمقراطي في الجزيرة مرهونا بقدرتها على توليد الطاقة وتخزينها، بعيدا عن رحمة الرياح الجيوسياسية التي تهدد المنطقة بشكل مستمر.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات ترجمات الطاقة النوویة أن تایوان فی تایوان الطاقة فی

إقرأ أيضاً:

المجتمع المدني ودوره في إفشال الانتقال الديمقراطي في تونس

بصرف النظر عن موقفنا من مسارات الثورة التونسية سواء من جهة دسترة مطالبها ومأسستها أو من جهة مساراتها ومآلاتها، فإن اختلاف النخب بعد "تصحيح المسار" على توصيف "عشرية الانتقال الديمقراطي" لا يمكن أن يُنسينا الإجماع السابق للأغلب الأعم من الفاعلين على تلك التسمية. فقبل عملية الفرز الجذري التي أعقبت إعلان الرئيس قيس سعيد عن إجراءات 25 تموز/ يوليو 2021، لم يكن هناك خلاف جوهري بين النخب على مصطلح الانتقال الديمقراطي باعتباره الإطار النظري العام للتأسيس الجديد. وليس يعنينا في هذا المقال أن ننخرط في السجال العمومي حول طبيعة تلك العشرية -هل كانت فاصلة ديمقراطية أم كانت عشرية سوداء- بقدر ما يهمنا أن نتساءل عن دور المجتمع المدني ومنظماته الحقوقية والنقابية والثقافية والإعلامية في إفشال الانتقال الديمقراطي.. الخ، أي عن دور "الفاعل المدني" في السردية المُتونسة للانتقال الديمقراطي، تلك السردية الفاشلة التي حرصت على اختزال الإصلاح المطلوب في الحقلين السياسي والاقتصادي دون سائر الحقول الاجتماعية.

بعد انتقال المبادرة السياسية إلى قصر قرطاج، حاول السيد إلياس الفخفاخ، رئيس الوزراء المعيّن، أن يربط شرعيته بوعود إصلاحية مرتبطة بالوضع الاقتصادي أساسا. وهو ما يعني ضمنيا مصادرته على اكتمال الانتقال السياسي ورسوخه، وعدم وجود أي تهديدات وجودية للديمقراطية التمثيلية وأجسامها الوسيطة. ولم يكن السيد الفخفاخ يعي أن تعيينه ذاته على رأس ما سُمي بحكومة الرئيس كان دليلا على فشل الانتقال الديمقراطي سياسيا. فشرعيته لم تعد مستمدة من المجلس النيابي إلا شكليا، ذلك أن سلطته أصبحت امتدادا لسلطة رئيس الجمهورية، مما آذن بتحول منصب رئيس الحكومة إلى منصب الوزير الأول بالمعنى المعروف في نظام الحزب الواحد -أي النظام الرئاسوي- قبل الثورة. لقد كان اختيار السيد الفخفاخ من خارج ترشيحات الحزب الأغلبي في البرلمان وبدعم من الحزام السياسي للرئيس؛ مؤشرا على انتقال مركز الحقل السياسي من البرلمان إلى رئاسة الجمهورية، وهو ما سيتأكد بعد عزل السيد الفخفاخ وتعيين السيد هشام المشيشي وما أعقب ذلك من أحداث كان مستقرّها إجراءات 25 تموز/ يوليو 2021.

إن اختزال قوة الرئيس في الحزام السياسي داخل البرلمان وخارجه هو أمر مجانب للصواب، فتلك المساندة السياسية لم تكن لتسمح له بتهميش الحزب الأغلبي -حركة النهضة- دون وجود حزام مدني داخل "الطيف الحداثي" ومنظماته الإعلامية والحقوقية والنقابية والثقافية وغيرها. ورغم أن الرئيس لم يخلق هذا الحزام -بل رغم حرصه على اتخاذ مسافة منه وعدم التماهي معه منذ أن كان "خبيرا دستوريا"- فإنه قد نجح في توظيفه قبل "الإجراءات" وبعدها. وهو نجاح يمكن رده إلى الالتقاء الاستراتيجي بين الطرفين من جهة الموقف من "الثورة" ومن "الانتقال الديمقراطي" ومن "الإسلام السياسي السُّني"، ومن العديد من القضايا/المحاور الإقليمية. لقد رأت "القوى الحداثية" بمختلف مكوناتها السياسية والمدنية في الرئيس "منقذا" من "الإسلام السياسي" ومن الديمقراطية التمثيلية التي تجعله يحتل المركز فيها، ولكنها لم تر فيه -أو رفضت أن ترى فيه لغلبة منطق الرغية- مشروعا ينهي الحاجة إليها هي نفسها، أو على الأقل يعيدها إلى مربع المناشدة و"رفع التحديات".

لم تكن أغلب تلك القوى الحداثية -حتى قبل تصحيح المسار- تعارض تغيير النظام البرلماني المعدّل بنظام رئاسي يعيد هندسة المشهد السياسي ويجعل مركز القرار يخرج من المجلس النيابي؛ تجنبا لأي دور محوري قد يكون لحركة النهضة في صناعة القرار السيادي. فأغلب مكونات العائلة الديمقراطية لم تنظر إلى الانتقال الديمقراطي باعتباره مشروعا للخروج من منظومة الاستبداد والفساد، بقدر ما تعاملت معه باعتباره مشروعا للدفاع عن الأساطير المؤسسة للدولة-الأمة ولما يُسمى بـ"النمط المجتمعي التونسي" في مواجهة مشروع "الأسلمة" أو "الأخونة". وهو ما جعل المجتمع المدني بمختلف مكوناته "الحداثية" يتحول إلى واجهة جديدة للمنظومة القديمة، وإلى حليف موضوعي لنواتها الصلبة خلال المرحلة التأسيسية، أي خلال تلك المرحلة التي فرض فيها الرأي العام على ورثة المنظومة القديمة الاشتغال في الظل ومن خلف ستارة "القوى الحداثية". وقد كان للمجتمع المدني -خاصة النقابات والإعلام والمنظمات الحقوقية- دور مركزي في تغذية الصرعات الهوياتية وفي حرف الصراع عن مداراته القيمية والاجتماعية والاقتصادية، كما كان له دور أساسي في "إعادة تدوير" رموز المنظومة القديمة في العمل النقابي والسياسي والإعلامي باعتبارهم "مناضلين" ضد مشروع الأخونة في الظاهر، وضد أي إعادة تفاوض على المشترك الوطني أو أي تهديد للنواة الصلبة لمنظومة الاستعمار الداخلي في الواقع.

منذ المرحلة التأسيسية كان المجتمع المدني بمختلف مكوناته هو القاطرة الأساسية لمشروع الانقلاب على الثورة. وهو انقلاب لا يمكن رده فقط إلى ارتباط الكثير من المنظمات المدنية بالنظام القديم وطبيعتها الوظيفية فيه، ولا يمكن اختزالها أيضا في تشكيك العديد من السرديات "الحداثية" في "الثورة" ووصمها بـ"العبرية"، بقدر ما نستطيع ربطها بـ"مصفوفة مشاعر" -لا مصالح بالضرورة- حددت مفهومي الصديق والعدو منذ المرحلة التأسيسية إلى زمننا هذا.

وإذا كان سبينوزا يعلمنا أن كل شيء مرتبط جذريا بالسياسة، وإذا كان وجود العدو -حسب كارل سميث- ضروريا في ممارسة السياسة بمعناها العام، فإن "المجتمع المدني" لم يجد عدوا نموذجيا أفضل من "الإسلام السياسي. إنه في كل السرديات "الديمقراطية" عدو "وجودي" لشخوص "الحداثيين" و"قيمهم" الحقيقية والمتخيلة، وهو "الخارج المطلق" على حد تعبير جاك دريدا، أي ذلك الخارج الذي يحدد هوية الداخل ويذوّب الفروقات الجزئية بين مكوناته. ولا داخل في "بلاد النمط" غير "القوى الحداثية" التي حكمت الدولة منذ الاستقلال الصوري عن فرنسا، والتي لا مشكلة "وجودية" لديها مع ورثة المنظومة القديمة باعتبار المشترك "الحداثي" بينهم، وباعتبار تناقضهم جميعا مع حركة النهضة وباقي حركات الإسلام السياسي.

إن ثنائية التناقض الرئيس والتناقض الثانوي ليست إلا ثنائية فرعية في سرديات سياسية تحكمها ثنائية الصديق والعدو، وهي ثنائية محكومة بمصفوفة مشاعر وصور نمطية وادعاءات ذاتية أكثر مما هي محكومة بأفكار ومصالح. فبمنطق الأفكار، فإنه لا شيء يبرر الانقلاب على الإرادة الشعبية ممن يدّعون "الديمقراطية"، بل ممن جعلوا أنفسهم مرجع المعنى الأعلى في الديمقراطية، أما بمنطق المصالح فإنه لا شيء يمكن أن يبرر انقلاب "القوى المدنية" على تجربة كانوا هم أكبر المستفيدين منها.

إننا أمام خيار "عاطفي" أساسا، وهو خيار دمّر الانتقال الديمقراطي وشيطن مخرجاته بمنطق منع أخونة الدولة واختراقها ونسف مكتسباتها الفردية والجماعية. ولا شك في أن استقراء مسار الانتقال الديمقراطي ينبئنا بأن "المجتمع المدني" كان أقل طرف لامسته فلسفة الانتقال، أو لنقل أقل طرف اعترف بالانكسار البنيوي في منظومة الاستبداد والفساد ومنطق وصاية النخب على المجتمع. فانفتاح الحقل السياسي قانونيا على "الإسلاميين" قد وازاه تحصن أغلب منظمات المجتمع المدني بـ"الطهورية الأيديولوجية" أو التجانس الأيديولوجي الطارد لأي وجود إسلامي صلب هياكله، بل المعادي لأي نشاط مدني ذي مرجعية إسلامية خارج هياكله.

بحكم ارتباطه العضوي بالدولة-الأمة وأساطيرها التأسيسية، وبحكم اشتراكه مع النظام الحاكم قبل الثورة في فلسفته السياسية اللائكية، فإن المجتمع المدني لم يكن قادرا على تمثل الانتقال الديمقراطي بالتعارض مع المنظومة القديمة ونواتها الصلبة، وهو ما تجلى في الخدمات التي قدمها لتلك المنظومة منذ المرحلة التأسيسية. فمنطق "استمرارية الدولة" و"الكفاءات الوطنية" و"مقاومة الأخونة" و"العائلة الديمقراطية"؛ كل ذلك كان خراجه يصبّ في خزائن المنظومة القديمة منذ المرحلة الانتقالية. فـ"التجمعي" صار صديقا وحليفا في "العائلة الديمقراطية"، والمشبوه/الفاسد تمتع بغطاء نقابي وإعلامي بدعوى الدفاع عنه ضد حملات "الإخوان"، و"الأقليات" كلها أصبحت تحت حماية المجتمع المدني، أما الأغلبية فإن إرادتها متلاعب بها من "الإخوان" ومن حلفائهم، وهو ما جعل السيادة الشعبية وصناديق الاقتراع يفقدان شرعيتهما تدريجيا. فإذا كان الشعب هو صاحب السيادة، فإن هذه السيادة لا تتجلى في صناديق الاقتراع، بل في الشارع الذي أسقط الترويكا، وفي إجراءات الرئيس التي أسقطت البرلمان.

المجتمع المدني مثلا كان عائقا مركزيا أمام بناء المشترك الوطني على قواعد مستأنفة، كما كان ظهيرا لمنظومة الاستعمار الداخلي في سعيها لإعادة التموقع والانتشار بعد مرحلة فقدان التوازن الجزئي بعد الثورة. ولو شئنا تكثيف المعنى دون إخلال لقلنا إن النواة الصلبة لمنظومة الاستعمار الداخلي أيديولوجيا ليست الأحزاب، بل هي المجتمع المدني
إننا أمام مفهوم "مُتونس" للسيادة، وهو أمر منطقي إذا ما وضعناه مع غيره من المفاهيم المؤسسة للعقل السياسي الحديث بعد تَونستها، أي بعد تشويهها وجعلها "كلمات سيئة السمعة" على حد تعبير المرحوم عبد الوهاب المسيري، مثل الديمقراطية والحداثة والتقدمية والعمل الحقوقي والخطوط التحريرية، وغيرها من الكلمات التي لا علاقة لها بمعانيها في مجالاتها التداولية الأصلية.

إن اختزال المسؤولية عن فشل الانتقال الديمقراطي في الأحزاب هو طرح مردود على أصحابه، فهذا الفشل هو مسؤولية جماعية تتجاوز الفاعلين السياسيين إلى مجمل الفاعلين الاجتماعيين، خاصة مكونات المجتمع المدني. ورغم إيماننا بتأثير العوامل الخارجية -صراع المحاور الإقليمية- في مسار الانتقال الديمقراطي ومآلاته، فإننا نؤمن بأن العامل المحدد لذلك الفشل كان داخليا بالأساس.

فالمجتمع المدني مثلا كان عائقا مركزيا أمام بناء المشترك الوطني على قواعد مستأنفة، كما كان ظهيرا لمنظومة الاستعمار الداخلي في سعيها لإعادة التموقع والانتشار بعد مرحلة فقدان التوازن الجزئي بعد الثورة. ولو شئنا تكثيف المعنى دون إخلال لقلنا إن النواة الصلبة لمنظومة الاستعمار الداخلي أيديولوجيا ليست الأحزاب، بل هي المجتمع المدني. وهو ما أكده دور المنظمات المدنية -خاصة النقابات والإعلام والرابطة التونسية لحقوق الانسان وعمادة المحامين والجمعيات النسوية.. الخ- في إفساد الانتقال الديمقراطي وفي إنضاج الشروط الفكرية والموضوعية لإجراءات 25 تموز/ يوليو.

ورغم التباس العلاقة بين المجتمع المدني و"تصحيح المسار" -بل رغم توترها في سياقات معينة- فإنها علاقة لم تخرج ولا يبدو أن ستخرج من منطق الولاء النقدي للنظام، من جهة تلك المكونات، والتوظيف الجزئي للمجتمع المدني دون الشراكة معه، من جهة النظام الحاكم. وهي وضعية قد يكون من المفيد أن نتذكر أنها لا تختلف كثيرا عن وضعيات سابقة خلال مرحلتي الحكم التجمعية والدستورية مع بعض الاختلافات التي لا تمس جوهر العلاقة ومحدداتها الأساسية.

x.com/adel_arabi21

مقالات مشابهة

  • سليم سحاب: إعادة إحياء مسرح البالون وفرقة رضا للحفاظ على التراث الشعبي
  • ترامب: غواصاتنا النووية أقرب إلى روسيا
  • وزير الطاقة التركي: يمكن تصدير ما يصل إلى 2 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي لسوريا سنوياً وهذه الكمية ستلبي احتياجات 5 ملايين أسرة من الكهرباء
  • وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار: تصدير الكهرباء إلى سوريا يتم عبر 8 نقاط مختلفة ومن المنتظر زيادة قدرة التصدير بنسبة 25 بالمئة أولاً وإلى أكثر من الضعف لاحقاً
  • المجتمع المدني ودوره في إفشال الانتقال الديمقراطي في تونس
  • أزمة حادة بين فرنسا والجزائر.. ماذا تعرف عن حرب الحقائب الدبلوماسية؟
  • ذي أتلانتيك: ترامب أصبح يعتقد أن نتنياهو يطيل أمد الحرب بغزة
  • السوداني يوجه بإزالة جميع المعوقات التي تعترض مشاريع الطاقة
  • فورين أفيرز: كيف يفسد نتنياهو فرصة ترامب للسلام؟